نبض الأسلاك الخلفيّة

 
 
 

شبكة المنصور

طلال الصالحي
أكثر ما ترقب عيناي  في المشهد السياسي العام في العراق أو في العالم  هي  تفاعلات التأثير  العارم للعمليّات الجهاديّة الباسلة  التي تؤدّيها بحرفيّة مذهلة مقاومتنا العراقيّة العظيمة  وما تتركه قوّة فاعليّتها العالية  وقوّة نبضها الحامي وتأثيرها على نبض شبكة أسلاك  الفعل السياسي أو العسكري العالمي المرتبطة , شاءت السياسة العالميّة  أم أبت , بأسلاك الفعل المقاوم على أرض العراق المرتبطة مباشرةً بمقاومته العراقيّة الباسلة كما أيضاً وشقيقتها الأفغانيّة ـ الباكستانيّة   وما يؤدّيانه من فعل نبض متصاعد جسور تهتز له  باستمرار  جميع  نبضات  شبكات أسلاك الإنذار المتّصلة بغرف صنّاع القرارات السياسيّة في جميع بلدان العالم  فتهتزّ لها قراراتهم  وخاصّة منها الدول الأكثر تأثيراً في تحديد اتجاهات ومسارات السياسات العالميّة ..

 

فلا نحسب أن إعادة انتشار القوّات الأميركيّة المحتلّة في العراق مثلاً , أو ما أسماها المحتلّ وردّدها ببغواته في منطقته الخضراء بـ"الانسحاب من المدن العراقيّة وفق الخطّة الأمنيّة !" أن هذا الانتشار لم يكن له صدى في  كافة أنحاء دول العالم , على العكس , فحركة التفاف الجيوش الأضخم للعدوّ الأميركي في العالم  "الانسحاب من المدن" والمنتشرة على أرض العراق قد تفاعلت معها الكثير من المعادلات السياسية في الكثير من بلدان العالم وخاصّة دول المماحكة والاحتكاك السياسي المباشر مع أميركا أو الدول التي تسعى للوقوف بوجهها كندّ , ولم تخلو الساحة الأفغانيّة أو الباكستانيّة أيضاً من تأثيرات  هزّات حركة "الانسحاب" هذه ,

 

بل امتدّت اهتزازاته لتطلّ هذه المرّة على الساحة الجورجيّة  ممّا دفع بالتالي وعلى أثرها لعودة التصريحات الساخنة المتبادلة بين موسكو وواشنطن , ولعلّ نبض  هزّات "السلك" الموصل عن بعد , بنبض المقاومة العراقيّة , في هذه المنطقة بالذات يشهد اهتزازات سياسيّة  أعنف من غيرها من التي تتعرّض لنفس هذه الاهتزازات , وخاصّة بسبب حركة "الالتفاف" الأخيرة على أرض العراق التي لم تكن لتحدث لولا ضربات المقاومة العراقيّة القاصمة  الموجّهة لرأس وظهر هذه القوّات باستمرار , فبالأمس الغير بعيد كثيراً , وعلى وقع نفس الضربات المهينة للقوّة الأعظم على أرض العراق ,  سبق وأن حاولت الولايات المتّحدة الأميركيّة تشتيت وقع تلك الضربات الهائلة التي تتلقّاها على أرض العراق برد فعل هستيري يعمل على  تفريغ آلامها وأوجاعها  المؤثّرة ببدنها لتدفنها على أرض جورجيا تحديداً ولتحقيق أكثر من هدف  , فلجأت إلى جورجيا , بعد تجارب لجوءاتها السابقة التي ارتبطت جميعاً مع النبض المتصاعد للمقاومة العراقيّة عندما كانت تُلجأ أميركا نتائجها  إلى محاولات  تشتيت تأثيراتها المباشرة  عليها لتفرّقها على لبنان وفلسطين واجتماعات دول الجوار والانتخابات العراقيّة ومجالس دورة الحكم الشهريّة ومقتل الحريري وتفجير قبّة الإمام العسكري ع مرّتين لإشعال حرب طائفيّة في العراق ومؤتمرات الأشرام  وتفجيرات الأردن واغتيال شهيد العصور في عيد تختلف في موعده طائفتان لغرض إشعال الفتنة بينهما مرّة أخرى  وتفجيرات المغرب ... الخ

 

