رسائل التبصير :  كشف ألغام التحرير

﴿ الرسالة الثانية

لغم الشرذمة : خدعة ( بناء المشروع الوطني البديل )

﴿ الحلقة الاولى

 

شبكة المنصور

صلاح المختار

أن تكون فرداً في جماعة الأسود خير لك من أن تكون قائداً للنعام

مثل عالمي

 

هناك من يردد القول بان الضرورة تقتضي ( بناء المشروع الوطني العراقي ) او ( المشروع البديل لاحتلال ) ، واستنادا الى ذلك القول جرت وتجري اتصالات بين افراد وكتل صغيرة من اجل تحقيق هذا الهدف ! ان السؤال الطبيعي الذي يفرض نفسه هو : هل حقا هناك ضرورة لبناء مشروع وطني ؟ الجواب تحدده الوقائع وليس الرغبات او النظريات ، فحينما تكون ثمة ضرورة لبناء مشروع وطني فمعنى هذا انه لا يوجد مشروع وطني في العراق منذ الاحتلال لذلك لابد من بناء المشروع من اجل تحرير العراق واعادة بناءه . لكن واقع الحال في العراق يقول وبحسم تام بان وجود المقاومة المسلحة بخصائص فريدة  وغير مسبوقة يفرض حقيقة دامغة وهي ان هناك مشروعا وطنيا عراقيا هو مشروع المقاومة التي تقاتل منذ اكثر من ست سنوات ونجحت في تمريغ انف امريكا اعظم قوة استعمارية في التاريخ في اوحال الهزيمة والفشل الستراتيجي .

 

اذن على مستوى المشروع الوطني للتحرير هناك مشروع عظيم ومتميز وناجح وفرض نفسه على الاحتلال ، وهو مشروع المقاومة المسلحة ، اما على مستوى المشروع الوطني لما بعد التحرير ، وهو اعادة بناء العراق بعد طرد الاحتلال ، فان هذا المشروع ولد مع ولادة المقاومة المسلحة لانها مقاومة تدافع عن الدولة العراقية وعن المجتمع العراقي وعن الهوية الوطنية العراقية ، فهي تحمل مشروعا وطنيا للبناء الشامل سياسيا وامنيا اولا ، واقتصاديا واجتماعيا وخدميا ثانيا ، وهذا المشروع تحدد بدقة في عدة برامج التقت عند قاسم مشترك وهو بناء عراق ديمقراطي يقوده من حرره ومن ساهم في تحريره . نعم تختلف التفاصيل بين البرامج المطروحة لكنها تلتقي عند قاسم مشترك محدد . وهنا يجب ان نذكر بان من يحق له الحديث عن المشروع الوطني حصرا هو من يرفض الاحتلال ليس سياسيا فحسب بل ويجب دعم الوسائل العسكرية اساسا واولا . فلا مشروع وطني على الاطلاق مع المشاركة في العملية السياسية تحت ظل الاحتلال ، لان المشاركة وبغض النظر عن اي تبرير هي اعتراف بشرعية الاحتلال ودعم له ووضع اسس ديمومته .

 

وثمة حقيقة يجب عدم اغفالها وهي ان المشروع الوطني كان موجودا قبل الغزو بدليل حصول الغزو لتدمير هذا المشروع الذي استمر بناءه وتطويره لمدة تزيد على 35 عاما تحققت خلالها انجازات عظمى على مختلف الصعد ،   منها تحقيق الاستقلال الحقيقي للعراق وهو الاستقلال الاقتصادي ، ومحو الامية وتاميم النفط وتسخير موارده في القضاء على الفقر والامية وتأهيل مئات الالاف من العراقيين علميا وتكنولوجيا وجعل الطب والتعليم مجانيين ....الخ ، فنقل المشروع الوطني المتحقق العراق الى مصاف الدول المتقدمة علميا وتكنولوجيا واجتماعيا . ان اغفال هذه الحقيقة يفضي الى الدعوة لتبني مشروع بديل لا وطني في طبيعته وجوهره ، ما دام المشروع الوطني قد تم اختباره وعرفت فوائده وخدمته للشعب في كافة المجالات ، وكان هو السبب الرئيسي في كل انواع التامر على العراق والتي توجت بغزوه . لذلك فان استهداف الغزو للمشروع الوطني والقومي في العراق يفرض تعزيز ذلك المشروع وتطويره وتقويمه ليكون اساسا محسنا ومطورا ومتقدما لاعادة بناء العراق .

