خطابا اوباما : قبلة يهوذا الاسخريوطي

 
 
 

شبكة المنصور

صلاح المختار

أظلم من الظالم من يساعد الظالم على ظلمه

مثل

 

حينما القى الرئيس الامريكي باراك اوباما خطابه في تركيا  كان واضحا جدا ، واكثر من دعايات حملته الانتخابية ، انه يريد تجميل وجه امريكا القبيح وانقاذها من اكبر كارثة في التاريخ الامريكي وهي غزو العراق ، كما وصفت الحالة مادلين اولبرايت وزيرة خارجية امريكا السابقة ، من خلال سياسة جديدة في الشكل لكنها تبقي توجهات امريكا استعمارية دون تغيير حقيقي . هذا الانطباع الاولي تأكد وتعزز بعد القاء اوباما خطابه في القاهرة يوم 4 / 6 / 2009 ، خصوصا وان المضامين التي قام عليها الخطاب خطيرة بعكس ما قد توحي لبعض من يريد للنهج الامريكي ان يمر بغطاء جديد مقبول رغم انه هو نفسه النهج الاستعماري التقليدي لامريكا .

 

ما هو الهدف البعيد والمركزي الذي يريد اوباما الوصول اليه والذي بقي مخفيا بعناية ؟

 

بيئة مجافية لامريكا

 

قبل كل شيء لنتذكر ، ونذكّر ، بام الحقائق التي تحرك اوباما وكانت وراء انتخابه رئيسا ، وهي كارثة امريكا الاعظم في تاريخها التي تواجهها نتيجة فشل خطة غزو العراق ، كما اتفق العديد من قادة امريكا على وصفها ، تلك الكارثة التي اوصلت النظام الراسمالي الامريكي الى حافة الانهيار الكامل ، وفيما يلي بعض تجلياتها الخطيرة :

 

1 - الانهيار المالي ما هو الا راس جبل الجليد الطافي لتلك الكارثة - الازمة ، ومصدر خطورتها القاتل هو انها ازمة بنيوية  (Structural crisis) وليست ازمة اقتصادية او مالية ، والازمة المالية ليست سوى مظهر ثانوي من مظاهرها . بتعبير اخر انها ازمة شيخوخة النظام الراسمالي وليست مرضا عابرا اصابه ، وكما في شيخوخة اي مخلوق حي فان عكس او تغيير اتجاه ازمة الشيخوخة مستحيل وان كان ممكنا تأخيرها او تخفيف مظاهرها . ومن البديهي والثابت ان المقاومة العراقية المسلحة للغزو الامريكي هي السبب الرئيسي في دفع الازمة البنيوية ، التي بدأت بالظهور والتفاقم منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي ، الى مرحلة الكارثة نتيجة الاستنزاف الاسطوري لموارد امريكا المالية اولا والبشرية ثانيا .

 

ان استنزاف المقاومة العراقية لامريكا لا تظهر خطورته واهميته التاريخية في تغيير اتجاهات امريكا الستراتيجية الا اذا اخذنا بالحسبان ان الازمة البنوية لا تسمح لامريكا بالتجدد بسهولة كما كانت حتى حرب فيتنام ، لان جسدها واليات عملها قد تصلبت وفقدت مرونتها وهذا العجز الفيزيولوجي ( الجسدي ) للراسمالية الامريكية عجز بنيوي مصدره ازمة الشيخوخة ، لذلك فان المقاومة العراقية وهي تجبر امريكا على الاعتماد على مواردها لتغطية غزو العراق ، وليس على موارد النفط العراقي كما اراد من خطط لغزو العراق ، قد فجرت اخطر ما في الازمة البنيوية الامريكية وهو العجز عن مواصلة تغطية تكاليف حرب هي الاكثر تكلفة في تاريخ حروب امريكا . مرة اخرى نذكر بمثال واحد فقط لاثبات صحة ما نقول ، اذا ان الدين العام الامريكي كان قبل غزو العراق حوالي 4,2  تريليون دولار ، والان في عام 2009 اصبح 11 تريليون دولار ، وهي زيادة خيالية سببها الاول والاهم غزو العراق وتفجر مقاومة مسلحة لم تتوقعها امريكا .

