عمامةُ المرجعية في الانتخابات التشريعية

 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

إن أمر آية "الله" على السيستاني عجيب وتصرّفه غريب وموقفه من الانتخابات التشريعية القادمة مريب. فهو يدعو, على لسان الناطقين باسمه, الى إعتماد القائمة المفتوحة والدوائر المتعدّدة, لكنّه في نفس الوقت يعيش في سرداب مظلم, منغلقا على نفسه ومتواريا عن الأنظار ورافضا, لأسباب لا يعلمها الاّ الله, الخروج على الملأ وإستخدام لسانه بعبارات صريحة لا تقبل التأويل بدل الاعتماد على ألسن الآخرين وتفسيراتهم. وإذا كان "سماحته"يؤمن حقّا بأن القائمة المفتوحة, حسب تصريحات نُقلت عنه, هي الطريقة المثلى التي تمنح الناخبين حرية واسعة لاختيار من يمثّلهم فلماذا صمت يا ترى وغض الطرف, بل أغمض عينيه الاثنتين, عن السلسلة الطويلة من الجرائم والمجازر والانتهاكات التي طالت جميع العراقييين منذ اليوم الأول للاحتلال وحتى هذه الساعة؟


ولماذا يشغل على السيستاني نفسه كثيرا في إنتخابات هي في كلّ الأحوال جزء من المشروع الاحتلالي الأمريكي الايراني؟ وقد لا تكون نتائجها, وهذا هو المرجّح, أفضل من سابقاتها باعتبار ان جميع الكتل والأحزاب والشخوص, وإن غيّرت لونها وجلدها ورايتها, هي نفسها التي قادت العراق الى ما هو أعمق من الحضيض في جميع الميادين. ولم يكن علي السيستاني, الذي تطوّع كعراّب للاحتلال وعملائه العراقيين بالأسم, بعيدا عن المهزلة المسماة العملية السياسية والتي بُني على أسسها الهجينة عراق اليوم.


وحتى لو إتّفق "قادة" المنطقة الخضراء على إعتماد القائمة المفتوحة, علما بان إتّفاقهم أمر مستحيل أو شبه مستحيل في هذه الحالة, فان البرلمان القادم سوف يكون نسخة طبق الأصل, مع إضافة بعض الرتوش والأصباغ والتعديلات الطفيفة, عن برلمان االمحاصصة الطائفية والعرقية الحالي. ولا تخدعنا دعوات بعض العملاء وبائعي الأحلام وموزّعي الأوهام بالمجان بان الانتخابات التشريعية القادمة ستكون تاريخية ومصيرية للعراق وشعبه.


فليس من المعقول إن الأحزاب التي تهيمن على الساحة العراقية حاليا والتي شرّعت لنفسها جميع وسائل وسُبل النهب والسلب والثراء اللاشرعي الفاحش ونشرت الفساد والرشوة والمحسوبية في عموم البلاد, ليس من المعقول إنها تتحوّل بين ليلة وضحاها الى أحزاب وطنية شريفة. خصوصا وإن الشعب العراقي, الذي عانى الأمرين على أيدي هؤلاء الغرباء, فقدَ الثقة تماما باتخاباتهم وشعاراتهم وإطروحاتهم. وحتى لو وضع على السيستاني نماذج مصغّرة من عمامته السوداء الى جانب صناديق الاقتراع فسيكون الفشل مصيرالانتخابات القادمة, إضافة الى الشك والريبة واللاشرعية واللامصداقية التي ستظل تلاحق جميع الشركاء في جريمة إحتلال العراق ما لحقها من عملية سياسية كوميدية.


وبعد أن راهن على خيول هرِمة ومنهكة لا تصلح حتى لنقل الأحمال, من أمثال الحكيم والصدر والمالكي نفسه, لجأ على السيستاني, وكأنّه خبير في شؤون السياسة الدولية, الى مداعبة عواطف ومشاعرالآخرين, أي الغالبية العظمى من العراقيين, بدعوته الى إعتماد القائمة المفتوحة لكي يُسمح للناخبين, حسب زعمه, بمشاركة واسعة في الانتخابات وإختيار من يمثلّيهم بحرية تامّة.


ولا ندري كيف ولماذا إستيقظ "سماحة" السيستاني بعد أكثر من ست سنوات من النوم العميق مع أهل الكهف دون يحرّك ساكنا في الوقت الذي كان وما زال دم العراقيين يُهدرعلى مدار الساعة من قبل نفس القتلة والمجرمين واللصوص وميّتي الضمائر والمشاعر, الذين يتوجّه اليهم "سماحة" على السيستاني اليوم ويُطابهم باعتماد القائمة المفتوحة, وكأنها عصا موسى السحرية التي ستجلب للعراق برلمانا ملائكيا معصوم.


لكن الشعب العراقي, الذي خبر وكشف وفضح ألاعيب وحيل وشعوذة ساسة المنطقة الخضراء ومن يقف خلفها من العمائم المتعدّة الولاءات والأهواء, لم يعد مهتمّا لا من قريب ولا من بعيد بما يصدر عن آيات الله المختفين عن الانظار أو ممّن ينطق بأسمهم. وحتى لو جرت الانتخابات القادمة وفق القائمة المفتوحة نزولاً عند رغبة "آية" الله علي السيستاني فأن البرلمان القادم, باعتباره إمتداد طبيعي لعملية سياسية غير شرعية ومرفوضة من قبل غالبية العراقيين سوف لا يكون أفضل من البرلمان الحالي الذي فشل فشلا ذريعا في تأدية مهمته الرقابية ولو بالحد الأدنى وعجز عن ممارسة دوره الدستوري, رغم إن الدستور نفسه صيغ وفُصّل على مقاسات الأحزاب الطائفية والعرقية والمناطقية القابعة في الحضيرة الخضراء في بغداد.

 
 

يرجى الاشارة

إلى شبكة المنصور عند إعادة النشر او الاقتباس

كيفية طباعة المقال

الاربعاء / ١٨ شـوال ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق  ٠٧ / تشرين الاول / ٢٠٠٩ م

الرئيسية | بيانات البعث | بيانات المقاومة | مقالات مختارة | تقارير إخبارية | دليل كتاب شبكة المنصور