فلم جديد للشيخ حسن نصر الله

 
 

شبكة المنصور

احمد النعيمي
كنت أتمنى لو أنني استطيع أن اكذب على نفسي وأخدعها كما يفعل كثير منا ، من الذين اعتادوا على أن يُستخف بعقولهم واحترفوا فن الاستحمار وجعلوا من أنفسهم إمعات إن أحسن الناس أحسنوا وإن أساءوا أساءوا هم كذلك ، ولكنني هذه المرة قررت أن أحقق أمنيتي تلك وأكون احدهم ، فاللهجة النارية قوية وجذابة فعلاً ومؤثرة ، ولأول مرة انتبه إلى أنني لم أكن اعر بطلها انتباهاً فهو ما أنفك يسمعنا نفس الاسطوانة المشروخة من سنوات ، ولا عجب ! فهي تختلف كل الاختلاف عن لهجة حكوماتنا المتخاذلة المترامية تحت أقدام أعدائنا يفعلون بهم ما شاءوا ، والتي لا يسمع منها إلا عبارات الاستسلام والخنوع ، وبالفعل بدأت استمع لخطابه الأخير البارحة ، وإن كنت لا أدري ما هي المناسبة التي دفعته ليخرج بهذا الخطاب الناري الجديد ، المهم أنني بدأت أحقق أمنيتي فلا شيء يهم بعد هذا ! ومع كلماته بدأت انفعل وبدأ جسدي يشتعل وتخرج من جنباته ناراً تريد أن تلتهم كل ما حولها من أدوات وأشخاص ، وخيل إلي كأن بلاد المسلمين قد حررت جميعاً ، فصوته كان عالياً جداً لدرجة أنني لم أعد أعرف أين أنا ، غير أن ما كنت أدركه أنني كنت أمتطي صهوة جوادي ويخيل إلي أنني أصبحت قائداً كصلاح الدين أجر الجيوش خلفي ، والأشجار والحجارة تصرخ بي من كل جانب : يا مسلم هذا يهودي ورائي تعال فاقتله ، ويزيد هذا الشعور لدي شعور آخر بأنني أضع في فمي الكثير من القات ، يالله هناك من يهدد بقصف تل أبيب في زمن الخنوع هذا ، يالله كم هو شجاع هذا البطل ؛ استمع إليه ، إنه يقول بلا خوف وبلهجة تكاد تصم الأذان : " إنه سيضرب تل أبيب بصواريخه إذا ما تعرضت بيروت للقصف " ما أروعه ! يقول : " أنه هدد بضربها أثناء حرب تموز ، وها هو الآن يهدد كذلك بضربها هذه المرة " ما هذا الكلام البطولي ، لحظة ، لحظة : أعد علي ما قيل ، ألم تسمع !؟ إنه يقول هدد بضربها في حرب تموز ، عادتي تلك لن أتركها ، يا أخي احمد كف عن عادتك الذميمة تلك ، لماذا تصر على أن تنغص علينا فرحتنا ، هو يقول أنه لديه سلاح وهدد باستخدامه ، يصر هذا الطبل الأجوف إلا أن ينكد علي فرحتي بتحقيق أمنيتي ، خيل إلي وكأنني قد سمعت هذا الخطاب من قبل ، لحظة تذكرت ! فقد صرح هذا البطل في 25 أيار 2005م وبخطاب مماثل لهذا وبنفس تلك النبرة البطولية ، وكشف وللمرّة الأولى عن عدد الصواريخ التي يمتلكها ، وهدد بأنه في حال تعرضت لبنان لأي هجوم فإن  سيحول شمال فلسطين إلى كتلة من النيران ، ثم دمرت لبنان بعدها في حرب تموز ولكنه لسبب ما لم يفعل شيئاً ، لم يطلق إي صاروخ من تلك الصواريخ التي كان يهدد بها ، بطل .. يكفيه أنه هدد ! هدد سابقاً نعم ، ولا يزال كذلك يهدد ، بطلٌ فعلاً ! ولكن هذه المرة كان التهديد مختلفاً فبدل من أن يكون مدى الصواريخ شمال فلسطين ، فإنه في تهديده الأخير وسع مداها ليصل إلى تل أبيب ، وكأنه يدعو المحتل اليهودي ليعيد الكرة من جديد ويضرب بيروت ويدمر المدن والبيوت ويقتل الأطفال والشباب والنساء والشيوخ ، بينما يختبئ هو وقيادته في أوكارهم إلى أن تنتهي المهمة ، ليخرج ويطمئننا أن لا أحد من قيادته في المستوى التنظيمي الأول والثاني قد قتل ، ويعلن كذلك مثلما أعلن قبلها ومن خلال مقابلة تلفزيونية في قناة نيو تيفي يوم 27 تموز 2006م : " أنه لو علم أن عميلة خطف الجنديين الشهر الماضي كانت ستؤدي إلى جولة العنف التي استمرت 34 لما قمنا بها " !! ويؤكد كما أكد سابقاً لجريدة الشرق الأوسط 28 آب 2006م  : " أن لا جولة ثانية من الحرب مع إسرائيل "! غريب فعلاً أن تصدر مثل تلك التصريحات من هذا البطل ، والأغرب أننا ألبسناه ثوب البطولة رغماً عنه وقلنا أنه انتصر بينما هو يقر بعجزه ، حتى بات يصدق نفسه أنه بطل فعلاً ، فأشبعنا من بطولاته بالخطابات !