 

2 – سقوط اسطورة ( اقوى جيش في العالم ) وهو الجيش الامريكي الذي تحول الى الشحاذة في مجال التجنيد والاعتماد على المرتزقة من الشركات الخاصة ، واصبح بفضل عظمة المقاومة العراقية التي جرته الى مقتل العراق عاجزا عن الدفاع عن امريكا في الداخل ، وهو ما أثبتته الكوارث الداخلية كاعصار كاترينا . ولقد وصل حسم المقاومة العراقية الى حد اسقاط اهم ستراتيجية عسكرية تقليدية اعتمدتها امريكا وهي ستراتيجية خوض حربين في وقت واحد . لقد اصبح الهروب من الجيش الامريكي ظاهرة كبيرة وواضحة كما ان الانهيارات المعنوية لهذا الجيش اصبحت مشكلة امريكية داخلية حيث يوجد الان اكثر من مليون عسكري امريكي أصيبوا بعوق نفسي او بدني وبدرجات مختلفة نتيجة غزو العراق .

 

3 – سقوط نظرية الحسم بالتفوق التكنولوجي الحديث اذا ان الاستخدام الامثل والاعظم للتكنولوجيا في الحرب برز في القوات المسلحة الامريكية ومع ذلك فان قدرة المقاومة العراقية العلمية والتكنولوجية القائمة على خبرات هيئة التصنيع العسكري العراقية وجيش العلماء والمهندسين العراقيين قد عطلت هذه التكنولوجيا ولم تقود الى انتصار امريكي .

 

4 – انكشاف العيوب البنيوية الامريكية امام العالم كله فقد راي العالم المقاومة العراقية وهي تدحر القوات الامريكية وتفشل كل ما لديها من خيارات وامكانيات هائلة وغير مسبوقة في مجالات التكنولوجيا والعلم العسكري والمال الخ، وكان السؤال الذي أيقض العالم من غيبوبة الرعب من امريكا هو اذا كانت المقاومة العراقية التي وصفت بانها يتيمة لافتقارها للدعم الخارجي قد نجحت في اذلال امريكا وافشالها فهل يمكن لامريكا غزو بلد اكبر واغنى واكثر تقدما من العراق اذا توفرت ارادة القتال ؟

 

5 – سقوط اساطير امريكا حول حقوق الانسان والديمقراطية والقيم الامريكية ، التي ارادت فرضها على العالم ، نتيجة الجرائم التي ارتكبتها في العراق وكان اهمها جريمة ابو غريب – وهي جريمة تكررت في كل السجون الامريكية - وابادة اربعة ملايين عراقي منذ عام 1991 وحتى الان منهم اكثر من مليوني عراقي بعد غزو العراق ، وتشريد اكثر من ستة ملايين عراقي من ديارهم وتدمير الدولة والمجتمع ، كل ذلك نتيجة اكاذيب سوقت الغزو وبررته وعرف العالم بعد اعتراف امريكا بانها كانت اكاذيب صرفة كاسلحة الدمار الشامل او الصلة بالارهاب . لقد سقطت سمعة امريكا في اوحال العراق والجرائم البشعة التي ارتكبتها فيه ولم يعد احد يجرؤ على القول بان امريكا تدافع عن حقوق الانسان او الديمقراطية .

 

6 – انتهاز القوى الصاعدة لحالة الهزيمة والعجز الامريكيين نتيجة غزو العراق لتحقيق تقدم هائل في كافة المجالات على حساب الدور الامريكي ، فلقد صعد اتحاد اوربا والصين وروسيا واليابان والهند وغيرها ، وتفوقت هذه الكتل الدولية على امريكا في المجالات التجارية والتكنولوجية وبدات تنافسها سياسيا في العالم وصار مألوفا تحدي امريكا من قبل اطراف عديدة .

