الكثير  حاول  الربط   ما بين  انتصار البعث بثورته المباركة  في الرابع عشر من رمضان  1963  الميلادية  وما بين كونها   تفجّرت  بإسناد من القوى الغربيّة  , أميركا تحديداً , كما  روّج  البعض ,  لوقف الزحف الأحمر  نحو  "المياه الدافئة"  هكذا يبرّرون ! , كما والكثير  حاول أيضاً   ربط  ثورة البعث  في  تفجّرها الثاني  1968 ـ 30  تمّوز ما بين  حدوثها  , بفعل نفس الفاعل أيضاً  , أميركا ! , وما بين  وقف الزحف الناصري الوحدوي  نهائيّاً  وسدّ الطريق عليه  بهذه الثورة التي قضت  نهائيّاً  على  طموحات الأخوين  "عارف"  في  تحقيق تلك الوحدة ! خصوصاً وأن الناصريّة  قد تلقّت  الضربة القاصمة في ما سمّيت بنكسة الخامس من حزيران 1967 التي  "انتصر"  فيها الكيان الصهيوني  على أقطار العرب  مجتمعين !  أو هكذا أُريدَ  تمرير  تلك الكذبة  أن  تثبّت في أذهان العرب  إعلاميّاً ومن ثمّ  تتمضّغ نفسياً , وهذا الربط , وغيره , ممّا لا شكّ فيه   لم  يكن  له ليروّج  لولا  فعل  "نفس الفاعل !"  إلاّ أنّ الأحداث  فيما بعد  أثبتت عكس  كلّ ذلك , فصحيح  أن الغرب الاستعماري  يركب الموجة , كما يقال , إلاّ أنّه  ( يركب الموجة  فعلاً ) ! والشواهد  في هذا المضمار عديدة ولا تحصى في جميع أنحاء العالم  التي شهدت صراع   الانقلابات  ما بين دول الأضداد  المتمحورة  كلٌّ منها لأحد القطبين آنذاك ,  والبعث , وبحكم سهولة  اختراقه لوعي العربي , كون  مكوّنه  منه  وفيه  ويتناغم  وأحلام العرب   كأمّة  منصهرة في قوم هم  سادة  لحضارات العالم  لابدّ لها أن تظهر للوجود  بالصورة المشرقة , بعد غياب قرون طويلة ,  كونها هي صاحبة الفضل الأوّل والأخير والأساس  المتين  الذي  تأسّست على مفاهيمها  المتجذّرة   ثقافات العالم أجمع , وبما  أنّ هذه الأسباب المنطقيّة  كانت , وكما أدركها  المستعمر نفسه , لأن يسود البعث  الساحة العربيّة  بأسرع  ما يمكن ويهيمن على وجدان العربي  صاحب الرسالات  أينما كان  بامتداد الساحة الجغرافيّة  للوطن العربي ,  سارعت الدوائر الصهيونيّة  بتنمية  "الإسلام"  المتطرّف  الكاره  لأيّ شيء  اسمه  "قوميّة" ! فانبلقت  , وكالعادة ,  ومن تحت عباءة  "خادم الحرمين" مثلاً ,  مفاهيم  "إسلاميّة"  ظاهرها  تطبيق  "النص" ومضمونها  "تسييس للدين"   ولكنّها  تلتقي , وبدون وعي من  "النصوصيّين"  الأصوليّين , مع فكر الشيوع  أو ما يعرف بـ "الشيوعيّة" !  أي خلط  الأقوام مختبريّاً  وإضاعة الأنساب , تحت مفهوم الشيوع ,   بين مكوّنات كيميائيّة  لأواصر  منتج بشري جديد !  متناسية , هذه الأصوليّة ,  قوله تعالى  ( يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم  شعوباً وقبائل لتعارفوا ! إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) صدق الله العظيم , ومتناسين أيضاً , هؤلاء ذووا التوجّه الراديكالي , أن  القوميّة ليست "نتنة"  كما يوصي بها دعاتهم  "الشيوخ"  إلاّ إذا تعنصرت , أي إلاّ إذا تحزّبت بشكل انطوائي على الذات ومايزت بين الجنس البشري على أساس العرق  أو اللون  أو الدين  , وليس على أساس الحق , عندها تصبح نتنة , لأن العنصريّة , بطبيعتها  الشاذّة  لا يقبلها عقل سويّ , فمثل هذه التوجّهات  عرف كيف  ينفخ فيها  الغرب الصليبي أو المتصهين  أو الفرس المتعنصرين بالصفويّة , فامتطتها الصهيونيّة بالذات  لجعل مثل هذه  الأصوليّات   كركن  مهمّ من أركان  أيّة حرب طائفيّة دينيّة أو  مذهبيّة من الممكن أن يشعل  أوارها  التدخل الغربي في أيّة لحظة من الزمن يجدها مناسبة  ,  وأن  يستخدمها  أيضاً كأحجار عثرة في طريق أيّة نهضة  عربيّة  تحاول صهر  المجتمع بجميع مذاهبه وأعراقه وأديانه  تحت مضلّة الوطن الواحد  مع ترك حريّة العبادة  يتمتع  بها الجميع  ..

