تسمونه ( قرقاعون ) ونسميه ( ماجينة )

 
 

شبكة المنصور

سلام الشماع

تسمونها أنتم في البحرين (قرقاعون)، ويسمونها في قطر (قرنقعوه)، وفي الكويت والسعودية (القريقعان)، وفي سلطنة عُمان يسمونها (القرنقشوه)، وفي الإمارات العربية المتحدة يسمونها (من حق الليلة).

 

أما في العراق فنسميها (الماجينة). ولكن هذا التقليد الرمضاني الطفولي الجميل مهما اختلفت أسماؤه يبقى مضمونه واحداً في جميع هذه البلدان الشقيقة، وقد سمعت باسم (القرقاعون) أول مرة من النائب الأستاذ الصديق إبراهيم بوصندل وهو يتحدث عنه في مجلس (سيادي) الذي أرتاده مع الصديق جعفر الدرازي، وقد حزنت لأني منذ مدة في البحرين ولا أعرف ما (القرقاعون)، ولكن باستفاضة بوصندل بشرحه عرفت أن القرعاعون ما هو إلا (الماجينة) في العراق... وزاد في معرفتي له الأستاذ عبدالعزيز العلوي (ابو جمال)، حين أورد دعاء الأطفال لمن يعطيهم شيئاً من الحلوى في الصحن العميق (الطاسة) الذي يحملونه، وهو: سلم ولدهم يا الله... وخله لأمه يا الله... اييب المكده يا الله... ويحطها بجم امه يا الله... يا شفيع لأمه... الخ...

 

وهذا الدعاء يختلف لدى أطفال العراق، الذي يقول: الله يخلي راعي البيت... الله يخلي ابنكم (يسمونه بالاسم)... الخ.  أوضح بوصندل في تلك الليلة الرمضانية أن القرقاعون من أهم المناسبات عند الأطفال في المجتمع الخليجي، وأن معنى الكلمة لغة هو (قرة العين في هذا الشهر) وبمرور الزمان تحورت الكلمة وصارت تنطق قرقاعون أو قريقعان.  وإذا كان هذا هو معنى قرقاعون، فإني لم أعرف أصل كلمة (ماجينة)، على الرغم من علاقاتي المتينة بالفلكلوريين العراقيين أمثال العلامة الراحل الدكتور حسين علي محفوظ والعلامة المرحوم الشيخ جلال الحنفي والأستاذ فوزي عبدالرسول والتراثي الكبير المرحوم عزيز الحجية وآخرين، ولا أدري لمَ لم أسأل واحداً منهم عن معناها، وأرجو ممن لديه مثل هذه المعلومة أن يزودني بها. تقول انشودة الماجينة التي يرددها الأطفال العراقيون: ماجينا يا ماجينا حلّي الكيس وانطينا... انطونا الله ينطيكم ولبيت مكة يوديكم... واذا طال عليهم الوقوف ولم يخرج اليهم صاحب الدار يصرخون بأعلى أصواتهم: (يا اهل السطوح تنطونا لو نروح)، فيخرج اصحاب الدور ويعطونهم ما لديهم من حلويات ونقود وفواكه وكليجة (معجنات)، وبعض أصحاب الدور هؤلاء لا يعطيهم شيئاً وانما يسكب الماء عليهم من فوق السطح، فيهرع الاطفال هاربين وهم يرددون: (جبوا علينه الماي... يا بيت الفر)، أي سكبوا علينا الماء بيت الفقر... وهذه وصمة ثقيلة لأصحاب البيت البخلاء.  الآن، ومنذ بداية الاحتلال، اختفى هذا التقليد الجميل في بغداد، فالناس شغلتهم عنه التفجيرات والجرائم الكبرى المرتكبة في العراق، التي يروح ضحيتها المئات في كل مرة، وربما خاف الأطفال أن تذهب بهم وبماجينتهم عبوة ناسفة أو ارهابي يرتدي حزاماً ناسفا، بل حتى نشيد الماجينة غيروه فأصبح هكذا: “ماجينه يا ماجينه... ليش العالم ناسينه... بس احنه نفكر بالناس... شو محد فكر بينه... يارب انت راعي البيت... احفظنه واحفظ هالبيت... دينه الباب برمضان... بس دوه ردنه من الجيران... يا اهل السطوح... جيرانكم مجروح... وابن الجيران الحباب... اجه يركض فتحنه الباب... بس فجر نفسه علينه” ولا يخفى على الفطن اللبيب مغزى هذا الكلام. ولكن هذا التقليد صعب نسيانه، وسيعود بعد استتباب الأمن في العراق... قولوا: إن شاء الله. وليس أجمل من العشرة الأخيرة من رمضان، وقد حدثني، مرة، التراثي الكبير المرحوم عزيز الحجية بقوله: رمضان فاتن في لياليه، فبعد صلاة العشاء وصلاة التراويح يذهب بعض البغادة الى المقاهي للتسلي بلعبة المحيبس او لعبة الصينية وبعضهم يقصد اقرباءه او اصدقاءه لقضاء (التعلولة) حتى موعد تناول السحور. اما النساء فتراهن مشغولات بتهيئة ملابس العيد وخياطتها، وقبيل حلوله يبدأ عمل الكليجة (المعجنات المحشوة بالتمر والجوز والسكر)، ويلعب الاولاد والصبيان مع اقرانهم اولاد المحلة (الفريج) في الدرابين (الزرانيق) مختلف الالعاب السائدة في بغداد، وفي اليوم الاخير من شهر رمضان يقف المسلمون فوق السطوح وعلى احواض المنائر لمراقبة هلال شوال وعند رؤيته يودعون رمضان قائلين: الوداع يا شهر رمضان... الوداع يا شهر الطاعة والغفران... وفي ليلة العيد يتناول من كان صائما اكلا خفيفا قبل النوم، وهذا ما يسمى بسحور اليتيمة.  اللهم أعد بهجة رمضان إلى العراق، وأدمها في بلاد المسلمين كافة... قولوا: آمين.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٠ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٠ / أيلول / ٢٠٠٩ م