الصدمة والترويع وإنهيار السد العراقي

 
 
 

شبكة المنصور

كامل المحمود

يعي الجميع جيدا بأنه دائما وعبر كل مراحل التأريخ كانت شعوب الدول والمدن الصغيرة تعاني من بطش وقوة وظلم القوة العظمى التي تتصادم معهم..وهذا يصح  في المنطقة أو العالم حيث تبرر القوة العظمى لنفسها حق إستخدام العنف لحل ما يواجهها من مشكلات على صعيد سياستها الخارجية من دون الأخذ في الاعتبار تبعات أفعالها..

 

لقد كانت حرب الولايات المتحدة الأمريكية على العراق غزوا وتدميرا وإحتلالا يفتقد للشرعية ويتّصف بالهمجية والإيغال بإستخدام القوة وما نعيشه اليوم في العراق حالة ناتجة عن (فعل القوة الأمريكية المفرطة التي إستخدمتها الإدارة الأمريكية السابقة) والتي أفرزها  صراع سياسي لم يأخذ في الاعتبار أن إعتماد القوة كوسيلة للحل ستوصل العراق إلى حالة من التشرذم والتفتت والضياع والفرقة!..

 

لقد تصورت الولايات المتحدة رغم كل الحقائق الماثلة لمسؤوليها من الإدارة السابقة بأن العراق الذي يعتبر مفتاح لكل المنطقة هو (لقمة) سائغة وسهلة جدا..ورغم كل تحذيرات أصدقائها والبعض من حلفائها بعدم صحة مبررات الغزو والتدمير والإحتلال ..إلا أن قرار الإبحار بالحملة كان مُتخَذا منذ زمن بعيد!..

 

لقد كان الإعتقاد السائد لدى الإدارة الأمريكية السابقة بأن هذه اللقمة (وإن كانت سائغة!) لن يتم إبتلاعها بشكل كامل إلا بفعل ضربات ذات قوة مفرطة وبإستخدام مبدأ الصدمة والترويع المستمر بلا حساب وتحليل علمي وجدي وحقيقي لما قد تسفر عنه نتائج هذه الضربات المتتالية والمتلاحقة للدولة والمؤسسات والبنية الأساسية والخدمات والمجمعات السكنية والصناعية وللشعب بكل مكوناته وإنطلاقا من مفهوم (الإختراق العنيف لحائط صلب!)..

 

من الجائز أنه لم يُخبرهم أو لم يُحذرهم أحد بأن هذا الحائط العراقي السميك جدا (والسهل التدمير بفعل القوة الأمريكية المفرطة) ما هو إلا سد عظيم يمنع فيضان هائل ولايمكن التنبوء بما سيحدث من نتائج لو إنهار هذا الجدار!..

ومن الممكن أن من كان يعرف من حلفائهم بذلك آثر عدم إخبارهم بهذه الحقيقة !..ربما طمعا في إغراقهم !..

ولكن المؤكد أنهم  يتحملون كامل المسؤولية سواءا عرفوا بالنتائج أم لم يعرفوا!..

 

ومع ذلك ..

إستمر جيش الولايات المتحدة بأساطيل سفنه وغواصاته ومدمراته وبوارجه وطائراته وصواريخه ودباباته ومخابراته ومن خلفه (المُحرضين والحاقدين) والمستشارين والسياسيين في  المخابرات والأمن القومي والخارجية والبيت الأبيض في نهج (تعاقب المراحل في تصعيد القوة والمفرطة والصدمة والترويع) تساندهم القوة البريطانية وسياستهم المرتكزة على الدهاء في إيجاد التبرير الضروري لإتباع الكذب والحيلة  لهدم السد ومواجهة الفيضان الهائل !..

وإنهار السد العراقي بكل تأريخه ومبادئه وثرواته بفعل قوة الصدمات والضربات المتلاحقة وإنتشر الترويع ليشمل حتى البسطاء من الناس في القرى النائية ولم يكن أي كهف او مزرعة او نهر أو بيت طيني بمأمن من التدمير (بحثا عن المطلوبين) ..

 

والأمريكان هم الذين خلقوا نهج (إنسف ودمّر ثم تحرى عن الحقيقة )!..

والقوات الأمريكية هي التي شرّعت قانون ( أُقتل المشتبه به ومن معه ثم حقق في المعلومات)!..

وهكذا فقدت كل محافظات ومدن وقرى وقصبات العراق عوائل لاتحصى من الشهداء من نساء وأطفال وشيوخ وآلاف الدور المهدمة بفعل الضربات الصاروخية التي تسيرها الأقمار الصناعية بحجة وجود (المطلوبين والمشتبه بهم ) فيها!..

