شيزوفرينيا أميركية

 
 
 

شبكة المنصور

علي الصراف
سمحت قوات الاحتلال الأميركية لمليشيات "الجيش" و"الشرطة" التابعين للحكومة الموالية لإيران في العراق باقتحام معسكر "أشرف" الذي يقيم فيه نحو3500 لاجئ من جماعة "مجاهدي خلق" الإيرانية المعارضة.


الهجوم أسفر عن سقوط عدة قتلى وعشرات الجرحى في ما بدا انه مجزرة سكاكين استخدم فيها المقتحمون سلاحهم الأبيض للسيطرة على مداخل وبوابات المخيم.


ولا تستطيع الولايات المتحدة أن تنكر أنها منحت الترخيص للمليشيات التابعة لها باقتحام المعسكر بالقوة. كما لا تستطيع أن تنكر أن عناصر من الحرس الثوري الإيراني شاركت في العملية، بل أنها تقدمت الصفوف لارتكاب أول فصول المجزرة.


وقد يمكن للمسؤولين العسكريين الأميركيين أن يقولوا أنهم لم يتوقعوا سقوط قتلى إلا أنهم لا يستطيعون أن يتنكروا لمسؤوليتهم عن النتائج.


ولكن، في مسعى لإظهار إن الاحتلال "يجرح ويداوي" فقد أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن قواتها أرسلت مساعدة طبية الى الجرحى في المخيم.


هذا المستوى من النفاق لا يمكن أن يمارسه أي أحد، فهو وقح وبشع الى درجة تكاد لا توصف. ولكن الولايات المتحدة تجرؤ على ممارسته لأنه جزء من طبيعتها اللاأخلاقية، وجزء من طبيعة سياساتها المريضة.


نوع من الشيزوفرينيا المتأصلة هو الذي يسمح لواشنطن أن تفعل الشيء وضده في آن واحد. وهذه الشيزوفرينيا هي التي تسمح أيضا للولايات المتحدة بممارسة أبشع الانتهاكات لحقوق الإنسان، وفي الوقت نفسه، التصرف كقاض دولي ضد هذه الانتهاكات.


وبينما يمارس جنودها حتى اليوم أعمال القتل والتعذيب والاغتصاب والاعتقالات العشوائية، فان وزارة الخارجية الأميركية عادت لتُصدر تقارير عن أوضاع حقوق الإنسان في العالم (بعد توقف قصير عقب افتضاح مآسي سجن أبو غريب).


النفاق والشيزوفرينيا لا تتوقف عند هذا الحد. فبينما أجازت القوات الأميركية للمليشيات "العراقية" أن ترتكب مجزرتها في معسكر أشرف، فان وزارة الخارجية الأميركية أصدرت في اليوم نفسه بيانا انتقدت فيه أعمال الشرطة الإيرانية ضد المتظاهرين الذين حاولوا تأبين ضحايا الاحتجاجات ضد نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 حزيران-يونيو الماضي.


وقالت الخارجية الأميركية أن لجوء الشرطة الإيرانية الى القوة لتفريق أنصار المعارضة الذين تجمعوا في طهران (الخميس الماضي) لإحياء ذكرى ضحايا التظاهرات يثير لديها "مشاعر القلق".


وفي الواقع، فمن حقنا أن نشعر نحن أيضا بـ"القلق" مما تفعله الولايات المتحدة حيال المعارضين الإيرانيين الذي يقعون تحت سلطتها. فهي تسمح بقتلهم بأيدي مليشيات تابعة لإيران، بينما لا تسمح للشرطة الإيرانية أن تقمع معارضين آخرين.


وقد تبدو هذه الشيزوفرينيا مثيرة للضحك، أو لأعمق مشاعر الحزن والأسى، إلا أنها تترك، على أرض الواقع، الكثير من الضحايا وتسبب الكثير من الآلام. وقد حان الوقت لعمل شيء بشأنها.


وهذه ليست المرة الأولى التي تفضح الولايات المتحدة نفسها بأعمال نفاق تثير السخرية. فعلى طول الخط كانت الشيزوفرينيا هي الوجه الحقيقي الوحيد لكل الأعمال التي تقوم بها الولايات المتحدة، بل لكل الأعمال التي يمارسها الغرب برمته ضد الآخرين.


النفاق والميكافيلية جزء من طبيعة الثقافة السياسية الغربية. انه هو "السياسة" بعينها، وهو تعريفها الوحيد. لا يصح، بل لا يوجد، أي تعريف آخر. وكل محاولة لتقديم تعريف آخر هي وجه من وجوه النفاق نفسه.


فلكي يدافع الغرب عن مصالحه، فانه مضطر لممارسة أعمال وحشية. وهذه الأعمال نتيجة طبيعية وحتمية لحملات الغزو والنهب وفرض السيطرة الإستراتيجية. وهي كثيرا ما تنطوي على انتهاكات وضحايا، تشمل ملايين البشر، وتهدد مصائرهم بأبشع الوسائل. ومع ذلك، فان الغرب يقدمها على أنها عمل "نبيل" يستهدف "نشر رسالة التحضر" و"إقامة الديمقراطية" و"الدفاع عن حقوق الإنسان".


ولكي تغطي على وحشيتها، فان ثقافة النفاق الغربية تعتبر أن "الغاية تبرر الوسيلة". وبما أن الهدف الذي تسعى اليه هدف سام، فان الجرائم والانتهاكات التي تُرتكب تحت بطانته، مبررة ومقبولة.


ومع ذلك، فان هذه الثقافة لا تقبل للآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه. فالإرهابيون يتبنون أو يزعمون لأنفسهم أهدافا سامية، ويرتكبون تحت بطانتها جرائم وانتهاكات، ولكن الدول الغربية تحاربهم.


ونحن نعرف، على أي حال، إن الإرهاب ما كان ليصبح وسيلة من وسائل الاحتجاج، لو لم تكن الشيزوفرينيا الغربية هي المرض الذي يهيمن على العلاقات والمصالح الدولية.


والفضيحة تزداد سوءا وقبحا كل يوم. والحاجة الى العلاج لم تكن ضرورية، في أي وقت مضى، كما هي اليوم.
الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة، يجب أن يذهب الى المستشفى ليعالج نفسه من الشيزوفرينيا، أو فليذهب الى الجحيم.


ويجب أن نساعده في ذلك.
التجربة الواقعية تقول، أن الغرب لن يذهب الى المستشفى قبل أن يرى الجحيم شاخصا.
ولمعالجة الشيزوفرينيا الغربية، فإن أي عمل، مهما كان بشعا، هو عمل "نبيل"، لانه يؤدي الى تحقيق هدف "إنساني".


أليس هذا، بالضبط، هو ما يفعله المصابون بالشيزوفرينيا عندما يحاولون معالجة "تخلفنا" بـ"تحضرهم"؟

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ١١ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٢ / أب / ٢٠٠٩ م