 

وفي حرب غزة كذلك ، أشبعنا هذا الطبل الأجوف صراخاً ، وكذلك وفي خطاب ناري كما هي عادة خطاباته جميعاً ، خرج يقول : " أنه قد سامح من تكلم وتآمر عليه في حرب تموز ، ولكنه لن يسامح من يتكلم ويتآمر على غزة " بعدها بيوم واحد قام المقاومون الفلسطينيون بضرب صواريخ من الأراضي اللبنانية ليخففوا الضغط عن إخوتهم في غزة ، فخرج هذا الذي كان يُرعد ويُزبد في اليوم السابق أنه لن يسامح ولن ، ولن .. خرج ليحلف بغليظ الأيمان أنه لم يقم بإطلاق إي صاروخ ! وبدلاً من أن يدعو نفسه إلى فك الحصار عن إخواننا في غزة هاشم ويفتح جبهة جديدة تخفف عنهم ، كون أنه يدعي أنه بطل المهمات الصعبة ويفتخر بالعنتريات ، وبدلاً من أن يدعوا دولة المقاومة سوريا إلى أن تفتح جبهة  بجيشها ، أو أن تترك الشعب السوري ليساعد أهل غزة كما وفعلوا قبلها مع إخوتهم في العراق ، سدد رمية ماكرة ليبعد عنه الأنظار وقذف بالكرة إلى أحضان البقرة المستسلمة في القاهرة !


فإذا لم تخرج تلك الصواريخ التي يدعي أنها بحوزته في تلك الأوقات المدلهمة فإنها لن تخرج أبداً ، وإنما وجدت من أجل أن يقوم بدوره كحارس ويؤديه على أكمله ، وليقوم بواجبه تجاه ما وقع عليه من اتفاقيات والتي تنص على أن يتكفل كلاً من الطرفين بحماية حدوده ، وذكر موقع ديبكا الإخباري العبري منذ أيام أنه قد تم إعادة ترسيم الحدود تحت غطاء شديد من السرية وبموافقة الشيخ حسن كما نقل موقع وطن ، وقد ذكر الطفيلي الأمين العام السابق للحزب ؛ وإن كان لا داعي للاستشهاد بأقوالهم فإن موافقته على قرارات الأمم المتحدة يعني بالضرورة أنه قد جعل من نفسه حارساُ ، وحارساً أميناً كذلك ، يقول الطفيلي : " ربما بعض الناس يفاجأ بهذا الكلام أو يستغرب أو يحاول أن لا يصدق ، الحقائق بسيطة من أراد أن يتثبّت – أي من كون أن حزب الله قد بات حارساً لحدود المحتل اليهودي – فباستطاعته أن يأخذ سلاحاً ويتوجّه إلى الحدود، ويحاول أن يقوم بعملية ضدّ العدو الصهيوني ، لنرى كيف يتصرّف الرجال المسلحون هناك ! لأن كثيرين ذهبوا إلى هناك ، والآن هم موجودون في السجون ! اُعتقلوا على يد هؤلاء المسلحين ، إذا حرس .. يمكن لقائل أيضا : هناك أطلاقات نار بين شهر وآخر ، بين شهرين وثلاثة وعشرة .. هذه ليست مقاومة " لقاء تلفزيوني مع صبحي الطفيلي في قناة نيوز تيفي ، ضمن برنامج بلا رقيب ، أواخر 2003م ، وفي حديثه للشرق الأوسط بتاريخ 25 أيلول 2003م قال : " لقد بدأت نهاية هذه المقاومة مذ دخلت قياداتها في صفقات كتفاهم تموز 1994م وتفاهم نيسان 1996م الذي أسبغ حماية على المستوطنات وذلك بموافقة وزير خارجية إيران " وأضاف : " ما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة تقف الآن حارس حدود للمستوطنات ومن يحاول القيام بأي عمل يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون "  وأكد هذا كذلك عبر الجزيرة والعربية والسياسي الكويتية .


