عالَم ٌمُنافِق

 
 
 

شبكة المنصور

عبيد حسين سعيد
لحظة انزعاج لرئيسٍ فيهوي بيده على مخلوقٍ ضعيف يبحث عن ضالة ,اخْتَرَقَ جميع الموانع المنظورة وغير المنظورة, تَحصينات وأسلاك الكترونية , وكاميرات مراقبة تعمل على سلامة مقر رئيس دولة عظمى , ليجد نفسه بعد لحظات قتيل ومرميٍ على أرض بلدٍ يرفعُ علم الحرية وحُقُوق الانسان والحيوان على حدٍ سواء, فهناك جمعيات شرَعت الابواب وهي تدافع عن حقوق الكلاب والحمير , في دولةٍ يأمن في كنفها الخائف ويقوى بين ظهرانيها المظلوم الى حد الدفاع عن جمعيات تعبد الشياطين ولكننا لم نسمع ان هناك جمعية تدافع عن الذباب فقد اختلف الناس في منافع هذاالمخلوق القلق ومضارَّهُ ,لكنهم أجمعوا على ازعاجاتها , لكن رغم هذا وذاك   فقد دخلت هذه الدويبة التاريخ من أضيق أبوابه مرتين , وحطت على ملِكَيْن عظيمين يتربعان على عرش مملكتين متراميتين , هبوطها الاوَّل كان آمناً لها مع ملكٍ عربي ٍّ شهم , تركها وشأنها , والثاني قتلها الخليفة العباسي المأمون الذي  يملك دولة مترامية اطرافها , كبيرة خزائنها , فقد كانت من السعة والامتداد ما يعجز عن قطعها الراكب في شهور, يقطها السحاب في أيام وخراجه يعود لها كل عام , رجل دانت له الدنيا ورقابها, لكن سيف العدالة كان متدلياً لكل من زاغَ وراغَ عن جادة الحق, يخشى منه الظالم ,ويطمإن له المأفون , رغم سعة ملكه الذي يمتد من جبال البرانس شمالاً إلى حدود الصين غرباً ,فقد تحدث التاريخ عن حكاية المأمون وهو في قصره , إذ أصاخ سمعه الى ذبابةٍ أزعجته , فما كان منه إلاّ أن اشاحَ بوجهه إلى جُلا ّسه  قائلاً هل من حكمةٍ لخلق هذا؟ وأشار الى الذبابة فقال أحدهم بعد أن استأذن : يا أمير المؤمنين خلقها ليطأطىء بها رؤوس الملوك , وإنَّ الله جعل الحكمة في أضعف الخلق , فقال المامون أوتظنني انزعجت من خلقٍ خلقه الله وأنشد :

 
أوكلما طن الذباب طردته        إنَّ الذباب إذاً عليَّ كريمُ

 
العرب عندما ملكوا وضعوا لكل شيء ضابطٌ يضبطه , فلا إسراف ولا تقتير, ولكن حسن تصرف وتدبير, فلذلك نرى نواديهم ومجالسهم تعجُّ بالحكمة والموعضة الحسنة ,إلاّ أننا نرى اليوم من  يلقاك بوجه ملاك وقلب ضبع ! فقد تختلف الناس بأشكالها , ولكنها تتفق في أهدافها ,لأنها تنهل من مدرسة واحدة , فيا سيد البيت الابيض , لا يهمنا إن كان قفازك حريرا أم حديداً, فكلاهما يعمل ( بطريقة حضارية ) أكثر من قفاز الحديد وهكذا سياساتكم إتجاهنا  استخدمتم حبل الحرير في شنق أهلنا , واستخدمتم الحديد لقتلنا ,وكلاهما أثبت مفعوله ,فطائراتكم تقتل الابرياء في أرجاء مختلفة من العالم , في الصومال وأفغانستان والباكستان والعراق , واليوم يأتي تصريح وكيل وزارة الخارجية الامريكي , ليضيف أرضا جديدة تدسون انوفكم فيها باسم السلام العالمي , ليُزَجَ آلاف الفُقَراء في محرقة الصومال وليجعل من بوروندي هذه المرة حبلاً ناعماً آخر, تحت مسمىً ديمقراطي, لينال من الابرياء  والنتيجةالقاتل والمقتول هو عربي او مسلم , وهذا لب غاياتكم , وأعجب العجب أن نسمع بأن جمعية في اوروبا تدافع عن الذباب ,وتنتقد تصرف الرئيس عندما قتل ذبابة! وفقط الدم العربي والمسلم يسيل مغزاراً دون أن يُحَرِكَ فيكم نخوةَ شبيه الخلق بيننا ,أو أن تكلف إحدى الجمعيات حالها عناء الاعتراض , فلم لهذا العالم المنافق ! ليستمر التآمر الدولي رغم إجلالنا لحكمة الخالق في الذبابة التي تقدم وقدمت خدمات علاجية , تكاد تفوق ماقدمته امريكا والغرب للإنسانية , فلا مقارنة بين ضحايا الناس من الامراض التي تسببها الذبابة ,وما بين عدد ضحايا من قتلتهم أمريكا في مغامراتها في العالم , ففي الحربين العالمية الاولى والثانية , قدم الذباب خدمات جليلة , وأنقذ عشرات الالاف من الجنود , بسبب حكمة شفاء وضعها الله فيها , اما أمريكا فقد وضع الشيطان فيها كل مُبتَكَر يستطيع أن يقتل أكبر عددٍٍ من البشرية , فلقد قتل الامريكان من العراقيين أثناء الحصار , أكثر من مليون طفل , أضيف له مليون آخر في غزوها للعراق, ان جمعيات العهر الدولي التي أدانت قتل ذبابة, حريٌ بها أن توظف جهودها لتقول كلمة حق ولو مرة واحدة,حتى يبقى لنا أمل في دنيا ملأها الحقد والأنا ,ولمَ هذا الإنقسام بين أناس ينظرون الى الذبابة كعدو , وبين من ينظر اليها كمخلوق من حقه أن يعيش ,ولا أحد يدعو أن يعيش العرب والمسلمين كما تعيش الذبابة ,اليس هذا هو النفاق بعينه؟ 

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٥ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٨ / تمــوز / ٢٠٠٩ م