يا للهول .. من حكومة عملاء الى حكومة صعاليك !

 
 
 

شبكة المنصور

ضحى عبد الرحمن / كاتبة عراقية

لدينا مثل عراقي معروف وبالتحديد في الموصل كان أهلنا يتداولونه في مطلع العقد الأول من القرن الماضي وعلى النحو الآتي " شيكلك الصاحب كله يس" بمعنى :" إذا قال لك الصاحب أي شيْ أجبه بنعم "والصاحب من المصاحبة لكنها في هذا المثل ترتبط بكلمة هندية كان يطلقها الهنود المصاحبين لقوات الأحتلال البريطاني في العراق على الجنود البريطانيين, فأستعارها العراقيون وأخذوا يطلقونها على الجنود البريطانيين. وقصة المثل انه في عام 1918 تعرف جندي بريطاني على عائلة عراقية تتكون من أب وأم عجوزين وصبية جميلة وعشق العريف الفتاة وهام بها وأغرقهم بالهدايا والمال لمأرب في نفسه, وفي أحد الأيام خرجت الأم وزوجها في زيارة فأوصت إبنتها فيما إذا جاء الصاحب (العريف) وسألها عن أي أمر تجيبه فقط بكلمة (يس) ولا تخالف أمره! وفعلا حضر العريف ولما وجد الدار فاضية من العجوزين أقتنص الفرصة منفردا بالفتاة وبدأ يراودها عن نفسها فأبت أولا من ثم إستذكرت وصية أمها فرضخت لمطلبه أخيرا. وعندما رجعت أمها أخبرتها ما كان من أمرها مع الصاحب فعنفتها بشدة على إستجابتها لرغبته. فردت الفتاة بغضب وقالت لأمها: إلم توصيني" شيكلك الصاحب كولي يس" وسرعان ما أنتشر الأمر وأصبح مثلا يراد به الإنقياد الأعمى للغير من دون تفكير وما يجلبه ذلك من متاعب ومصائب.


حورنا المثل قليلا ليتوافق مع حديثنا، فمن المعروف ان حكومة الإحتلال مثخنة بالمستشارين سواء كانوا في مكتب الرئيس الطالباني أو رئيس الحكومة وبقية الوزارات. ويقال والعهدة على القائل أن مستشارين المالكي يعدون بالمئات ومعظمهم أيرانيو الجنسية! والحقيقة أنهم مراقبين لإدارته وتصرفاته وموجهين له أكثر منه مسشارين. ولذلك نراه ينقاد الى توجيهاتهم بطريقة تدعو الى الدهشة فرغم المطبات الكلامية التي تأرجح فيها توازن المالكي عدة مرات بسبب مستشاريه، وفشل عقله في السيطرة على لسانه فأنه لم يستبدل مستشاريه لاسيما الحمقى منهم وهذا دليل واضح على انه لا يمتلك زمام أمرهم لأنهم مفروضين عليه. وكان لهذه الظاهرة الشاذة دورا في تفاقم الأخطاء التي غدت بغيضة ومثيرة للإشمئزاز. سيما أن التوقعات بشأنها لا تبعث على الإطمئنان ويبدو الأمل ضعيف في تلافيها. وسنسلط الضوء على التناقض الحاد في تصرف المالكي أزاء قضايا متشابهة نوعا ما لكن المالكي تصرف فيها بإنفصام يكشف الزيف في المعايير الأخلاقية التي يسهب في الحديث عنها في رؤاه وعظاته الرنانة.


