الخروج من شرنقة السبات العربي وحرير المراهنة على الوهم

 
 
 

شبكة المنصور

أ.د. عبد الكاظم العبودي

خرائط التيه بلا طريق

هل نحن على عتبة خروج اليهود الى التيه مرة أخرى، أم نحن نتشبث بالتيه العربي دون وعي بمسلمات التغيير من حولنا. مهما وضعت التوصيفات حول الصراع العربي الاسرائيلي فاننا لانزال أسرى ما يُسرب الينا او يُملى علينا إن صح التعبير. نخبنا تخوض الجدل إثر الجدل منذ قرابة 60 عاما، وهي تتوجه الينا قبل الآخر، تحاول إقناعنا بأننا كنا أصحاب حق في أرض فلسطين. وبات هذا الخطاب أشبه ما يصورنا بالصورة المعاكسة تماما من رؤية التأريخ لنا ، أي ان المتمعن في خطابنا هذا كأنه يرى ويسمع وكأن الفلسطينيين هم الغزاة واليهود أصحاب الارض المدافعين عنها. ووفق هذا المنطق وإدراكه العميق له قدم نتانياهو خطابه لنا وللغرب وكأنه مضطر للتنازل عن بعض من أرض صهيون ليمنح لمن تبقى من الفلسطينيين محمية بجوار حديقة اسرائيل الكبرى فوق فلسطين. هذه الحديقة سماها الآن الدولة اليهودية. أي دولة يهود العالم هم حكامها ومواطنوها اينما وجدوا من هذا العالم. إذن فتحت حدود دولة اليهود بدون حدود وأغلقت علينا حدود صرنا فيها مجرد كائنات بشرية تعيش في محتشدات تسيجها حدود الدولة القطرية وفي داخلها سجون تطوق سجون. هذا هو التيه العربي وشرنقته الابدية إن لم نفكه ونفهمه ونتصارح حوله.

 

السبات الأزلي وأرق الهويات:

واذا لم يتجاوز العرب سباتهم في حرير شرنقة الوهم الاسرائيلي وبقائهم فيه راضين وكأنه قدر الهي وانساني مسلط عليهم فإنهم سيبقون مكتوفي الاذرع والعقول، مشلولي الارادة بالفعل والقول. والعجز في الخروج من هذا التيه  بات يحنط خطابهم وأذرعهم وعقولهم. سؤال الهوية يطرح اليوم بحدة أكثر من أي وقت مضى. والهوية كاللوح المحفوظ في الجينوم، الطاقم الوراثي للفرد، يمكن للفرد وخلفه الامة ان يعرفا طريقهما الى الوجود الانساني، ثم تحديد العلاقة مع العالم. والعرب تجاوزوا المفهوم العرقي أو العنصري في انتماءاتهم الحضارية، رغم تسميتهم على الارض كقوم لهم سمات معينة بالعرب ؛ لأنهم ينتمون الى بقعة جغرافية اسمها الوطن العربي او "العالم العربي". والتسميات الاخيرة باقترانها بلفظة العربي ليست بالضرورة تأكيد مثلها مثل البحر الابيض والبحر الاحمر والمحيط الهندي والخليج العربي واحيانا الفارسي. فالمسمى ليس تأكيدا ولا مطلقا في ظل نسبية العولمة وتوازناتها وصراع مصالحها.

 

أهل ذمة لمن وشعب الله المختار بلا ذمة

 وفي هذا الوطن العربي تمثل الاسلام بأغلبيته قرونا، ومن بعده، يوجد مسلمون وغير مسلمين، ويعيش في هذه البقاع مسيحيون ويهود كنا نسميهم عربا، وبعضهم فتش لنفسه إسما يقترن بقومية فلدينا موارنة وأقباط وكلدان صاروا يتنادون بقوميات لهم ومنهم من يقول لنا لسنا عربا،  وهناك قليل من طوائف منهم من أهل الكتاب و آخرين ربما يكونون من الوثنيين او الملحدين وهم بنسب لا تأخذ من النسبة المئوية سوى مرتبة الآحاد. لكن هؤلاء جميعا إرتضوا العيش كفسيفساء تشكل لوحة الوطن العربي وشذ عنهم اليهود فقط.  رغم أن اليهود عاشوا معنا عقودا وقرونا وجرى التعامل معهم منذ ظهور الاسلام انهم أهل ذمة، وأهل كتاب، ولم يتمايزوا علينا سوى بدفع الجزية للحاكم المسلم لأنه يضمن لهم الحماية والرعاية والتعامل معهم كرعية. لكنهم بعد مؤتمر بازل 1897 تمردوا علينا وعلى الآخرين ليستعيدوا إمتياز " شعب الله المختار".

 

ولله في خلقه شعوب:

واختيارهم لأنفسهم شعبا عنصريا رغم تفاوت ومصادر قومياته بات مشكلة لدعاة الهوية الاسرائيلية او اليهودية. والمشكلة تتمثل بالبقاء هنا عن طريق إستعداء يهود العالم  كله علينا بعد أن جلبوا معهم لأرض فلسطين غزاة ومستوطنين ومتهودين ومسيحيين متصهينين ومعهم اسلحة ابادة شاملة،  مكنتهم من الاستيلاء على فلسطين في 1948 بدعم بريطانيا والولايات المتحدة والغرب كله. وهكذا فأن أهل الذمة، يهود عصرنا،  يريدون قلب الصورة التاريخية ، أي يصبح العرب والمسلمين هم من أهل الذمة، ينتشرون كرعايا وسكان المحميات في أرجاء امبراطورية الشر إسرائيل، ويقع تحت نفوذ حكام وقادة اسرائيل جميع الحكام الآخرين.

