الطائفية السياسية بعد احتلال العراق لصالح الوطن أم لقتله

 
 
 

شبكة المنصور

محمد الحديثي
الطائفية : نسبة إلى الطائفة ، ـ حددها علماء الاجتماع والمؤرخون كالاتي ـ مجموعة من البشر يتصالحون على شئ ويضعون له مبادئ واشتراطات يلزمون الآخرين العمل بموجبها ، وتكمن خطورة الطائفة في تسييسها الذي يعمل على إلغاء الأخر وقهره واستعباده وقتله والعمل على تحويل تلك الطائفة إلى طائفية بتسويغ التأويلات غير الواقعية التي تؤدي الى ممارسات تجزيئية غير عقلانية ومواضعات لا تستند الى العلمية تؤدي الى تشويه صورة الاسلام التي تعتبر نفسها منطلقة منه  . 


وللطائفة أن تتنوع مع غيرها في الأسلوب أو الطريقة أو الأداء في ممارسة الشعيرة الدينية شرط ألا تنفصل عن جوهر الدين ومنطلقة من وجهة نظر الدين نفسه وهي حالة فكرية صحية شرط ان تدعو للتحاور مع الآخر المختلف معها ولا تؤدي إلى الخلاف معه وقد أشار إلى ذلك النبي الكريم ( ص ) حين أكد بحديثه الشريف القائل ( إن اختلاف أمتي رحمة ) وما محاولة ترسيخ مفاهيم من خارج هذا التعريف سوى عملية تخريبية للدين .

 

وبعد احتلال العراق تحولت ـ بقصد ـ كل الطوائف إلى نقائض تشتغل بموجبات مصالحها لتشكل طائفية سياسية تفلسف الدين على انه سلطة وليس بوصفه الحقيقي على انه دينا يسعى في حركته باتجاه التوسع بغية استيعاب اختلاف الرأي والثقافة والحركة التاريخية للمجتمعات المتنوعة والبحث عن سبل إيجاد أو تكوين ( امة ) متوحدة يجمعها رابط واحد يذهب باتجاه تحقيق مصالحها ويستوعب الاختلافات الثانوية التي تصب في صالح الدين العام الذي يعمل على مقت الخلافات وتوحيد الاختلافات وجمعها في مصب واحد .


على عكس ذلك اشتغل السياسيون في محاولاتهم لتعميق الخلافات وتفعيل الاختلافات التي أدت إلى شرذمة وتشظي الدين الواحد الذي يعمل على ايجاد بنية اجتماعية واحدة ، متجانسه ، متعايشة ، بل ذهب السياسيون الى جعلت البنية الواحدة / الدين ، مصدر لتفريخ بنى سياسية / طائفية تتناقض مع بعضها وتذهب كل بنية إلى أن تخطئ الأخرى وتكفرها على إنها خرجت عن الإرادة العامة حسب زعمهم واشتغلت هذه البنى على قصدية اضمحلال البنى الأخرى بكل الوسائل غير الشرعية لدرجة وصلت إلى حمل السلاح والدعوة المباشرة للقتل والاقتتال لذلك تحولت هذه الطائفة عن مسارها الذي انطلقت منه والذي يفترض أن تتشبث به وتدعو منه إلى دعوات سياسية ولم تبق مجالا للعمل التوافقي نحو إصلاح ذات البين ـ على بساطة هذا المفهوم ـ إضافة إلى إنها غيّبت عن قصد أيديولوجي  الوازع الوطني مستفيدة من خلو الساحة السياسية من وجود فعال لمن يتبنى هذا الوازع ويدعو الناس إلى الانطلاق من محفزاته التي تعد اشمل من غيرها كونها معيار ومشترك فوقي يعلو الميول والاتجاهات ، بل ظلت السياسة تشتغل على تفعيل الخلافات المذهبية بذاكرة استرجاعية مستفيدة من الاستعدادات المسبقة لدى الفرد وتدني مستوى وعيه وسهولة استقطاب الآخرين تحت عناوين واهمة تدعو إلى تسييد طائفة على أخرى وتحاول الهيمنة على غيرها والنزوع نحو امتلاك السلطة والتفرد بها وبث حقيقة واهمة أخرى توهم الآخرين بأنها لوحدها تمتلك الحقيقة وتعبد الطريق إلى الجنة لذلك أصرما سمي جزافا السياسيون في عراق ما بعد الاحتلال  على تبني الطائفية بتقسيماتها وتسويقها على إنها المخلّص الوحيد من هذه المحنة التي ألمت بهذا الوطن المغيّب في وجوده الذي كان مبنيا على التعددية المذهبية الايجابية ومحولين تعدد الطوائف الايجابي إلى تعددية طائفية سالبة / سياسية  تعتبر الآخر النقيض الذي لابد من تجاوزه وتشويهه وعرقلة مساهمته  ولا يجوز محاورته أو التفاعل معه أو مشاركته في رسم حياة جديدة لذلك ظل الإنسان العراقي يعيش أشبه ما يكون بفاقد الوعي أو المذهول لإصابته بصدمة قوية لم يكن له عهد بها من قبل حين وجد هذه الاختراقات تبعثر سياقات الدين المألوف بكل تعاليمه التي تلقاها نظريا ومارس حياته عمليا بموجب معطياتها الإلهية نجحت نظرية تسييس الدين وخصخصته في إعادة صياغة هذه المعطيات وتسويقها الى الذهن البشري على انها بديلا عمليا لتجسيد الإيمان الروحي الذي من خلاله يعاقب الله البشر أو يثيبهم لذلك تحولت هذه السياقات العملية إلى فعل ينسب إلى تلك السياقات الثابتة في الذهن البشري الفطري مما أدى إلى زحزحة ذلك الاستقرار ألحقوها بفضاءات سياسية جديدة زجوا بها هذه الجموع على إنها فضاءات مستمدة من الدين الحنيف بعد ان غطوا ذلك الدين بغطاء ثقيل قامع اوجد صراعا داخليا في نفسية الفرد الحيادي ضيّع الحقيقة وغيبها عنه .


من هنا نقول إن أفعال هذه الفئات الطائفية السياسية الاستبدادية المنحرفة ( الجديدة ) لا تعني إن الإسلام دينا استبداديا منحرفا وبذلك يتطلب منا الوقوف ضدها وعيا وإدراكا يقوده العقل لا العاطفة لاستبيان وضوح حقيقة الدين الحق الذي سيظل دينا سماويا جوهريا لا يقبل القسمة إلا على نفسه وعامل توحيد للبشرية رغم تطرف هذه الطائفة أو تلك وهذا المذهب أو ذاك وما هذه الخلافات التي أرادوا لها أن تكون بهذا الشكل سوى مرحلة متقدمة من مراحل الوصول إلى حرب أهلية طائفية تتعكز على وهم خلقه السياسيون ـ من اجل أن يظلوا ـ مفاده نحن كطائفة نقاتل من اجل أن نبقى أمام الطائفة الأخرى علينا إزاء ذلك أن نجمع وعينا المشتت ونقف بخط مستقيم كي لا ينحرف الدين والوطن عن استقامته .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ١٤ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / حزيران / ٢٠٠٩ م