 

وأصبح إنقضاض المارينز من طائرات الهليوكوبتر في منتصف الليل على وجهاء وشيوخ وشخصيات وأبناء ورجال العراق وإهانتهم وإعتقالهم أو قتلهم أمام عوائلهم وعشائرهم منظرا مألوفا لكسر شوكة وكبرياء النفس العراقية ..

وأخذت أشكال الإذلال أبعادا شتى عندما هجر ملايين العراقيون والكفاءات والعلماء بيوتهم وأرضهم ووطنهم ورحلوا الى ديار الغربة تتقاذفهم أمواج اليأس والحاجة هروبا من القتل على الهوية أو الإعتقالات العشوائية وتقارير المُخبرين السريين!..

 

وشاعت مفاهيم الرشوة وسرقة المال العام والإبتزاز وملاحقة الأبرياء ومنع لقمة العيش عنهم وعن عوائلهم وإنهارت قيم المباديء والرجولة بشكل مُخزي تحت معرفة وسكوت المُحتل!..

 

هذا هو المنهج الأمريكي الذي أوجد المصدر المتجدد لخلق حالة الضعف الدائم للولايات المتحدة ومنبع الإستنزاف المستمر لقدراتها البشرية والقتالية والإقتصادية وسمعتها ومصداقيتها الداخلية والدولية ..

 

 وهو الذي أوصل الولايات المتحدة الى ما وصلت إليه اليوم ..وهو الذي جعل أغلب المحللين السياسيين يقولون بأن الوضع المأساوي في العراق اليوم والناتج من هذا المنهج لا يمكن أن ينتهي بتقاسم (الشيعة والسنة والأكراد للسلطة والثروة ) ولا (بتقسيم العراق)!..

 

وفي أغلب تحليلاتهم يشيرون صراحة الى أن (الولايات المتحدة الأمريكية لم تنتصر في الحرب على العراق)!..و(إن الحرب سبقها الكذب الذي إستمر معها وإزداد)!..

 

وقال المتخصصون الأمريكيون قبل وصول أوباما للبيت الأبيض ان طيفا واسعا من المحللين في انحاء العالم وعلى أساس خبرتهم في الشأن العراقي متأكدين من ( أن الولايات المتحدة لم تعد تسعى لتحقيق نصر كبير بل إنها ببساطة تحاول الآن تفادي الهزيمة)..

 

لقد تعرض العراق بشعبه وحضارته ومنجزاته لغزو مدمر وإحتلال أطاح بالدولة والمؤسسات ومنظومة القيم وحَلَّ الجيش والشرطة وقسّمَ الشعب الى مستفيد ومتضرر وخَلَقَ نظام محاصصة مبني على الطائفية والعنصرية وأطلَقَ اليد للبعض وقَطَع أطراف الكثيرين وأشاع ديمقراطية القتل والإعتقال وأخذ الثأر وتجاوز القانون ..

واليوم ..فشلت الولايات المتحدة في توصيف مهمتها..

وعَجَزَت عن التباهي بنصر صغير أمام حجم ونوع خسائرها..

وإستنتج العالم من مغامرة الولايات المتحدة أمرا مهما ..

 

وهو إن القوة المُفرطة ليست إلا وسيلة للتدمير ولن تكون في يوم من الأيام وسيلة للبناء والعمران وبناء النماذج الإنسانية ..

 

وإن إستمرار الإدارة الأمريكية الجديدة في  تبني نهج الإدارة السابقة ضمنا أو سلوكا وعدم إيمانها بضرورة حل المشكلة العراقية حلا جذريا يستند الى معايير الحقيقة والحق والباطل سيجعل من العراق مصدر الأرَق والضعف الدائم للولايات المتحدة ..

 

خاصة وإن الولايات المتحدة ولحد هذه اللحظة  تؤيد وتدعم وترعى وتساند مفاهيم غريبة عن الإنسانية :

كتحول تنفيذ الأمر العسكري بالدفاع عن العراق الى جريمة يُحاسَب عليها العسكري الملتزم بحيث تم إنشاء محاكم سياسية النهج تقوم  بتجريم كل مَن قاتل المعتدين دفاعا عن بلده! ..

وقيام  الإحتلال بمكافأة كل من هَرَبَ من ميادين المواجهة والدفاع عن العراق ..

 

وسعي المَحتل لجعل قيم البطولة والرجولة العراقية التي كانت تضرب بها الأمثال وتتغنى بسيرتها الأجيال الى شواهد لإعدام فرسانها..

وقيام المحتل بتصنيف فعل الخيانة بأنها (وسام شرف)  يتباهى به العلقميون!..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ١٩ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٢ / تمــوز / ٢٠٠٩ م