نقطة نظام ضد المالكي !

 
 
 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية
بالرغم من طعم الدعاوي المرة التي استذوق نكهتها المالكي بطريقة تثير العجب بناءا على وصفة مستشاريه عباقرة الالفية الثالثة، فإننا سنكون أكثر كرما منه ولا نقيم دعوى ضده وإنما نعتبرها نقطة نظام أو إعتراض. فدرب المحاكم شائك ووعر رغم أنه سليم مائة في المائة فلا خير في دولة لا يحكمها القانون، لكن في ظل إحتلال جاثم وحكومة منصبة من قبله يكون موقف السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية أشبه بموقف الفأر عند مواجهة القط.

 

وهذا ما لمسه الجميع خلال السنوات الماضية من الغزو الأمريكي للعراق في محاكمات صورية تشبه أفلام كارتون كان فيها القضاة أبعد الناس عن تعاليم السماء وشرف المهنة وخصوصيتها, فقد ضاعت كل القيم والشرائع السماوية والأرضية وحلت محلها ثقافة البغض والكراهية والتفرقة المذهبية والعنصرية وإنتشرت ظاهرة المظالم والبكائيات واللطميات فأصبحنا سادة شفافية اللطم والنواح في العالم بلا منازع.


قبل ان ندخل عتبة النقد لابد أن نرجع قليلا الى مخازن الذاكرة لنتسوق بعض المقولات الثورية التي تلاها علينا المالكي لتكون ورقة عمل لحكومته خلال عام 2008 والتي أعتبرها سنة صولة الحرب على الفساد بنوعيه المالي والإداري. كما أستشفينا بتغيرات وزارية مرتقبة لقطع دابر الفساد الذي نخر سقف الحكومة العراقية وأطاح به ليسقط على رؤوس الشعب العراقي. ولكي يكون كلامنا منطقيا ومقبولا وغير مشمول بقانون إجتثاث الحقائق التي دأبت الحكومة على إسخدامه ضد كل من ينتقدها في ضوء سطوع شمس الديمقراطية المحرقة كصيف العراق. ففي الملتقى الوطني لمكافحة الفساد الذي أقيم في بغداد أوضح نائب رئيس الوزراء برهم صالح بأن الفساد يستشري في جسد الدولة نتيجة لغياب المساءلة وسلطة القانون. وأوضح بأن( رئيس الوزراء نوري المالكي شخص الفساد المالي والاداري كتحدي خطير يستوجب مجابهته كأولوية أساسية للحكومة ومن هنا عقد الملتقى للبدء بحملة تعبئة وطنية هادفة لإستئصال هذه الآفة) فتفائلنا خيرا بأن الحكومة جادة فعلا بأن يكون عام 2008 عام الصولة المالكية ضد الفساد بعد أن اعتبر المالكي الفساد لا يقل بشاعة عن الإرهاب(اخطر تحدييـّن هما الإرهاب والفساد المالي والإداري وأخطر ما فيه، حينما يكون هذا الفساد مدفوعا بخلفيات سياسية هدفها تعطيل الحياة، حتى يقال إن العملية السياسية قد فشلت وأن الديموقراطية ليست ثوبا للعراقيين)!


بل أن نائبه برهم صالح ذهب بعيدا عندما أشار إلى إن الإرهاب اصبح يتغذى على الفساد وأصبح للعنف إقتصاده السياسي الخاص به في العراق يديمه الى جانب آلياته وشبكاته الخاصة الاخرى. وفي مناسبة أخرى بمناسبة إنعقاد المؤتمر العالمي لقيادات المنظمات والنقابات الصحفية الذي عقد في بغداد، أعاد المالكي نفس الإسطوانة قبل أن تشرخ محذرا من مخاطر الفساد المالي والإداري ولا نعرف يحذر من؟ وهو رئيس الحكومة المنصبة، المهم أنه أوجز بأن الهدف من هذا الفساد هو( إفشال العملية السياسية والديمقراطية في العراق). وفي آذار عام 2008 عقد المؤتمر الدولي لمكافحة الفساد المالي والإداري برعاية الأمم المتحدة هذه المرة أفتتحه المالكي معلنا بأن عام 2008 سيكون عام مكافحة الفساد المالي والإداري والقضاء عليه في مؤسسات الدولة عن طريق التنسيق بين مكتبه الراشد بمستشاريه السواعد و هيئة النزاهة واللجنة البرلمانية, وأعلن في المؤتمر بأن المالكي سيبشر العراقيين بخطوات جديدة وجدية للقضاء على ظاهرة الفساد. فتهلهلت وجوهنا مرحا وحبورا وبهجة لهذه المكرمة السخية من لدن المالكي. أما محاور المؤتمر فكانت أربعة لم ينفذ حاكم دولة القانون أي منها كما سنرى وهي، مكافحة الفساد وتطوير بناء القدرات، والثاني محور التجريم وفرض القانون، والثالث دور المؤسسات غير الحكومية والإعلام ومنظمات المجتمع المدني, والأخيرالتنسيق والتعاون في مواجهة الفساد.