أطلع الجميع على الكارثة التي سببها مستشارو المالكي نتيجة إنقياده الأعمى لهم مع السيد أياد الزاملي مدير موقع كتابات حيث حمله مسئولية ما نشره احد الكتاب بمقال تعرض فيه الى المحسوبية والمنسوبية في تعيين أقارب بعض المستشارين في مكتب رئيس الوزراء، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها المالكي أو الوزراء والمسئولبن في الحكومة كافة، فالتعيينات تتم وفق معادلة الأقربون أولى بالتعيين, ونتحدى المالكي أو غيره أن يكشف بصراحة عن خارطة القرابة في مكتبه. الخلاصة طالب المالكي بمليار دينار عراقي تعويضا عن الضرر المادي والمعنوي الذي لحق به! وقد عرفنا الضرر المعنوي لكننا نجهل المادي! فهل يا ترى تأثرت أسهم وسندات المالكي في البورصة العالمية؟ أم إنخفض عدد نزلاء فندق أبنه الجديد في دمشق(خمس نجوم)؟


بعد هجوم ضاري قام به كتاب موقع كتابات وبتدخل من الهئيات الدولية وبتنسيق مع نقابه الصحفيين العراقيين وتكريمها بإدارة اللعبة على أفضل وجه تنازل المالكي عن الدعوى ورجعت المليار دينار عراقي الى محفظة الزاملي المثقوبة. الجريمة هي التعرض لمكتب المالكي وليس شخصه وإنما مستشاريه.


وكانت الدعوة القضائية الثانية ضد صحيفة الغارديان البريطانية وقد طالب المالكي بتعويض قدره مليون دولار أيضا بعد أن وصفته الصحيفة( بالمتسلط) .إذن السبب هو إطلاق كلمة(المتسلط) التي أثارت حنق المالكي وجعلته يرفع الدعوى ضد الغارديان. وهنا لا بد أن نرجع الى الخلف قليلا ونستذكر ملحمة منتظر الزيدي، ونسمح لخيالنا ان يمتد على راحته.


ياترى كيف سيكون تعويض المالكي لو جرى له نفس ما جرى للرئيس بوش على يد منتظر الزيدي وكم مليار دولار كتعويضات ترضيه؟ وهل يا ترى ستنتاب الغيرة الرئيس الأمريكي بوش من دعاوى المالكي ويستفيق من سباته سيما أنه خارج البيت الأبيض حاليا، ليطالب بدوره منتظر الزيدي أو حكومة المالكي بتعويضه بعض المليارات لقاء رجمه بالحذاء الذهبي؟ سيما ان التعويض قد يكون باهضا وأضعاف أضعاف ما يطلبه المالكي لعدة أسباب منها أولها :- إن الحذاء الذي تلقاه الرئيس بوش كان مستعملا وليس جديدا. والسبب الثاني:- إن الحدث كان فعلا وليس قولا كما هو عليه الأمر مع صحيفة الغارديان. والسبب الثالث:- إن الواقعة كانت مقصودة ومبيتة وليست إرتجالية عفوية وليدة ساعتها. والسبب الرابع انه رئيس اكبر دولة في العالم بل القطب الأوحد. والسبب الأخير:- إن الواقعة جرت أمام الجمهور وتناقلته فورا وبالصورة الحية جميع دول العالم بل أن بعض الشركات أخترعت ألعابا تصور دمية للرئيس بوش ترمى بحذاء وكلما أصيبت الدمية تسجل نقطة لصالح الرامي لتعتمد النتيجة النهائية على عدد المرات التي يتقندر بها الرئيس. وقد شارك فيها خلال أسبوع أكثر من مليون شخص ولو طالب الرئيس بوش الملايين من الذين مارسوا قذف دميته بالحذاء لأستطاع أن يعالج الازمة المالية التي تعاني منها أمريكا في الوقت الحاضر وربما تهيأت له الفرصة لمساعدة شركة جنرال موتورز الشهيرة وغيرها لتقف مجددا على أقدامها قبل أن تعلن إفلاسها المرير؟
من قبيل تشابه الوقائع سنواصل الحديث ولكن هذه المرة إهانة حقيقية وليس تعريض بتعيينات المالكي أو إطلاق صفة المتسلط عليه من قبل صحيفة الغارديان. هذه المرة إهانة مرة كالعلقم تتواضع بقربها كلمة متسلط وتنحني لها إحتراما! وهي ليست عبارة كتبها صحفي في مقال فرفع المالكي دعوى قضائية على الصحيفة وليس الصحفي. هذه المرة القضية دسمة, وتسمح لأبن المالكي بشراء فندق على مستوى المرديان والهلتون أوالأنتركونتينانتل! وقبل التعليق على هذا الموضوع لنطلع على وصف النائب الكويتي وليد الطبطبائي(إيراني الأصل) للمالكي, فقد وصفه بـ" الصعلوك" وتداولت وسائل الأعلام الكويتية هذا الوصف الطريف الذي لقي ترحابا منقطع النظير من قبل بعض البرلمانيين والصحافة الكويتية. وإذا انطلقنا من الدعوتين السابقتين للمالكي فأنه يفترض أن يرفع دعوى قضائية مشابهة على البرلمان الكويتي مثلما رفعها على مدير موقع كتابات وصحيفة الغارديان وليس على كاتبي المقالين, كما ان تهمة تعيين الأقارب وصفة المتسلط تعد لا شيء مقابل صفة" الصعلوك" وتتطلب من المالكي تعويضات عشرات المرات عما طالب به المسكين الزاملي, سيما أن الدعوى تقام ضد برلمان ثري ونائب يبيض ذهب.


