أمريكا تبحث عن حل للمشكلة العراقية .. حقائق لا يُغيبها التجاهل والتغاضي ..

 
 
 

شبكة المنصور

كامل المحمود

لعل من المفيد دائما أن يجري تنبيه الإدارة الأمريكية الحالية التي رفعت شعار التغيير الى أهم الحقائق (الخاصة بالجانب الأمريكي) التي أفرزتها نتائج إحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق والتي ظهرت لحد الان وبعد أكثر من ست سنوات.. هذه الحقائق التي دأبت الإدارة الأمريكية السابقة على عدم السماح لإثارتها وعرضها وحتى من قبل مستشاريها المقربين ومؤسسات الخبرة الأمريكية التي كانت تجهد نفسها ليس لإيجاد حل ينقذ العراق ولكن لوضع مبررات جديدة لإستمرار تبني نفس السياسات التي سحبت الولايات المتحدة مُرغمة للإنزلاق الى الهاوية في المستنقع العراقي ..

 

هذه الحقائق التي لازال الكثير من المسؤولين الأمريكيين ودوائر إعلامهم الموجهة وخاصة قناتي الحرة والحرة عراق تتغاضى عنها وترفض مناقشتها وهي تشبه الفصيل المعزول في عمق(العدو) والذي (يقاتل لوحده) رغم (تغير كثير من الأمور والأهداف!) ودون أن تصله الأوامر الجديدة بالمناورة او الإنسحاب او وقف إطلاق النار!..

 

هذه الحقائق التي لايمكن أن يغيبها ويلغيها التغاضي والتجاهل ورفض النقاش والتحليل ..

على الإدارة الأمريكية أن تعي الحقائق التالية وتؤمن بها وتتعامل معها كأسس في بحثها عن حل للمشكلة العراقية :

 

-         لقد كان الغزو الأمريكي للعراق وتدميره عدوانا لايمتلك أي شرعية أو مسوّغ قانوني أو أخلاقي سواء كانت وطنية ( لعدم ثبوت كون العراق كان يمثل تهديدا محتملا ضد الأمن القومي الأمريكي ) ولا دوليا (بعد بطلان إفتراض إعتبار العراق كان دولة مارقة تهدد الأمن الدولي وعدم صحة المعلومات التي روجتها الإدارة والمخابرات الأمريكية وأصدقائها ومصادرها بإمتلاك العراق لأسلحة دمار شامل وعدم ثبوت وجود أي نوع من العلاقة بين العراق وتنظيمات القاعدة والإرهابيين كما إدّعت الجهات التي مررت تبريرات الحرب بحجة تزويد هذه الجدماعات بهذه الأسلحة ) ولا إقليميا ( كون العراق وبعد الحرب التدميرية التي شنتها الولايات المتحدة على مرتكزاته الإقتصادية والعسكرية عام 1991 وكونه كان مُحاصرا ومُحجَما ومحاطا من كل جانب طيلة 13 عام ).

 

-         لقد كان الغزو والإحتلال مدمرا بشكل غير إعتيادي ويحمل علامات إنتقام وثأر وإيغال بإستخدام القوة المفرطة!..

 

-         وفي الساعات الأولى للإحتلال الأمريكي لبغداد رعت القوات الأمريكية وشجعت وسهّلت ودعمت حملات قتل عشوائية وسرقة ونهب وحرق لكل ممتلكات الدولة والوزارات والمؤسسات والمعسكرات والدور السكنية للمواطنين وزرعت ومنذ الوهلة الأولى بذور فوضى عارمة وفتنة مقيتة وثأر دائم لايمكن أن يعالج بسهولة.

 

-         وفورا وبلا دراية كاملة بالوضع العراقي وتعقيداته أفرزت الإدارة المدنية والعسكرية الأمريكية العراقيين بشكل عام الى (أصدقاء) و(أعداء) ..وكان مسمى (الأصدقاء) يشمل من أيد ويؤيد ويساعد الغزو والإحتلال الأمريكي وتطور هذا المفهوم تدريجيا ليشمل كل من كان يناصب (النظام السابق ) العداء!..ومسمى (الأعداء) شمل كل رموز وقيادات النظام السابق بما فيها المهنية والإختصاصية والفنية والوظيفية ومن خلال تصنيف العناوين والألقاب والمناصب والوظيفة والسكن ثم تطور هذا المفهوم ليشمل كل من يعارض الإحتلال والعملية السياسية !.. وتعاملت مع كل هؤلاء (الأعداء) وعوائلهم وعشائرهم وأصدقائهم بمنتهى الخشونة والصلابة والصلف فأحدثت شرخا كبيرا وواضحا في (شعارات مهمتها البراقة)!..

 

-         ومن جراء كل ذلك إنتفض شعب العراق رافضا الإحتلال والتبعية والتسلط في مقاومة شعبية ووطنية شاملة مطالبا برحيل المحتل وعودة السيادة والإرادة بيد العراقيين ليصبح هذا العامل هو الحقيقة الحاسمة التي غابت عن ذهن المخططين والمنفذين والمتعاونين الذين غزوا ودمروا وإحتلوا العراق ..وقد أخذ هذا الرفض مساحة وعمق أحدثت خللا في مسارات وشعارات المحتل وخططه .

 

-         لم تجلب الحرب الأمريكية على العراق للعراقيين غير المآسي والأحزان والدم والفرقة والتفتت والإنقسام والضياع والتشرد وفقدان الأمن والأمان وضياع الهوية الوطنية ..وأفرز الإحتلال الأمريكي للعراق حالة من قبول شيوع الباطل على حساب الحق .