 

منطق الدك النووية والسكوت الأظلم:

منطق إعلان الدولة اليهودية الجديد ليس قيام دولتين على ارض فلسطين التاريخية وإتنما تتضمن طموحا ان يكون العرب والمسلمين تحت الحماية الاسرائيلية،  طالما ان حكام اسرائيل يمتلكون أزرار إطلاق القنابل النووية والصواريخ التي تتمكن من دك أية عاصمة عربية وبعض الاسلامية في أي وقت. وعلى مدى بُعد وقدرة وصول الصواريخ الاسرائيلية العابرة للقارات وحجم ترسانة السلاح النووي والكيمياوي والجرثومي الاسرائيلي تمتد حدود دولة إسرائيل الكبرى. وليس بالضرورة ان تبقى هذه الدولة اليهودية وفق تصور هرتزل لها بأنها الارض الممتدة ما بين النيل والفرات.

 

من هنا لا يهم قادة إسرائيل طول وخطوط حدودهم مع أحد، ان قبل العرب التطبيع والدخول تحت عباءتهم المطرزة بنجمة داود . سيكون الشيقل سيد الدينار والدولار واليورو.  طالما أن الاقتصاد المعولم مُسيرا بخبرات أساطين المال اليهودي وخبرة اليهود التاريخية باللعب بالمال وافساده وتدميره إن شاؤوا. فهم ملوك المضاربة على مر التاريخ والذهب كان نعالهم وحذائهم للوصول الى قلوب من يهواه وبفضله غزوا القلاع واشتروا الذمم ودخلوا واستباحوا القلاع.

 

من يبيع ومن يشتري وسوق الشيقل سمسار

لقد حسم اليهود امتلاك أهم أسلحة العصر المال، فهم الآن في ظل الازمة المالية العالمية خارج الاستدانة والتكسب والجوع والعطش، بعد أن تمكنوا من الاستيلاء على أموال الولايات المتحدة والغرب بطريقة لا يعرف أحد الى أين اهتدت الملايير من الدولارات في ليلة ظلماء خلال انشغال بوش والمحافظين الجدد في حروبهم وغزواتهم في العراق والبوسنة والصومال وافغانستان وغيرها. واذا غاب القط  تقول الحقيقة ستلعب الفئران بحريتها من دون رقيب او سليط.  فلا أحد أخبرنا عن جواب لسؤال بسيط قد يطرحه السذج في الاقتصاد. أين ذهب مال العالم كله؟؟  وهذا الافلاس التي اجتاح كل بنوك وشركات وبورصات الدنيا كلها سببته خسارة ما ، تمت بفعل فاعل ؟؟ ولا بد أن يكون هناك كاسبا ورابحا لهذه الخسارة. أين ذهبت المليارات؟ والعالم لازال قائما تحت وطأة الازمة المالية العالمية يفكك ويبيع أكبر المؤسسات الاقتصادية؟. ولماذا لم نسمع من خطاب نتانياهو جملة يشكو فيها الخوف من المستقبل المالي لدولة كانت تعيش على الهبات الغربية وخاصة الامريكية. لكنها دولة باتت تتحكم في اقتصاد العالم، وتحمي نفسها بسلاح نووي وكيمياوي وجرثومي، وسلاحها حسب تقديراتنا الاولية قادر على توزيع 10 رؤوس نووية لكل عاصمة عربية من البحرين الى نواكشوط.

 

حقيقة الوهن والرقص بسيوف صدئة

هذه الحقيقة هذه يعرفها حكامنا العرب، وقادة جيوشنا، وهيئات أركاننا، العسكرية والسياسية، ولكنهم يخشون الاعتراف الصريح بها أمام شعوبهم. من هنا لا يفهم المواطن البسيط لماذا هذا العجز القومي العربي أمام اسرائيل. ومن المفارقة أن نتانياهو يحتاج الى تجنيد بضعة آلاف من قوى الامن الفلسطيني ببنادق وسيارات جيب لحماية الامن الداخلي للدولة اليهودية ويضع شروط التجنيد لمن يرغب في الخدمة في مؤسسات الدولة اليهودية.

 

خطاب نتانياهو قد يفك عقدة لسان الكثيرين بالاعتراف امام حقيقة الوهن والنوم والسبات داخل شرانق الوهم الحريرية التي ارتضيناها لتغليف وجودنا وهويتنا. فمتى تقطع الفراشات خطوط الحرير وتنطلق بألوان لون مقاومة فلسطين تقول : خضر مرابعنا..بيض وقائعنا...سود وقائعنا...حُمر مواضينا. شرط أن لاتكون مواضينا وسيوفنا للرقص باستقبال بوش واوباما وربما غدا لنتانياهو.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٢٤ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / حزيران / ٢٠٠٩ م