هلوسة حمى ما وراء الاجتثاث

 
 
 

شبكة المنصور

أ.د. كاظم عبد الحسين عباس / أكاديمي عراقي

عندما تجد اميركا (العظيمة العملاقة) نفسها بكل امكاناتها الاسطورية، ومعها جيش من الدول والاحزاب والمليشيات قد فشلت في اجتثاث حزب البعث العربي الاشتراكي ودولته فانها يقينا ستصاب بكل انواع الصرع والهستيريا.

 

الآن صار البعث من جهة، والقاعدة من جهة ثانية, هدفين اخطأت قاذفات اميركا في اجتثاثهما على الرغم من انها في حركة بهلوانية مخابراتية واعلامية قد حاولت ان تجعل منهما هدفا واحدا مع ان العالم كله يعرف الفرق بينهما، منهجا وتوجها وسلوكا ... في حركة اكروباتيكية كانت احد اسباب السقوط الامريكي المدوي لأنها لم تكن محسوبة موضوعيا ... هدفين اخطاتهما الصواريخ والمدفعية والدبابات والقنابل العنقودية وبتكات الهمرات والهمفيات وصواريخ توما هوك واليورانيوم والفسفور وقنابل الضغط. ومع كل هذه الاسلحة المخيفة للعالم اضاعت اميركا وحلفاءها مليارات لا تعد ولا تحصى من اجل اجتثاث البعث وتحجيم القاعدة دون جدوى. وعليه فان الهستيريا الامريكية وكَلَب الكلاب السائبة في وديان العمالة لها تبدو الان مبررة سواءا من فمها هي بشيبتها المملوء بالدم او من قبل من ركبتهم كمطايا رخاص وقردة خاسئين لتحقق اهدافها العظمى في زمن الهوس الصهيوني المحرك لقافلة الابقار في اميركا.

 

ان محاولة اميركا وضع البعث, وهو حزب عربي ينتمي اليه ملايين العرب في كل اقطارهم ويحمل روح الاسلام العروبي والعروبة المسلمة في طيات روحه ويحمل شعارات توحيد الامة وتحررها وايقاظ انسانها الراقد تحت تأثيرات مورفينات الانتماءات الفاسدة للتخلف والجهل والامية، والخانع لتفاعلات هذه العوامل مع امراض الطائفية والعرقية التي وطنتها في جسده الشعوبية والاستعمار والحركات الشوفينية, سوية في خندق واحد مع القاعدة المتهمة بالارهاب حقا او باطلا والتي استطاعت اميركا ان تعمم عليها هذا العنوان المقيت, حقا او باطلا, لم يكن حركة عابثة من مخابرات الثيران البيضوية من فحول الصقور الصهاينة وماكنتهم المخيفة، بل كان عملا مقصودا ومخططاَ له بعناية لكي تبلغ مدياتها المطلوبة في اعلام التشويه والشيطنة، وبالتالي تسويغ الاجتثاث امريكيا ومنح المجتثين من الامريكان وازلامهم واذنابهم من المستعرقين واهل الثار الايراني والكويتي استحقاق اضاعة الدم العراقي بين ركام الاوراق والالوان المخلوطة.

 

اميركا فشلت في انهاء القاعدة، وظلت الاخيرة شبحا يطارد رعاة الثيران .... ولهذا الفشل المدمر دلالاته المهمة.

واميركا فشلت واعلنت هي خسرانها في دمج البعث كفكر قومي عروبي مسلم يحمل اهدافا سامية وعمل وجاهد بضراوة وقدم تضحيات جسيمة من اجل ان يحولها الى واقع او مشروع له خطوات مرسومة على الارض بتشكيلات القاعدة .. ولهذا الفشل دلالاته المدمرة، دلالاته المهمة المختلفة جذريا عن تلك الدالة على الفشل في اجتثاث القاعدة ..

 

غير ان تداخل الفشلين هو ما يعنينا لتوضيح سقوط أمريكا، لاننا نعتقد بل نجزم انه هو الذي اسس ويؤسس لنهاية اميركا الاسطورة الخرافية ... ثم ان الدلالات نفسها تقودنا الى ان نسلط الاضواء الكاشفة على مقدرة مَن هم محض خيوط عنكبوت يوم ترحل اميركا وتكشف عن خلفياتهم العاهرة والتي من المؤكد انها لن تكون قادرة مهما اجهدت كياناتها المتهرئة من النيل من الوجود البعثي المتأصل في جسد العراق والامة والذي يمثل في حقيقته الوجود السرمدي للامة وكل ما انتجته من حضارات عملاقة وما تفاعلت به معها ارادة السماء من اديان عبر رسل وانبياء وكتب مقدسة ربانية.

