مختار لماني : المغربيّ المسكون بحبّ العراق

 
 
 

شبكة المنصور

بدر الدين كاشف الغطاء
1 - مختار لماني دبلوماسي من المملكة المغربية تخصص في العلاقات الدولية متعددة الاطراف وعمل في بعثة الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة في نيويورك وسفيرا لمنظمة المؤتمر الاسلامي في الامم المتحدة، ومبعوثا للجامعة العربية في بغداد، كما شارك في بعثات لتقصي الحقائق والمساعي الحميدة للامم المتحدة في أفغانستان و كوسوفو والعراق وافريقيا الغربية.


2 - شغف السفير لماني منذ صباه بتاريخ العراق وسحره، وكانت أول زيارة له للعراق عام 1991 عندما شارك في فريق المبعوثين الخاصّين للجامعة العربية الذين زاروا العراق لبحث موضوع الأسرى والمفقودين، وتعمّق حبه للعراق وتعاطفه مع شعبه خلال التسعينات من القرن الماضي وهو يتابع في نيويورك الظلم الذي يوقعه مجلس الأمن والنظام الدولي بالعراق من خلال الحصار الجائر والقصف اليومي في مناطق حظر الطيران وبقية الإجراءات القسرية. وأصبحت قضية العراق هي قضيته بعد الإحتلال الأمريكي الغاشم للعراق.


3 - وعندما عرض عليه الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يكون ممثلا للجامعة العربية في العراق، لم يتردد في قبول المهمة رغم أن بغداد كانت ساحة حرب تشتعل بعمليات المقاومة ضد الإحتلال من جهة، وبأعمال القتل الطائفي التي تقوم بها الميليشيات الطائفية وعصابات الجريمة المنظمة وأجهزة إستخبارية لا حصر لها. وكان هاجسه الأكبر هو أن هذه فرصتة ليقدم شيئا لإنقاذ العراق من محنته.


4 - عمل السفير لماني في بغداد لمدة سنة تقريبا (من نيسان 2006 الى شباط 2007) واقام خارج المنطقة الخضراء، وكان الدبلوماسي الوحيد الذي يقيم خارج المنطقة الخضراء. ولم يكتف السفير لماني بالإتصالات الرسمية، بل إلتقى بكل من يستطيع لقائه، من ممثلي المقاومة العراقية الى رجال الدين ورؤساء العشائر وممثلي المجتمع المدني والمثقفين، ونقل الى الجامعة العربية خلاصاته ومقترحاته. وكان يسعى لجمع العراقيين على كلمة سواء، لكنه وصل في النهاية الى القناعة بإنه غير قادر على إصلاح شيء لإن الوضع غير قابل للإصلاح، وقدّم إستقالته حتى لا يكون شاهد زور على تدمير العراق. وثبّت لماني خلاصاته وقناعاته في رسالة إستقالته وفي تصريحاته للإعلام، وأدناه أهم ما فيها :


- وجدت خلال فترة مهمتي شعب العراق جائع وغير آمن ومهدد في عمقه. النظرات التي شهدتها في عيون أطفاله تفيض بتساؤلات عميقة غير قادرة على فهم ما يقع ولماذا يقع بإختصار شديد ما كنت شهدت عليه طيلة هذه السنة الحزينة وفي ظروف أقل مما يقال عنها أنها عبثية ولا تتفق مع أية مقاييس عرفتها خلال 27 سنة عملت فيها كموظف دولي أتيحت له الفرصة في معايشة مناطق أزمات أخرى في العالم.


- علّمنا التاريخ أن أرض العراق هي مهد الحضارات وأن ساكني هذه الأرض عبر تاريخهم الذي يقاس بطول التاريخ عرفوا بفسيفسائهم الجميلة والغنية وإستطاعوا ان يجعلوا من العراق منارة علم وأرض عطاء وتأثير حضاري وفكري وثقافي وديني، وأنهم عرفوا محناً ومآس، قد تكون أسوأ من محنتهم الحالية لكنهم إستطاعوا دوما أن يتغلبوا عل هذه المحن، إلا ّ أن محنتهم الحالية تتميز بخطورة خاصّة تتلخص في محاولة تدمير تماسك الفسيفساء الجميلة فيه ولذا فلا بديل للعراقيين غيرتحصين وطنهم بتلاحمهم ووحدتهم وذلك هو الضمان لربط مستقبلهم بماضيهم المجيد.


- كانت الجامعة العربية تريد لدورها في العراق ان يكون شكليا، ومتناغما مع ما تريده منها الولايات المتحدة. الدول العربية لا تريد أن تتدخل في هذا الصراع العراقي لإسباب من بينها عدم رغبتهم في حصول التقاطع مع خطط الولايات المتحدة.


- إستخدمت إيران نفوذها في العراق لخدمة صراعها مع الولايات المتحدة.


- على الولايات المتحدة أن تعترف بحقيقة أنها بغزوها للعراق أثارت ونشرت الكوارث، وأنها سلكت طريق خلق عدم الإستقرار في العالم من خلال سياسات الحروب والتدمير بدلا من المساهمة في إزدهار الإنسان وتطوير ثقافة إحترام الإنسان.


- الطبقة السياسية العراقية التي جاءت بعد الإحتلال شغوفة بالسلطة، ولا أحد منها أبدى إستعدادا لإن يقدم شيئا لبلده والغالبية العظمى من هذه الطبقة لا تؤمن بشيء اسمه العراق.


