١٦ رئيس جمهورية .. والبقية تأتي

 
 
 

شبكة المنصور

رباح آل جعفر

في عاصمة عربية ،  ومع اقتراب موسم انتخابات البرلمان ..  سمعت أن عدد رؤساء جمهورية العراق القادمين إلى بغداد للحكم بولاية رئاسية جديدة بلغ العشرات ، كل من تقابله هناك ، يقول لك :  أنه الرئيس القادم ، وهمس في أذني صديق : أن العدد بلغ ( 16 ) رئيس جمهورية ، وهو رقم يكشف عن مهزلة ، وتسفيه ، وابتذال  !.


16 رئيس جمهورية للعراق دفعة واحدة .. هل هذا ممكن ؟.
بالنسبة للخيال العربي ، كل شيء ممكن .. وما دام العراقي مقتنعا بأن وارداته من رؤساء الجمهورية ، والحكومة ، والوزراء ، والنواب ، والأحزاب ، والجنرالات ، والمليشيات ، تزيد على وارداته من الغذاء ، والدواء .. فلماذا نكسر خياله ؟!.


لا خيال العربي ينتهي ،  ولا مخيلته تتوقف عن توليد الأفكار والأماني .. وإذا كانت القبائل العربية تحتفل بظهور شعرائها ، وتنحر لهم النوق ، فلماذا لا نحتفل نحن أيضا ب 16 رئيس جمهورية ، كما يحتفل العالم بتنصيب البابا ، أو تتويج إمبراطور ، أو انتخاب ملكة جمال الكون ، أو إطلاق رائد فضائي للقمر ؟!.


لست مع هذا الكورس ، ولا مع هذا السيرك ، بكل أشكاله ، ونماذجه .. ولا أعرف أي جمهورية سيحكمون .. اللهم إلا إذا كانوا يتحدثون عن ( جمهورية افلاطون ) ، أو ( جمهورية الموز ) .. أما العراقيون الذين سئموا الأحزاب ، والمليشيات ، والانتخابات ، والشعارات ، فإنهم بحاجة إلى رئيس لديه من الحلول ، الاقتصادية ، والأمنية ، والصحية ، والسكنية ، والتعليمية ، والمذهبية ، والاستعمارية ، ما يفيض عن اللزوم .


لقد التقيت عددا من هؤلاء بالمصادفة ، وتحدثت إليهم ، وأنا أتابع هذا البازار السياسي ، ووجدت بينهم من يدين الجميع بتهم شتى ، ليزكي نفسه ، ويتقدم إلينا بجبة رسول بشير نذير ، وبعضهم ( أسماء ما أنزل الله بها من سلطان ) ، وتذكرت بيتا من الشعر للجواهري ، يقول : ( في كل يوم بلا وعي ولا سبب ..... ينزلن  ناس على حكم ويعلينا ) .. وكانوا يستعرضون شخصياتهم بطريقة بهلوانية ، فيها كثير من الغرور ، واللا واقعية ، وينتظرون حرس الشرف في استقبالهم ، يمد تحت أرجلهم سجادة حمراء ، مع تحيتهم بإحدى وعشرين اطلاقة مدفع !.


في العراق ، مجموعة من الدكاكين ، تبيع وتشتري سياسة .. هنا متعهدو سياسة كمتعهدي الأبنية والطرقات ، يعتاشون على أبوابها ، ويرتزقون من خلالها .. وهنا سماسرة ، ومضاربون ، ومرتشون ، ومقاولون ، ودلالو سياسة .. ولو أن دواليب اليانصيب تفرز رئيس جمهورية ، كلما دارت ، لكان عدد الرؤساء في العراق أكثر من عدد سكان الصين الشعبية !.


ليس عندي أي تفسير مقبول ، أو منطقي ، لهذه الظاهرة الشوهاء ، في هذه الحقبة المجنونة من تأريخ العراق ، ما دام المشهد السياسي يقوم على لعبة المتناقضات ، والفوازير ، والكلمات المتقاطعة ، وما دامت الصفعات هي الوجه الآخر للقبلات .


باختصار .. نحن بحاجة إلى رئيس جمهورية قادم ، لا ينحني في حضرة الاحتلال .. بل ينحني الاحتلال في حضرته .

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ٠٦ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٨ / تمــوز / ٢٠٠٩ م