ثورة الطريق الجديد .. لماذا اغتالوها

 
 
 

شبكة المنصور

هــداج جــبــر

تميزت ثورة السابع عشر من تموز المجيدة، التي فجرها حزب البعث، وخطط لها، وقادها، البطل القومي التاريخي، صدام حسين، بأنها ثورة من طراز خاص حقا، وبكل المقاييس.فقد جاءت كرد تاريخي ،على هزيمة النظام السياسي العربي المعاصر،في نكسة حزيران، في الحرب مع الكيان الصهيوني ،حيث شاع  على الساحة العربية يوم ذاك، حالة النكوص والإحباط، وفقدت الجماهير أملها، في قدرة النظام السياسي العربي انئذ، على قيادة النضال ،ومواجهة التحديات المحدقة بالأمة.

 

لذلك جاء انبثاق ثورة 17 تموز1968ليعلن ميلاد مرحلة جديدة، ليس في حياة الشعب العراقي فحسب، بل وفي حياة العرب عموما .حيث أنها جاءت، لتعلن بانبثاقها، عن ميلاد نموذج جديد، غير مألوف، في حياة الأمة، باعتبارها تشكل ميلادا للنهوض، واليقظة، والانبعاث، ومغادرة كل حالات اليأس، والقنوط ،والإحباط، والانكفاء ،في حياة العرب المعاصرة ،لتسلك  نهجا جديدا، حرا ومستقلا، سياسيا وفكريا.

 

وقد سارعت الثورة، في تطبيق هذا النهج،بصيغة حرق اٍلزمن، بتجاوز سياقات التعقيب المألوفة في التطور،لجسر الفجوة، في مسعى وطني وقومي صادق، للنهوض بالأمة إلى ارقي المستويات، في كل مجالات الحياة، بهدف تجاوز حالة التخلف، واللحاق بركب الدول المتطورة، ومن ثم تعويض حالة الحرمان التي عاشتها الأمة، بفعل تحديات داخلية، وأخرى خارجية، أذاقتها الأمرين.

 

وباعتماد الثورة نهجا مستقلا ، وسياقات خاصة،غير مطروقة، في خطط التنمية ،التي وضعتها للتطور، والنهوض بواقع الحال، أخذت بنظر الاعتبار، خصوصيات الشعب العراقي، والأمة العربية، وبعيدا عن الوقوع في شراك التقليد، واستنساخ تجارب الآخرين .ورفض الأملاءات من أي مركز تأثير في العالم،وبذلك فقد استحقت بجدارة تامة، أن يطلق عليها الكثير من المفكرين، والكتاب، والمهتمين بالتنمية، ثورة الطريق الجديد.

ولعل ما يجب الانتباه إليه، هو أن التنمية، التي اعتمدتها الثورة المباٍركة ،تميزت بالشمولية والتوازن، في إطار نظرة إستراتيجية مركزية ثاقبة، استجابة لمتطلبات الحاجة، والنهوض، في سباق مع الزمن. حتى جاء الشعار المعروف( إضاعة دقيقة من العمل إضاعة لفرصة من التقدم) عنوانا مركزيا، تم اعتماده، في كافة مفاصل التنفيذ،وكان يتصدر أعلى صفحات ورق المراسلات في أجهزة الدولة يوم ذاك لأهميته البالغة.

كما أن الأمر الذي يلفت الانتباه، بشكل جاد، إصرار الثورة، على انجاز مهمات الاستقلال الاقتصادي، باعتباره الركيزة الأساسية للاستقلال السياسي .فكان الإصرار على انجاز تأميم النفط ،من قبضة الاحتكارات الدولية ،التي كانت ليس فقط، أداة للسيطرة على مورد النفط ونهبه، وإفقار الشعب، بل كانت في حقيقة الأمر، تشكل دولة داخل الدولة. وبالتالي فأنها كانت هي الحاكم الحقيقي للقطر .وبذلك جاء التأميم بحد ذاته انتفاضة جبارة، ليضع حدا للسيطرة الأجنبية، على موارد البلد، وتحرير القرار الاقتصادي، من السيطرة الأجنبية عليه، والى الأبد.

وكان لقرار الثورة اعتماد سياسة الاستثمار الوطني للكبريت والثروة المعدنية أثرا بالغا، في تحرير الثروة المعدنية الوطنية، من براثن الاحتكارات، وإكمال متطلبات تحرير القرار الاقتصادي، واستغلال الثروة بقرار وطني، استكشافا، وإنتاجا، وتسويقا. وبذلك أسدل الستار، والى الأبد، على مأساة نهب الثروة الوطنية.

إن النهج المستقل للثورة، في تحرير القرار الوطني، والنهوض الشامل، ساهم في تعميق الصراع مع الاحتكارات، التي طردت من العراق، وبالتالي مع دولها.. باعتبارها واجهات وأدوات لبلادها من جهة، كما ساهم في تعميق الصراع مع الكيان الصهيوني المحتل لفلسطين،من جهة أخرى، وبشكل ارق وأثار، حفيظة الاحتكارات ودولها، لتناصب الثورة العداء، وتعمل جاهدة على وأدها، باعتبارها نموذج الأمة الناهض.

وقد اخذ التآمر بعده الحقيقي، بالاحتلال الأمريكي المباشر للعراق، وتدمير مؤسسات الدولة،وتمزيق نسيج وحدة الشعب العراقي،التي كانت من ابرز المنجزات، التي بنتها الثورة، بكفاح وتضحيات الشعب العراقي ،واتت على كل المنجزات التاريخية الأخرى، التي أبدعتها تلك الثورة العملاقة،في محاولة خائبة، لمحوها وطمس معالمها.

على أن الجدير بالذكر، أن المقاومة العراقية، الوطنية والقومية والإسلامية، الباسلة ،انتفضت لمقارعة الاحتلال،بأعلى حس وطني، وأذاقته الأمرين، حتى أرغمته على التموضع خارج المدن، في هزيمة واضحة، من ميدان المنازلة، بسبب الخسائر الجسيمة ،المادية والبشرية ،التي ألحقتها به في الميدان، وتفجير الأزمة المالية الكبرى في الداخل الأمريكي، التي عصفت بالاقتصاد الأمريكي، وأطاحت بالصروح التاريخية الرأسمالية, من أمثال شركة( جنرال موتورز) وغيرها، فكانت المقاومة بذلك، وفية حقا، لثورة السابع عشر من تموز، الأم الكبرى، لكل الانجازات الشاخصة في العراق البطل.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١٨ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١١ / تمــوز / ٢٠٠٩ م