على ضوء خطاب المجاهد المعتز بالله عزة الدوري في يوم الهروب الامريكي

﴿ الجزء الثاني ﴾

حرمة الدم العراقي منهج وممارسة

 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

جاء الغزو والاحتلال وهو يحمل اجندات ثأرية ضد شعب العراق عموما وليس فقط ضد قيادة العراق التأريخية. فلأمريكا والكيان الصهيوني ثارات ولايران ثارات وللكويت ثارات، ولغير هذه الاطراف ثارات اخرى معروفة للقاصي وللداني. لذلك مارس الجميع عمليات القتل كل حسب طريقته الخاصة. والمؤكد ان كل هذه الاطراف دونما استثناء كانت تعمل بعناية ودقة على اخفاء دورها في استباحة الدم العراقي. لا أحد يقتل ويجاهر بجريمته تحت الظروف التي عاشها ويعيشها العراق بعد الغزو المجرم, غير ان احدا من هؤلاء على الاطلاق لم يعلن حقده الدفين ورغباته في الثأر والانتقام من الشعب العراقي، بل تصرفوا بجرائمهم من وراء ستر وتحت عنوان عريض لم يدرك الكثيرين كنهه ألا وهو الفوضى الخلاّقة. فالفوضى الخلاّقة سيئة الصيت كان احد اهم ركائزها القتل بدم بارد وفي خضم موج متلاطم من الفوضى التي يضيع في تيهها مرتكبوا الجريمة بيسر وسهولة. وكان الطرف الايراني وأعوانه من الاحزاب والمليشيات الفارسية التي ادخلها الاحتلال معه هم الاكثر وضوحا في تصفية ثاراتها بالقتل بدم بارد والاختباء خلف سرف الدبابات الامريكية, يليهم الطرف الكويتي, وكلا الطرفين كان وما زال الى اللحظة يمتلك قوائم للتصفيات الجسدية وفقا لأولويات محددة ستؤول في زمن ما بقتل حتى اصدقاء البعثيين وليس فقط اعضاء الحزب لغرض استئصال الفكر القومي العروبي المسلم.

 

لقد جاءت اميركا غازية وتحمل في كيانها استعدادا مفتوحا للتدمير وشهية منفلتة لسفك الدماء غير انها في ذات الوقت قد اضافت الى امكاناتها الاجرامية هذه حشدا من القتلة وهي تعرف ان كل واحد من افراد هذا الحشد قد دخل ومعه قوائم بأسماء آلاف العراقيين لقتلهم وتعرف اميركا ان حصيلة هذه القوائم قد تصل الى اكثر من مليوني عراقي. اميركا تعلم علم اليقين ان بدر والدعوة والجلبي ومنظمة العمل الاسلامي وحزب الله العراق وثأر الله والصدرية وجيش المهدي والاحزاب الكردية العميلة كلها تحمل اهدافا بشرية للتصفية الجسدية تحت اسباب وعناوين الانتماء الى الدولة الوطنية وجيشها وحزب البعث العربي الاشتراكي والاجهزة الامنية.

 

مقابل هذه الصورة الدموية, كانت الفوضى الخلاقة تجاهر بالاجتثاث والتصفيات الجسدية شريطة أن لا يعرف احد هوية القتلة سواءا كانوا ايرانيين او كويتيين او شركات القتل الامريكية والجلبية لغرض آخر لم يلتفت له الى اللحظة كثير من المتابعين للشأن العراقي ألا وهو محاولة الصاق تهمة القتل بحزب البعث العربي الاشتراكي حصرا وتحديدا في السنتين الاولى للاحتلال ثم بعد ذلك اقتضت الضرورات ان يضاف الى البعث والصداميين جماعة القاعدة او مسمى الارهاب عموما. وما لم يلتفت اليه المحللون هنا هو ان القتل المجاني للعراقيين قد الصق زورا وبهتانا وجورا بالبعث في سبب يمتد الى ليلة انطلاق ثورة 17 تموز الخالدة، ألا وهو ان تلك الثورة قد سميت وتباهت بكونها الثورة البيضاء للدلالة على عدم هدر قطرة دم واحدة فيها. فما هي الدلالات ولمَ الاستهداف؟