ممّا باتت معروفة النوايا والأهداف والجهة التي تقف خلفها , لتلجأ الولايات المتّحدة الأميركيّة أخيراً حينها  إلى نفخها  في الضفدع "ساكاشفيلي" عندما صوّرت لهذا الرئيس الجورجي الأرعن نابليونيّة تكمن بين ضفاف عبقريّته العسكريّة  , فشجّعته على "خرمشة" جلد الدبّ الروسي في  أبخازيا وأوسيتيا علّها تستطيع أن تنقل عدسات الكاميرا الإعلاميّة  العالميّة بعيداً عن مصائبها على أرض العراق , إلاّ أنّ ذلك  "التشتيت" قلبته صعقة موسكو المعاكسة فوقع  ذلك الاعتداء بلاءً وبلوى على رأس "العصابجي" بوش الكذّاب , فأخذ  بعد هزيمته الجورجيّة تلك يمتمت بتصريحاته ترتجف كلماته على سطح لسانه الجاف يتقلّص وينبطح  تحت تأثير شدّ عصبي في وجهه الشاحب تحاول تعبيراته  المتشنّجة أن تستقوي بما تبقى  لها من عضلات لازالت تعمل على سطحه ...   اليوم , وبعد شهور من تحرّكات خليفة بوش , أوباما , ورحلاته المكّوكيّة في جميع أنحاء العالم  والتي فاقت عدد رحلات أميركا إلى الفضاء بل وفاقت حتّى  عدد رحلات  "مكّوك الشرق الأوسط"  وزير خارجيّة أميركا الأسبق "هنري كيسنجر" ,

 

والتي أسفرت هذه الرحلات الأوباميّة عن محاولة رسم صورة جديدة  لوجه أميركا  كانت لا زالت معالم هذا الوجه  غير واضحة حتّى هذه اللحظة  , لكنّها على ما يبدو بدت هذه الملامح البشعة تتضّح أخيراً  في العراق ! وهو البلد الذي تُختبر على أرضه صدق النوايا من عدمها ,  وكذلك أنكشف الوجه الأميركي الموعود بمكامل بشاعته من خلال  التصريحات "الجديدة"  لأقطاب صنّاع القرار في البيت الأبيض بعد أن استقرّ في روع  هؤلاء الساسة البيضاويّين الأغبى في التأريخ على الإطلاق أن العالم قد صدّق وعود وحنقبازيّات  الحاوي أوباما التي وعد فيها  العالم , وبعد أن ملأت محرّكات رحلاته النفّاثة المكّوكيّة وخطبه "العصماء" سماء العالم بالدخّان وملأت كلماته الرنّانة المتشكّلة على خلفيّة آيات "سماويّة" جديدة مستمدّة من البرنامج الصهيوني "حوار الأديان"  فضاء الإعلام  العربي والعالمي ضجيجاً مستحبّاً ! تعهّد له فيها بخروج أميركا  جديدة من قعر قبّعته ,

 

أميركا   تلبس ملابس  جدّة  ليلى وتستلقي بوداعة على سريرها بانتظار  "ليلى" بسَكينَة وشحوب مؤثّرين  وثغرٍ باسم تعلوه حُمْرة من  رسم ريشة أحمر شفاه تغطّي شفتيها العفنتين المصّاصتين لدماء ولخيرات الشعوب , بعد أن ظنّ هؤلاء الساسة الأحمق على مرّ التأريخ أن العالم سيصيبه الرعب جرّاء بوادر الانسحاب العسكري الأميركي من المدن العراقيّة التي  لابدّ وسيعقبها انسحاباً  عسكريّاً كاملاّ من أرض العراق , وهو الانطباع العام الذي أرادته الدوائر الصهيونيّة أن يسود ظنون دول العالم  , ممّا يعني , وبحسب التصوّرات المريضة للقيادات الأميركيّة  أن بلدان العالم   ستنطلي عليها  مثل هذه الخدعة , وأن هذه القوّات المنسحبة لابدّ وأنها  ستكون  متّجهة لأن تشغل أماكن أخرى من العالم  وحيثما تتّجه الرغبات الأميركيّة , مما سيعني بالتالي أن أوصال ركب وأيدي ومفاصل شعوب العالم سترتجف من هذا الإنسحاب ! , وبالتالي فإنّها ستزيد من هيبة أميركا التي تمرّغت بوحل العراق أمام أنظار هذه الشعوب !  وأنّها  بهذا الانسحاب المفترض ستعطي للعالم انطباعاً عامّاً أن أميركا قد انتصرت في العراق !  ولأجل ذلك فهي عازمةٌ على أن تكمل مشاويرها الإمبراطوريّة المؤجّلة  منذ أكثر من ست سنوات !