 

في ضوء ما تقدم يتضح بان الدعوة لبناء مشروع وطني لا مسوغ عملي لها وهي تبدو ، اذا افترضنا حسن النية ، مشروع اناس لا يعلمون بما جرى وبما يجري في العراق ولا هم يعرفون القوى المتحكمة بالصراع في العراق ولا اتجاهاته الرئيسية ، لذلك يجب طرح التساؤل التالي : من يطرح هذه الدعوة ولماذا ؟ وقبل الجواب لابد من تناول موضوع اجتثاث البعث ودلالاته ومعانيه واساليب تنفيذه لانه هو جوهر الموضوع فيما يتعلق بما يسمى ( المشروع البديل ) .

 

أجتثاث البعث : ١٠ ملاحظات جوهرية

 

ربما لا يتوقف البعض عند الاهداف الستراتيجية - المتعددة والمتنوعة والمخفية - ل( قانون اجتثاث البعث ) ، ويتعامل مع الهدف المباشر فقط وهو تحريم البعث تنظيما وفكرا وعزل البعثيين سياسيا ووظيفيا . لذلك لابد من تناول الاوجه الاكثر غموضا في هذا القانون الفريد والغريب في العصر الحديث : -

 

1 – من الخطأ تصور ان سياسة اجتثاث البعث بدأت مع اصدار بول بريمير ، الحاكم المدني الامريكي في العراق ، قانونا بهذا الاسم بعد احتلال العراق ، لان الاجتثاث سياسة ابتدأ تبنيها مع صعود نجم البعث في الخمسينيات من القرن الماضي . ان شعارات فاشية دموية مثل ( ماكو زعيم الا كريم موتوا يا بعثية ) – ماكو بالعراقية تعني لا يوجد ، وكريم هو الديكتاتور قاسم ) ، و( نزيهة صارت بالحكم قواويد    بعثية ) - قواويد جمع قواد ونزيهة هي قيادية في الحزب الشيوعي اصبحت وزيرة ، و ( اعدم ، اعدم والحبال موجودة ) – الحبال للسحل والشنق - وهو هتاف كان يطلق لتشجيع الديكتاتور قاسم على اعدام القوميين العرب ، و ( الموت للعفالقة ) ...الخ . هذه الاهازيج وغيرها من الشعارات الدموية كانت تهز العراق بكامله وذهب ضحيتها الاف العراقيين من القوميين العرب قتلا وسحلا على يد الحزب الشيوعي العراقي والديكتاتور قاسم بعد عام 1958 . ان هذه النزعة الفاشية الدموية الصريحة كانت بداية كارثة العراق وهي التي فتحت ابواب الصراعات الدموية فيه ، وكان هدفها تصفية الفكر القومي العربي والهوية القومية العربية واستهدف البعث فيها بشكل خاص لانه كان القوة القومية الرئيسية في العراق وكان حافظة الهوية القومية للامة العربية .

 

اما على مستوى القوى التي يدعمها الغرب فان البعث كان هدفها الاول خصوصا بعد عام 1963 والدليل هو التأمر على اول حكم للبعث في عام 1963 واسقاطه من قبل تحالف مشبوه قبل ان يكمل العام ، ومواصلة محاولات اجتثاثه جسديا وتنظيميا . ثم جاءت مرحلة محاولات شقه بتشجيع عناصر منه على التمرد على قيادته وكانت الستينيات زاخرة بالمؤامرات على البعث خصوصا اعتماد اسلوب السطو على اسم البعث ومحاولة تصفيته بحرقه من خلال ممارسات مدانة باسمه تشيطنه وتشوه صورته .