 

7 – اكتشفت الحكومات العربية التي تدعمها امريكا انها غير محمية لان من يحميها عجز عن حماية نفسه واصبح مكشوفا اقليميا ودوليا ، بسبب غزو العراق ، لذلك بدأت اغلب هذه الحكومات تبحث عن ضمانات لها حتى ولو كانت مع منافسي امريكا الاقليمين كايران او الدوليين كفرنسا وروسيا والصين ...الخ ، وهكذا اصبحت اهم المصالح الامريكية في العالم مهددة مع ان غزو العراق كان في احد اسبابه حماية هذه المصالح وتوسيعها ! لقد انتهى عصر ارادته امريكا ان يكون عصرا امريكيا وفقدت امريكا المبادرة نتيجة التورط في العراق .

 

8 – وبدلا من اقتصار استخدام التطرف الديني (  المسيحي ، اليهودي ، الهندوسي والاسلامي )، الذي دعمته امريكا عالميا منذ السبعينيات ، خصوصا في افغانستان والعراق ، على خدمة الهدفين الامريكيين الابرزين وهما تدمير المعسكر الشيوعي والقضاء على قوى التحرر الوطني والقومي ، بنشر الفتن الدينية والطائفية والاثنية وجعلها تحل محل الصراعات التحررية في العالم الاسلامي ، خصوصا في الوطن العربي ، بدلا من ذلك فان التطرف الديني ، الاسلاموي بشكل خاص ، باحتوائه في قلب جيناته المكونة والمقررة لطبيعته على بذور التشرذم ، تشرذم تنظيماته الدوري والحتمي وتشرذم المجتمعات بتأثير فوضاه العارمة ، اصبح يولد تلقائيا ، او نتيجة لتخطيط آني هش ، لعنة الفوضى الحادة غير المنضبطة ، التي ترعب امريكا ، لانها بلا بوصلة تحدد اتجاهها ، وليس ( الخلاقة ) ، التي تريد امريكا بواسطة بوصلتها المضبوطة السيطرة عليها واستخدامها لانهاء الاعداء والمنافسين .

 

ان الفوضى المنفلتة ، الناشئة عن التطرف الاسلاموي والمحركة له حتما ، تهدد بهدم مصالح امريكا مع تهديم الاوضاع القائمة في المنطقة والعالم ، بحكم الآليات الخاصة بدوغمائية التطرف والقائمة على التنغّيل المنفلت ( من نغّل ) والغريب للظواهر والاتجاهات ، وتوالد الأرانب الناجم عن ( زواجات المتعة ) العشوائية والفوضوية للفكر الاسلاموي وتنظيماته ، ولذلك وصفت كونداليزا رايس الفوضى التي تريدها امريكا ب ( الخلاقة ) تمييزا لها عن الفوضى المنفلتة . ان تاريخنا الاسلامي عرف هذه الحقيقة بشكلها المأساوي  منذ ظهرت الفرق والنحل الاسلاموية المتطرفة والمتناقضة لتؤشر بدء رحلة أفول الدولة العربية نتيجة ضغط الفوضى المدمرة التي نشرتها الفرق والنحل ، وكانت احد اهم اسباب انهيار الدولة العربية الاسلاموية .

 

 لذلك اصبح ضروريا جدا ، بل وحتميا ، ان تعيد امريكا تنظيم وتجميل وإعادة تأهيل ما يسمى ب( الاعتدال الاسلامي ) وضمان سيطرته على العالم الاسلامي والوطن العربي ، مباشرة بواسطة احزابه او من خلال انظمة محسنة ، من اجل ان يواصل دوره التقليدي الأصلي والأصولي ، الذي ارتبك وضعف وهزم تقريبا نتيجة بروز ظاهرتين : ظاهرة فوضى التطرف الاسلاموي السني والشيعي ممثلا بالتكفيريين  فيهما ، وظاهرة الصعود القوي وغير المحسوب للتيار القومي العربي المقاوم في العراق منذ عام 1991 واصبح خصوصا بعد بعد غزو العراق مرشحا ليكون القوة الرئيسية في الساحة العربية ، مع ان الهدف المركزي لامريكا والكيان الصهيوني ، منذ ضرب القائد المرحوم جمال عبدالناصر ، كان تصفية التيارات القومية العربية كليا بضربها بنظم او بتيارات اسلاموية ، او بإنهاكها بصراعات متنوعة مع المحيط وفي داخلها ، لا تسمح لها بتنفيذ برنامجها القومي التحرري فتفشل .

