لو طرد السيد أوباما الغموض بالوضوح ..

 للامس هاجس الرأي العام العربي والإسلامي بمصداقية اكبر

 
 
 

شبكة المنصور

هداج جبر
بالرغم من أن ، خطاب السيد أوباما، في جامعة القاهرة، جاء بلغة وردية ،لأنه كان بالأساس، يستهدف ،تلميع صورة أمريكا، لدى الرأي العام العربي والإسلامي،حيث أكثر من الاستشهاد بآيات من القران الكريم، للتأثير في نفسية المتلقي.. إلا انه، عدا ما يتعلق بالعراق، كان توفيقيا ومتوازنا، كما يصفه اغلب المحللين. حيث انه في حقيقة الأمر، لم يأت بجديد. إذ يأتي ما طرحه في الخطاب، في سياق، إعادة صياغات عامة، للثوابت، في إطار السياسة العامة، لأمريكا، تجاه العرب والمسلمين، بل والعالم الثالث.


وليس ذلك بمستغرب أبدا. لان صانع القرار في البيت الأبيض، ليس هو المركز الوحيد لصنع القرار، وإنما تشاركه في صنعه، مراكز قرار أخرى، مثل وكالة الاستخبارات المركزية، والبنتاغون، والكونغرس، وجماعات الضغط ، ورجال المال والأعمال، مما يجعل الرئيس الأمريكي، يتحرك في إطار التوجهات المركزية المؤسساتية ،على طول محيط  دائرة الإستراتيجية الأمريكية، مهما كان حسن نواياه، وتوجهاته ،وخلفياته العقائدية والأثنية.


ولعل الذي يهمنا من خطابه، الذي هو برنامج عمل المرحلة المقبلة، تجاه العرب ،إزاء الموقف من الاحتلال الأمريكي في العراق، والموقف من الصراع العربي الصهيوني.


ففيما يتعلق بالعراق، يلاحظ ،أن إشاراته جاءت سريعة، وتتسم بالغموض، والإبهام، والضبابية.

 

حيث طفق يبرر الغزو الأمريكي للعراق، بما أسماه، ديكتاتورية، الرئيس صدام حسين ،مشيرا إلى أن الغزو، لم يكن ضرورة، بقدر ما كان اختيارا .وهو يقرر بذلك الطرح، حقيقة موضوعية، مع انه لم يتطرق ،إلى خلفيات المسلك الأمريكي ، حيال الموضوع،بما رافقته من اتهامات كاذبة في حينه ،من تلك التي بدأت باتهام العراق، بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، ثم عزوفها عن هذا الاتهام ،عندما أخفقت نهائيا، في العثور على أي دليل عملي، يثبت هذا الادعاء ،إلى تلفيق اتهام متهافت آخر، هو الادعاء، بتعاون العراق، مع القاعدة، الذي سقط هو الآخر، أمام حقيقة، عدم وجود أي دليل عملي يدعمه، مما اضطرهم ،إلى اعتماد فرية نقل الديمقراطية للعراق، بعد احتلاله، وإسقاط  نظامه الوطني .
 في حين، أن الموقف الأخلاقي الصحيح، والمنصف، كان يجب أن ينصب، على إدانة الغزو، والاعتذار للشعب العراقي، والأمة العربية ،عن جريمة الاحتلال، حيث اعترف أن الغزو لم يكن ضرورة ملجئة، تحتم على الإدارة الأمريكية، احتلال العراق، بقدر ما كان اختيارا، بالإمكان تفاديه، بوسائل حضارية أخرى غير الاحتلال.


وإذا كان أوباما، يسعى إلى تلميع وتجميل صورة الولايات المتحدة الأمريكية، التي بدت دميمة، وقبيحة ، نتيجة غزوها واحتلالها العراق، فقد كان الأولى به، الاعتراف، وبشكل صريح، وبأنصاف.. بمسؤولية أمريكا، عن كل ما تعرض له العراق كدولة، وشعب، من دمار شامل، للكيان العراقي، وما ألحقه به، الاحتلال البغيض ،من خسائر بشرية ومادية، وتخريب بناه التحتية، وتفكيك وحدة نسيج شعبه، بإثارة الصراع الطائفي المقيت، خلال  سنوات  الاحتلال.  


أن تزييف الحقائق، بادعائه، أن وضع العراق، اليوم، أفضل مما كان عليه قبل الاحتلال، يأتي في سياق تبرير شرعية الاحتلال، بذريعة الديمقراطية ،التي وعدت بها إدارة بوش، العراقيين، في سياق ترويجها للغزو والاحتلال.والتي أفرزت الفراغ الأمني ،بحل الجيش ،ومؤسسات الدولة، وأشاعت القتل، والتهجير، والخراب، في كل مكان.  

  
على أن الرئيس أوباما، بقي غامضا، ومبهم الطرح، عندما لم يحدد من هم أهل العراق، عندما أشار إلى (إنهم سيسلمون العراق لأهله) .واغلب الظن، أن السيد أوباما ،يدرك حقا، أن أهل العراق ،هم شعبه ومقاومته، الذينٍ كان لهما، الفضل الأكبر عليه، في جلبه إلى البيت الأبيض، بعد أن خلخلا قناعة الناخب الأمريكي بمنافسيه، في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، الذين ورطوا أمريكا، في المستنقع العراقي، كما يحلوا لهم توصيف الحال.  

 

لذلك كان الأنصاف، يحتم عليه أن يصرح بوضوح وجلاء، خاصة وانه أنصف ،عندما أعلن، أن الاحتلال كان خيارا، ولم يكن ضرورة، أن أهل العراق ،هم الشعب العراقي، وقواه الرافضة لمشروع الاحتلال.


على إن تجاهل أوباما في خطابه، جرائم القوات الأمريكية النكراء والمخجلة، بحق العراق وشعبه، جعله بعيدا عن الأنصاف والموضوعية. مما يعطي الانطباع، بأنه يشرعن جرائم إدارة بوش حتى وان كان ذلك بحسن نية.


ولعل توكيد أوباما، في خطابه ،على إن الانسحاب، سيتم في العام ،2012 يضفي  غموضا مريبا، على توقيتات الانسحاب الأمريكية المعلنة سابقا، التي  كانت قد حددت انسحاب أخر جندي أمريكي من العراق، بنهاية العام 2011. ولعله كان يمكن أن يكون أكثر ملامسة للموضوعية والأنصاف، لو انه اختزل السقف الزمني للانسحاب،وذلك مما يضعف ثقة الإنسان العربي المسلم، بمصداقية نوايا الرئيس أوباما.   


ولا جرم أن مد السقف الزمني للاحتلال، يعني بشكل آخر، تنصل الإدارة الأمريكية ،من الالتزام بأي اتفاقية.. وبالتالي، فإننا أمام  موعد جديد للانسحاب.مما يضع أكثر من علامة استفهام على نوايا الرئيس أوباما، وبالتالي مدي جديته، للبدء بأسلوب جديد، منصف وخالي من الغموض والألغام، للتعامل مع القضايا العربية والإسلامية.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١١ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٦ / حزيران / ٢٠٠٩ م