 

2 – حينما استلم البعث الحكم مرة اخرى في عام 1968 وكان قد اكتسب خبرة وعمقا بعد تجارب مريرة ، وشرع بتطبيق مفاهيمه واهدافه النظرية ووصل الى مرحلة حاسمة جدا في تطبيق نهجه الرئيسي ، متجليا بتأميم النفط في عامي 1971 – 1972 ، فانه اختار موقعه الطبيعي المنسجم مع تكوينه الفكري كحزب قومي تقدمي أشتراكي ، وكانت النتيجة هي بروز تحالف شرير اقليمي ودولي وعربي ضده وضد نهجه القومي الاشتراكي ، وكان هذا التحالف ، الذي ضم تيارات وحكومات من اقصى اليمين العلماني والديني الى اقصى اليسار ، مؤشرا لاهمية البعث ودوره التاريخي ، اذ لولا هذا النهج العملي والتطبيقي للمفاهيم القومية والاشتراكية لما اضطرت هذ القوى الى التحالف ضده رغم انها متناقضة في كل شيء الا الوقوف ضد البعث . بعد تأميم النفط اعلنت الحرب العالمية الشاملة ضد البعث ، حزبا وعقيدة ، وضد نظامه الوطني التقدمي والتي لم تنهي حتى الان ومازالت مستمرة .

 

3 – حينما جاء الاحتلال كان واضحا جدا وصريحا جدا : ان الهدف الرئيسي هو اسقاط نظام البعث وتصفية البعث تنظيما وفكرا وبشرا . وهنا يجب التذكير بحقيقة معروفة لكنها تهمل كثيرا وهي المتجسدة في السؤال التالي : لم اختارت امريكا تصفية البعث وتبنت قانونا فضائحيا وفاشيا يعاقب عليه القانون الدولي لانه يدخل ضمن ما يعد عمليات ابادة جماعية ؟ من المؤكد ان امريكا تعرف ماتفعل وهي ليست دولة تتصرف طبقا لردود فعل آنية بل هي دولة عرف عنها التخطيط المحكم لكل موقف وتصرف ، لذلك فان سياسة معاداة البعث التي تبنتها امريكا تنطوي على معان ودلالات ، اذا اغفلت ، اشر ذلك الى وجود خلل في البنية الادراكية او السياسية او الامنية لمن اغفلها . ان قانون اجتثاث البعث الذي اصدره الاحتلال لا يقتصر على منع البعث من العمل السياسي بل هو يشمل قمع عقيدته القومية الاشتراكية وتنفيذ ادق واخطر عملية شيطنة له من اجل تسهيل تصفية ملايين العراقيين الذين امنوا به او دعموه .

 

ان السؤال الذي تثيره هذه الحقيقة التاريخية هو : لم استهدف البعث على هذا النحو الشامل من دون بقية القوى السياسية العربية ؟

 

ان الحقيقة الرئيسية التي دفعت الاحتلال لمعاداة البعث على نحو منهجي وراسخ هي انه عند استلامه للسلطة حوّل اهدافه الى تطبيقات قدمت النماذج الاولية الصحية لمعنى العروبة والهوية القومية العربية ، من جهة ولمعنى الاشتراكية القومية في التطبيق العملي من جهة ثانية .  لقد برز البعث حزبا قوميا عربيا عملاقا اصيلا يناضل من اجل الوحدة العربية ونفذ سياسات عملية تجاه الاقطار العربية خصوصا الفقيرة تؤكد انه حزب قومي يريد اعادة بناء الوحدة العربية على اسس مشاركة كل العرب في الثروات القومية والوطنية . ان معاملة العربي غير العراقي مثل العراقي في كل شيء ، بما في ذلك تعيين سفراء عرب غير عراقيين سفراء للدولة العراقية ، كان تجاوزا مباشرا لسايكس بيكو وخطة تقسيم الامة العربية ورفض السماح لها بالنهوض مجددا والتحول الى قوة عظمى جديدة .

