مجلس الرئاسة صفر في السياسة

 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

يُمثّل الثلاثي الغير مرح, الطلباني وعبد المهدي والهاشمي, ما يُسمى بمجلس الرئاسة في العراق الجديد. ولكونهم عيّنة نادرة من حُثالات الرجال الذين وجد فيهم الغزاة الأمريكان ضالتهم فقد تمّ وضعهم على سدّة الحكم الكارتونية لقاء خدماتهم الجليلة لأسيادهم الآتين من وراء البحار. ولم يكن إختيارهم بالصدفة أو خالٍ من المقاصد وألأهداف الغير نبيلة, ولا حاجة هنا للتكرار أو للتوضيح أكثر. ثمّ أن السنوات الماضية أثبتت أن لا فرقَ بين وجود "مجلس" الرئاسة من عدمه, ليس فقط بالنسبة للمواطن العراق الذي لديه من الهموم والمشاكل ما يغطّي نصف الكرة الأرضية, بل حتى لرفاقهم الذين شاركوهم جميع الجرائم والجُنح السياسية والاقتصادية والأخلاقية ضد العراق وشعبه, والذين يتحصّنون, شأن مجلس الرئاسة الغير موقّر نفسه, في أقبية ودهاليز المنطقة الخضراء.


ومع أن جميع"قادة"عراق اليوم هم من فئة الخدم والحشم وحاملي حقائب وحوائج وأحذية المحتلّين الأمريكان ويتقاسمون معهم نفس الأهداف المعادية للشعب العراقي ولديهم نفس النوايا الشريرة ضدّه الاّ أنهم, أي حكام عراق اليوم, لا يتّفقون حتى على أبسط الأمور سواء على الصعيد الداخلي أم في تعاملهم مع الدول الأخرى. وبالتالي فقد سجّلوا أرقاما قياسية عالمية في الفشل والاخفاق والتردي في جميع الشؤون المتعلّقة بادارة دولة وقيادة شعب رغم ما توفّر لهم من أمكانيات إقتصادية وسياسية وإعلامية هائلة من قبل ربّة نعمتهم وحامية حماهم, دولة العام سام والخال باراك أوباما.


فحكومة العميل نوري المالكي مثلا, ورغم عرض العضلات والتصريحات الناريّة, تتخبّط في تصرفاتها وقراراته وردود أفعالها, وتتجاذبها رياح الخصومات والخلافات الحزبية والفئوية من كل جانب وناحية. أما "مجلس" الرئاسة فهو غير قادر على منح نفسه قيمة ولو إعتبارية أو هيبة في نظر الناس. لأن مشكلته الحقيقية تكمن في كونه يتعارض تماما مع طموحات ومصالح العراقيين. فالمواطن العراقي, الذي رضع السياسة وأسرارها مع حليب أمّه, ليس بحاجة الى وطن له ثلاثة رؤساء لا يمثّلون الاّ أنفسهم ومن وضعهم على الكراسي الرئاسية. فضلا عن أن الغالبية العظمى من العراقيين, وأنا واحد منهم, لا تعرف بالضبط ما هو موقع "مجلس" الرئاسة من الأعراب في الجملة العراقية الحالية.


ومن اللافت للجميع, باستثناء سكنة المنطقة الخضراء الساهين في غيّهم, إن ما يُسمى بمجلس الرئاسة كان يحمل, منذ تأسيسه ومباشرته لمهامّه الغير شريفة, مقوّمات فشله وعدم صلاحيته لأي شيء اللهم باستثناء ملأ الفراغ, بالمعنى المادي طبعا, في بعض المكاتب الشاغرة تماشيا مع ضرورات الأخراج والديكور وتوزيع الأدوار في المسرحية المضحكة المبكية التي أطلقوا عليها إسم"العملية السياسية" والتي أصابت العراقيين بالغثيان والسأم ووجع الرأس المزمن.


وبطبيعة الحال, إن سفينة العراق, التي تتقاذفها أمواج الطائفية والعنصرية والمصالح الحزبية والعائلية الضيقة, لا بمكنها أن تصل الى برّ الأمان وعلى متنها أكثر من قبطان لا يجيد حتى السباحة, ولم يسبق له أن رأى بحرا أو ركب زورقا. وبالتالي لا ينبغي علينا أن نستغرب أو نندهش عندما نسمع أو نقرأ في تقارير المنظمات والمؤسسات البحثية العالمية بان العراق إحتل المراتب الأولى في الفشل والفساد الاداري والمالي. وإن أغلب مواطنيه يعيشون تحت خط الفقر أو بالقرب منه. ومن نافلة القول إن التاريخ, ومنذ القدم, أثبت أنه لا يمكن لقيادة سياسية فاشلة وفاسدة أن تصنع وطنا مزدهرا وتبني دولة متماسكة وتقود شعباً متعدّد الأعراق والأديان والمذاهب نحو مستقبل أفضل يسوده الأمان والتكافل والاخاء.


لكن ما هو حاصل في عراق اليوم, إبتداءا من مجلس"الرئاسة" الغير موقّر وإنتهاءا بابسط موظّف حكومي, هو إنعكاس وتعبير حقيقي عن ضحالة وإنحطاط نوعية "الرجال" الذين فرشوا لأمريكا البساط الأحمر لتزحف لتدميرالعراق وقتل شعبه وزرع بذور الفتنة والاحتراب والعداء حتى بين عملائها الذين أنحنوا بخشوع وسجدوا أمام أحذية جنرالاتها وموظّفي سفارتها في بغداد. وبذلوا كلّ ما في وسعهم من أجل إنجاح مشروعها العدواني منخرطين, بقناعة الأغبياء ويقين الجهلة, في ما يُسمى بالعملية السياسية الكوميدية. وعندما يُطالب "مجلس" الرئاسة ويصر, في إجتماعه الأخير, على أهمية أخذ رأيه, الغير معترف به طبعا لا من قبل الشعب ولا من قبل الحكومة العميلة, في القضايا الرئيسية والأساسية, يمكننا بكلّ بساطة أن نعتبر"مجلس" الرئاسة هذا صفر في السياسة, وفي غيرها أيضا.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس / ٢٠ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٠ / أيلول / ٢٠٠٩ م