 

اميركا اخفقت في اصابة الهدفين حتى بعد ان اجهدت نفسها وقامرت وغامرت لتجعلهما هدف واحد .... بل ان محاولتها توحيد المرمى قد قادتها الى ان تبرك على ركبها لانها بعدت المسافة بين الرامي وبين الهدف رغم انها لم تعدم الركل والرجم الى اللحظة ....

 

لا يعنيني امر القاعدة كثيرا الا بقدر شهوة الشماتة التي يسبح بها كياني ببلد اعتدى علينا وقتلنا وهجرنا ببلادة وهمجية لم ترقى لها حتى همجية وحوش الغاب ... غير ان امر البعث يعنيني كما الحياة وكما معايير وموازين الشرف التي لامعنى للحياة بدونها الاّ لهؤلاء القردة الخاسئين المتمترسين خلف اجساد دبابات اميركا لقتل البعث وشعب العراق ....

 

اليقين ان هدف اغتيال البعث قد تحول الان بعد ست عجاف من الاحتلال والقتل والتدمير والعدوان الغاشم على كرامة العراق وعلى كرامة شعبه الى هدف غاية في الاهمية لانه ارتبط بوضوح غير مسبوق بقتل العراق العربي الواحد الذي جازفت اميركا في عبور المعقول لتحقيقه. ان قتل البعث الان قد اصبح كل المعنى المكوّر للوجود الامريكي في المنطقة. ولذلك فانها بدأت تضرب بهراوات مطاطية غليظة على خلفيات خنازيرها وقردتها لتحثهم على الجري في متاهات اجتثاث البعث واغتياله.

 

صبيان التيار الصدري بوجوههم واجسادهم البلاستيكية, غلمان الحزب اللااسلامي بكل قبح الذقون التي سرقوها من متاحف الاسلام، وذاك الجانب من طائفيته السياسية الملعونة, اكراد الماسونية القديمة – المتجددة, بدريوا ومجلسيوا قم وطهران بعباءات الزنا والعهر وسقوط القيم والاخلاق في الشق الآخر في معادلة الولوج المحرم في جسد الامة العربية المحمدية .... ومع هؤلاء اقزام وعبيد مخابرات لندن من مجموعة الجلبي وغيره من الخونة ... كلهم يمارسون هذه الايام هلوسة محمومة ضد البعث.

 

كلهم يقولون ان (البعث حزب مجرم وقاتل) .... ومع ذلك فان ست سنوات من انطلاق قانون تصفية عروبة العراق عبر تصفية المشروع الوطني القومي العروبي المسلم للبعث لم تكن كافية لهم لايقاف المد البعثي المقاوم في خطيه المدني والعسكري .. ومَن لا يجد مصداقية في كلامنا فليسأل هؤلاء المحمومون في الفضائيات والارضيات والاذاعات والجرائد والمجلات ومعهم جيش المذيعين المتخصصين تحت رعاية مخابرات لندن واميركا في حوارات التصفية الجسدية والعداء الايديولوجي للبعث والتي تضخ عادة مع حث القناعات وجَلد الظهور للجري حثيثا باتجاه قبول توطين الاحتلال ونتائجه, ليسألهم ببساطة متناهية .. كيف تمكن حزب لا يريده شعب العراق بكل اطيافه, كما تدّعون, ان يغلب قوانين وادوات الاجتثاث والموت؟ ولماذا تتصاعد مركبات العقد والهوس المحموم هذه الايام ضد البعث إن لم يكن هذا الحزب العظيم عاملا جماهيريا عضويا متلبس بكيان العراق وبكيان الامة وان كل محاولاتكم الهستيرية في اجتثاثه وتصفيته قد ولّت ادراج الريح؟

 

مجموعة من الخونة .. جربت كل وسائل انتهاز فرصة الاحتلال وضبابية الاجواء بعد الاحتلال وهول الصدمة على تنظيمات الحزب وافراده لتدخل الى الجسد البعثي وتمزقه مستثمرة دور رُسم لها بعناية في أن تعلن نفسها ضد الاجتثاث، عسى بعض البعثيين يجدون فيها ملاذا في تلاطم رياح غابات القتل المجاني والتصفيات المنظمة وقطع الارزاق وانعدام الرؤية امام غبار الاحتلال وافرازاته المدمرة ... يعضد ذلك انفتاح الساحة امام بنادق جيش المهدي وبدر والدعوة وفرق الموت الايرانية والجلبية والموسادية الكردية لتنال من صدور عارية وايادي مجردة من اية وسيلة للدفاع عن النفس ليكون هذا الهجوم المركب وازعا لانهيار الايمان وجدران الحصانة المبدئية فيضيع البعثييون بين شهيد ومستسلم.