 

ان ثقافة البعث القومية ، والتي كانت الوحيدة التي قدمت انموذجا عمليا للتعامل مع كل العرب بصفتهم ابناء امة واحدة جزئت بالقوة ، هي التي دقت جرس انذار للصهيونية التي اقامت كيانها في فلسطين على اساس شرذمة العرب ومحو هويتهم العربية ، كما دق جرس الانذار للقوى الامبريالية العالمية التي كانت تسيطر على ثروات العرب وتنهبها بعد ان امم العراق نفطه وسخره لاعادة بناء الانسان العربي على اسس علمية وتقدمية وضعته في مستوى واحد مع الانسان في العالم المتقدم .

 

وهكذا فان تحالف الصهيونية والامبريالية العالمية ، وسندهما الاقليمي الاقوى والاخطر الشوفينية الفارسية ، قرر اجتثاث البعث على اساس انه مقدمة لابد منها لاجتثاث القومية العربية وتفتيت الاقطار العربية في سايكس – بيكو الثانية التي بدء تنفيذها بوصول خميني للسلطة في ايران .

 

4 – عندما نجح غزو العراق فان الهدف المركزي بعد الاحتلال كان تصفية البعث عقيدة وتنظيما وبشرا ، ولذلك كانت الحملات الدموية الفاشية منذ الايام الاولى للاحتلال تتركز على البعثيين بلا تمييز . لقد تعرض البعث الى ضربات مدمرة في عام 2003 وما بعده ادت الى استشهاد اكثر من 150 الف بعثي اما اغتيالا او اثناء مقاتلة الاحتلال . ان وضع جوائز مالية ضخمة لمن يخبر عن قادة البعث وتشكيل عشرات فرق الموت الامريكية والصهيونية والايرانية والكردية من اجل اغتيال اكبر عدد ممكن من البعثيين كان دليلا واضحا ولا يقبل الشك على ان هدف الاحتلال هو تصفية البعث بشرا وعقيدة كشرط مسبق لابد منه لتقسيم العراق ومحو هويته العربية . ولذلك فان قانون اجتثاث البعث كان عبارة عن تقرير لواقعة قائمة وهي ان العدو الرئيسي للاحتلال والهدف الرئيسي للاحتلال هو البعث ، وليس غيره ، ومن ثم فان القضاء عليه شرط مسبق لاستقرار ونجاح الاحتلال في العراق .

 

5 – لم يقتصر الاجتثاث على الابادة الجماعية للبعثيين ولا على حرمانهم من العمل والرزق بل شمل ايضا اعتقال مئات الالاف من البعثيين وتشريد مئات الالاف منهم داخل وخارج العراق ، ومنع الفكر القومي العربي وشن حملات منظمة ورسمية ضد القومية العربية والعقيدة القومية تحت غطاء القضاء على فكر البعث .

 

6 – في تلك الفترة ، وبينما البعث منغمس في واجبين واجب الدفاع عن النفس وواجب مقاومة الاحتلال ، برز فراغ نسبي في العراق ، في مجال الجهاد ، اذ ان تركيز حملات الابادة على البعثيين اجبرهم على تخصيص جزء كبير من طاقاتهم القتالية للدفاع عن النفس ، كما قلنا ، في حين ان غير البعثيين كانوا متحررين من هجمات الاحتلال ولم يكونوا معروفين سياسيا او عسكريا ، لذلك فان المقاومة بعد بضعة شهور من اقتصارها على البعث والبعثيين اخذت تشهد ولادة تنظيمات غير بعثية وبمساعدة كوادر البعث العسكرية والمخابراتية .

 

وعلى المستوى السياسي ونتيجة لانشغال البعث في مقاتلة الاحتلال والدفاع عن النفس تشكلت تنظيمات سياسية بعضها موالية للاحتلال بلغ عددها اكثر من  300 تنظيم ، كما تشكلت تنظيمات مناهضة للاحتلال ، تحت شعار ملآ الفراغ الذي حصل نتيجة لتعرض البعث ، وهو الحزب الرئيسي جماهيريا الذي قاد العراق لمدة 35 عاما ، لضربات قاتلة ومدمرة في الستة اشهر الاولى للاحتلال وتكرار هذه الضربات بصورة دورية ومنظمة .