 

الثورة البيضاء جاءت لتغلق وتطوي الى الابد صفحة حالكة الظلام في تاريخ العراق الحديث الذي تميز بالقتل السياسي وسحل الجثث والتمثيل بالقتلى في خضم الصراعات السياسية بين القوى السياسية المختلفة وتصاعدت حدته ووتائره بعد ثورة 14 تموز 1958 وتحول الى نهج متبادل لكل من يمتلك القدرة عبر السلطة لينكل ويقتل من الطرف او الاطراف الاخرى. لذلك كانت ثورة 17 تموز في احد مكونات التخطيط لها والتنفيذ هو ان تحصل وتترسخ دونما اراقة قطرة دم واحدة لفتح صفحة جديدة بيضاء خالية من الموت والتعذيب وسفك الدماء. ثم كرست ثورة تموز الخالدة هذا النهج العظيم بفتح صفحة اخرى للوئام ونبذ الروح الدموية عندما دعت الاحزاب والقوى السياسية في العراق للائتلاف في الجبهة الوطنية والقومية والاشتراكية.

 

ان من العروف ان نهج البعث ودستوره واهدافه كلها تصب في رافد واحد هو خدمة الانسان وتثويره واعطاءه حقوقه الحياتية كاملة. فالانسان في فكر البعث وتطبيقاته هو القيمة العليا وهو الغاية وهو الوسيلة من عمليات التغيير الجذري لواقع الامة وعمليات الانقلاب على التخلف والتجزئة. وعليه فان من البديهي ان يحرص الحزب بعد نضج تجربته التي عاشها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي لينطلق في تنفيذ برامجه الانسانية مبتدأ بثورة بيضاء تلتها جبهة سياسية عريضة للمشاركة وخلق ارضيات التفاهم المشترك وتأسيس عريض للنقابات المهنية والاتحادات والجمعيات واعتمادها قناة مهمة لممارسة الانتخابات الديمقراطية وتاسيس المجتمع المدني المتحضر. باختصار شديد كانت ثورة تموز 1968 المجيدة تجربة بعثية اريد لها ان تكرس مبادئ الايمان بالانسان وتنفيذ برامج تنميته بالتعليم والصحة والخدمات وفرص العمل تنفيذا لفكر ومبادئ ودستور حزب البعث العربي الاشتراكي. وعليه كان للقوى المضادة للثورة وحزبها العملاق ان تضع لنفسها برامج تقوض النجاح البعثي المنقطع النظير في هذه التوجهات وتبشعه وتشوهه. كان المطلوب ان تعود رحى القتل السياسي ودوامته البشعة ولتبقى علامة مميزة للسياسة العراقية بهدف تجذير الفرقة والتشرذم.

 

دخل ضمن اطار المؤامرة على تلطيخ صورة البعث الانسانية البيضاء بدءا تمرد الاحزاب الكردية الصهيونية في شمال العراق, ثم تبعه تخريب الجبهة الوطنية والقومية والاشتراكية ثم ختمه بامتياز الدور الاجرامي القذر الذي لعبته الطائفية الايرانية وفي مقدمتها حزب الدعوة العميل الذي عبد درب حضوره السياسي في العراق بالقاء شباب عراقيون ابرياء في أتون مخالفة القانون في محاولة خبيثة ولئيمة لتقويض و لالغاء قانون تموز 1968 المضاد للدموية سواءا بزجهم بتنظيمات ينص القانون صراحة على اعدام من ينتمي اليها لانها تنظيمات طائفية ممولة بالعمالة والخيانة الوطنية او عن طريق زجهم بعمليات خارجة عن القانون كالاغتيالات والتسليب والسرقة والزنا بالمحارم وغيرها.

