الرئيس محمود عباس ... رهينُ الدولتين

 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

لا نقصد, كما يتخيّل البعض, مبدأ الدولتين لشعبين الذي أصبح شعار المرحلة الراهنة بالنسبة لأولئك الذين ما زالوا يلهثون خلف السراب. بل قصدنا في عنوان هذا المقال هو أمريكا والكيان الصهيوني, حيث تحوّلتا الى محبس حقيقي للرئيس الفلسطيني محمود عباس خصوصا مع زحف المستوطنات الصهيونية المستمر نحو"المقاطعة "أو المنطقة الخضراء التي تتحصّن فيها ما يُطلق عايها مجازا السلطة الوطنية الفلسطينية وفريق أوسلو.


ولا يُستبعد أن يجد السيد"أبو مازن" نفسه في يوما ما مُحاطا بقطعان من المستوطنين المتطرّفين ومعهم من يحميهم من قوات أمن وجيش وسياسيين إمتلأت أحشائهم وأدمغتهم ونفوسهم حقدا على الشعب الفلسطيني بالرغم من الظلم والعدوان والتنكيل والبطش الذي يتعرّض له هذا الشعب منذ ستين عاما, بوسائل وطُرق عجزت حتى النازية الهتلرية, مع كلّ ما يُقال عنها من بشاعة وبربرية وسادية, عن التوصّل اليها أو إستخدامها.


وفي الوقت الذي يزداد فيه قادة الكيان الغاصب عجرفة وتطرّفا وتحديا للجميع, بمن فيهم أرباب نعمتهم الأمريكان, نجد في المقابل, أي من طرف القادة والزعماء العرب, هدوءا مثيرا للشك ولا مبالاة مريبة جدا. وكأن الأمر يتعلّق بجزيرة مهجورة تقع في أقاصي الأرض وليست فلسطين, أو بالأحرى ما تبقى منها, وقدسها الشريف أول القبلتين وثالث الحرمين الشريفين, والتي ما زال أتباع"أوسلو" وأخواتها, في كل مناسبة وأمام الفضائيات طبعا, يعتبرونها عاصمة للدولة الفلسطينية المزعومة.


بل إن ثمة الكثير من المؤشرات تدلّ على تقديم المزيد من النتازلات, على شكل تطبيع مجاني مع العدو الصهيوني, بدأت تلوح في سماء العرب لعل وعسى أن يتكرّم عليهم المجرم بنيامين نتنياهو بوقف مؤقت أو بتجميد محدود لعملية الاستيطان السرطانية. واللافت أن الرئيس الفلسطيني, ومعه عدد لا بأس به من نظرائه العرب, فسّروا "الأسف" الأمريكي على إستمرار كيان إسرائيل العنصري ببناء المستوطنات, على أنه علامة مشجّعة لهم لأستقبال نتنياهو بالاحضان في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة.


مع أن"ألأسف" الأمريكي هذا كان خجولا للغاية وقيل همسا بغية عدم إغضاب الكيان العنصري الذي زرعوه في جسد الوطن العربي, ولا يكفّون اليوم عن الدفاع المستميت عن جرائمه وتجاوزاته بحق الشعب الفلسطيني, وتحدياته للعالم معتبرا نفسه فوق القوانين والأعراف والمواثيق الدولية. ولا ريب إن الرئيس محمود عباس, الذي إتخذ من المفاوضات اللامجدية مع العدو الصهيوني, هدفا بحدّ ذاته, سوف يكون أول من يفتح ذراعيه للمجرم نتنياهو.