 

ان الدعوة لبناء المشروع الوطني بدأت في ذلك الوقت ، اي الاشهر الاولى للاحتلال ، وكان من الطبيعي ان تستيقظ شخصيات وكتل صغيرة كانت نائمة او لا دور فعال لها لتحاول ملآ الفراغ . فكرة ملآ الفراغ اذن نشأت اصلا نتيجة بروز تصور ان البعث الذي كان يملآ الساحة العراقية لعدة عقود قد انتهى او اضعف بشكل جوهري يحول بينه وبين لعب دور الحزب الرئيسي . ان نشوء ( المؤتمر التأسيسي العراقي ) مثال واضح على فكرة ملآ الفراغ ، كما ان عشرات الاحزاب والكتل التي تشكلت كانت تطمح في ان تحل محل البعث او على الاقل ان تكسب جزء من شعبيته وتلعب قسما من ادواره .

 

7 – لجأت المخابرات الامريكية والبريطانية منذ الاسابيع الاولى للاحتلال الى محاولة استقطاب قواعد وكوادر البعث من خلال تشكيل تنظيمات جديدة من اجل ضم البعثيين اليها خصوصا الذين انقطعت صلتهم بالحزب في الخارج والداخل ، واتخذت هذه المحاولات اتجاهين واضحين :

 

الاتجاه الاول موال علنا للاحتلال نفذه اياد علاوي الذي استولى على مدرسة الاعداد الحزبي بعد الغزو واخذ يتصل بكوادر بعثية ويدعوها للعمل معه في حزبه ، تحت ضغط التهديد بالموت ، على اساس ان البعث انتهى ، وقدم إغراءات كثيرة لمن يلتحق به ، لكن هذه المحاولة فشلت كليا ولم يقع في فخ علاوي الا نفر قليل جدا تراجع بعد ان عرف ان علاوي فاشل بكل المعايير .

 

الاتجاه الثاني أتخذ شكل مناهضة للاحتلال نفذته عناصر في اوربا وقام على ادعاء انها بعثية لكنها تعمل تحت غطاء غير بعثي وشكلت تنظيما هشا ومحدودا جدا يتألف من افراد بعدد اصابع اليد الواحدة ، كان مفروضا ان يقوم على استقطاب البعثيين في خارج العراق خصوصا في اوربا ، وكانت شعارات هذه الجماعة وطنية معادية للاحتلال . ولقد دعمت هذه العناصر وشجعت من قبل بعثيين سابقين وكان طموحهم هو استقطاب اكبر عدد ممكن من البعثيين .

 

ومن البديهي ان محاولة استقطاب بعثيين وضمهم الى تنظيمات جديدة غير بعثية يشكل احد اهم متطلبات خطة اجتثاث البعث مادام الهدف هو تجريد البعث من كوادره وقواعده ، لذلك فان هذه التنظيمات حتى لو كان من عمل فيها طيب النية كانت موجهة من قبل المخابرات الامريكية او البريطانية وهو ما ثبت فيما بعد .

 

8 – ونتيجة للحملات الدموية ضد البعث المقترنة بمنع مناضليه من الظهور في الاعلام للرد على الاكاذيب التي نسجت لشيطنته امام الراي العام وتدمير معنويات البعثي الذي انقطع عن الحزب وجعله جاهزا للانضمام الى اي تنظيم غير بعثي ، فان البعث غاب عن ساحة الاعلام ، فلا الفضائيات تستضيف البعثيين ولا الصحف تنشر لهم مقالات ، ولذلك لم يبق الا الانترنيت وسيلة لرفع صوتهم وتنبيه العالم الى ان البعث مازال مقاوما شرسا للاحتلال .

 

9 – في تلك الفترة – عزل البعث اعلاميا وسياسيا وتعريض مناضليه  للتصفيات الجسدية وبروز تنظيمات جديدة تدعو البعثيين للالتحاق بها – ظهرت صورة غير حقيقية للبعث وهي انه كاد ان يغيب عن الساحة ، وهذا بالضبط احد اهم اهداف اجتثاث البعث . وبتأثير هذ الفكرة المضللة اندفع البعض في تبني فرضية انتهاء البعث ومن ثم من الضروري تقديم مشروع بديل يحل محل مشروع البعث ويملآ الفراغ الذي حصل .