 

ثم كانت اعمال الغوغاء في صفحة الخيانة والغدر بابا آخر لاعادة الصورة الدموية التي ثارت عليها طلائع البعث في تموز وحاولت جاهدة ابعادها عن المشهد السياسي والاجتماعي العراقي, حيث وضعت الدولة الوطنية امام مهمة لا يمكن لها الا ان تمارسها وهي تطهير المحافظات التي دخلها الغوغاء المجرمون من ايران مع الجهد الايراني الساند وبمساعدة معروفة من الاحزاب الكردية المتصهينة.

 

ان اعلام ما بعد الغزو والاحتلال قد كشف بوضوح عن هذه المؤامرات القذرة التي استخدمت الدم العراقي لتبشيع صورة البعث وقيادته التاريخية. لذلك فان فصائل الجهاد البعثي والقوى الوطنية والقومية والاسلامية المتحالفة معها قد حرمت الدم العراقي منذ لحظة انطلاق المقاومة يوم 10-4-2003 تناسقا وامتدادا طبيعيا لنهج البعث العقائدي والتنفيذي الميداني بعد ثورة تموز الخالده عام 1968. وكان الجهد المقاوم الباسل موجها ضد قوات الغزو واعوانها وعملاءها حصرا مع الادانة المتواصلة لاستهداف المدنيين الابرياء من ابناء شعبنا. ولم تفرط المقاومة بهذا المنهج الوطني الانساني رغم كل اشكال التشويه والتدليس والكذب الاعلامي والسياسي التي حاولت خلط الاوراق والصاق تهمة القتل بالمقاومة البعثية وحلفاءها ومحاولة طمس معالم القتل الطائفي والعرقي والديني للاحتلال وعملاءه الخونة بحيث صار هاجس الاعلام والعملاء الاول هو الاعلان عن تورط البعث في جرائم القتل المجاني للعراقيين اهم بكثير من هاجس التحقيق والتحري الجاد لكشف الجناة لان الحكومة العميلة والاحتلال المجرم لايريدون هذا الكشف وهم العارفون يقينا بالقتلة غير ان ضوابط اللعبة تقتضي ان يكون الدم هو ثمن الفوضى الخلاقة وان يكون البديل لايقاف القتلة والاعلان عن هويتهم الحقيقية هو توجيه التهم الباطلة والجاهزة الى البعثيين الصداميين والتكفيرين. ونحن نعرف من هم البعثيون ولكننا لا نعرف من هم التكفيريون فجيش المهدي وبدر واحزاب ايران كلهم تكفيريون لانهم يكفرون الطائفة الاخرى مثلما ان الوهابية والسلفية والقاعدة مثلا تكفر.

 

لذلك جاء خطاب المجاهد القائد عزة ابراهيم الدوري حماه الله صرخة مدوية في ارجاء عالم الزيف والاجرام لتعلن على العالم كله ان ابناء العراق ودمهم خط احمر بما فيهم الشرطة والجيش لانه يدرك ومعه قيادة الحزب وتنظيماته وجماهيره البطلة ان ساعة الحسم آتية لاريب فيها وان على المقاومة ان تكون وفية لمبادئ الدين والعروبة والفكر القومي الذي قدم اجل التضحيات واعظمها ليحمي الانسان ويسعده لا ليهدر دمه ويسفكه رخيصا في مسالك الفوضى الاحتلالية والعميلة, ان تكون وفية في حماية العراقيين دونما استثناء الاّ من تسول له نفسه ان يكون حجابا للغزاة والعملاء فهؤلاء تصير مقاتلتهم حق وواجب سماوي ووضعي. ان اشارات شيخ الجهاد والمجاهدين مختار الامة الجديد عزة الدوري لقضية عدم استهداف العراقيين ودعوة الجميع الى الالتحاق بالصف الوطني المقاوم وترك تشكيلات الاحتلال والعمالة وخروج من يدّعون الوطنية من ظلمات العملية السياسة الامريكية الصهيونية الصفوية المجرمة هو امتداد منطقي لمنطلقات البعث وهو وفاء للراية البيضاء التي حملتها ثورة 17-30 تموز العظيمة. وهو موقف متجدد وحاسم بان البعث سيكون قادر على عبور جبال الثأر التي يدين له بها من سولت لهم انفسهم استباحة دم مناضلي البعث ولن يكون هناك من عودة الى لغة الدم والثأر المقيت يوم يتحرر العراق ويعود الى اهله وعروبته ودينه وتأريخه وجغرافيته ويغادر مع الاحتلال من جاءوا معه هم واحزابهم ومليشياتهم ويبقى ابناء العراق من اخطأ منهم ومن لم يخطئ. فتحرير العراق واستعادة حقوقه وحقوق العراقيين كاملة هو حصادنا الابهى والاكبر والذي سيزيد النفوس الطاهرة طهرا ويسمو بها فوق الجراح لتلم شمل العراقيين من جديد. من اظل السبيل ومن لم يظل .. مع اليقين ان الجميع حينئذ سيشتركون بقاسم اعظم واحد هو العراقية الحقة .. .. فللرجال لغة ومنهاج غير لغة ومنهاج اشباه الرجال الذين استقووا باميركا لذبح العراق والعراقيين.