 

واعادة التنظيم وتعظيم الدور ل (الاسلام المعتدل ) هدفه الواضح هو نفسه الهدف القديم التقليدي منذ المرحوم عبدالناصر : محاصرة القومية العربية والفكر التقدمي بكافة الوسائل لانهما اخطر اعداء امريكا والكيان الصهيوني نتيجة قيامهما على الواقعية والتعامل مع حالات محددة واهداف ملموسة وهي تحرير الارض وتوحيد اقطار الامة والابتعاد عن الغيبيات ، وممارسة التوحيد الجماهيري على اسس المواطنة والعروبة المجردة من اي تقسيم ديني او طائفي او اثني ، بعكس التيارات الاسلاموية التي تقرر مسيرتها وخياراتها جيناتها المكونة وهي جينات الشرذمة والتقسيم ، كما اثبتت التجربة التاريخية في العقود الخمسة المنصرمة . 

 

محاور جهد اوباما التمهيدي

 

ما هي خلاصة النقاط الثمانية ؟

ان الهوس القاتل والمس الجنوني المسيطر على القوى التي تصنع مسار السياسة الامريكية ، اسمه كابوس المقاومة العراقية المسلحة لانها لم تضع مشروع ( القرن الامريكي ) ، اي انشاء امبراطورية عالمية بزعامة امريكا ، امام سقوط محتم فقط بل هي دفعت امريكا الى حافة التشطير والتشرذم من داخلها ، وهو مصير أرادته للعراق والاقطار العربية ، هذا الهوس والجنون لم يعودا صامتين في العام السابع لغزو العراق المتميز بتصاعد مذهل للعمليات العسكرية للثورة العراقية المسلحة ، وليس تراجعها كما تروج اله الاعلام الغربي – الايراني ، بل اصبحا صراخا مكتوما واضحا كمن يعظ على جرح اكبر من فمه فيسيل الدم غزيرا كانه يتدفق من الفم وليس من الجرح .

 

ان العراق المقاوم هو ، في الواقع وعمليا ، المركز الرئيسي والاهم للجهد الامريكي العام في اطار عملية اعادة رسم السياسة الامريكية عالميا ، لان المقاومة العراقية ، وليس غيرها ، هي التي عجلت في تفجير الأورام البنيوية في جسد النظام الراسمالي الامريكي وجعلتها ألية استنزاف قاتلة له ، من خلال منع الدواء الرئيسي له وهو استثمار النفط العراقي بعد وضعه تحت يد امريكا وتحويله الى اخطر اداة ابتزاز لكل العالم ، فمهدت – اي المقاومة العراقية - لتراجع كارثي في الدور الامريكي العالمي وتقلص واضح في نفوذ امريكا وصعود سريع لمنافسين دوليين لها ، وتحديات تصدر من قوى اقليمية ، كما في امريكا اللاتينية ، فانكشفت عيوب امريكا وسلطت الاضواء على معاداتها للعرب والمسلمين بصورة كاملة الوضوح ، كما تجلت في سياسة بوش الابن ...الخ .

 

اذن ، وبما ان العراق هو خرم الابرة الذي سمح بتسرب الطاقات الامريكية منه ، فان ايقاف هذا التسرب يكون بغلق خرم الابرة العراقية اي حل مشكلة وجود عجز امريكي كامل وخطير عن تحقيق اي تقدم فيه ، ولكن بطاقات غير امريكية على اعتبار ان كل قدرات وطاقات امريكا الرئيسية والاحتياطية قد استخدمت واستنزفت وفشلت في تحقيق اي تقدم امريكي .

