نتنياهو لم يترك لعرب الاعتدال ما به يستترون

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة

لست أدري لماذا تسمّر كثير من العرب أمام شاشات التلفزة في انتظار خطاب بنيامين نتنياهو.. هل كانوا ينتظرون جديدا؟ أم أنّ هذا الرجل نزل عليهم فجأة من كوكب آخر؟ أم كانوا يتوقعون أن تهبّ على أفكاره رياح "التغيير" القادمة من واشنطن فتحوّله إلى حَمَل وديع يستجدي السلام ويتوسّل إلى الفلسطينيين أن يقبلوا بدولة فلسطينيّة عاصمتها القدس الشرقيّة؟


كانت للعرب معرفة سابقة بنتنياهو، فقد سبق له أن ترأس الحكومة الصهيونيّة. وأفكارُه وتصوّراته ورؤاه معروفة لدى الجميع.. وإذا كان بعض العرب قد فقدَ ذاكرته فليس له إلا أن يعود إلى خطاب نتنياهو أمام الكنيست قبل التصويت على وزارته.. لم تمرّ سوى أسابيع معدودات على هذا الخطاب، فما الذي يُتوقّع حدوثه؟ ولماذا تُعقد الآمال على خطاب لم يكن أيّ من العقلاء ينتظر منه شيئا؟ أم أنّ الذين تسمّروا أمام الشاشات كانوا ينتظرون فُتاتا يرمي به نتنياهو.. فيتولـّوْن تسويقه أمام شعوبهم باعتباره تنازلا مؤلما حصلوا عليه بصبرهم وحكمتهم وبُعد نظرهم؟


في خطابيه أعاد نتنياهو على مسامع الجميع رؤيته لحلّ الدولتين، وطريقة تعامله مع الفلسطينيّين.. كان في كل ذلك واضحا.. دقيقا.. وقاطعا..


لا دولة فلسطينيّة مكتملة السيادة.. لا عودة للاجئين الفلسطينيّين.. لا تقسيم للقدس.. وإنما هي عاصمة موحّدة لـ"إسرائيل".. هذه لاءات نتنياهو الثلاثة.. لاءات لم تكن في حاجة إلى أيّ تأويل أو مراوغة.. كما أنها لم تُسعف أيّا من زعماء الاعتدال العرب حتّى يستغفلونا ويستبلهونا مجدّدا.. فلاذ بعضهم بالصمت، في حين ادّعى بعضهم الآخر أن نتنياهو وضع عقبات جديدة أمام مسيرة السلام..


الواقع أن عرب الاعتدال ما كانوا في حاجة إلى وضوح أكثر من هذا.. وما كانوا في حاجة بين الفينة والأخرى إلى صفعة يوجّهها لهم رئيس حكومة أو أو زعيم حزب في الكيان الصهيونيّ.. إنما هم في حاجة إلى قراءة سليمة وواعية للصهيونيّة فكرا وممارسة.. ماضيا وحاضرا.. وهم في حاجة إلى اعتراف شجاع مفاده أن الاعتدال العربيّ لم يكن يعني غير التفريط في الحقوق العربيّة.. وأنّ الرهان على السلام رهان خاسر بكلّ المقاييس.. فإذا انتهوا إلى هذه القناعة وعملوا بمقتضاها، كان لزاما عليهم أن يسارعوا لاتخاذ قرارات لا بدّ منها لأنها تمثّل الحدّ الأدنى الذي ينتظره المواطن العربيّ منذ زمن بعيد..


وعليهم أن يكفّوا عن الادّعاء بوجود معسكر للسلام في الطرف الآخر.. وأنّ علينا العمل على تقويته ودعمه بالمبادرات السياسيّة والتنازلات المؤلمة.. وبالأموال -إذا دعت الضرورة- في كلّ المحطّات الانتخابيّة القادمة..


إنّ نتنياهو ليس استثناء في الطبقة السياسيّة الصهيونيّة، ولا هو حالة طارئة داخل النسيج الاجتماعيّ والسياسيّ "الإسرائيليّ".. إنّه التعبير الأصدق والأوضح عن طبيعة الفكر السياسيّ الصهيونيّ ورؤيته لطبيعة الصراع وسبل حلـّه. وإذا كان لنتنياهو فضل ما، فهو أنه لم يترك لعرب الاعتدال ما به يستترون.. وما به يناورون..   


لقد عوّدنا المعتدلون دائما على تقسيم الصهاينة إلى حمائم وصقور.. ولكنهم لم يكلّفوا أنفسهم مرّة واحدة عناء أن يقولوا لنا ماذا كسبنا تحت قيادة أولئك.. وماذا خسرنا تحت حكم هؤلاء.. كما أنهم لم يمتلكوا الجرأة ليصارحوا شعوبهم بأن الذين يريدون منّا أن نفاوضهم يرون أن الربّ خاصّ بشعبهم فقط دون سائر الأمم.. إنه ربّهم وحدهم، أمّا باقي شعوب الأرض بلا استثناء فهم مجرد "أغيار" لم يخلقوا إلا ليكونوا خدماً وعبيداً لشعب الله المختار!!


إنّ خطاب نتنياهو يمثّل فرصة جديدة للمعتدلين حتّى يتّخذوا قرارات جريئة، وأوّلها سحب المبادرة العربيّة للسلام التي قدّمت العرب على مدى السنوات الماضية في هيئة شحّاذين يتسوّلون السلام.. ويلهثون خلفه، ويُبدون استعدادهم لدفع أيّ ثمن مقابل الحصول عليه.. وكأنهم ينسوْن أنّ مفاتيح السلام لا يملكها إلا الأقوياء وذوو الإرادات الصادقة المؤمنة..


بعضهم قد يعاتب نتنياهو لسبب آخر: إنه ردّ على كرم ضيافة شرم الشيخ وحفاوة الاستقبال وحرارة المودّة بكثير من الوقاحة التي تُحرجهم أمام شعوبهم.. وتعرّيهم. ولكنهم كرماء.. وسيمنحونه أكثر من فرصة ..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٧ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / حزيران / ٢٠٠٩ م