سياسيوا وزعماء العراق بين الامس واليوم ؟!!

 
 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / باحث سياسي عراقي

على مدى عقود من الزمن كان السياسي في العراق ينظر اليه على أنه المنقذ من الظلال , وكان محاطا في نفوس الجميع كبارا وصغارا بهالة من التبجيل والاحترام . كان يشار اليه بالبنان لانه صاحب فكر خلاق يهدف الى أنقاذ المجتمع من براثن التخلف والعبودية والاستعمار , ويسعى جاهدا للنهوض به , ويضحي بالغالي والنفيس من أجله على حساب اهله وعائلته وعشيرته , وشعاره الوحيد هو يجب أن يكون أول من يضحي واخر من يستفيد , لاطلاق عنده بين القول والعمل , ولابين الاهداف والوسائل , ولايعرف الاجندات الاقليمية اوالدولية , وعمله خالصا لوجه شعبه , وكان بحق نموجا لفكره , فلاعجب أن ينظم العراقيون الى تلك الاطر الفكرية التي أجتاحت الساحة السياسية العراقية , قومية ويسارية ووطنية, بمختلف شرائحهم ومشاربهم وطوائفهم واقلياتهم , لان الجامع الاكبر الذي هو الهوية الوطنية كان موجودا في هذه الاحزاب ,وقد نجحت في ان تكون خير معبر عن الوحدة الوطنية وأن تكون بوتقة صالحة لصهر الجميع في منظوماتها الفكرية واطرها التنظيمية العابرة لحدود الطوائف والاعراق .


أما وجهاء القوم من زعماء قبائل وشيوخ عشائر , فكانوا هم أيضا دعاة وحدة وأنسجام مجتمعي . كان شيخ العشيرة صمام أمان للجميع , وكان يسخر سلطاته المعنوية والمادية لخير الناس ولم شملهم , وينظر الى سلطاته المعنوية على انها ليست محددة بفئة من الناس يدعون (ال فلان) بل أنها تتجاوز هذا الوصف الى أبعد منه , لتصل الى كل الناس الذي يقطنون هذه الارض المسماة الوطن على أعتبار أنهم في مواجهة نفس المصير , ولهم نفس التاريخ والدين واللغة , لذلك كان عندما يجلس لاطفاء نار مشكلة بين عشيرته واخرى , فانه ينطلق من نظرة انسانية شمولية لاضيقة محدودة ,فينظر الى الاخرين على أنهم ابناء عمومته ,ويستحضر كل هذه المشتركات العامة عند أيجاده الحل . أما عندما تحين ساعة الحسم وتتعرض هامة الوطن للاذى أو الاغتصاب, فانه يكون أماما يؤتم به وراية سباقة للتضحية والفداء ,وسيفا مشرعا لمكارم الافعال , ولاشيء في عقله وقلبه الا أعطاء النموذج الحي أمام القوم على نكران الذات في سبيل المجموع , لذلك برزت أسماء لامعة في تاريخ العراق لزعماء قبائل وشيوخ عشائر, لازلنا نتغنى بمأثرهم البطولية , حينما أستلوا سيوفهم في وجه الاحتلال البريطاني طمعا في ابقاء العراق واحدا موحدا , لاطمعا في منصب أو جاه أو مركز .


واذا كان العراق كتاريخ وحضارة وبنى مادية , قد تعرض للتدمير والاحتلال في 9 نيسان في العام 2003 في أكبر هجمة هولاكية تترية بوشية , وماتلاها من أعوام عجاف حرقت النسل والحرث , فان القيم الاجتماعية والمفاهيم الاخلاقية والمنظومات التربوية التي تشكل الاسس والركائز المعنوية للبنى التحتية للانسان العراقي , قد أصابها التدمير أيضا ولم تكن في مناى عن المخطط الاستراتيجي الامريكي الصهيوني الايراني , الذي أستهدف العقل قبل النقل والبصيرة قبل البصر , حيث حفلت المنظومة الفكرية والتطبيقية التي جلبها المحتل والتي سميت ب (العملية السياسية ) بالكثير من المفاهيم التقسيمية التفتيتية التي تستهدف النسيج الاجتماعي العراقي ومخزون الاخلاق المجتمعي الذي تراكم عبر الاف السنين بين أبناء الوطن الواحد , بل لانغالي أذا قلنا بان الاستهداف لهذه القيم قد سبق الفعل العسكري الواسع في 9 نيسان 2003 , وذلك في العام 1991 عندما فرضوا حظر الطيران في خطوط العرض في شمال وجنوب العراق , محاولين تسميم أفكار الناس بانهم يتعرضون الى أضطهاد من قبل أخوانهم الاخرين , وانهم أكثرية مظلومة واقلية مقموعه . أما الحاكم الامريكي (بريمر) فقد كان واضحا في مناشداته لهذه الطائفة أو تلك , وتحذيراته لهذه القومية وتلك , من مغبة التهاون في استحصال ماسماها حقوق الطوائف والاقليات , بل كان يسعى الى أيهام بعض المكونات العراقية بان لهم ثأرا مع أخوانهم يجب ان لاينسوه .