 

هنا نصل الى قلب الموضوع ، وهو ما ركز عليه اوباما في خطابيه في تركيا والقاهرة وجهوده الدبلوماسية والسياسية منذ تولى الادارة . يمكن تلخيص اهم مراكز اهتمام ادارة اوباما في نقطتين : الاعتراف بفشل السياسات السابقة له والدعوة لحشد القوى ،  امريكيا وعربيا واسلاميا وعالميا ، من اجل انجاح البديل الامريكي الجديد .

 

وتبدو اتجاهات حشد القوى خلف امريكا ولدعمها كما يلي :

1 – اكد اوباما ما دعا اليه بوش وهو ضرورة تطبيق حل الدولتين اي قيام دولة فلسطينية – قزمة ومقزمة ومهمشة - الى جانب الكيان الصهيوني من اجل ( وضع حد للصراع العربي الصهيوني واحلال السلام ) . وهذه الدعوة هدفها تخدير العرب وضمان دعمهم لها .

 

2 – انتقد بوضوح وبصورة لافتة للنظر بناء المستوطنات الصهيونية ودعا لوقفها ، وهذه ايضا دعوة لتشجيع انظمة عربية على دعمه علنا .

 

3 – اثناء زيارته للسعودية ومقابلته للملك السعودي عبدالله قال اوباما انه يريد استشارة الملك في خطواته القادمة في ( الشرق الاوسط ) ، ولغة ( الاستشارة ) هذه جديدة وغير مألوفة وتكشف طبيعة وعمق كارثة امريكا خصوصا اذا تذكرنا انها كانت تملي وتأمر بغرور وتعال على الاخرين كلهم تقريبا .

 

4 – اكد ان امريكا ليست في حالة صراع وعداء مع الاسلام وانها تريد علاقات جيدة معه بعكس سياسة بوش التي قامت على شن ( حرب صليبية ) على العالم الاسلامي كما قال .

 

5 – ان التركيز على تركيا ومصر والسعودية رسالة واضحة تحدد الخيار الامريكي الجديد وهو القائم على تحشيد كل طاقات العالم الاسلامي من خلال مفاتيحه الرئيسية من اجل تحقيق هدف مركزي خطير .

 

6 - دعم اوباما دخول تركيا الاتحاد الاوربي وتأييد موقف تركيا من حزب العمال الكردي توجه مهم جدا في تحقيق الهدف الامريكي المركزي .

 

7 – ان بدء صفحة جديدة مع ايران تتميز بالدعوة للمصالحة والتفاهم ما هو الا تمهيد لاقامة علاقات ستراتيجية مع ايران ولكن بعد احداث تغيير سياسي سلمي داخلها ، في اطار ما يسمى ب ( الشرق الاوسط الجديد ) او الموسع .

 

8 – النبرة التصالحية مع روسيا وبدء صفحة جديدة من التعاون معها من اجل ازالة اسباب التوتر الذي خلقه مشروع الدرع الصاروخي الامريكي مما يسمح لامريكا بالتفرغ للهدف المركزي .

 

9 - التقرب من الاتحاد الاوربي والتخلي عن سياسة بوش الاستفزازية تجاهه وكسب دعمه لمعركته الرئيسية القادمة .

 

10 – انهاء عزلة كوبا .

 

11 – مد اليد لشعوب امريكا للاتينية من اجل بدء صفحة جديدة من العلاقات الودية معها .

 

12 – اعتماد ماورد في توصيات في تقرير بيكر – هاملتون حول العراق وهو اشراك سوريا وايران في حل مشكلة العراق وهو توجه يؤكد وجود صفقة اقليمية على حساب العراق . 