لكن مالذي جرى؟ لقد بلع المالكي الإهانة ببساطة مع رشفة ماء, وسكت المستشارون فلا حيص ولا بيص, لا دعوى قضائية ولا إستنكار ولا تصريحات لمحامي المالكي المخول ولا تدخل من نقابة الصحفيين الكويتية والعراقية ولاردة فعل من البرلمان العراقي, ولا طلعة بهية من الناطق بأسم الحكومة علي الحوزوي. تحولت الحكومة وبرلمانها الى مقبرة لا حراك ولا صوت. الكل تتربص ردة فعل المالكي والتي من المؤكد ان تتناسب مع الإهانة. من المؤكد ان المالكي سيجتمع مع مستشاريه الحكماء وسيطلع بنفسه على سفسطاتهم وعلى ضوء ذلك سيفجر قنبلة الغيرة والكرامة. وفعلا لم يمضي سوى يومان حتى كانت المفاجأة الصاعقة, فقد قام المالكي بتعيين الكويتي القلب والقالب صفاء الدين الصافي وزيرا للتجارة وكالة خلفا للبريطاني فلاح السوداني. والصافي من أم كويتية وزوجة كويتية وابنائه ولادة الكويت ويقيمون فيها، وكان تعيينه وزير دولة لشئون البرلمان نتيجة لضغط من الكويت ولوضع احد جواسيسها لرصد تحركات البرلمانيين وإطلاعهم عما يحدث أول بأول.


هناك احتمالات متعددة لسكوت المالكي: لربما أخذ بالمعنى اللغوي لكلمة ( صعلوك) والتي تعني فقير الحال، وترك المعنى الاصطلاحي للصعلكة الذي يعني السلب والنهب والغزو. لكن هذا المعنى لا يستقيم لأن حكومة العراق الحالية ستكون (حكومة صعاليك) وهذا ما يرفضه الشعب العراقي لأن الحكومة بكل مسئوليها تحولوا من الصعلكة خارج العراق قبل الغزو الى أصحاب ملايين ومليارات بعد الغزو. وهناك مثل معروف في مصر ينطبق على واقع هذا الحال" تروح فين يا صعلوك بين الملوك" . وهذا يعني ان المعنى الإصطلاحي هو الأنسب للحكومة من اللغوي طالما إن آخر التقرير تشير الى أن 90% منهم من المفسدين. بما إن حكومة الإحتلال لم تعترض على تسمية صعلوك وأرتضتها لنفسها، بل كرمت الكويت بتعيين الصافي وزيرا للتجارة فأنه من الأنسب ان يكنى الوزراء بأسماء أشهر الصعاليك بدلا من الحالية مثل السموأل وعروة بن الورد والمهلهل وان يضع كل وزير فوق رأسه لوحة يكتب فيها بيت للشاعر عبد الأمير جرص" تأبط شرا ما تأبط شره *** ولا كان صعلوكا ولا جاء غازيا". والمعنى في قلب العراقيين وليس الشاعر.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٢٢ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٧ / حزيران / ٢٠٠٩ م