عندما تُقلب السلاحف على ظهرها

 
 
 

شبكة المنصور

أ.د. عبـد الكاظم العبودي
عشرة أيام مرت على خطاب الرئيس أوباما وهو يخاطب المسلمين من قاهرة المعز. الرئيس الامريكي يعرف سلفا أجوبة العرب واستعداداتهم لتلبية ندائه ملبين في كل عمرة للبيت الابيض... لبيك يا حسين لبيك يا اوباما... لبيك. اما الطرف الثاني أي اليهود فوعدوا بالرد والجواب على مشروع الدولتين . حتى جاء دور وخطاب نتانياهو ليقيم دولته اليهودية الابدية رسميا على انقاض ما تبقى من حطام فلسطين. والغريب ان كل العرب كانوا على موعد مع خطاب نتانياهو مساء الرابع عشر من جوان 2009.


ظننت ان العرب تعلموا ان لا يُلدغوا من جحر صهيوني مئات المرات ولكنهم يعيدون الكرة والتجربة كلما حنوا للإذلال مرة اخرى. عذرتهم يوما على إمتلاكهم أمصال المضادات المناعية الصهيونية من دون وخز ضمير. لكنهم هذه المرة تمادوا في سفاهاتهم، وهم ما بين مصدق ومكذب لخطاب أوباما انتظروا رد إسرائيل على مجمر من مشاوي السهر في خطاب نتانياهو.


في أجواء حمى كرة القدم إكتسب القادة والاعلاميون العرب ورائهم، خطابا كرويا متفائلا: فقالوا "الكرة في الملعب الاسرائيلي"، رغم أنهم ظلوا حماة أهداف إحتياط على كراسي خارج الملعب، وظلت أهدافهم من دون شباك او حامي هدف معلوم. ظلوا ينتظرون بشرى قيام الدولتين بلسان نتانياهو الليلة. فشدوا الرحال الى القنوات الفضائية علها تأتي بالبشرى؟، نقلوا لشعوبهم الخطاب على المباشر، وجاء الرد الصهيوني بلسان نتانياهو، ومنهم من أوصى بإقامة الاعراس والاحتفالات والرقص بأغصان الزيتون بدلا ىمن السيوف المذهبة، كما طلبوا إطلاق الزغاريد عندما يكمل الخطيب اليهودي دعوته لهم للسلام ولزيارة القدس، أو يعلن استعداده للذهاب اليهم في أية عاصمة عربية تدعوه اليها.


"شالوم" يا ناتانياهو... "شالوم ياليفني" و"شالوم يا "أولمرت"، "شالوم يا شارون في غيبوبته، و لم لا شالوم يا غزة المحاصرة. وشالوم ياقدس؟ عفوا يا " أورشليم". ومعذرة يامدينة السلام أي مدينة الملك ساليم. صرنا نخاف التهمة بمعاداة الشامية او السامية؟؟ لا أدري.


جاء الرد بلسان عبري فصيح ومن بطون الارشيف الصهيوني، ومن مقررات مؤتمر بال بسويسرا عام 1897 عند اعلان تأسيس الحركة الصهيونية يومها، وبلغة نبي الصهيونية الاول والاخير تيودور هرتزل وبتسميته للدولة الموعودة حينها "دولة اليهود" . فأعاد التسمية على مسامعهم بلسان نتانياهو متجاوزا تسميتها "ارض اسرائيل" مرددا : عليكم بالمستوطنات وتوسيعها، وطرد الفلسطينين، وإغلاق باب العودة الابدية أمامهم، الفلسطينيون المعتدلون سيقبلون الشروط إذا سقتم قبلهم قطعان العرب الى خلوة التطبيع والخلوة الابدية. والقدس ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل، ويمكن ان تقام عليها العبادات الثلاث وتنعقد فيها مؤتمرات حوار الاديان الثلاث باللغة العبرية فقط.