 

غير ان الخطط كلها, ما نُفّذَ منها وما سيُنفذ, السياسية والعسكرية والمخابراتية .... كلها انتهت إلى حقيقة ان البعث ومجاهديه ومناضليه يتوالدون ويعبرون المحنة. وتنظيماتهم تتوسع وتتعمق في كل مرة يُلقى فيها القبض على خلية عسكرية او مدنية في كربلاء او النجف او الموصل او كركوك ... ويتضاعف فعل البعث في كل مرة يداهم القَتَله بيوت العراقيين الاحرار.

 

الهوس والحماقة وفقدان السبل كلها تضع كل جوقة المجتثين امام حقيقتهم المنكرة ... قَتَله تلطخت كياناتهم بدماء مليون ونصف المليون عراقي وظنهم انهم يستطيعون التنصل بمجرد اتهام البعث بما لم يفعله ... الجزع الناتج عن الافلاس والهلع من الغد يضعهم في خانة الادعياء وما هم الا كيانات كارتونية مثقبة بذات الدريلات التي ثقبوا بها رؤوس العراقيين ... الجزع من عدمية القوة التي تعكزوا عليها لذبح العراق وعروبته واخفاقها بسبب صمود الرجال وتماسك البناء الفكري والعقائدي للمنظومة العربية البعثية العراقية وقدرتها على التبرعم في كل الاتجاهات واستناد هيكلها على شرعية الأرض وشرعية السماء تؤدي الى مزيد من التهور والسقوط وضياع البوصلة للمحتل ولاجراءاته.

 

ان تصاعد الهجمة الاعلامية والمخابراتية على البعث تدل بوضوح على الدور الكبير للبعث في اسقاط المشروع الامريكي وتمريغ هيبة اميركا في الوحل ... انهم يتيقنون يوما بعد آخر ان البعث اقوى مما يتصورون واقدر واكثر تمكنا في مسك الارض والقرارات المرتبطة بازلية البقاء العربي للعراق العظيم وشعبه المعطاء. وان الفعل المخابراتي الذي انحاز له مشروع توطين الاحتلال لن يكون اكثر فلاحا من مشروع القوة الاسطورية وسيُلحِق به المناضلون والمجاهدون الهزيمة لانهم يعرفون مكائده عبر منظومتهم الاستخبارية البطلة, منظومة الامن الوطني والمخابرات البعثية الوطنية, وعبر جيش البعث وحلفاءه الوطنيين والقوميين والاسلاميين وكل شرفاء العراق ..

 

ان تنظير تجزئة البعث الى فئات ومجموعات صدامية وغير صدامية, ملطخة وغير ملطخة, داخلية وخارجية, منتسبة وعقيدية, كلها صارت اهدافا تجاوزها المجاهدون رغم ما فيها من اشواك ومسامير ... ومحاولة الصاق تهم الجمود على صيغ سياسية بعينها لن تدفع البعث الا الى مزيد من التجذر والتعمق حيث مرحلة ما بعد الاحتلال قد اعطت الدروس والعبر التي منها انطلقنا الى ضفاف بعث الروح وتجديد العمل الجمعي مع القوى الخيرة, والايمان المتجدد بالديمقراطية والتعددية واعتناق مبدأ التحرير وطريق استعادة العراق حرا عربيا واحدا بعيدا عن اي تطلع لسلطة .... بعثييوا مابعد الاحتلال ترسخت في كيانهم عقيدة الوحدة والحرية والاشتراكية طريقا لتحقيق الذات القومية المسلمة، ولعمري ذاك هدف اكبر من كراسي الحكم غير انهم يتحسسون جدا لمن يريد ان يُغييب جهادهم ويُلغي نهر دم الشهادة التي نزفوها دفاعا عن العراق والامة ... فقط.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ١٤ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٥ / أب / ٢٠٠٩ م