فلسفة الاستجداء عند بعض العملاء - طارق الهاشمي نموذجاً !

 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

لم يكفّ ساسة عراق العجائب والغرائب عن إثارة الدهشة والفضول من تصرّفاتهم لدى من يتابع شأن هذا البلد المنكوب بهم وبسادتهم الأمريكان. ولم يعد التناقض والتضارب في الأقوال والأفعال هو الميزة الوحيدة التي تجمع بين من أصبحوا بغفلة من الزمن حكّاما أو مسؤولين كبارا في عراق اليوم. بل صارت المبادرات الشخصية, التي غالبا ما تأتي كردّة فعل عاطفية, سياسة ثابتة للدولة لدى البعض منهم. وبكل تأكيد إن دولة كارتونية كالعراق الجديد لا تملك من أمرها شيئا وحكومة لا سلطة لها حتى على منتسبيها لا بمكنها أن تقدّم شيئا لمواطنيها المتضرّرين من الارهاب وسواه غير إستجداء عواطف ودولارات الآخرين, حتى وإن كانت ملطّخة بدماء الشعب العراقي.


في هذا السياق تدخل "مبادرة" ما يُسمى بنائب رئيس الجمهورية, طارق الهاشمي. وإعترف أنني ما زلت أجهل, رغم التطبيل والتزمير والظهور المكثّف عبر الفضائيات, مهام ووظائف وسلطات وصلاحيات رئيس جمهورية العراق الجديد ونائبيه الأثنين. وما إذا كان وجودهم هو فقط من أجل شغل فراغ على مقاعد رئاسية طائفية أو عنصرية أم أن لديهم عملا حقيقيا يُمارسونه كل يوم كما هو حاصل في بقية دول العالم. على كل حال, لقد تفتّق ذهن نائب "رئيس" جمهورية عراق الاحتلال فقام بفتح صندوق خيري لصالح المتصرّرين من الأعمال الارهابية التي حصلت يوم الأربعاء الدامي. فارسل رسالة إستجداء, تصوّرا حجم الخزي والعار, الى من؟ الى شيوخ وأمراء الخليج متناسيا أن هؤلاء بالذات هم أول من فتح أرضه وسماءه وماءه وخزائنه المليئة بالمال الحرام لتسهيل غزو وتدمير العراق.


يقول"فخامة" نائب العميل جلال الطلباني في رساته الى الشركاء في جريمة إحتلال العراق ونهب ثرواته وتشريد أبنائه: "نتيجة الى ما أصاب أهلنا من فاجعة كبيرة يوم الأربعاء الدامي ترقى الى الكارثة الانسانية وبعد الاتكال على الله وبركته قمنا بفتح صندوق خاص بالتعويضات باسم )صندوق إغاثة أهالي الصالحية( مع لجنة خاصة بتقدير الأضرار وأخرى خاصة بالصرف والتعويضات للعوائل المتضررة جراء الهجمات الارهابية". ويُزيد نائب "رئيس" الجمهورية العراقية عارا على عار مبادرته المخجلة فيضيف قائلا:" أناشد فيكم الغيرة العربية آملا أن تقفوا مع شعبكم الصابر في العراق في هذه المحنة الكبيرة والمصاب الجلل, فقد بدأت بالتبرع وفتحه بما مكّنني ربي به - طبعا لم يقل لنا كيف مكّنه ربه وإن كان بالدولارات أو بالدنانير - متمنّيا عليكم مشاركة إخوانكم في العراق بما يخفّف هذا الألم ويشفي الجراح ويغيث الملهوف خاصة ونحن في شهر الله شهر الخيرات والطاعات".
وبغض النظر عن ركاكة الصياغة وسوء إختيار الكلمات وتكرارها, فان رسالة طارق الهاشمي يُفترض بها أن تصدر عن رئيس جمعية خيرية أو منظمة إنسانية لا عن نائب رئيس دولة. وأية دولة يا ترى؟ العراق العظيم! صاحب الخيرات والثروات الطبيعية والبشرية الهائلة والتاريخ الثري بالأبداع والعطاء, والذي كان, حتى يوم غزوه المشؤوم عام 2003, عونا وسندا ونصيرا لكل محتاج ومتصرّر في هذه الدنيا. ولم تتوقّف مكارمه وعطاياه حتى في سنوات الحصار الظالم الذي كان لأصحاب الجلالة والفخامة والسمو, الذين يستجديهم طارق الهاشمي اليوم ويطلب مساعدتهم, دورا أساسيا في تشديد ذلك الحصار وإطالة أمده من أجل إبادة المزيد من العراقيين.


ويمكن للمرء أن يتفهّم النوايا الرمضانية لنائب "رئيس" العراق الجديد, ويدعم مبادرته"الكريمة" لو أنها صدرت في دولة مثل بنغلاديش أو الصومال أو أفغانستان أو جيبوتي. مع إحترامنا للجميع, لكنها تصدر في العراق الذ ي تصل ميزانيته الى أكثر من 60 مليار دولار, فهذا أمر في قمّة المهزلة. ومن حقّ أولئك المتضرّرين الذين يريد طارق الهاشمي المتاجرة بدمائهم ومأساتهم, لغاية في نفس حزبه الغير إسلامي, أن يسألوا فخامته أين تذهب عائدات النفط العراقي وهي بالمليارات؟ وهنا تجدر الاشارة الى أن العراق, حسب البيانات الصادرة عن وزارة النفط, حقّق أعلى نسبة صادرات هذا العام.


ثم ماذا ينتظر طارق الهاشمي من لئام الخليج, خصوصا حكام الكويت, إمارة الحقد والبغضاء والشر؟ وكم من الأموال يتوقّع الحصول عليها من أجلاف وبخلاء ينطبق على أحدهم المثل الشعبي القائل"ما يبول على أيد مجروح". ولو كان لدى نائب "رئيسنا" الغير موقّر شيء من الشرف والمصداقية والاحساس الوطني الحقيقي لتوجّه بمبادرته هذه بفتح "صندوق إغاثة أهالي الصالحية" الى الشعب العراقي نفسه لا الى أعدائه وسارقي نفطه وثرواته الأخرى. وأنّي لعلى يقين بأن العراقيين, رغم الوضع الاقتصادي المأساوي الذي أوصلهم اليه طارق الهاشمي وأمثاله, سوف لا يبخلون بما ملكت أيديهم رغم قلّته من أجل مساعدة أخوانهم المتضرّرين سواء في الصالحية أو في غيرها من مدن العراق المنكوبة.


إن الانسان ليعجب حقّا من أن طارق الهاشمي, وعصابة المنطقة الخضراء في بغداد, ما زال مقتنعا, رغم كلّ المصائب والأهوال والرزايا التي جلبها علينا أصحاب السعادة والجلالة والسمو, منذ الحصار الظالم ومن بعده الاحتلال الأمريكي وحتى يومنا هذا, أن ثمة "غيرة عربية" لدى هؤلاء اللئام الذين وظّفوا كل خزائنهم وعرضهم وأرضهم من أجل أن تصل الأمور بالعراق الى ما هي عليه اليوم. ومن أجل أن يستجدي ما يُسمى بنائب "رئيس" جمهورية العراق عواطفهم المتبلّدة ومشاعرهم الميتة لقاء حفنة من دولارات ملطّخة بدماء أكثر من مليون عراقي بريء. في الوقت الذي تستمر فيه عمليات النهب والسلب والسرقة ليل نهار وبالجملة والمفرد لأموال الشعب العراقي على أيدي وزراء ونواب وساسة العراق الجديد, دون إستثناء.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ١٠ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٣١ / أب / ٢٠٠٩ م