وكلنا شهدنا كيف مضت مسيرة عام 2008 متعثرة بآلاف المطبات من الفساد المالي والإداري وهي مؤشر واضح على أن المالكي فشل في خطته المزعومة لمحاربة الفساد أو إنه لم يكن جديا في طروحاته في محاربة الفساد وإنما لأغراض دعائية. أو أنه قد عقد هدنة مع المفسدين دون أن يعلمنا بها! أو إنه فعلا كما وصفه السيناتور جون أدواردز( المالكي قائد ضعيف لايصلح لحكم العراق)، فمن لا يهدم جدار الفساد لا يمكن أن يشيد جدار الثقة مع شعبه.


لم يرجع المالكي إلى الماضي القريب ويراجعه، أو يعترف بفشل حربه المعلنة على الفساد، أو يعتذر من الشعب العراقي بأن كلامه لم يكن يتناسب مطلقا مع أفعاله, إستهل المالكي العام الجديد 2009 بنفس الإسطوانة لكنها مشروخة هذه المرة بسبب تكرارها الممل, وذلك بمناسبة إفتتاحه المستشفى التعليمي في محافظة بابل. حيث أنشد لنا نفس المعزوفة بلحن جديد على أساس إن حملته المباركة(على الفساد المالي والاداري وحتى السياسي قائمة حتى يستقيم الأمر) محذرا من عودة من وصفهم بالمفسدين! كإنما المفسدين غادروا مناصبهم متنبئا بعودتهم ثانية! وأكد المالكي( بأننا- ولا نعرف من يقصد بإننا هل المقصود حكومته أو الشعب الذي لا علاقة له بالفساد إلا من حيث تحمل نتائجه- يجب أن نكون على درجة عالية من الوعي لمنع تسلل الإرهاب ومحاربة المفسدين وأولئك الذين يفرطون في المال العام) .. كلام ميتافيزيقي جميل لكن لا يصلح للواقع. وفي مناسبة ثانية أشار المالكي بأن (خطورة الفساد الاداري والمالي لا تختلف تماماً عن خطورة الإرهاب، فمثلما تكافح الدولة خلايا الإرهاب فلا بد لها من مكافحة الفساد الإداري على إعتبار إنه يشكل حاضنة أمينة وقاعدة رصينة للارهاب). وهناك تصريحات كثيرة تدور حول فلك الفساد لا نريد أن نثقل القاريء بها, فهي تكرار لأقوال مملة وليست أفعال.


نتذكر جميعا الحقائق التي أفصح عنها الرئيس السابق لهيئة النزاهة القاضي راضي حمزة الراضي أمام الكونغرس الأمريكي بشأن فساد الحكومة وتستر المالكي على وزرائه وأقاربه المفسدين, وقد جاء إستجواب وزير التجارة فلاح السوداني ليؤكد كلام الراضي بأنها حقائق وليست إدعاءات باطلة كما ذكر حينها مكتب المالكي( لاتعدو كونها أكثر من ادعاءات زائفة تخدم جهات وشخصيات معروفة تقوم بحملة دعائية منظمة تهدف الى الإساءة والتشهير بشخص المالكي). فقد أشار نائب البرلمان وائل عبد اللطيف بأن المالكي (استدعى رؤساء الكتل النيابية الى مكتبه، وابلغهم صراحة ومن دون لف او دوران، بأن يكفوا عن إستجواب الوزراء وإذا لم يردعوا فلينتظروا فتح ملفات كثيرة لن يسلم منها أحد) وهي كما يلاحظ مساومة دنيئة لإضاعة حقوق الشعب وإخفاء الحقائق عنه وتفسر بمعنى ( ليتستر كل منا على فساد الآخر.. فكلنا مفسدين ولا خير في مفسد على آخر).


