المفهوم الأمريكي ( للتراجيديا العراقية الحالية )!..

 
 
 

شبكة المنصور

كامل المحمود

(إذا كنت تخطط للإستحواذ على كل العسل فليس من الحكمة أن تدخل الى المَنحَل المصصم لكي ينهار عليك)!..

على الرغم من إيمان العراقيين بالغايات الأساسية من غزو وتدمير وإحتلال العراق إلا أن معطيات السياسة والتداول بمفرداتها في كل جوانب القضية العراقية لازالت تحتاج للكثير من التوضيح ..

 

وهذا التوضيح مخصص لإولائك الذين (لايؤمنون) بما يؤمن به العراقيون !..والى هؤلاء الذين يتبنون ما تقوله الإدارة الأمريكية وماترفعه من شعارات كأساس لإعتماده في الحكم على تداعيات الحالة العراقية بدءا من أصل المشكلة ولحين قيام الولايات المتحدة الأمريكية بغزو العراق وما تبع ذلك من نتائج ..

 

"إن الدخول الأمريكي في هذه الحرب دون استعداد مسبق لكيفية إعادة الأمن السريع إلى العراق يشبه تماما الدخول في عملية قلب مفتوح بدون أكياس احتياطية من فصيلة دم المريض، لإصرار الطبيب القائم بالعملية على تصوره أنه توصل إلى طريقة فذة تغنيه عن تلك الاحتياطات".

 

هذه العبارة مقتطعة من دراسة  أعدها  مايكل إي أو هانلون الباحث الأول في مركز "بروكينجز" الأمريكي وهذه الدراسة نشرت في عام 2005 وكانت بعنون "العراق دون خطة".

 

كان هدف الدراسة في حينها للبرهنة على إن التراجيديا العراقية الحالية تحمل درسا قاسيا ومؤلما لكلٍ المسؤولين المدنيين والعسكريين الأمريكيين..وسعى الباحث في هذه الدراسة للعب دور محوري في :

 

( تنبيه المدنيين والعسكريين الأمريكيين إلى أصل العلاقة بينهما والتي من الظاهر أنهم نسوها أو تناسوها والتي تقوم بالأساس على المشاركة في تحمل المسئولية وعلى المزج بين الإستراتيجية التي يضعها المدنيون والعمليات العسكرية التي يقوم بها العسكريون وليس على الفصل بينهما كما فعلوا على أرض العراق)..

فكانت النتيجة هي الوقوع الأمريكي المريع في ذلك المستنقع الذي تشهده قوات الاحتلال كل يوم وكل دقيقة وكل ثانية من بعد إحتلال بغداد وحتى اليوم.

 

إن مثل هذه الدراسات التي ترتكز على فرضية ( شرعية ومصداقية وصحة القرار وخطأ تنفيذه) هي التي تتبنى سياسة (دس السم في العسل) وهي التي تبنت بإندفاع وحماس قضية الدفاع عن ( مرتكبي جريمة مكتملة الدوافع والأدلة والبراهين ) وتتبع طريقا غريبا لإقناع العالم بشكل عام والشعب الأمريكي بشكل خاص بأن أصل المشكلة العراقية لايكمن في (القرار الخاطيء) بل في خطة إدارة مسرح الجريمة بعد تنفيذها!..

 

ويركز هؤلاء المحللون الذين يقفون وراء تردي الوضع في العراق وإبتعاد الناخبين الأمريكيين عن الحزب الجمهوري وخسارة بوش على المنطق التبريري للخسارة وليس على المنطق النقدي الحقيقي ..

 

وهم يعتمدون بشكل كبير على كذبة جديدة تقول :

( لم يكن هنالك إستعداد وتخطيط مسبق لكيفية التعامل مع الواقع العراقي بعد الإطاحة بالنظام وما تبع ذلك من أمثلة تثير الشجن في النفس أكثر مما تزيل الغشاوة عن العين )!..

وبغض النظر عن (شرعية القيام بذلك من عدمه)

وبعيدا عن تحليل دقة وصحة ومصداقية ( مبررات الحملة العسكرية )

 

نسأل عن جوانب مهمة تتعلق بالتراجيديا العراقية اليوم :

هل يُعقل إن خطة إستراتيجية سياسية وإستخبارية وعسكرية إستغرق الإعداد لها أكثر من عشر سنوات لغزو وإحتلال العراق لم تتضمن بنودا لكيفية السيطرة على البلد الذي سيتم إحتلاله (العراق) وإعادة الأمن بشكل سريع للشارع العراقي بعد الإحتلال؟

 

هل تناست الخطة هذه الصفحة ؟

 

أم أن الإستقرار والأمن والسيطرة على الشارع لم يكن هدف من ضمن أهداف الخطة؟

 

أم أن الخطة تضمنت هذا الموضوع ولكن تناولت كيفية خلق حالة الفوضى وضياع هيبة الدولة والقانون والإمعان في زرع وتأجيج حالة الصراع الداخلي طائفيا وعنصريا وحتى مناطقيا؟..