 

-         لقد زادت هذه الحرب من تعقيد الوضع العراقي والعربي والإقليمي والعالمي في حين كان الشعار المرفوع على دبابات الإحتلال والمرسوم على صواريخه وطائراته وبوارجه ومدمراته هو (عراق آمن ومستقر ومزدهر ونموذج سيُحتذى به من قبل دول المنطقة والعالم)!..

 

-         الإحتلال الأمريكي للعراق أطلق لإيران اليد في كل مفاصل دولة ومجتمع العراق وقامت إيران وباليد العراقية والأمريكية بالثأر من شعب العراق والإنتقام منه أمام أنظار العالم الذي أصابته الدهشة وهو يرى حزمة الأهداف الأمريكية (التي تسعى لنقل نموذج العراق الى حالة فريدة من التطور والتقدم والإزدهار والديمقراطية لتكون مثار إعجاب دول العالم!) وهي تتهاوى وتتناثر وتتهشم يوميا ليصبح الوضع العراقي الحالي كابوسا تحاول الولايات المتحدة التخلص منه!..

 

-         لقد شهدت الست سنوات الماضية من الحرب وفعالياتها إصرارا أمريكيا بإتباع نفس السياقات والمسارات والمسالك التي أثبت الواقع عدم جدواها وعقمها وتأثيرها السلبي على مجريات الأحداث وتعقيداتها ..ورافق هذا التعنت الأمريكي رفض مطلق للإنصات لكل مقترح ونصيحة أو رأي منطقي يستند للواقع مُغلقة بذلك الطريق أمام أي مرونة في المعالجة في حين كانت تستخدم الإدارة الأمريكية كل حدود المرونة القصوى في التلاعب بالألفاظ وتغيير الشعارات والأهداف والتبرير للنتائج المروعة للمضي بهذه المسالك .

 

وتبقى حقيقة مركزية ..

وهي إنه وفور إحتلال الولايات المتحدة للعراق شرعت الإدارة المدنية والقيادة العسكرية الأمريكية بسلسلة من التشريعات والقرارات والإجراءات الخاطئة التي لاتستند الى أي دراسة وتحليل للمجتمع العراقي وبرهنت هذه القرارات والفعاليات على عمق الهوة بين الواقع العراقي وما رسمته الإدارة الأمريكية من صور وردية من جانب ( الورود التي سيستقبل الشعب العراقي قواتها بها وإستتباب الأمن فورا والإنتقال فورا الى مرحلة الإعمار وتخلص العراقيين من مظاهر التسلط والديكتاتورية لتحل ديمقراطية وإزدهار وتسامح لا مثيل لها في العالم..الخ) وصور قاتمة من جهة اخرى ( عن متسلطين ومنتفعين كانوا يستعبدون الشعب وطبقاته وثرواته وقدراته وجيش يبطش بكل شيء...الخ) .

وهكذا تم حفر وصب وبناء أساس (العراق الجديد) بهذه القرارات الخاطئة المستندة الى معطيات بعيدة جدا عن الواقع العراقي ..وكان في تخطيط المحتل إنه في حالة تداعي وتهدم هذا البناء (الجديد) بالرغم من كل هذه التخصيصات المالية والخسائر البشرية والمادية والخطط فهذا يعود لهذه الأسس بحجة (إستنادها لمعلومات خاطئة ومزورة!)..وإن شب هذا البناء وظهر عاليا في السماء العراقية فسيكون بلدا غير العراق وكما يريدون! ..بلد بلا جذور وبلا عبق التأريخ والحضارة العراقية من جهة..وبلد (مُسالم وخانع ويخاف من كل الدول المجاورة) من جهة اخرى!..

وهنا تكمن خطورة الإصرار الأمريكي على المضي بإستخدام نفس المسالك والمسارات..تلك التي إستندت على تحليل خاطيء أفرز قرارات وإجراءات وخطط وفعاليات لإثبات صحة هذه الإفتراضات التي تم إعتمادها في تحليل الواقع العراق على الرغم من إنها بعيدة عنه ولا تنتمي إليه!.. 

 

وعلى الإدارة الجديدة للولايات المتحدة التي طرحت شعار التغيير وإستبشر العراقيون والعالم بأن مفهوما أمريكيا جديدا قد بدأ يتبلور تجاه القضية العراقية أن تختار أحد الإتجاهين ..

 

إما الإستمرار ( والمضي الى أمام في سلسلة القرارات والمسالك الخاطئة التي ستنهي العراق اليوم والمنطقة غدا والعالم في يوم قريب قادم ) ..

 

أو الإتجاه لإيجاد حل دائم وشامل وجذري للمشكلة العراقية يستند على تلك الحقائق التي ذكرناها..

مع ضرورة أن لايغيب عن الذهن مطلقا من إن الست سنوات الماضية من الوجود الأمريكي في العراق قد أثبتت إن الشعب العراقي يرفض الإحتلال ويقاومه بكل الطرق والوسائل التي أباحتها له الشرائع والأديان والأعراف والمواثيق ..

 

وإن إستخدام القوة لإرغام الشعب على ترك هذا الطريق وسيلة فاشلة للحل..

مهما طال ذراع هذه القوة وتعددت أنواعها وحجم تأثيرها للقضاء على هذه المقاومة العميقة في جذور كل شاخص ونبتة وسهل وقمة جبل وعمق نهر..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ١٢ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٧ / حزيران / ٢٠٠٩ م