منهج ( التغيير ) بالسير في نفس تيار النهج الأمريكي السابق !..

 
 
 

شبكة المنصور

كامل المحمود

في تناولها لتحليل تداعيات ونتائج وأهداف الحرب الأمريكية على العراق بدأت تنتشر على صدر صفحات الصحف الأمريكية والبريطانية هذه الأيام عدد من المفاهيم الجديدة التي لم يكن بالإمكان التطرق اليها سابقا ومنها:

 

(لعبة الحرب) و(لعبة الغزو)و(الحرب في العراق هي أكبر خدعة في التاريخ) و(خاتمة مآسي هذه الحرب) و(أعمدة الأمن الهش في العراق)  ثم (شيعة العراق، وسنته، وكرده، يتشاركون بصعوبة في السلطة والثروة في العراق)!..

 

قد يعطي هذا التحول في عرض جوانب المشكلة العراقية إنطباعا بهبوب رياح التغيير التي تستهدف أيجاد حل دائم وعادل للأزمة العراقية التي خلقتها الإدارة الأمريكية السابقة بإحتلال العراق!..

 

وذهبت الصحف البريطانية كثيرا في عرض المطالبة البريطانية الشعبية بإجراء تحقيق نزيه وحيادي في الأسباب الكامنة وراء إشراك بريطانيا في هذه الحرب الخاسرة الى أن أجبرت رئيس وزراء بريطانيا براون من الإنصياع لهذه المطالبة الشعبية وتشكيل لجنة للتحقيق في كيفية إشتراك بريطانيا في هذه الحرب !..

 

ونتذكر كيف كانت لهجة هذه الصحف في الأعوام الأولى للحرب وهي تتحدث عن :

(عراق ديمقراطي متحرر) و( العراق النموذج) و( النصر الأمريكي ) و( مهمة الولايات المتحدة المقدسة في العراق) و( تهاوي آخر معاقل الإرهاب)!..

 

ويذكر المتابعون للحالة العراقية مقال صحيفة الكريستيان ساينز مونيتر قبل سنة من الآن عندما ذكرت بأن (الحرب الأمريكية على العراق ستنتهي عندما يحدد الرئيس الأميركي نقطة النهاية  أما الحرب العراقية نفسها فهي برأي واشنطن قد تأخذ المزيد من الوقت)!..

 

بل ذهبت أبعد من ذلك عندما قالت بأن (الحرب العراقية قد تكون في بداياتها )!..

 

في حين أكد (مايكل أوهانلون) خبير السياسة الخارجية في معهد بروكنز الذي يدافع عما يسمّيه إستمرار الجهود العسكرية الأميركية وبمستوى ما بعد القوات الإضافية: ( إن فهم حقائق الحرب العراقية سوف يستغرق كامل فترة الرئيس الأميركي الجديد)!..

 

كانوا يعرفون جيدا بأن الحرب الأمريكية على العراق هي من تخطيطهم وصنعهم ..

فكيف ينكرون اليوم بأن الحرب بين العراقيين ليست من تخطيطهم ولا من صنعهم؟..

وبعد ست سنوات على الغزو والإحتلال والتدمير ..

 

والعراق محطم ومدمر ومشتت ومقسّم وفاقد للأمن والأمان والسيادة والإرادة ..

 

وبعد نجاح القوى الوطنية العراقية في الإسهام  بإيصال الحقيقة للشعب الأمريكي (من خلال إستثمار مخططوا حملة الرئيس أوباما الإنتخابية لهذه الحقائق وتوظيفها للبرهنة على أخطاء الإدارة الجمهورية في إشعال فتيل هذه الحرب ) والتي أدت الى نصر الديمقراطيين وهزيمة سياسة ومنهج بوش والجمهوريين في العراق..تحاول قوى مختلفة الإنتماء والأهداف منها أمريكية واخرى إقليمية ووبعضها عراقية بالإيحاء بأن مسؤولية الولايات المتحدة اليوم وبعد مجيء أوباما رافعا شعار (التغيير) تتمركز فقط بإيقاف الحرب الأمريكية على العراق من خلال سحب القوات الأمريكية وترك (العراق للعراقيين)!..

 

و(إن القوات الأمريكية سوف لن تشارك بالعمليات العسكرية في العراق بعد 30 حزيران 2009 وهو موعد إنسحاب القوات الأمريكية من المدن)!..