من جهة أخرى حمل النائب سعدي البرزنجي رئيس الحكومة المالكي ووزرائه مسئولية الفساد المنتشر في الدولة موضحا بأن (ظاهرة الفساد ليست فقط موجودة في الوزارات الحكومية، بل حتى نوري المالكي نفسه له يد في الفساد)!!! كما إنتقد تصرف المالكي بقبول إستقاله وزيره الفاسد عبد الفلاح السوداني لأنه لم ينحى من منصبه أو يقيل بل إستقال. وتزامن الأمر مع كشف النائب محمود عثمان بأن المالكي هدد بفتح العديد من الملفات في حال الإصرار على إستجواب وزرائه المفسدين مما جعل آلية الإستجواب تخضع للمساومات السياسية والإبتزاز. النائبة غفران الساعدي أكدت من جهتها هذه الحقيقة بقولها أن الحكومة حالت دون إستجواب أو إستضافة وزرائها أمام البرلمان. أما زميلتها شذى الموسوي فقد صرحت بأن وزير التجارة حول ملايين الدولارات الى خارج العراق ورفض أن يكشف السبب و الجهة التي حول اليها تلك المبالغ؟؟؟ وأضافت (أن مجريات استجواب الوزير السوداني كشفت عن تورط جهات في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في التغطية على عمليات الفساد المالي والإداري في وزارة التجارة) إضافة إلى سعي بعض المسؤولين( لشراء سكوت البرلمانيين في قضية الفساد المستشري في وزارات الحكومة ومؤسساتها، بهدف إعاقة حملة استجواب الوزراء الجارية في البرلمان).


ما زاد الطين بله أن المالكي أشار الى أن90% من النواب لديهم قضايا فساد مالي وإداري أي أقل من نسبة وزرائه 100%. وإنه سيضطر لنشرها في حال إستمرار النواب على إسضافة وزرائه المفسدين ( عليً وعلى أعدائي)! منوها( إذا كان المطلوب فتح ملفات الفساد فيجب أن تفتح على جميع مستويات المناصب). مستدركا بأنه(لا يريد فتح هذه الملفات لانها تهز ثقة المواطنين بالعملية السياسية ومجلس النواب) بل أنه أصدر أمرا منع بموجبه وزرائه المفسدين بالمثول أمام البرلمان منتعلا في ذلك السلطة التشريعية والدستور الذي منحها تلك الصلاحية.


إذن نسبة الفساد في البرلمان 90% وفي الحكومة 100% وكل منهما يحاول أن يتستر على الأخر, وطز في الشعب الذي أنتخب لك الحكومة فعملية إستغفاله ضرورة لبقاء الفساد! لكن إذا كان رئيس الحكومة يتستر على المفسدين في البرلمان ووزرائه، والبرلمان يتستر على فساد الحكومة، وهيئة النزاهة تتستر أحيانا وتكشف أحيانا أخرى مواطن الفساد وكل منهم عينه على الأخر. فلماذا يتلو علينا المالكي يوميا جنجلوتية الصولة على الفساد المالي والإداري ويزعجنا بها؟


لقد تعلمنا بأن التستر على الجريمة يعتبر إشتركا فيها وهذا ما أشار اليه الدستور والقوانين الجنائية النافذة فكيف سيكون موقف المالكي بتستره على كل تلك الجرائم؟ وكيف سيكون الأمر إذا كانت الجريمة لا تمثل حالة فردية وإنما جريمة بحق شعب كامل خسر مئات المليارات بسبب عفونة قادته السياسيين؟ هل من يتستر على وزرائه المفسدين ينوى حقا محاربة الفساد؟


نقول للحكومة كفى إستهانة بحقوق الشعب العراقي! ونترك الإجابة على أسئلنا المشروعة للقراء الكرام وليس للحكومة فقد غسلنا أيدينا منها.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٠٦ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٩ / حزيران / ٢٠٠٩ م