ولانهم واثقون من ان فعلهم خائب أمام أصرار الشعب العراقي , وسلامة وحدة أواصره , وأن منظومة الافكار الشريرة التي يرومون تطبيقها قد فشلت, فقد أوعزوا لادواتهم ممن يدعون زعماء أحزاب سياسية ولدت وترعرعت ومولت من قبلهم للشروع بالتطبيق , فظهر لنا سياسيون من نمط جديد , يمارسون الدعارة السياسية ويتاجرون بدماء أهلهم ويقسمون العراق حصصا بينهم ويزرعون الدمار في ربوعه خدمة لاجندات خارجية , ويستبيحون ثرواته ويسرقون اموال الشعب في وضح النهار , ويشترون القصور في اغلى مناطق العالم ,وان أختلفوا على القسمة فانهم لايتورعون عن تفجير حتى المؤسسات التي تتشكل منها دولتهم التي يحكمون , ومازالوا مصرين على أنهم يمثلون الدين والمذهب والقومية .


كما ظهر لنا زعماء قبائل وشيوخ عشائر يرقصون مع قادة الاحتلال , وينحرون الذبائح لقدومه الى مضاربهم , منفوخة أوداجهم من الولائم التي يقيمونها لقادة الاحتلال , ومن الملايين التي تضمها حساباتهم في دول الجوار , من المقاولات التجارية المشبوهة التي ينعم بها المحتل عليهم , وصاروا يسكنون فنادق الدرجة الاولى عند سفرهم, ويغتصبون دورا سكنية في بغداد تعود لقادة وطنيين مدنيين وعسكريين , حملوا أرواحهم على أكفهم للدفاع عن العراق , سواء في الحرب العراقية الايرانية أو في غيرها , ليقيموا فيها حفلاتهم الليلية الحمراء , ويرفضون حتى دفع بدلات الايجار , بينما اصحابها أسرى لدى المحتل أو مهجرين في بقاع الارض تعاني عوائلهم من شظف العيش ,أو أستشهدوا في سبيل الله والوطن .


فاين هؤلاء من عبد الواحد الحاج سكر, وضاري المحمود, وشعلان ابو الجون وغيرهم الذين أستلوا سيوفهم دفاعا عن شرف العراق, ولم يخرجوا بعد ذلك مطالبين ثمنا لموقفهم منصبا أو مال أو جاه , كما يفعل اليوم غيرهم ممن شنفوا أسماعنا ببطولاتهم في الانبار ثم تراشقوا فيما بينهم باتفه العبارات متنازعين على المناصب في انتخابات مجلس المحافظة , ويتفاخرون الان بانهم قرروا الائتلاف مع مايسمى دولة القانون والائتلاف الموحد, متنصلين من الموقف الوطني بحثا عن المال .


أن موقف زعماء وشيوخ العراق الذين قاطعوا لقاء مايسمى (رئيس وزراء العراق) في زيارته الاخيرة الى سورية , وأعلانهم ( بانه لايمثل الشعب العراقي في بلد محتل ليس لديه سيادة , وأن المصالحة معه صعبة جدا لانه يمد يده للاحتلال وبلد مجاور ), أنما هو صوت وطني حقيقي يعبر عن موقف مسؤول تجاه وطن مستلب , أنتهكت فيه الحرمات والاعراض , وان هؤلاء الرجال الذين يمثلون قيم العراق الاصيلة لابد أن يكون موقفهم هكذا كما سمعناه منسجما مع أمال أهلهم في العراق .


أن المأساة التي حلت بنا وطنا وشعبا , تتطلب اليوم من جميع الرموز الاجتماعية والوطنية أستحضار كل القيم الوطنية التي حفل بها تاريخنا , والابتعاد عن المصالح الذاتية , والتكاتف مع القوى التي تصول في الميدان , من قوى المقاومة الوطنية والقومية والاسلامية , وحشد الجهود للنهوض بالعراق فواقع الحال لايعالج بالمواقف الترقيعية , وان المخطط الامريكي يستلزم ثورة شعبية عارمة , وجهدا وطنيا حقيقيا يجب أن يفتي به رجال الدين الاجلاء وزعماء وشيوخ قبائل وعشائر العراق الاكارم , فالوطن للجميع والمسؤولية مشتركة .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٢ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / أب / ٢٠٠٩ م