الجُناة الحقيقيون داخل وليس خارج المنطقة الخضراء

 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

من اللافت إن حكام المنطقة الخضراء في بغداد أعلنوا, بعد أربعة أيام تقريبا على وقوع الجريمة المروّعة يوم الاربعاء والتي راح ضحيتها المئات بين قتيل وجريح. بأنهم القوا القبض على"الرأس المدبّر" لتلك الجريمة! وكالعادة, وهذا هو المهم طبعا, تمّ عرض ذلك الراٍس الأصلع على شاشة التلفاز وهو يدلي باعترافاته التي أريد لها أن تنزل بردا وسلاما على قلوب حكام بغداد المحتلّة. ويكاد المرء يُصاب بالحيرة فعلا من إصرارهم البعيد عن المنطق والعقل والأخلاق على توجيه اللوم والاتهام في كلّ ما يحدث في العراق منذ الغزو وحتى هذه اللحظة الى حزب البعث العربي الاشتراكي, مع أنهم يعتبرون أتباع هذا الحزب مجرّد فلول وأيتام ومغرورين وحالمين باعادة عجلة "الديمقراطية" الطائفية الحالية الى الوراء.


وبالرغم من وجود أكثر من ألف علامة إستفهام وسؤال حول ذلك الرجل وما صرّح به من"إعترافات" الاّ أن سؤالا بسيطا يتبادرالى الذهن فورا ألا وهو, إذا كانت لدى حكومة بغداد العميلة قدرات إستخباراتية وفنية ولوجستية خارقة وأنوف ذات حساسية كبيرة أزاء الجرائم والأعمال الارهابية فتلقي القبض على المجرمين بعد عدّة أيام من وقوع الجريمة, فلماذا يا ترى تعجز كلّ قدراتهم وإمكاناتهم وخططهم الأمنية هذه عن منع وقوع التفجيرات أو على الأقل إكتشافها في الوقت المناسب؟


لا أظن أن هناك إنسانا سويّا قادر على تصديق ما تقوله أو تعرضه أو تقدمه أجهزة أمن حكومة بغداد المغلوبة على أمرها حتى وإن قدموا لنا, عبر شاشة التلفاز, مئة شاهد ومعهم خرائطهم وأجهزتهم وجميع الأدلّة الجرمية التي تدينهم. ففي عراق اليوم لا يوجد شيءأسهل وأبسط من التزوير الذي أصبح, بفضل أصحاب السوابق من حكام العراق الحاليين, من أكثر المهن رواجا وإنتفاعا ومهارة. وبديهي إن الانسان يمكن أن يكذب, لمرّة أو مرّتين وتحت ضغط ظروف قاهرة, الاّ أن "قادة" العراق الجديد تجاوزا حدود الكذب والنفاق الى درجة أنهم أنفسهم أصبحوا عاجزين عن تصديق ما يصدر عن بعضهم البعض. ولهذا فان منسوب الاتهامات المتبادلة بين الحكومة والنواب وما يُسمى بالسياسيين إرتفع كثيرا, بعد جريمة الأربعاء الدامي, عن المعدل المعتاد.


وبالرغم من اعتراف "دولة" العميل نوري المالكي الضمني بان ما حصل هو نتيجة التمحور والخلافات السياسية وأزمة الثقة القائمة بين شركاء العملية السياسية الاّ أن آخرين, خصوصا منتسبي الأجهزة الأمنية والعسكرية, ظلّوا يصرّون على توزيع الاتهامات المجانية التي لم يسلم منها أحد. مع أن جميع الأدلة والبراهين والمؤشرات تدلّ بما لا يقبل الشك على تورّط جارة السوء إيران في إرتكاب تلك المجزرة المروّعة عبر أذرعها المختلفة العاملة في العراق. لأن مثل هذه الجرائم لا تتم, حتى وإن شطح بنا الخيال بعيدا, الا بعد تنظيم وتحضير دقيقين ومشاركة فعّالة من قبل أكثر من طرف ومن أهل البيت أنفسهم. لا كما إدّعى "الشاهد"أو الرأس الأصلع المدبّر, الذي عرضه تلفزيون بغداد الحكومي,"بان فلان الفلاني إتصل به من سوريا وقال له أنا مسؤولك وأريد منك أن تقوم بعمل تفيجرات من أجل زعزعة الوضع الأمني في العراق".


ولو دقّقنا النظر في تصريحات الجهات الأمنية المختصّة التابعة لحكومة المنطقة الخضراء لوجدنا فيها تناقضا وتضاربا صارخا سواء فيما يتعلّق بالخطوط العامة للجريمة أو فيما يخصّ التفاصيل. فبالاضافة الى التهم المتبادلة بين شركاء العملية السياسية, وهو أمر طبيعي عادة ما يحصل بين لصوص وقتلة وسماسرة, فان ثمة ما يُوحي عبر إعلامهم المزيّف والمدفوع الأجر والفاقد للمصداقية, بان العراق محاط باعداء من جميع الجهات, وإن الكل عازم على وأد التجربة "الديمقراطية" الفريدة من نوعها في المهد. لكن لا أحد منهم إمتلك الشجاعة والشرف والرجولة, مع أنها معدومة لديهم منذ سنوات طويلة, لألقاء القبض على الجُناة الحقيقيين الذين يتخذون من المنطقة الخضراء المحصّنة قاعدة لهم ولمشاريعهم الاجرامية في إبادة العراقيين.


وإذا صدقت الأخبار التي تحدّثت عن إقالة أو إستقالة أو هروب رئيس جهاز المخابرات العراقي اللواء "محمد الشهواني" الى الخارج في خلاف مع حكومة نوري المالكي العميلة حول هوية المجرمين الحقيقيين, وعزمه على فضح إسرار وملابسات جريمة يوم الاربعاء الدامي, وربما جرائم وإنتهاكات أخرى بحق الشعب العراقي, فانه من المضحك والمثير للسخرية بل والغثيان أن يعرض علينا تلفزيون بغداد الطائفي شاهدا أقرع, مرتاح البال طبيعي التصرّف وكأنه في مقابلة تلفزيونية ترفيهية وليس مجرم, ليقول لنا أنه الرأس المدبّر للجريمة. لكن الظاهر ان حكام المنطقة الخضراء لم يدركوا بعد إن مرحلة الضحك على ذقون وعقول العراقيين قد إنتهت منذ عدّة سنوات.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٥ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / أب / ٢٠٠٩ م