 

هذه التوجهات التي برزت في خطابات اوباما  ماذا تعني ؟

انها تعني ، اولا وقبل كل شيء ، ان امريكا مقبلة على تحقيق هدف مركزي يسمح لها بالتحرر من كارثة الاستنزاف القاتل لها في العراق والتفرغ لاعادة تأهيل نفسها مجددا ، كقوة رئيسية في عالم متعدد الاقطاب ، وهذا الهدف المركزي هو حل مأزق العراق . اوباما بتحركاته وخطاباته يبذل محاولة ( ربع الساعة ) الاخير وهي محاولة طويلة المدى لحشد كل الطاقات الدولية والاقليمية والاسلامية والعربية من اجل معالجة السبب الرئيسي في كارثة امريكا وهو التورط في مستنقع العراق ، فالمطلوب الان هو اخراج امريكا من المستنقع العراقي ، وايقاف الاستنزاف المدمر لها في العراق ، حتى لو فرض ذلك تجميد الصراعات الاخرى وعقد تحالفات مصلحية اضطرارية مع اطراف كانت امريكا تستبعدها ، وتقديم تنازلات لها على حساب الامة العربية والعراق .

 

ان ما تريده امريكا الان هو غلق كل الملفات الساخنة وتوجيه كل الطاقات لغلق الملف العراقي ، من هنا فان حماسة اوباما لحل الدولتين والتقرب الى المسلمين ، مثل دعم دخول تركيا الاتحاد الاوربي ، واعادة تشكيل العلاقات مع ايران وتغيير صورة العلاقة مع مصر والسعودية وسوريا  ، وتخفيف التوتر مع الكتل الدولية والاقليمية ، هدفه الواضح هو تسهيل تسخير منظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية والاتحاد الاوربي والامم المتحدة من اجل غلق الملف العراقي بصورة تخدم امريكا ، من خلال مسار امريكي جديد يقوم على حل امريكي يقدم على انه حل مشترك دولي وعربي واسلامي في العراق .

 

هنا يعيد اوباما التاكيد ، والاعتراف بشكل كامل وليس جزئي كما فعل سلفه ، بان ام المعارك تدور في العراق وليس في اي مكان اخر وان الصراع مع المقاومة العراقية هو الصراع الرئيسي في العالم وليس اي صراع اخر ، لذلك فان كل الجهود وكل الترتيبات تخضع لضرورات الحسم في العراق . وهذه الجهود تتطلب وتفرض ، اولوية لا تسبقها اخرى ، وهي اعادة رسم صورة امريكا عالميا وعربيا واسلاميا وازالة مظاهر البشاعة والقبح التي نشأت او تضخمت بصورة خاصة عقب غزو العراق .

 

الخطوة المتوقعة

 

المطلوب هو تقديم حلول ، خصوصا للقضية الفلسطينية ترضي بعض العرب والمسلمين لكنها تقوم على التفريط بالعراق قطرا وثروات وهوية ، ان العراق هو الجائزة الاعظم لامريكا في عصر تدهور مكانتها وتعرضها للسقوط . وكما ان ايران تقدم رشاوى مالية وسياسية لحماس وحزب الله من اجل التعتيم على مشاركتها في ذبح العراق باسم فلسطين ، فان امريكا اليوم وتحت ادارة اوباما تريد حل كل القضايا الاقليمية ، وبالاخص قضية فلسطين ، من اجل اقناع اوربا وروسيا والعرب ، حكاما وبعض الجماهير وغيرهم ، بالتضحية بالعراق .

 

هل هو انقلاب في السياسة الامريكية ؟ نعم انه انقلاب ولكن في الأساليب فقط اما الستراتيجية فمازالت قائمة على استعمار العراق وتحويله الى اهم قواعد الانطلاق الامريكية لتحقيق التقدم اقليميا وعالميا . والخطة الامريكية التي يريد اوباما تحقيقها تقوم على ما يلي :

 

1 – زج كل الطاقات الاقليمية والاسلامية والعربية والعالمية في عملية حل ازمة العراق .

 

2 – تقدم امريكا الى امام بأقدام الامم المتحدة والجامعة العربية وليس باقدامها وبمساعدة منظمة المؤتمر الاسلامي .

