أكرادنا ملائكةٌ منزّلون وأكرادهم بشرٌعاديّون !

 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

يجهل معظم الناس هنا في الغرب أن نسبة الأكراد التي تعيش في تركيا هي أكبر بكثير من نسبة جميع ألأكراد المتواجدين في الدول المجاورة. لكنها محرومة من أبسط الحقوق وتعاني من تهميش بعضه مقصود سياسيا وبعضه الآخر ناتج عن عوامل متراكمة من التخلّف والتردّي الإقتصادي والثقافي والإجتماعي لما لا يُحصى من السنين. ومع أن هناك حزب كردي تركي, إرهابي بنظرأمريكا واوروبا وتركيا, في صراع ونزاع مسلّح منذ عقود مع حكومات أنقرة, خلّف آلاف الضحايا من الطرفين, الاّ أن التركيز غالبا ما ينصبّ على أكرادنا في شمال العراق. والذين رفعوا هم أيضا السلاح وفي أكثر من مناسبة في وجه جميع الحكومات العراقية, وتآمروا على العراق وشعبه ومارسوا من الجرائم والانتهاكات والتجاوزات والغطرسة والمتاجرة بالسياسة والسلاح والضمائر, دون أن يصفهم أحد في الغرب"المتحضّر" بالارهابيين أو بالخارجين عن القانون أو بالقتلة المجرمين.
بل إن ما قامت به القيادات الكردية والميليشيات التابعة لها في شمال العراق بعد إحتلاله من بطش وقتل وقمع وتهجير ونهب وسلب للمال العام والخاص, خصوصا بحق العرب والتركمان وغيرهم, لم يمارس"حزب العمال الكردستاني - التركي" حتى الواحد بالمئة منه. لكن الكيل بمكيالين, فيما يخصّ البشر والحكومات والدول, هو سمة خاصّة في السياسة الخارجية بالنسبة لأمريكا واوروبا. ولا حاجة بنا لذكر الكثير من الأمثلة. ويكفينا الاشارة الى ما يعانيه الشعب الفلسطيني من مآسي وأآلام وحرمان مستمر على يد قادة الكيان الصهيوني"واحة الديمقراطية في الشرق" وما يعيشه الشعب العراقي يوميا في جحيم الديمقراطية الأمريكية ذات المخالب والأنياب الحادّة والتي تقطر دماءا بريئة.


وبطبيعة الحال لم يسلم الأكراد, باعتبارهم جزءا لا يتجزأ من نسيج المنطقة, من لعبة المعايير المزدوجة والانتقاءات والأفكار الجاهزة والتمييز على أساس هذا أفضل من ذاك. وبالتالي فان الغالبية العظمى من السياسيين والناس البسطاء, سواء في دولة العم سام أو في أوروبا فقدت القدرة, بعد ان أصيبت بعمى الألوان السياسي, على رؤية عشرات المكاسب التي تحقّقت للأخوة الأكراد في شمال العراق في ظل النظام الوطني الشرعي قبل الاحتلال الأمريكي, ولما يزيد عن ثلاثة عقود. خصوصا في مجالات التعليم والرعاية الصحيّة والخدمات العامة وفرص العمل.


ومن المفارقات المؤلمة هي أن تركيا, الحليفة الاستراتيجية للغرب والصديقة الوديعة للكيان الصهيوني, فكّرت هذه الأيام فقط بانشاء كلية أو معهد لتدريس اللغة الكردية في المناطق التي يقطنها أكراد تركيا. بينما كان العراق في عهد النظام الوطني الشرعي قد منح الأكراد, رغم خيانة ونكران جميل قياداتهم السياسية المتآمرة دائما مع الأعداء, حقوقا مزدوجة فاقت كثيرا حقوق المواطن العراقي نفسه. وكان العراقيون وما زالوا يعتبرون الكرد أخوة لهم وشركاء في نفس الوطن. خلافا للدول المجاورة التي تعتبر أكرادها مواطنين من الدرجة الثالثة وتتعامل معهم بالكثير من الشك والريبة والحذر, وكأنهم أعداء.


