برزان وحده لا شريك له !!

 
 
 

شبكة المنصور

أ‌. د. عبد الكاظم العبودي
من يقرأ العنوان بالتأكيد سيتعوذ من شر الشيطان الرجيم لمثل هذه الوحدانية والشراكة لبشر أراد التشبه بالآلهة . لكن رجائي من قارئي الكريم الا يستعجل الأمر لأن اعلان صاحبه البرزاني وحدانيته ، لم يكن خطئا لغويا كردي، ولا مجازا حتمته صياغة عنوان المقال. إنها الحقيقة التي ذهب اليها الشريك المشرك غير المشترك.


في كل مرة يخطو قادة الحزبين الكرديين في العراق حماقة جديدة قديمة. حتى أصبح هذا ديدنهم ومسارهم الذي لا يتزحزحون عنه. وهذه المرة سيضحك جمهرة من الكتاب المثقفين العراقيين من ترداد النكات على الطريقة العراقية على " الكاكات" وربهم الجديد. ولكن مسار العراق الجديد يبدو ان " الكاكات" تعلموا من السياسات أكثر من " الإمعات" من السياسيين العرب والتركمان والارمن والكلدان وباقي تركات الأزمان على أرض الرافدين.


بدأت حكاية حقوق الكرد وامتيازاتهم منذ سن أول دستور جمهوري للعراق في عهد عبد الكريم قاسم بعد ثورة الرابع عشر من تموز. فصفقنا " لشراكة الوطن" بين العرب والأكراد دستوريا. ورسمنا أيضا شعار دولة الجمهورية العراقية ووضعنا تحت شمس تموز البابلية سيف عربي وخنجر كردي يتعانقان حول عجلة العمال وسنبلة الفلاحين ووحدنا بهتاف الرفاق بوحدة العمال والفلاحين. .بـ "هربجي كرد وعرب ...رمز النضال .. الخ.


وما أن خطت الجمهورية العراقية الوليدة وقائدها عبد الكريم قاسم بضع خطوات الا وبدأ الخنجر الكردي يطعن بمسيرة الجمهورية ويشكك بجدوى الشراكة. وكما حدث بالأمس يعاد اليوم بدأ البعض من السياسيين العرب يفسر تمرد الكرد بأنه "نضال" وكفاح ضد انحراف النظام السياسي القائم الذي وأد الديمقراطية الموعودة للعراق. وهكذا ظل مثل هذا التبرير مكررا لعدة أجيال بين العراقيين، لكن الحقائق على الميدان أكدت أن هذا التمرد، والخنجر الكردي بيده بدأ يتغول ليتحول الى أداة داخلية وخارجية معا ويتطاول على العراق. وبدأ يتعاظم دوره من تنفيذ ظاهري في العداء للنظام السياسي القاسمي في العراق، وبعده معارضة وصول نظام البعث 1963، واستمر الدور لقادة الكرد في معاداة حكم القوميين العرب والاخوين عارف الاول والثاني، ومن ثم مواجهة نظام البعث في طوره الثاني مابين عامي (1968-2003). وطبيعة هذا العداء صارت في أطوارها الأخيرة ليست مجرد مواجهة أو معارضة لنظام سياسي حاكم ؛ بل سياسة وممارسة تحمل في كوامنها الكثير من الغل والشك ضد وجود العرب كقومية رئيسية وأساسية في العراق وكجنس بشري أيضا يعيش على ارض الرافدين منذ العصر الأكدي بأربعة آلاف سنة قبل الميلاد. ثم تكرست سياسات القادة الكرد في العداء للعراق الموحد نفسه والعمل على تفكيكه ككيان سياسي واجتماعي واقتصادي موحد عرفته أرض الرافدين.