 والدليل هو ما لاحظه العراقيون من تصرفات جنود المارينز الأمريكي والدبابات التي كانت تقف أمام مقرات ودوائر ومستودعات ومخازن الدولة حيث قامت القوات الأمريكية بكسر مداخل وأبواب  مخازن ومستودعات ودوائر ووزارات الدولة وبيوت الناس ويطلبون من الجموع العراقية التوجه لسرقة مكوناتها !..

 

ألم يسمع أو يرى أو يقرأ هؤلاء المحللون عن حالات التشجيع التي قامت بها القوات والمخابرات الأمريكية أو السكوت عن إستفحال حالات الإنتقام والثأر والقتل والإغتيال التي نفذها عراقيون بدعم وإسناد من القوات والسياسيين ورجال الإستخبارات الأمريكية؟..

 

وإذا كانت (وحسب قول هؤلاء الباحثين) مهمة السياسيين وضع الإستراتيجية ..

ومهمة العسكريين تنفيذها ..

وإن على السياسيين والعسكريين التنسيق بينهما في ذلك..وينتقد المحللون كل من المسؤولين السياسيين والعسكريين الأمريكيين لأن أي من الطرفين لم يقوموا بالتنسيق بينهما وفي تحمل المسؤولية المشتركة!..

ترى..فمَن يتحمل الخلل؟..

ومن يجب ان يُحاسب؟..

ومَن يحاسبهم؟..

أليس هنالك إحتمال أن يكون هنالك خطأ في الإستراتيجية ؟..

أو في مبررات إعتمادها ورسمها؟..

بحيث إن النتائج لم يعد بالإمكان معالجتها!..

هل إن المشكلة هي إن ما آل اليه الوضع في العراق ناشيء من عدم التنسيق بين المدنيين والعسكريين الأمريكيين بعد أن إحتل الجيش الأمريكي العراق ؟..

أم هو الإخفاق الناجم من الإصرار والعناد على المضي بالخطأ؟..

وعن أي من المواضيع ينسقون ؟..

عن كيفية رفع أنقاض ما دمرته الصواريخ والطائرات والدبابات الأمريكية من مدن ونواحي وقرى ومنشآت ؟..

أم عن كيفية إدارة عمليات القتل والإغتيال والإعتقالات والإقصاء والفصل والمتابعة والملاحقة للقضاء على كل صوت معارض ومقاوم؟..

 

هل كان هذا الخطأ في التنسيق يتضمن كيفية التصرف بأموال الإعمار المنهوبة والتي بلغت أكثر من 250 مليار دولار بإعتراف لجان التحقيق الأمريكية التي تحققت من إن هذه الأموال توزعت بين الإدارة المدنية والعسكرية؟..

ماهي بنود الإستراتيجية الأمريكية التي جعلت الولايات المتحدة تشن حربها على العراق وتدمره وتحتله؟..

ألا يبدو واضحا إن سبب هذا التخبط يعود الى وجود بند واحد فقط  في هذه الإستراتيجية وهو (الإطاحة بالنظام العراقي)!..

 

وبعدها لكل حادث حديث!..

وشيء واحد يؤمن به العراقيون بصدد هذا الهدف الوحيد الذي يمكن أن نصفه مجازا بانه (إلإستراتيجية الأمريكية للتراجيديا العراقية بعد الإحتلال)!....

 

وهو إن هذا الهدف وما أعقبه ضمن هذه الإستراتيجية لم يكن لأجل سواد عيون العراقيين ولا لإنصاف (المظلومين)..

 

وعموما العراق بلد غني بالعسل..

ومشكلته إن المَنحل العراقي معقد ومتشعب وغريب في تداخلاته ..

ومع إنه يُكرم الضيف والأجنبي والدخيل والغريب ويغدق بكرمه وعطفه وعطاءه ويجود بالغالي والنفيس من أجل نصرة الأخ والصديق ويقتطع من لقمته ليُطعم الآخرين أو يقاسمهم رزقه..

ويرفع من قدر وشأن الكريم والعزيز معه.. ويفديه بأعز مايملك في أحيان كثيرة..

 

إلا إنه شجاع وأبي وشهم ومدافع شديد وحساس جدا من الطامع والمعتدي والمتسلط..

والطامع في العراق وعلى مر العصور لايحصل على غنيمته بدون أن يتداعى عليه كل البناء العراقي ليتحول من حالة البحث عن الغنيمة الى كيفية الهروب بنفسه من الإنهيار!..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١٨ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / حزيران / ٢٠٠٩ م