 

10 – ومما ساعد على ترويج فكرة انتهاء البعث او ضعفه الشديد قرار الحزب السابق للغزو بعدم العمل ضد الغزو باسماء بعثية وضرورة انتشار كوادر البعث العسكرية والمدنية في مختلف التنظيمات التي ستظهر ، او قيامهم بتاسيس تنظيمات غير بعثية وباسماء اسلامية مهمتها استقطاب اكبر عدد ممكن من العراقيين في طار المقاومة المسلحة ، فاوحى هذا التوجه للبعض بفكرة خاطئة وهي ان البعثيين قد تمزقوا وتحولوا الى اتجاهات اخرى وان من يقود المقاومة منهم لا يقودها بصفته بعثيا بل بصفته مجاهدا . ومن المؤسف ان بعض العناصر المعادية للبعث ايديولوجيا ، كالتكفيريين ، قد استغلت هذا الواقع للترويج لفكرة انتهاء البعث ومقاومته المسلحة !

 

ولكن البعث هو البعث

 

الان وفي العام السابع للغزو لابد من التساؤل : ماهي احدى اهم الحقائق التي تفرض نفسها  في العراق ؟  بعد كل الكوارث التي حلت بالبعث كحزب جماهيري ، واهمها ابادة اكثر من 150 الف بعثي نتيجة تطبيق قانون اجتثاث البعث ورد البعث على الغزو بمقاومة مسلحة نادرة في العالم ، ورغم كل الجهود الهائلة والشاملة دوليا وعربيا واقليميا وعراقيا التي بذلت لاعادة تشكيل العراق سياسيا وصنع بديل سياسي جماهيري عن البعث ، فان اي مراقب واي عارف بما يجري في العراق لابد ان يلاحظ ان البعث مازال الرقم الاصعب والقوة الرئيسية سياسيا وعسكريا ، والتنظيم الوحيد الذي يغطي العراق كله والوحيد الذي يمثل كل العراقيين . لنناقش واقع التنظيمات في العراق من اجل تأكيد الحقيقة السالفة الذكر .

 

الملاحظة الجوهرية الاولى التي يجب الانتباه اليها هي ان كل التنظيمات السياسية ، التي نشأت بعد الاحتلال او نشطت بعده ، سواء كانت احزابا او جبهات او هيئات دينية والتي ارادت ملآ ما سمي ب( فراغ العراق ) ، على اساس فرضية مضللة وضالة وهي ان البعث قد انتهى او ضعف ، تجد نفسها الان تواجه معضلة انها مجرد مكاتب يسكنها افراد معدودين ، فلا حركات جماهيرية منظمة وقوية تسندها ولا اطار وطني يجمع الجميع ويمثل كل العراقيين . ورغم تشكيل اكثر من 300 حزب سياسي بعد الغزو فان الشعب العراقي لا يعرف الان حتى اسماء هذه الاحزاب ولا اسماء مؤسسيها . ان الدرس الكبير بعد ست سنوات احتلال هو انه لا يوجد تنظيم جماهيري وشعبي وطني يمثل كل العراقيين غير البعث .

 

اما الملاحظة الجوهرية الثانية فهي ان الاحزاب التي لديها قاعدة جماهيرية ، ولو محدودة كما يعرف الجميع ، تمثل توجها طائفيا مقيتا واضحا ، وهي لذلك لا تمثل الشعب العراقي وحركته الوطنية بل هي جزء من احتياطي الاحتلال وعملاء له ومثيري الشغب الطائفي السني والشيعي . ان ماورد في الفقرتين 1 و2 حقيقة معاشة ولا يقصد بها التقليل من شأن احد على الاطلاق ، ولا مصادرة الحق الطبيعي لاي انسان بتبني اي راي ، لكنها الحقيقة التي يجب الاعتراف بها والتعامل معها بصورة منطقية ، ونحن نتحدى ، من باب لفت النظر واسقاط اوهام قد تكون سائدة لدى البعض ، من يقدم حزبا او تنظيما واحدا لا ينطبق عليه ماورد في الفقرتين المذكورتين .

 

- يتبع -

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٣ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / حزيران / ٢٠٠٩ م