والمتابع السياسي والتاريخي لمبدأ الشراكة القاسمي، صار " نظام إدارة لامركزية" في عهد الرئيس عارف، وضعه واجتهد في صياغاته القانونية والادارية المرحوم الراحل عبد الرحمن البزاز، ثم صار قانونا للحكم ذاتيا في عهد البعث الأخير1970. وفي كل مرحلة تعود خناجر القادة الكرد مغلولة في صدور وخواصر حلفائها ومناوئيها من العرب والكرد والتركمان. ولم يسلم تنظيم سياسي في العراق من طعنات قادة الكرد تبعا لسياساتهم الميكافيلية القذرة في تحالفاتهم وفي معاداتهم.


وعندما عادت خناجر القادة الكرد تحت عباءة بوش وديك شيني وشارون لإحتلال بغداد صارت مفردات "الشراكة" و" الادارة اللامركزية" و" الحكم الذاتي" ليست ذات معنى عند هؤلاء المتمردين المتمرسين حتى على أنفسهم وفيما بينهم. وصار مبدأ المحاصصة والمشاركة في كردستان العراق أو شماله إنما هو في المشاركة مع الغير لاقتسام العراق كله.


ومثلي كثيرون ممن العراقيين ضاقوا ذرعا بسياسات القادة الكرد وأطماعم وتصهينهم. ووصل بنا الضيق حد زفرة الغضب والقول جهارا: علينا أن نلغي هذه الشراكة الملعونة الى الابد وننبذ ما أراده "الحكم اللامركزي"، ونلعن " الحكم الذاتي" ، طالما ذهب المركز ببغداد تحت اقدام غزو المارينز، وإدارة الحكم الذاتي صارت دولة تتجمع في قصور المنطقة الخضراء ويحكمها طالباني وهوشيار زيباري ومحمود عثمان وغيرهم ممن تقاسموا حكم دولة الخروف الأخضر في المنطقة الخضراء. والاقليم الشمالي من هذه الدولة صار له علم ودستور وبئر نفط وقناصل ومطارات ويحكمه بارزان وابنائه وهو الزاحف ببيش مركته شمالا وجنوبا وغربا فمن الموصل الى كركوك وصلاح الدين وحتى العمارة يمتد هذا الاقليم الاخطبوطي. قلنا بالامس ونقولها اليوم بملئ الفم أعطوهم دولتهم القومية وسنرى مصيرها غدا كيف تعيش أو تبقى، نظرا لما جلب القادة الكرد من كوارث وأحقاد مستقبلية محتملة على شعبهم بسبب أطماعهم، لا بأراضي العرب والتركمان في العراق؛ بل حتى أراضي الفرس في الشرق الايراني وأراضي الترك في الشمال والشرق التركي.


ربما إقتنع قادة الكرد هذه المرة بسماع مطالبنا نحن أبناء العراق بفك مثل هذه "اللاشراكة" معهم ومنح شعبنا الكردي في العراق حق تقرير المصير وسنرى الى أين تتجه البوصلات الحقيقية للشعوب.


هذا الاسبوع عاد البرزاني الى برلمانه الكردي وسن دستورا هذه المرة وقبله رفع علما وألغى علم العراق . ثم مد انبوب نفط ووقع إتفاقيات مع الخارج ومن ثم أرسل له سفراء وقناصل للتمثيل الدبلوماسي الكردي، وهو بهذا كله أراد طوعا فك شراكة دستور جمهورية تموز 1958 وأنهى حكم ذاتي جمهورية 17 تموز 1968.