 

في الجزء الثالث سنتحدث عن ايران ومحنتها وتورطها في العراق على ضوء ما اشرق به خطاب قائد النصر باذن الله ... وأدناه اضاءات من الخطاب التاريخي ذات صلة بحرمة الدم العراقي ....

 

إننا بعد التوكل على الله القوي العزيز سنجعل مقابرهم في هذه القواعد ونفجرها براكين تحت أقدامهم ولهذا فنحن في القيادة العليا للجهاد والتحرير وفي القيادة العامة للقوات المسلحة الباسلة قررنا في هذا اليوم المبارك توجيه الجهد القتالي برمته نحو الغزاة ( القوات الامبريالية الأمريكية الباغية حيثما ستكون في ارض العراق ) ونحرم تحريما مطلقا قتل العراقي أو قتاله في كل تشكيلات وأجهزة السلطة العميلة فيما يسمى بالجيش والشرطة والصحوات وأجهزة الإدارة إلا ما يستوجب الدفاع عن النفس إذا ما حاول بعض العملاء والجواسيس في هذه الأجهزة التصدي للمقاومة أو أذيتها آنذاك نلجأ إلى قوله تعالى {وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ} مع دعوتي لجميع فصائل الجهاد في الميدان إلى التحمل والى المزيد من التحمل من السيئين القلة في هذه الأجهزة من اجل الخيرين الكثرة , ومن اجل تكثيف الجهد القتالي كله على الغزاة المحتلين وفلولهم المنهارة كما أدعو أبناءنا وإخواننا في هذه الأجهزة إلى التعاون والتنسيق مع إخوانهم فرسان المقاومة وكل حسب ظرفه واستطاعته وشيمته ونخوته لتأدية مهمة ملاحقة الغزاة وتدمير ما تبقى من فلولهم المنهارة

 

كما نُكَرّرُ دعوتنا في هذه المناسبة للخيرين ممن تورطوا في العملية السياسية المخابراتية الأداة الخطيرة بيد الاحتلالين الامبريالي الصهيوني والفارسي الصفوي أن ينحازوا إلى شعبهم الرافض للاحتلال والى مقاومته إن شاؤوا المسلحة وان شاؤوا السياسية ويكفيهم تجارب وأماني بعيدة جدا عما يدعون ويريدون ويكفيهم خداع وتضليل لشعبهم إن كانوا صادقين في دعواهم رفض الاحتلال ومناهضته وليعلم هؤلاء الإخوة وليعلم شعبنا العراقي العظيم وليعلم منتسبوا الأجهزة العميلة في الجيش والشرطة والأمن والصحوات أنَّ مشروع العملية السياسية أصبح اليوم مُجيَّرا بالكامل لصالح المشروع الإيراني

 

النصر او النصر ولا شئ غير النصر

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٦ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / تمــوز / ٢٠٠٩ م