 

3 – اصدار قرار من مجلس الامن يؤطر ادوار الدول والمنظمات المذكورة في اعلاه في الحل القادم ، خصوصا وضع العراق تحت اشراف الامم المتحدة وربما الجامعة العربية ، واخفاء الدور الامريكي المباشر ، وهذه اسوأ واخطر عملية احتيال من اجل اغتيال منظم للعراق لان هاتين المنظمتين هما من كانتا غطاء تدمير العراق منذ العدوان الثلاثيني وستعودان الى لعب دور المدمر لاستقلال العراق لانها اداتان بيد امريكا مباشرة او عبر الانظمة العربية . ويمكن ان يتضمن القرار مبدأ الربط اي اعلان حل الدولتين الفلسطينية واليهودية وحل ازمة العراق . وربما سيتضمن القرار حلا لعقدة امريكا مع المقاومة وهي التعويضات للعراق ، اذ ربما ينشأ صندوق دولي وليس امريكي لتعويض العراق واعادة الاعمار فيه .

 

4 – هذا الحل هو محاولة توريط فصيل مقاومة او اكثر في التفاوض مع امريكا مع تعمد استفزاز الفصائل الاخرى من خلال عدم مفاوضتها . وهذه الخطوة مهمة وتحتاج لشيء من التوضيح ، فالمطلوب امريكيا هو ليس تسليم السلطة للمقاومة بل توريط فصيل او اكثر بتقديم وعود مغرية له وجره الى التفاوض وربما تسليمه الحكم ، ولكن بما انه فصيل صغير وبلا قواعد شعبية ويفتقر لحزام امن عسكري واستخباري وتنعدم لديه الخبرة ببناء الدولة والمجتمع فان تسليمه الحكم مقابل توقيع اتفاقية النفط والغاز مع امريكا سوف يؤدي الى ذبح هذا الفصيل من قبل الفصائل الاخرى الي ترفض هذا الحل ، وهنا تبدأ امريكا بتنفيذ مخططها الجهنمي وهو تحويل العراق الى صومال اخر واندلاع صراعات دموية بين فصائل المقاومة ، وتشجيع امريكا وصول امراء حرب الى السيطرة على مدينة او محافظة دون مساعدة اي منها للسيطرة على كل العراق .

 

بهذا السيناريو تريد امريكا ورغم هزيمتها ستراتيجيا ان تبقى في العراق على الاقل بشكل سيطرة واضحة على نفط وغاز العراق وربما اقامة قواعد محدودة ولكن مهمة جدا ستراتيجيا . ان تمزق المقاومة وانخراطها في صراعات دموية  من اجل  السيطرة على السلطة ، وقيام الانظمة العربية بدعم هذه الخطة من خلال الجامعة العربية التي ستصبح شاهد زور ، وتولي الامم المتحدة اضفاء الشرعية على الوضع الجديد بقرار دولي ، هي خطوات مترابطة ومتسلسلة لجعل العراق بيد امريكا فعليا وقانونيا .

 

ما الحل ؟

 

وهذا السيناريو الامريكي الواضح يؤكد ، ويرسخ في ان واحد ، فكرة ان تحرير العراق وطرد الاحتلال فعليا مستحيلة من دون ما يلي :

 

1 - مواصلة المقاومة المسلحة والاعتماد عليها كليا حتى في المسارات السياسية القادمة ومنها التفاوض بوفد مشترك ، وعدم السماح للبندقية بالصمت الا بعد خروج اخر جندي امريكي وايراني من العراق .

 

2 – أكمال وحدة فصائل المقاومة باسرع وقت والاتفاق على عدم التفاوض الا بوفد موحد يمثل على الاقل القوى والفصائل الاساسية ، وبعد الاتفاق على برنامج تفاوض بحدود ومطاليب واضحة وملزمة . والضرورة القصوى لانضمام الاجنحة السياسية للفصائل كلها ، او على الاقل الرئيسية ، الى الجبهة الوطنية والقومية والاسلامية لتكون التنظيم السياسي الموسع والشامل الممثل للمقاومة امام العالم .

 

3 – الاتفاق الواضح ايضا على ان الحكم بعد التحرير لن يكون الا ائتلافيا ديمقراطيا لا مجال فيه لاستخدام القوة او الفرض او الانفراد بالحكم تحت اي ذريعة او حجة .