وهنا يذكرني هذا البرزان بطرفة جزائرية يقولها الشارع ان شخصا متحايلا ولنسميه برزان شارك بمحل تجاري رجلا إسمه أحمد . تنازل أحمد بطيبته لبرزان بتسمية واجهة المحل التجاري بعنوان " بارزان وشركاءه ذ. م. م.". وعندما كبرت مصالح وأعمال المحل وتراجع دور أحمد فيه لفرط الثقة التي أولاها لصاحبه بارزان ، حتى جاء أحمد يوما الى محلهما المشترك فوجد تغيير واجهة المحل او الشركة من "بارزان وشركاءه ذ. م. م. " الى العبارة الالية التي علقها برزان دون استشارة أحمد على واجهة المحل[ برزان وحده لا شريك له]. والمثل والنكتة بمرارتها قياس والفاهم يفهم. انه ليس خطئا لغويا لكردي بسيط لا يعرف العربية أو سورة التوحيد في القرآن. فهو المسعود، الملا الصغير، إبن ملا كبير في السياسة والغدر ضد العرب والتركمان والفرس إسمه مصطفى البرزاني.


أنتهي الى القول، إن الشراكة إنتهت بظهور غول كردي جديد يحمل خنجره من دون عباءة لأحد أو خلف ستار. وهذه المرة ربما يعود جدل بعض السذج من السياسيين العراقيين، وأصدقاء وعشاق الانخراط في العملية السياسية، والاحتكام الى ما يسمى "الدستور" و "قانون الحكم الذاتي"... الخ. وغيرها من الترهات والخزعبلات السياسية والاعلامية. فأقول لهم إن هذا الملا الذي صار "برزان وحده لا شريك له" قرر منح الاقليات القاطنة في شمال الوطن حكما ذاتيا وفق دستوره، والعجب أننا نشاهد فضائيات بريمر قد هللت واحتفلت لذلك القرار ومنها أبواق فضائيات كنة وغيره بمباركة تسمية الكلدان والآشوريين مواطني الحكم الذاتي في جمهورية بارزان الممتدة من الجبل الى الخليج العربي الذي ربما سيصبح الخليج الكردي إضافة الى الفارسي.


أما عرب المحاصصات، فهم ينتظرون ملحقا دستوريا بارزانيا يعترف لهم أيضا بالحكم الذاتي وممارسته في الفلوجة وبعض مقتطعات من أحياء بغداد الشرقية، فحي الاكراد بمدينة الثورة جيب كردي يستحق الضم وكذلك أحياء الكرد الفيليين في محافظات الجنوب والوسط تنادي العودة الى الوطن الكردستاني الأم، بعد أن تستكمل القيادة الكردية بأموال الجيش الامريكي المحتل ومقاولات "أمانة بغداد" وشركاتها بناء الجدران العازلة ما بين الاحياء والمدن والأقضية والمحافظات الوسطى والجنوبية، مرورا بديالى وبغداد وواسط وحتى ميسان والبصرة.


عودوا الى خرائطهم المتداولة، التي إطلعنا عليها يوما، منذ قرابة ثلاث عقود وقد روجوها وطبعوها ووزعوها بحضور الطالباني ومحمود عثمان وفؤاد معصوم في جميع انشطتهم الطلابية والحزبية في أوربا وهي خرائط لا يشك في جدية مروجيها تظهر وجود موانئ ومدن كردية مجاورة أومقابلة للبصرة على شط العرب وعند مصب الشط قبالة الفاو وأم قصر تماما كخرائط مينائي العقبة الاردني وإيلات الاسرائيلي.


وإذا كان الحال كذلك والبرزان الأول يؤسس مملكته وينشر خرائطه ويعلن دستوره ويحدد مقاطعاته وينصب نفسه (وحده لا شريك له) فلماذا يذهب عرب العملية السياسية الكسيحة في العراق الى مسح جوخ وكتف القادة الاكراد ويتحالفون من أجل بقايا المزبلة والتركة الامريكية في العراق. نقول لهم ولأكرادهم خذوا كردستان وإنفصلوا بها، وخططوا ماشاء لكم مقص سايكس بيكو الجديد. لكن ثقوا إن استعادة العراق العربي المقاوم قادر على هزيمة الأقزام الذين ألهوا أنفسهم ببلادة قادة الكرد وصاروا دولة بلا شراكة مع أحد. وان غدا لناظره قريب.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٠٣ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / حزيران / ٢٠٠٩ م