وبذلك يجري الترويج لتشجيع الإدارة الأمريكية على الإستمرار في تبنيها لمنهج وفكر ورؤية الرئيس السابق بوش في فلسفة الحرب على العراق!..

 

والسعي لتفسير مفردة (التغيير) في التعامل مع مشكلة العراق من خلال (تغيير الوسائل) وليس (تغيير المفاهيم والأسس)!..

 

ولذلك تجري حملة محمومة لترويج تفسير هذا الشعار بسحب القوات الأمريكية من العراق بذريعة (أن للولايات المتحدة أسبقيات جديدة وفق مبدأ التغيير!) ولأن الولايات المتحدة لم تعد قادرة (للنظر للعراق وكأنه المشكلة الوحيدة في العالم!)..

 

وبموجب هذا التفسير (الذي يعتمد على مبدأ السير في نفس التيار القديم بلا تغيير) سيجري تحول واجب قمع العراقيين وتهديم بيوتهم وقتل أبناءهم وإعتقال رجالهم وشيوخهم ونساءهم من القوات الأمريكية تدريجيا الى القوات العراقية في الجيش والشرطة!..

 

وستتحول ذمة السجون والمعتقلات الأمريكية وكافة نزلائها الى ذمة الحكومة العراقية!..

وسيقوم المحققون (العراقيون) بمهمات إنتزاع الإعترافات من (المتهمين)!..

 

وسوف لن تتدخل القوات والطائرات الأمريكية بعمليات المداهمة لبيوت المواطنين في منتصف الليل ..وسيكون ذلك من واجب مغاوير الداخلية وألوية الجيش الحكومي وقوات عراقية أخرى!..

وبما أن التصريحات الحكومية تؤكد على تنامي القدرة العراقية في السلاح الجوي فستتحول واجبات القصف والدوريات والمتابعة والدعم للعمليات الأرضية الى طائرات ترفع العلم العراقي الجديد!..

 

وستضطلع  (الحكومة العراقية الحالية والتي تليها) بمهمة بناء النموذج العراقي في (بلد مدمّر وممزق ومشتت ومنهوب بالكامل ) الذي سيكون مثار دهشة وإعجاب العالم !..

 

وهكذا سيكون مفهوم (التغيير) الأمريكي المرتقب في الشأن العراقي  ليس تغيُّرا في المنهج والمبدأ والنابع من فهم حقيقي لما جرى وما سيجري وما يجب أن يكون بل هو تغيير في الوسائل والآليات بثبات وبقاء نفس المفاهيم وتبني نفس التبريرات والأهداف!..

 

ومع وصول أوباما وما عرضه من منهج يبدأ بخطة الإنسحاب الأمريكية من العراق بزغ أمل جديد في نمو مفهوم واقعي للمشكلة العراقية!..

 

ومع إفتراض عدم قدرة الرئيس الجديد على (صنع التغيير بشكل مفاجيء) وإن عليه أن يعتمد مبدا (التدرج في الفعل المغاير) فهذا لايعني أن يجري الترويج والتثقيف والتوجيه بإتباع ذات النهج الذي أفضت حملة أوباما الإنتخابية بمهاجمته الى وصول الديمقراطيين لسدة الحكم !..

 

لذلك إزدادت القناعة بأنه إذا إستمر الرئيس الأمريكي الجديد بترديد ماقاله سلفه لمدة طويلة سيفضي الأمر حتما الى إتباع نفس المسارات التي أطاحت بسلفه !..

 

ونأمل أن لا يكون ترديد إدارة أوباما لمفاهيم (النصر الأمريكي الذي تحقق بالإطاحة بالنظام السابق ) و(التحسن الأمني في العراق) و(ترك العراق للعراقيين بعد الإنسحاب) مع (إستمرار دعم الإدارة الأمريكية للحكومة الحالية) هو بداية لإعتماد نفس الطريق الإستعراضي (للقوة المفرطة والفوضى الخلاقة والقفز من فوق الحقائق)!..

 

لأن ذلك سيكون دليلا على تهيوء الإدارة الأمريكية الجديدة لإمتطاء ذات الحصان الجامح الذي أطاح بالسلف الأمريكي في وحل هزيمة تأريخية كبيرة ..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٢٥ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٠ / حزيران / ٢٠٠٩ م