 

4 – نبذ نزعة السلطة والتسلط لدى البعض والتوقف عن محاولة شق القوات المسلحة العراقية ، من قبل انفار معدودين ومعروفين ، وضرورة ابعادها عن الصراعات السياسية والايديولوجية بين الفصائل واحترام دور قيادتها العامة الشرعية وعدم محاولة تحديها باي شكل من الاشكال ، لان محاولة كهذه تعد اهم اسلحة الاحتلال لتفتيت القوة الضخمة والضاربة الوحيدة الموجودة في الساحة ، مادامت القوات المسلحة هي الحاضنة الاساسية للمقاومة الان بكافة فصائلها ، ومادامت قوة الردع الوطني الوحيدة التي تمنع التشرذم بعد التحرير وتضمن استتباب الامن خلال ساعات او بضعة ايام  .

 

لتكن القوات المسلحة العراقية بعيدة عن المناورات ومحاولة اختراقها ، خصوصا ان اي محاولة ستكون فاشلة لوجود قوة مركزية شرعية مسيطرة على القوات المسلحة وهو امر معروف ، لذلك فان من يحاول شقها سوف يعرضها لمشاكل وصداعات .

 

اذن اوباما لم يأتي وهو يحمل غصن زيتون بل جاءنا ممثلا بارعا يحركه من خلف الستار مخرج عبقري ، هدفه الاساس حل مشكلة العراق لصالح امريكا ، وحل قضية فلسطين لصالح الصهيونية ، مع دعم واضح لأنظمة عربية ولمنظمة المؤتمر الاسلامي والجامعة العربية عبر ضغطه من اجل ايقاف الاستيطان ، والتفاوض مع الكيان الصهيوني بواسطة وفد مشترك من حماس وفتح ، لتبدو مكسبا لتلك الانظمة ، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين بتوطينهم في غرب العراق والاردن ، وحل مشكلة الاعتراف بيهودية الكيان الصهيوني على حساب الكيان الوطني الاردني ، لان يهودية الكيان ستؤدي الى  قذف الاف الفلسطينيين الى خارج الدولة اليهودية الخالصة .

 

اما ايران فانها وسط هذه التحولات تبدو الطرف الاقليمي الاكثر استفادة من الحل الامريكي بعد الكيان الصهيوني ، لانها ستنال حصة كبيرة في مشروع النظام الاقليمي الجديد ، خصوصا بعد تبني ستراتيجية تقوم على مواصلة تقزيم العراق وتحجيمه ومنع تحوله الى قوة اقليمية رئيسية مرة اخرى .

 

خطة اوباما هي باختصار شديد قبلة يهوذا الاسخريوطي على جبين العراق ، لذلك فان الرد الوحيد هو بتصعيد المقاومة المسلحة والرفص التام والمطلق لاي حل للقضية الفلسطينية بهذه الطريقة لانه  مقدمة او رشوة لاكمال اغتيال العراق ، ففلسطين هي توأم العراق في اطار الانتماء لامة واحدة تتساوى فيها اقطارها وارضها ومواطنيها ، لذلك فان الحل القومي والوطني الوحيدين هما التمسك بالحقوق التاريخية لفلسطين وعدم التفريط بها على الاطلاق وتحت اي ذريعة ولاي سبب ، من جهة ، والتمسك بالبندقية العراقية المقاتلة من اجل دحر المخطط الصهيو- امريكي – ايراني ، من جهة ثانية .

 

لنرفض قبلة اوباما الاسخريوطي التي تحمل للامة فايروس الايدز .

عاشت الثورة العراقية المسلحة امل العرب وفاتحة بوابات النصر في فلسطين وتحقيق الوحدة العربية الشاملة .

النصر او النصر ولا شيء غير النصر .

 
 
يهوذا الاسخريوطي احد حواري السيد المسيح والذي عرّف قتلته به من خلال تقبيل خده كاشارة الى انه المسيح .
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ١٧ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٢ / حزيران / ٢٠٠٩ م