أوهام السيادة في جحور المنطقة الخضراء

 
 
 

شبكة المنصور

د. مثنى عبد الله / باحث سياسي عراقي
هل العراق اليوم دولة ذات سيادة ؟ وهل أن مفهوم السيادة بمعانيه ومضامينه الحقيقية المتعارف عليها تنطبق عليه ؟ هل الوصف القانوني لممارسة الدولة سيادتها على كيانها الفعلي جائز اطلاقه على العراق ؟ أم أن العراق لازال دولة محتلة كما ثبتتها شريعة الامم المتحدة ؟


هذه الاسئلة والتي تتبعها عشرات علامات الاستفهام تطرح اليوم بمناسبة ماسمي ب(يوم السيادة) كما طرحت غيرها من الاسئلة من قبل في مواقف أخرى مرت على العراق منذ 9 نيسان 2003  حاول فيها الاحتلال وأعوانه , اضفاء طابع أستعراضي انتصاري موهوم لاشباع نقصهم الذي يعانونه وفشلهم الذريع على كل الاصعدة السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية , واندحار مشروعهم الكبير للشرق الاوسط , وفوضاهم الخلاقة التي بشروا بها والتي عملوا جاهدين على جعلها واقعا حيا عاناه المواطن العراقي على مدى سبع سنوات , قتلا وتشريدا وتهجيرا قل نظيره في التاريخ الحديث, ومافتئوا يمارسون التضليل والتزوير محاولين ضخ مفاهيم خاطئة عن معنى السيادة والامساك الموهوم بزمام الامور , بينما الحقيقة في تناقض تام مع كل هذه المشاهد , والوقائع تؤكد عكس هذه الفعاليات . أن الاستعراض الحيادي والمنصف ليوميات الاحتلال وحكومته الطائفية منذ الغزو وحتى اليوم , تشير الى التخبط الواضح في التعامل مع المازق العراقي , والمراهنة الدائمة على ظواهر حاولوا تكبير حجومها  كي تصب في جرفهم , مستهدفين خلق حالات أحباط نفسي للمواطن العراقي هدفها أيجاد خندق أخر له غير خندق المقاومة , وبالتالي افقاد البندقية العراقية المقاومة لحاضنتها الشعبية , لذلك نجدهم قد ركزوا سابقا على حادثة أسر الشهيد صدام حسين وأغتياله فيما بعد , وواقعة قتل زعيم القاعدة في العراق , والاستفتاء على الدستور الملغوم , والانتخابات البرلمانية المزورة , وانتقال السفارة الامريكية من القصر الرئاسي الى بنايتها الجديدة , والتوقيع على الاتفاقية الامنية العراقية –الامريكية , وأنتخابات مجالس المحافظات , وحاولوا جعل هذه المناسبات اللاشرعية بالونات أنتصارات , , فتبادلوا التهاني فيما بينهم وبين مرجعهم الاعلى بوش الذي كان في كل مرة يصف هذه الاحداث بانها أنتصارات كبرى على طريق الديمقراطية , ديمقراطية السلب والنهب والقتل الاعمى والتهجير والتعذيب والاغتصاب في السجون العراقية والامريكية والافقار المتعمد لملايين العراقيين وحرمانهم من ابسط مستلزمات الحياة , وبالمقابل نجدهم يحاولون التعتيم على خسائرهم التي يتكبدونها يوميا على أيدي المقاومة الوطنية , من خلال أرهاب القنوات الاعلامية الشريفة التي تتولى نقل أخبار هزائمهم , والقرصنة على المواقع الالكترونية المناضلة, وشراء الاصوات المبحوحة والاقلام المثلومة , حتى منعوا نقل صور جثامين قتلاهم محاولين رفع معنويات جندهم المحبطين . أما على صعيد خدمهم المتصدرين في المنطقة الخضراء فلا زالوا كل يترصد الاخر ويحيك المؤامرات ضده , ويحرك مليشياته للقيام باعمال التفجير والتخريب لارباكه , عندما يجده قد تقدم عليه في تقديم الولاء للاسياد , أو قد تجاوزه في نسب المحاصصة الطائفية والحزبية والمصالح الضيقة ,لذلك نجد الخطاب فيما بينهم قائم على المهاترات والاتهامات والهرولة خلف السفير الامريكي كي يعيد البيادق الى أماكنها الحقيقية كلما حصل نزاع , أو المحكمة الاتحادية العليا كي تنصف هذا ضد ذاك كلما وقع خلاف .


