مشجب ضوء : بين رقبة شاليط وأعناقنا صبر جمل ومليار شيكل

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الكاظم العبودي
قيل عتق عنقا..أي حررها. هكذا قالت العرب . وعتاقة العبد تعني اخراجه من العبودية. وصار العتق مرادفا للحرية . وقد اعتقت رقاب الاسرى بين العرب والصليبيين والفرنجة، أما بالمال او رجلا مقابل رجل او بعد اتفاق او هدنة . لكن حسابات العتق مع الصهاينة لازالت بعيدة التعادل ومعقدة التنفيذ. طالما ان العدو لازال يحسب اعناق أسراه ولا يرى في العنق العربية الا وصلة لحم بين الرأس والبدن، له الحق في قطعها أو خنقها او ابقائها تحت رحمة الجلادينوعذاب المعتقلات الصهيونية..


كلما اقتربت مناسبة تتم فيها صفقة لمقايضة رقبة إسرائيلي، حيا كان أم ميتا، مع عشرات ومئات الاعناق العربية المرتهنة عند حد السكاكين الصهيونية تحسست عنقي وحسبته مجرد وصلة زائدة ما بين الرأس والبدن لا غير. وكلما قايض العدو الصهيوني عمر وشباب وكهولة وشيخوخة أي اسير فلسطيني يقضي عقودا في السجن وينتظر بقية عمره بالسجن المؤبد بحجة ان ذلك البطل الاسير قد تلوثت يداه بدم صهيوني، خفت ان يبقى هذا العناد الاسرائيلي، مؤبدا ،ودلالة على ضعفنا السقيم. وكي لا يبقى ويكرس كقانون ابدي في العقاب على العرب الفلسطينيين كان علينا مقاتلة العدو في أي مكان سواء أسرنا أم لم نؤسر له أحدا. فالأسر ليس هو الهدف اذا كانت خسائره اكبر من تقديراتنا الظرفية طالما ان التعادل المعنوي مفقود في مثل هذه المعادلات غير المنصفة. ان المقايضة المذلة لا تصنع نصرا حتى وان طبل وفرح له البعض لحساباتهم الظرفية قصيرة الرؤى.


لهذا لم أفرح أبدا بسماع أخبار قرب تنفيذ الصفقات والتبادل المشروط بتعداد رقابنا أعدادا مؤلفة مجموعة أمام رقم مهما كانت الجهة التي تعقدها ومهما كان العدد المفرج عنه طالما ان قائمة المحكومين بالمؤبد مستثناة من مثل تلك الصفقات.


ولما كان جلعاط ،شاليط وقبله آخرين ، سببا في هدم اركان غزة وبيروت والجنوب اللبناني واستخدموا مبررا لمجازر دموية للقوات الاسرائيلية ، ومن اجلهم شنت حروبا قطعت بها الوف الرقاب البريئة، وأسقطت أيضا حكومات للصهاينة؛ لانها لم تحررهم، او تنجز باسمائهم نصرا لمعاركها، تجعلني اتخيل رقم المعادلة الصعب مالا او رقابا على هذا الكيان الصهيوني دفعه يوما مهما طال الزمن. في كل مقايضة غير عادلة للقيمة البشرية والمعنوية وعذابات الاسرى أتحسس طول وصبر رقبتي مرة اخرى أتدارك ألما بات يذكرني بطول رقبة جمل. ورقبة الجمل هو صبره، الا يقول الكلمة الناشزة، الا بعد هضم كل معانيها قبل نطقها لئلا تجرح أحدا وتبقى أكثر حكمة لو ابتلعتها وظلت لهاتي بها صامتة المعنى. نعم في كثير من الصفقات تُشم بها رائحة النخاسة والشماتة الاسرائيلية لأننا في الحقيقة لانحارب فرسانا او رجال حرب شجعان ممن يعترفون بشجاعة مقابلهم ونبله معهم.


بالامس تسلم البطل الاسير طارق البطش من خان يونس المعتقل منذ العام 2001 والمحكوم بالسجن المؤبد بالاضافة الى 15 عاما لقتله جنديين اسرائيليين في مدينة رام الله يوم 12/10/2000 بلاغا من محكمة اسرئيلية في القدس، موجها له ولأسرته تدعوه من جديد المثول أمامها، لدفع تعويضات لاسرة كل من الجنديين بقيمة 64 مليون شيقل.


وخلافا لموقف وبيان نادي الاسير الفلسطيني وقلقه المشروع على عوائل الاسرى وحمايتهم من الابتزاز الصهيوني قد أفرحني هذا الخبر؛ لأن العنجهية الصهيونية التي لم تتراجع في صلفها منذ قيام هذا الكيان الصهيوني، لم تعترف يوما بتقدير قيمة رقبة من رقاب جنودها المجرمين بثمن مادي محدد بالشيكل او بالدولار، وظلت تصر دائما الانتقام منا بفرض حسابها عند المقايضة البشرية بعدد من أضعاف الاعناق العربية من أسرانا، إمعانا في الاذلال المعنوي بنا كأمة لا تفتدي رجالها بفروسية النزال كما يجب وفي الوقت المناسب.


ويبدو ان سياسة كسر صمود الاسرى المحكومين بالمؤبد وأهلهم لم تفلح في تراجعهم عن حق اطلاق سراح أبنائهم الابطال مقابل رقبة شاليط او غيره؛ لذا لجأت السلطات الصهيونية الخسيسة الى مثل هذه الدعاوي الفارغة، التي كثرت في الآونة الأخيرة تطالب بها عوائل الاسرى الفلسطينيين لإجبارهم بتقديم تعويضات لعائلات القتلى الإسرائيليين الذين قتلوا على يد المقاومين.


و كما حدث مع الأسير كميل ابو حنيش ، ومع عشرات الاسرى الآخرين . تتراكم امام المحاكم الاسرائيلية ما يزيد عن 40 قضية من مثل هذا النوع، ورغم ان هذا الابتزاز الصهيوني سيبقي عائلات الاسرى في جو من القلق والخوف على مصير أبنائهم، نظرا لارتفاع قيمة تلك التعويضات المطالبين بدفعها، ومقابلها لاشئ من أي من الوعود لضمان إطلاق سراح الاسرى حتى لو تم الدفع للصهاينة فعلا.


ان الصهاينة يضعون قوانين التعويض بأنفسهم، فكم من رقبة عربية وفلسطينية تم ذبحها بدم بارد برصاص وحراب جنود قوات الاحتلال. وكم هو الثمن الذي يستوجب دفعه.

 

وان غدا لناظره قريب.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٨ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠١ / تمــوز / ٢٠٠٩ م