كما يجب الاعتراف بلا تردّد أو خوف بإن ما حصل للشعب الكردي من ظلم وتهميش وحرمان وإضطهاد حقيقي أو مزعوم سببه في أغلب الاحيان السياسة الخاطئة والطبيعة الخيانية لدى الكثير من القيادات الكردية, وعلى الأخص في شمال العراق. تلك القيادات التي تملك إستعدادا يكاد يكون فطريا لتقديم الخدمات المجانية لكل عدو أجنبي طامع في خيرات وثروات العراق أملا منها في الحصول على فتات موائده الملطّخة بدماء آلاف الأبرياء, كما هو جاري اليوم في العراق المحتل. حيث يحجز الأكراد لهم مقعدا متقدّما على خشبة المسرح رغم علمهم التام بانهم مرغمون لا مخيّرون, وإن فصول المسرحية الكوميدية التي يعرضها الأمريكان والتي كلّفتهم الكثير من المال والدماء والمصداقية أوشكت على نهايتها.


بالتأكيد لا توجد أساب مقنعة لانحياز الغرب وإهتمامه المبالغ فيه بأكراد العراق دون سواهم من أكراد هذه الدنيا, غير كون القيادات الكردية في العراق, العميل مسعود البرزاني مثلا, هي خناجر صهيونية مسمومة جاهزة لطعن كل من يخرج عن طاعة آلهة الشر الأمريكية - الصهيونية. فهم, أي القيادات الكردية, كانوا وما زالوا بنادق وضمائر للبيع والايجار بشرط أن يكون الدفع بالعملة الصعبة. لكن علاقتهم بالكيان الصهيوني, وهي علاقة عبد بسيّده ومولاه وربّ نعمته, لا تخضع لقوانين السوق أو تقلّبات الأهواء. بدليل إننا لم نسمع, على مدى أكثر من نصف قرن, بان علاقة البرزاني وحزبه العائلي مع الكيان الصهيوني قد توتّرت أو تعكّرت أو طرأ عليها بعض الفتور أو البرود.


إن مشكلة الملايين من أكراد تركيا وإيران وسوريا, بنظر أمريكا وأوروبا والغرب عموما, هي أنهم بشر عاديّون جدا, حالهم حال معظم البشر الذين لا يستحقّون سوى الازدراء والاحتقار والاهمال, بينما يُعتبر إخوتهم أكراد العراق من فئة الملائكة والحور الحسان لسبب بسيط هو أنهم تلامذة مخلصون لأكثر المدارس الصهيونية حقدا وكراهية للعرب والمسلمين, وإن تاريخهم الخياني المعروف يوفّر لهم فرصا ومناسبات كثيرة في العثور على زبائن جُدد )أجانب طبعا( من أجل اشعال نيران الحروب والنزاعات المسلّحة والاقتتال بين شعوب المنطقة, بغية جني المزيد من المكاسب وحصد الكثير من الجوائز!


وليس غريبا, على سبيل المثال, أن لا أحد يذكر ديانة أو مذهب أو معتقد أو ملّة أكراد العراق. وكأنهم "شعب الله المختار" بعد اليهود. كلّ شيء مُباح لهم وحلال عليهم ويمكن تبريره بلا حرج أو كلفة. كالقتل والتهجير والنهب والاستحواذ على أراضي وممتلكات الأخرين وهدرِ دم من يخالفهم الر}اي أو يعترض ولو همسا على ممارساتهم وتصرفاتهم العدوانية بحق من هم ليسوا من الفئة "المقدّسة" التي ينتمون اليها. وكانت ورقتهم الرابحة وما زالت هي إرتباطهم المصيري, بصرف النظرعن النتائج والتبعات وردود الفعل, بأمريكا والكيان الصهيوني, وبمجمل خططه ومشاريعه العدوانية التوسعية في المنطقة. ولهذا السبب بالذات يُنظر اليهم في الغرب على أنهم ملائكة منزّلون وغيرهم بشر عاديّون.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت / ٢٢ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٢ / أيلول / ٢٠٠٩ م