المقاومة العراقيّة ماضية في طريقها حتّى التحرير

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الكريم بن حميدة
ما الذي تعنيه عمليّة انسحاب القوّات الأمريكيّة من المدن والبلدات العراقيّة؟ وهل يجوز اعتبار هذا الانسحاب إنجازا لحكومة عميلة نصّبتها نفس القوّات المحتلّة؟ وكيف يمكن أن نفهم هذه الضجّة الإعلاميّة التي أثارتها وسائل الإعلام العراقيّة التابعة لحكومة الاحتلال وكذلك تلك الوسائل التي انخرطت في لعبة تضليل العراقيّين والعرب وتصوير عمليّة الانسحاب وكأنها تأكيد لوطنيّة المالكي وحكومته وسعي ضباع المنطقة الخضراء لإجلاء المحتلّ؟


30 جوان هو يوم التحرير.. يوم السيادة الوطنيّة.. يوم العزّة والكرامة.. ما أكثر أيّام التحرير في "العراق الجديد".. لقد تعدّدت حتى كاد بعضنا يضلّ الطريق إلى التحرير.


في البداية أعلنوا أن التاسع من أفريل تاريخ دخول القوات الأمريكية إلى بغداد هو عيد التحرير.. بعدها قالوا إن الانتخابات التي جرت في العام 2005 هي عرس الحريّة.. وعند اغتيال الشهيد صدام حسين أضافوا تاريخ 30 ديسمبر إلى أيام تحريرهم.. عمى التواريخ أم عمى البصائر أم عمى المفاهيم؟ ضلّوا..وضلّلوا.. أصبحت الخيانة في عُرفهم حكمة وتعقّلا وواقعيّة، وغدت المقاومة الشريفة عنفا وإرهابا، وتحوّل العدوّ المحتلّ إلى صديق لا يُنسى فضله ولا يُنكَر جميله.


هذا العدوّ الذي خرّب العراق وشرّد أهله وأسقط نظامه الوطنيّ واغتال شرفاءه هو الصّديق الحقيقيّ للضباع القابعين في المنطقة الخضراء.. وقد بلغت صداقتهما حدّا جعل هؤلاء يحتجّون على كل من يستخدم كلمة "محتلّ" أو"احتلال" أو أيّا من مشتقّاتها أو مرادفاتها.. وظلّوا على هذا الإصرار العجيب حتى بعد إقرار مجلس الأمن الدوليّ بأن القوّات الأمريكيّة في العراق هي قوّات احتلال.. فكان حديثهم عن قوّات متعدّدة الجنسيّات محلّ تندّر واستهزاء من الجميع، بل من هذه القوّات نفسها.


الآن، ترى أيّ تحرير يقصدون؟ وعن أيّة سيادة يتحدّثون؟ ألم يقولوا إنّ العراق استكمل مفردات السيادة الوطنيّة والعزّة والكرامة يوم انتخب العراقيّون نوّابهم في البرلمان، وانتخب النوّاب رئيس حكومتهم العتيدة؟ هل كانوا وقتها يمارسون الخداع والتضليل على أبناء الشعب العراقيّ؟ أم أنّهم اليوم يضخّمون عمليّة انسحاب الأمريكيّين خارج المدن حتّى تبدو عرسا للتحرير؟ وكيف للعراقيّين أن يصدّقوا هؤلاء الذين ما صَدَقوا يوما؟ أم أنّ التقيّة الواجبة أحيانا الجائزة دائما تُبيح لهؤلاء اللصوص أن يتخفّوا خلف الشعارات فيُظهرون خلاف ما يُبطنون؟ أليس هؤلاء الذين قذفت بهم الأقدار في غفلة من الزمن ليكونوا حكّاما على العراق يبحثون عن شرعيّة يستندون إليها؟ فهل سيقدّمون أنفسهم على أنّهم مهندسو التحرير وصانعو العزّة ومستردّو الكرامة؟


الأرجح أنّ العراقيّين الذين انخدع بعضهم في البداية بشعارات الحرّيّة والديمقراطيّة وحقوق الإنسان لن يرضوا أن يكتووا مرّة أخرى بالنار نفسها، ولا أن يتفيّؤوا من جديد شجرة العلقم، ولا أن يستندوا إلى جدار تداعى للسقوط. وهم يدركون اليوم يقينا أن انسحاب قوّات الاحتلال الأمريكيّ إلى مئات القواعد العسكريّة التي شيّدتها خارج المدن لم يكن إلا ثمرة منطقيّة لأنهار الدماء وعشرات آلاف الشهداء الذين قارعوا الغزاة منذ اليوم الأوّل وحملوا أرواحهم على أكفّهم.. لم يهابوا الموت، ولم ينخرطوا في نشيج المكلوم المغدور، كما لم تُثْنهم خيانة الأخ ولا تواطؤ القريب أو خذلان الصديق.. هؤلاء المقاومون البواسل هم الذين عجّلوا برحيل الغزاة بعيدا عن ضربات المقاومة.


صحيح.. قوّات الاحتلال الآن خارج المدن تقريبا، ولكن علينا ألا ننسى أنّها على أطرافها، وأنّها ستعود كلّما دعاها أتباعها، وقد تفرض الحصار على أيّة مدينة "متمرّدة" وتجوّع أهلها إذا فشلت الأجهزة الأمنيّة والعسكريّة العراقيّة التابعة لها في التصدّي للمقاومة وتصفية الوطنيّين ومطاردة الشرفاء.. وعلى المقاومة العراقيّة الصامدة أن تعيَ هذه الحقائق جيّدا وأن تبني أساليبها وتكتيكاتها على أساس التحوّلات الحاصلة.. وأن تصوّب بندقيّتها الشريفة نحو 500 ألف شرطيّ، وحوالي 250 ألف عسكريّ وظيفتهم حراسة الاحتلال والتقليص من خسائره.. وكذلك نحو عدد من ضبّاط الاحتلال وجنوده ما زالوا يمرحون داخل المدن بعد أن غيّروا عباءاتهم فأصبحوا مستشارين أو مدرّبين أو منسّقين..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ١١ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / تمــوز / ٢٠٠٩ م