أن الانتصارات الحقيقية يصنعها القادة وهم بين أحضان شعوبهم , لان الشعوب هي التي تصنع القادة الابطال , وهي التي تبرزهم من خندقها وتتوجهم بعد أن عانوا ماعانته وتقدموا على غيرهم في التضحية ونكران الذات والتفكير الخلاق , وأن أحتفالات الشعوب بانتصاراتها أنما هي أعراس حقيقية وليس كما حدث في يوم (السيادة) عندما هرع الناس لشراء حاجاتههم الاساسية التموينية ووقفوا طوابير للتزود بالوقود خوفا من قوادم الايام , وليس الابطال كالاقزام  المدحورين المنبوذين في جحور المنطقة الخضراء , سراق قوت الشعب , لصوص المليارات , الذائدين عن مصالحهم وملذاتهم الشخصية أصحاب البطولات الموهومة , مدعي السيادة المفقودة التي يعرف العراقيون معناها جيدا , والتي قرأناها جميعا منذ المراحل الاولى في المدارس العراقية والتي لاتنطبق اليوم لا من بعيد ولا من قريب على الوضع العراقي . فالسيادة الحقيقية لايمكن أن تتنفس صوت الشعب تحت (جزمات) أكثر من 140 الف جندي أمريكي والاف الدبابات والمدرعات والطائرات التي تحمل علم دولة أخرى , والذين يتحكمون بمنافذ العراق البرية والبحرية والجوية وبثرواته وموارده ويفرضون قوانينهم ومشاريعهم ويديرون السجون فيه ويغتصبون الرجال والنساء فيها .
أن الحقيقة الواضحة اليوم هي ان ماجرى مؤخرا أنما هوأعادة أنتشار للقوات المحتلة , ليس فيه أية بصمة للمترنمين بالبطولة والانتصار من حكام المنطقة الخضراء الباحثين عن مجد زائف , وان دافعه كان واضحا منذ الخطاب الاول لرئيس دولة الاحتلال أوباما الذي أعلن فيه أنه غير مستعد لصرف مليار دولار يوميا على قواته في العراق , بالاضافة الى الخسائر البشرية في صفوف قواته التي لم تتوقف حتى في الايام التي ادعوا بانها هادئة , وبذلك فان المؤشر والمعنى الحقيقي لما سمي ب(يوم السيادة ) أنما هو النصر المؤزر للفعل المقاوم على الساحة العراقية , وانتصار دماء الشهداء على الالة العسكرية الهمجية الامريكية , التي أجبرت المحتل على التحصن في قواعد ثابتة .


أن وجود القوات المحتلة على أي شبر من أرض العراق , أنما هو أستمرار لمسلسل القهر الذي يعانيه المواطن العراقي منذ سبع سنوات , وان أختبائهم خارج المدن كما يقال أنما هدفه حرف زاوية النظر لدى المواطن عن قضيته الكبرى , وابعاده عن لمس الحقيقة  القائلة بان لاسيادة للدول المحتلة , حيث ان قوات الاحتلال لازالت هي الصوت الاعلى على صوت المواطن , وهي التي تتحكم باموره الحياتية ومستقبله , وستتحرك فور حدوث أي تهديد لمصالحها الستراتيجية , لذلك فهي اليوم تتحكم بمنافذ المدن وتتواجد في مراكز المحافظات باغطية مختلفة , ولعل أبرز مثال على هذا الدجل هو ماجرى في محافظة ديالى التي هي نموذجا حيا لما جرى في بقية محافظات العراق , حيث خرجت القوات من المدينة لكنها تمركزت في خمس قواعد لاتبعد سوى ثلاث كيلومترات عنها ,هي قواعد (خانقين , والمقدادية , وخان بني سعد , وبلدروز , ومطار عباس بن فرناس) وسيتواجد الامريكيون كضباط مهندسين ومدربين داخل مبنى الادارة المحلية في المحافظة .


أن الشموخ الحقيقي اليوم هو لرجال المقاومة الوطنية البواسل الذين سطروا أروع الملاحم البطولية طيلة الاعوام الستة الماضية من عمر الاحتلال , والذين يستعدون اليوم للصفحة الحاسمة التي ستجعل الاحتلال بكل أشكاله تحت سيوف الحق والعدل , وما ارتعاد فرائص حكام المنطقة الخضراء التي عبرت عنها تصريحاتهم المتناقضة هذه الايام , الا دليل ساطع على أدراكهم للمصير المحتوم الذي سيكون بانتظارهم , وان تبجح مايسمى (رئيس وزراء) بان قواته تمتلك الجاهزية لسد الفراغ الامني أنما هي أبغاث احلام , فهو يعرف قبل غيره بأعتباره (القائد العام للقوات المسلحة ؟؟!!) بان هذه القوات ليس لها أي ولاء وطني وأن دوافع الانتماء اليها لم تكن تتجاوز أعتبارها وسيلة لسد الرمق بعدما تم قطع سبل الرزق عن الكثير من العوائل العراقية , كما أن الغالبية العظمى ممن في صفوفها أنما هم مجرد مليشيات لاحزاب حاكمة , جرى تأطير وضعهم اللاقانوني بغطاء الجيش وقوى الامن الاخرى لابقائهم قوة موالية للاحزاب الحاكمة اليوم .

 

أن القول بان العراق مقبل على أيام صعبة ليس ضربا من الخيال أو أغلاقا لابواب التفاؤل المستقبلي بل أن الوقائع والموشرات تدل على ذلك , فلكي تبين الحكومة وجودها الفاعل على الارض فان الايعاز الى قواتها سيتم لزيادة المداهمات والقيام بعمليات أعتقالات واسعة ضد الابرياء تحت ذرائع بانت في الافق منذ الان من خلال التصريحات عن وجود نيات للقيام بعمليات انقلاب عسكري وغيرها من التبريرات , اضافة الى أستعدادات القوى والاحزاب لخوض جولة جديدة من الصراعات التي ستكون هذه المرة حاسمة فيما بينها , فطوحات تصدر المشهد السياسي باتت هم الكل وعلى حساب الكل , وستبقى قوى المقاومة الوطنية هي الرابح الاكبر في هذه المخاضات العصيبة القادمة .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٠٩ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / تمــوز / ٢٠٠٩ م