دولة "حمامة السلام" الفلسطينية يجب أن تضع بيوضها وأفراخها في عش النسر الصهيوني ليحميها من شر ا"لارهاب". وتتنفس بملئ رئتها من نفايات إسرائيل النووية والكيمياوية والجرثومية، وتتحصن مناعتها من انفلونزا الطيور والخنازير والعرب أيضا. فلسطين سيحافظ عليها أثر لمحمية طبيعية لبقايا اليبوسيين والكنعانيين والعرب المتعايشين مع دولة نتانياهو اليهودية، ستحمل شرطتها وقوات أمنها المديات والعصي لمكافحة الشغب الفلسطيني المحتمل. وتكون ثكنة جاهزة لمطاردة الارهاب في غزة وكورنيش مقاهي الضفة على الاردن ان تجرأ أحد وحن الى رفع حجارته. سماء فلسطين سيحميها الفانتوم والميراج والباتريوت الاسرائيلي. عندئذ ستكون فنادقنا العربية هانئة بخمسة نجومها السداسية، الداوودية، ويخدم في مجمعاتها السياحية وباراتها ومراقصها وكازينواتها خريجي الجامعات العربية ومدارس الفندقة والسياحة. هذا هو مشروع سياحة نتانياهو الكبير فعلى العرب الاستثمار به زرافات ووحدانا.
أيها العرب لا تستعجلوا التحرير؛ لأن اسرائيل ستنتهي لا محالة بحتمية خطاباتكم، طال العمر بها أم قصر، ستكون محمية أو بلدية بظل الدولة العربية الموحدة بالبترول والطاقة الشمسية ورصيد الاموال الصعبة، وبعشرات مشاريع البناء العملاقة التي سيبنيها لنا أبناء عمومتنا الساميين اليهود.


إسرائيل محكوم عليها بالزوال، ستصبح كسائر المحميات تتمتع بالحكم الذاتي على طريقة كردستان العراق لها أُنبوبها النفطي وموانئ تصديرها، في ظل حماية دولة العرب الكبرى الغارقة ببحيرة النفط وبالديون ايضا . سيصبح نتانياهو موظفا وأجيرا براتب شهري بالشيقل لدى احدى وزارات الخارجية العربية، واولمرت كاتبا عموميا لدى احد بلاطات الحكم العربي. وإيهود باراك غفير أو حارس لعمارة بشقق مفروشة للسواح العرب. ايها العرب لا تستعجلوا مشي مفاوضات السلحفاة مع اليهود، ولا تلحوا على رعاتها بالتسريع بدءا من اوباما الى ميتشيل الى سولانا . سلحفاة الحل العربي- الاسرائيلي مأمورة، وليس لديها بوصلة، ولا خارطة طريق، ولكنها بالنجم السداسي تهتدي، وتتجه نحو القدس دائما، وستصل بكم الى الحل الموعود، يوم يبعثون . بقي ان نذكر العرب ان السلحفاة حيوان منَ الله عليه بالعمر الطويل والسكينة والسبات الشتوي أيضا، وهي باستحقاق صاحبة لقب "طويلة العمر"، وستعيش أطول من أي حاكم عربي مهما طالت وتمددت عهداته وتوريثاته في الحكم. و نتانياهو يعرف نفس سلحفاة التفاوض الطويل، وهي تزحف على بطنها تاركة ظهرها لمن يركبه من الحشرات والهوام.

 

وإن ظن العرب إن تسليط عصا اوباما على ظهر نتانياهو فهم واهمون ، لأن العودة لركوب نهج المفاوضات على ظهر السلحفاة هو الافق الوحيد لأمريكا. كان قول كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات صائبا هذه المرة، وهو يعلق على مستقبل سير المفاوضات القادمة بعد خطاب نتانياهو مباشرة، قوله: انها كانت كسير السلحفاة، فجاء نتانياهو فقلب السلحفاة على ظهرها. وعلينا ان نرى مثل هذا المشهد الخرافي ونستشرفه قبل أن تنقلب بنا الدنيا وبها. وعلينا أن ننشد ونغني لها عربيا وعبريا وعلى طول السبات العربي القادم : هيك تمشي السحلوفة هيك هيك. وهيك تمشي الزعرورة هيك وهيك.وهيك. صار العرب هيك وهيك .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الجمعة  / ٢٤ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٩ / حزيران / ٢٠٠٩ م