وفي مقال للعميد سلطان أبو العينين أمين سر حركة فتح في لبنان والذي نشر في جريدة " القدس العربي " بتاريخ  5 نيسان 2004م  بعنوان : " حزب الله يحبط عمليات المقاومة الفلسطينية من الجنوب " جاء فيه : " حزب الله قال سنكون إلى جانبكم عند المحن ، ولكننا منذ ثلاثة أعوام نعيش الشدائد ولم نعد نقبل شعارات مزيفة من أحد ، ففي الأسبوع الأخير أحبط حزب الله أربع محاولات فلسطينية علي الحدود و قامت عناصر حزب الله باعتقال المقاومين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة " ،  وأكد العميد أبو العينين : " إن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في أيار تم ضمن ترتيبات أمنية واتفاق أمني بأن لا تطلق طلقة واحدة علي شمال فلسطين من جنوب لبنان ، وهذا الاتفاق يطبق منذ الانسحاب الإسرائيلي ، فلم يتمكن أي مقاوم من اختراق الحدود الشمالية وجرت أكثر من محاولة من جميع الفصائل الفلسطينية وجميعها ضبطت من حزب الله وقدمت إلى المحكمة " ، ويكفي هذا الطبل الأجوف فخراً ما شهد له الأعداء من عقلانية وتحمل للمسؤولية ، فالفضل ما شهدت به الأعداء ، فقد امتدحت جريدة هآرتز اليهودية في 6 تموز 2006م الأمين العام للحزب وقالت أنه عاقل ومتحمل للمسؤولية ، وشهدت أنه حافظ على الهدوء في الجليل الأعلى بشكل أفضل من جيش لبنان الجنوبي ، وأكدت على مدى عقلانيته بأنه لم يقم بضرب المنشات الحيوية لإسرائيل كما صرح بذلك ، ويكفيه كذلك ما قامت به بريطانيا من شطب منظمته من قوائم المنظمات المحظورة !


فعن إي عادة ذميمة تتحدث بعد كل هذه الحقائق ، أريد أن أعيش مثلكم على هكذا واقع وأتمنى أن يكون فينا قائداً كصلاح الدين ، ولكن القات لن يبقى في فمنا طويلاً ولا بد أن ينتهي بنا المطاف ، ونستيقظ على الواقع فتكون صدمتنا أصعب بكثير من الحلم الذي أضعناه ، وكما يقول المثل : " بذوب الثلج وببان المرج " اعتقد أنني الآن بت كالذي يقف أمام الشاشة وأفسدت على الجمهور مشاهدتهم البطل وهو يريد أن يجهز على ضحيته ، لكن لا بد من قول الحقيقة ، فهي بينة وواضحة أشد وضوحاً من الشمس في كبد السماء لمن أراد أن يراها ، وما يحلم به الكثير ما هي إلا هلوسات خلقتها تلك الحشيشة اللعينة ، فلذا كان لا بد أن نواجه المخدرين ونبين لهم أن ما يحلمون به ليس سوى وهم كبير ، وإن كان هذا سيصدمهم لكن لا بد من بيانه ،  فإن الفلم محروق والدماء التي خرجت من الضحية لم تكن سوى كيس من الصبغ الأحمر .


استفيقوا أيها المخزنين ، فالمحتل لا زال يعربد في حاراتنا ، والبطل الدون كيشيوتي لا يعرف من فنون القتال إلا العرض والعرض فقط ، كنت أريد فعلاً أن أكون مثلكم وأصدق ، لكن الحقيقة مؤلمة والبطل صناعة هيلودية لا أكثر ، أكاد أشك بأن أحداً من الذين عنيتهم ببداية قولي قد فهم علي ، فهم مخدرون حتى الثمالة ، ونختم بما قاله الكاتب عبد الستار قاسم في حوار عبر قناة الجزيرة من أيام أثناء انعقاد مؤتمر فتح : " إن اليهود قد طلبوا منه أن يتعاون معهم ، وينصبوه رئيساً للسلطة ، مقابل أن يحقق لهم ما يريدوا ، وبعدها ليصرخ بأنه يريد أن يحرر حيفا ويريد أن يحرر يافا "  وفهمكم كفاية .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٦ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٧ / أب / ٢٠٠٩ م