أما من ناحية الكيان الاسرائيلي العنصري, أو الدولة المدلّلة عالميا, فلا يبدو أنها على عجلة من أمرها. خصوصا وإن عمليات التطبيع مع الأنظمة العربية تجري بهدوء وبطء مدروسين من أجل عدم "إحراج" مَن ما زال في جبهته, رغم قلّتهم ومحدوديتة تأثيرهم, قطرة من الحياء. كما إن الكيان الصهيوني, ومعه إدارة باراك أوباما وما سبقها من الادارات الأمريكية, تمارس سياسة الترهيب والترغيب مع سلطة الرئيس محمود عباس, رغم أنها لم تجد لحد الآن شريكا أفضل منه, بغية محاصرة وعزل قطاع غزة وما فيه من البشر ومعاقبتهم بشدّة على"الجريمة الكبرى" التي إرتكبوها عندما شاركوا بلعبة الديمقراطية التي وضعت قواعدها وأصولها وأشرفت على نزاهتها وشفافيتها,أمريكا نفسها.


وفي رأينا المتواضع, لا يبدو أن لدى الرئيس الفلسطيني أوراق لعب كثيرة. وتلك التي كانت في حوزته في يوما ما إنتهى مفعولها وفقدت قيمتها رغم إن الاحتلال الصهيوني وراعيته أمريكا حافظوا على قواعد اللعبة نفسها وأصبحوا خبراء فيها. وبتعبير أوضح, إنهم يريدون الحصول من الحكام العرب والفلسطينييين على المزيد من المكاسب والمزيد من التنازلات والمزيد من التبعية والخضوع والمزيد من الرضا والابتسامات والعناق أمام شاشات التلفزة, دون مقابل يذكر أو بابخس ثمن. أي كما يقول المثل الشعبي"قوت اللايموت". ثم يأتي الاعلام الأمريكي والغربي المتصهين ليصوّر لنا إن"أبخس ثمن" الذي يقدّمه الكيان الصهيوني هو في الواقع غاية في الأهمية وخطوة نادرة وقرار تاريخي مؤلم لم تتخذه من فبل أية حكومة إسرائيلية !


وعقب لقائه بفرعون مصر حسني مبارك قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس "إن إستئناف المفاوضات مع إسرائيل منوط بوقفها لكافة إنشطة الاستيطان بشكل كامل". وإذا لم تفعل؟ ما هو ردّّكم "المزلزل" عليها يا فخامة الرئيس؟ ولكي يعبّر عن حسن نواياه تجاه الشريك الصهيوني,أضاف السيد محمود عباس, رهين المحبسين الأمريكي والاسرائيلي, قائلا: "لا مانع لدي من لقاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو شريطة أن تكون لديه رؤية واضحة فيما يتعلّق بمسألة الاستيطان, وما بعده, والاّ فلا حاجة بالاجتماع به". لا يا فخامة الرئيس الفلسطيني. إن رئيس وزراء الكيان الصهيوني نتنياهو لديه رؤية واضحة جدا عن الاستيطان وما بعده وما قبله, وعن كلّ ما له علاقة بالاحتلال الصهيوني العنصري لأرض وشعب فلسطين, منذ أن جاء الى هذه الدنيا.


أما أنتم يا رئيس السلطة الوهمية, مع إحترامنا الشديد لماضيكم, فقد تشوّشت عليكم الرؤى وإختلط حابلكم بنابلكم وأصبحتم ترون السراب ماءا وتساوى عندكم الليل بالنهار. حتى إنطبق عليكم قول المتنبي العظيم:" وما إنتفاع أخي الدنيا بناظره - إذا تساوت عنده الأضواء والظلمُ". ثم إننا لا نظنّ, يا فخامة الرئيس محمود عباس, إن المجرم بنيامين نتنياهو يتحرّق شوقا ورغبة ويسهرالليالي ويعد نجوم السماء من أجل لقاء سيادتكم. وليتكم تخبروننا عن المكاسب التي تحقّقت للسلطة الفلسطينية, ولا نقول للشعب الفلسطيني المغلوب على أمره, من عشرات اللقاءات والاتصالات والاجتماعات وإلتقاط الصور التذكارية مع رئيس وزراءالكيان الصهيوني السابق إيهود أولمرت؟

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الأحد  / ١٦ رمضان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / أيلول / ٢٠٠٩ م