5 - وبعد استقالته عمل باحثا في معهد للدراسات الدولية في كندا، وواصل إهتمامه بمعاناة شعب العراق تحت الإحتلال من خلال مشاركته في المؤتمرات والندوات التي تعقد حول العراق وكتابة المقالات والبحوث، وكذلك من خلال لقاءاته مع مراكز البحوث ودوائر صنع القرار في الدول المعنية الهامة كالولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وكندا وبعض الدول العربية. وكسب من خلال آرائه السديدة ومواقفه الجريئة إحتراما دوليا، فلم يكن يحابي على حساب مصلحة شعب العراق ولم يكن يقول نصف الحقيقة ولا يغلف كلماته بدبلوماسية منافقة كما يفعل الكثيرون.


ومن مساهماته المميزة تقريره الذي نشره في كانون الثاني/يناير 2009 عن حالة الأقليات في العراق، والذي نبّه فيه المجتمع الدولي الى أن الإحتلال الأمريكي للعراق وسياسات المحتل قادت الى تدمير النسيج الإجتماعي للعراق، وأن الأقليات التي تمثل إرثا تاريخيا لحضارة العراق عبر التاريخ مهددة بمخاطر الإنقراض بسبب التهجير القسري والقتل العشوائي والحرمان من فرص العمل والتقدم.


6 - وفي اواخر مايس وبداية حزيران 2009 نشر مقالين عن المسالة العراقية، الاول بعنوان (المصالحة في العراق : حقيقة أم أوهام) والثاني بعنوان (المنظمات الدولية والإقليمية ومساعدة شعب العراق). ولقي هذان المقالان صدى واسعا في وسائل الإعلام العربية والإنحليزية والفرنسية (كونه ينشر مقالاته باللغات الثلاث).ونشر المقالان في أكثر من ألف صحيفة ودورية وموقع الكتروني في أنحاء العالم.

 

في مقاله الاول فضح زيف وعدم جدية جميع مؤتمرات المصالحة التي عقدت لحد الآن ووصفها بإنها حملات علاقات عامة ومناسبات للسفر، وعزا ذلك الى أسباب داخلية وإقليمية ودولية من بينها عدم جدّية القائمين عليها وحالة إنعدام الثقة بين الأطراف العراقية، وفشل الإدارة الأمريكية الجديدة في طرح ستراتيجية جديدة تستبدل فشل الإدارة السابقة المطلق في العراق. وتحدث بسخرية عن بعض هذه المؤتمرات، مثل ذلك الذي عقد في هلسنكي حيث كان جميع الموقّعين على وثيقته النهائية هم أعضاء في البرلمان العراقي، وتساءل : هل كان الأمر يستوجب السفر الى هلسكني لتوقيع هذه الوثيقة! كما سخر من بيانات مؤتمرات المصالحة التي تكرر عبارة (إستحالة المصالحة مع اولئك الذين تلطخت اياديهم بدماء الأبرياء)، وتساءل : وهل في العراق من لم تتلطخ أياديه بالدماء خلال الخمسين سنة الأخيرة؟ ويؤكد في آخر المقال عدم إمكانية حصول مصالحة حقيقية وإعادة إعمارالعراق من خلال (عدالة المنتصرين) ولا من خلال نظام سياسي ينشأ على أساس الإقصاء العرقي أو الطائفي، مؤكدا أن وحدة العراقيين هي الضمان الوحيد لتحصين بلدهم من الداخل في مواجهة بيئة إقليمية معقدة.


أما المقال الثاني فقد فضح فيه عجز الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمرالإسلامي عن أداء دورها في مساعدة شعب العراق، وأنحى باللائمة أولا على قوة الإحتلال التي غزت العراق إلتفافا على الشرعية الشرعية الدولية، ثم سمحت للأمم المتحدة أن تلعب في العراق دورا هامشيا جرى تفصيله لخدمة المصالح الأمريكية، وإنتقد تسخير بعثة الأمم التحدة في العراق نفسها لمساعدة إدارة بوش على حساب هدفها الأعلى المفترض وهو مساعدة شعب العراق للتعافي من محنته التي طالت، معتبرا أن كل أنشطة الأمم المتحدة في العراق هي نماذج صارخة للفشل التام. وإنتقد سلبية الجامعة العربية وغياب نظرة جادة ومتماسكة من أعضائها ازاء محنة شعب العراق، كما إنتقد الأمين العام للجامعة الذي ما فتيء يكرر بفخر أنه كان اول من قرر فتح بعثة في العراق، وكأن بعثة الجامعة العربية على وشك إطلاق (خطة مارشال) لإعادة إعمار العراق بعد أن نجحت في تحقيق المصالحة الوطنية العراقية! كما إنتقد المقال سلبية منظمة المؤتمر الإسلامي، ووصفها بإنها منظمة ذات طبيعة فولكلورية، تتوهم تحقيق الإنجازات، وتعتقد أن إصدارها (وثيقة مؤتمر مكة) جنّب العراق حربا أهلية!


7 – تحية للسفير مختار لماني، ودعوة للقوى الوطنية العراقية أن تتواصل وتديم العلاقة معه.


والله المستعان

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٦ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١١ / حزيران / ٢٠٠٩ م