 

ولأجل كل ذلك  أيضاً  جاءت تصريحات "بايدن" ومن قبله تصريحات المتحدّث باسم بيت الشرّ في واشنطن بـ "عدم اعتراف أميركا باستقلال أبخازيا وأوستيا !" , وأنّها , أي أميركا , ستدعم  "بقوّة" جورجيا عسكريّاً ! وأنّها ستنفخ من جديد بطن ضفدعها المدلّل ساكاشفيلي ! وأنّها ستزوّده بمختل أنواع الأسلحة المتطوّرة التي يمكن أن تداعب قرقعتها خياله المريض وستساعده على النوم الهانئ بعد مرارة الأرق والقلق اللذين أفقدا عينيه النوم منذ تلك الدفرة الروسيّة السريعة والقاضية التي أستقرّت على خصيتيه !   وأنّها ... وأنّها ...  الخ ! , في حين أن هذه التصريحات العنتريّة من فم إمبراطوريّة متهالكة قضت نحبها على أيدي ليوث العراق فخر العرب والإنسانيّة , قد نسوا أو تناسى  مطلقوها   أن دولتهم المعتوهة كانت للتوّ   قد قامت بتقليص كافّة نفقاتها الخدميّة والسوقيّة وكافّة ملحقات  مرافقها الأخرى  سواء  منها من هي تؤدّي مهامّها  خارج الولايات المتّحدة الأميركيّة وفي المئات من قواعدها العسكريّة أو التي تستمدّ منها أديم وجودها في داخل الولايات الأميركيّة لتشمل بهذا التقليص في النفقات  حتّى وجبات الإفطار في البيت البيضاوي نفسه ادّخاراً  أكثر للنفقات ! ونسوا أو تناسوا أنّ دولتهم للتوّ   قد أعلنت  أيضاً عن توبتها النصوح  والأبديّة  عن تكرار شنّها  ولو حرب احتلال  واحدة حتّى  ولو امتلكت مستقبلاً أضعاف جيشها الحالي فإنّ خيار "غاندي" سيكون هو السبيل في مفاوضة الشعوب وأقسمت بذلك بأغلظ الأيمان ! ... على ما   يبدو أن هذه التصريحات  الأميركيّة في الشأن الجورجي , والتي لا شكّ فيه تقف خلفها تأثيرات الفعل الجبّار للمقاومة العراقيّة حتى وإن جاءت هذه التصريحات عكس الواقع , هي بمثابة ردّ اعتبار عن ما لحق بالولايات المتّحدة الأميركيّة من عار وشنار نفسي ومعنوي  سبق لها وأن تلقّته على أيدي ضفدعها الجورجي بعد أن أرادته أن يكون لها عون فانقلب عليها فرعون ! ,

 

يعني على أساس أن أمور أميركا أصبحت عال العال فأرادت البدء بمحاسبة من كانوا يضحكون على منظرها وهي تتمرغل وتتبحرث  بوحل العراق وتتلقّى على أيدي مقاوميه الأبطال الجلد والسلخ  طيلة أكثر من ست سنوات , يعني أنها هي نفسها أميركا قد صدّقت كذبها الذي كذبته على العالم بخلق أميركا جديدة غير أميركا القديمة ! بنته على أساس تصوّرات "لابدّ وأن تكون كذلك بحسب ظنونها الشرهة"  مبنيّة  على ردّة الفعل السماويّة التي هطلت خيرات وورود وصواعق كهرباء على الشعب العراقي وتدفّقات غزيرة  لمياه دجلة والفرات ونجاح خطّة حرامي بغداد الأمنيّة  ووزراء لا يفرّون "بالدَخلْ" وحملات إعمار عارمة لا تستطيع اللحاق بمشاريعها التي تقلب أرض العراق رأساً على عقب  جميع معامل طابوق وإسمنت ومرمر العراق وجميع معامل طابوق وأسمنت المنطقة والعالم   والتي لم تكن لتحدث لولا "الاتفاقيّة الأمنيّة" التي انتصرت بها على المقاومة العراقيّة ! , لذلك , وبعد أن أيقنت أن هذه الاتفاقيّة التي يكاد يطير بفقراتها الشعب العراقي فرحاً , وهذه المعلومات بالتأكيد قد أدخلتها الدوائر الصهيونيّة عنوةً في قناعات ساسة البيت الأبيض الأميركي , ابتدأ الحزب "الديمقراطي" فرع أميركا , بمحاسبة روسيا !

 

وعلى يد من , على يد عينا بوش التي تركهما تطلّان  على العالم من فوق رأس أوباما أينما تحرّك ؛ بايدن !  والذي يذكّرني منظره المتخشّب كلمّا يظهر على سطح الشاشة   بالفنان العربي المبدع عزت أبو عوف ! ...

 

وشتّان ما بين الاثنين ...

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٤ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / تمــوز / ٢٠٠٩ م