 

ثورة الرابع  عشر من رمضان , أو ما سمّيت بعروس الثورات , كانت التجربة الأولى للبعث لكي   يستلم قيادة حكم العراق , وبقدر ما هي كانت  للبعث , بقدر ما كان  لا بدّ  له  وأن تتجدّد قيمه النضاليّة عبر ثورة أخرى  لاحقة  لتلك الثورة  تكون بمحصّلتها وليدة انتكاسة "ضروريّة"  بقدر ما  رافقت  الانتكاسة بعد  الردّة التشرينيّة  حملات تشويه  إعلامي عربيّة وأقل منها درجة  حملات التشويه  عالميّة لأطراف ذات علاقة   فتحت أبواقها من جميع النوافذ المطلّة على العراق  ومن داخل العراق بكل تأكيد  نزلت  بهستريا قلّ نظيرها  آنذاك  تلفيقاً  وتشويهاً  وتجريحاً  بواحاً  بحق قيادة البعث للعراق وطعنت في البعثيين وصوّرتهم  أقرب للشواذ منهم إلى رجال ذوو مبادئ ! رغم  عدد لشهور القلائل التي تسلّم فيها البعث الحكم في العراق ورغم خلوّ فترة الحكم القصيرة بشهورها تلك  من أيّ عامل  احتكاك  تقريباً  أو صدام  مباشر ضد المصالح الغربيّة  يبرّر  شراسة تلك الهجمة  وعنفها ! , ولا زلت أتذكّر  وأنا  قد  بلغت مرحلة  الصبا  في تلك الفترة  التي شنّت  فيها الحملة الإعلاميّة الشعواء  ضد البعث وضد البعثيين  بما جعل  مجالس البيوتات والعوائل العراقيّة  يتحدّثون عن البعث وكأنهم   يتحدّثون عن  "السعلوّة" أو الطنطل أو الجنّي الذي يختطف الأطفال في غفلة عن أهاليهم !  أو يتحدّثون عن البعث السادي والمجرم  والشاذ الذي جعل من "الحرس القومي"  ومعسكراته  مصهر للتناسل  الغير شرعيّ !  , رغم أن  "عمّي أخ أبي رحمه الله"  لم أسمعه يوماً , رغم مسيرة السنوات الطويلة ,  يتحدّث  عن شيء مثل هذا  "الذي قام  به البعثيّون"  آنذاك  كما روّجت لها  في  تلك الأيّام  الدوائر الصهيونيّة وأذيالها العرب والمحليّون  ,  رغم أنّ  عمّي كان أحد  أفراد الحرس القومي  ورغم تمتّعه  بالصراحة المطلقة وبالصدق مع نفسه  التي يغلب عليها   "المسالمة"  ولا زال  , طوّل الله في عمره  خاصّة وقد توجّه إلى الصلاة  بعد  مرح  طويل ! وبعد أن ترك صفة العبث  "فجأة " ! من تدخين وغيره  كما وصف مثل هذه "الحالة" الكاتب الأميركي  "أدغار ألان بو"  حالة عمّه المشابهة !  , ممّا يعني  أنه  بالتالي  فهو  يمثّل  حالة أفراد حزب البعث الذين لا يشكون  من  شذوذ وما إلى ذلك , وإلاّ  لما توجّه إلى العبادة ! وهي حالة تصيب باقي العراقيين  أيضاً في مراحل متقدّمة من العمر ,  ممّا يدل على نقاء في السريرة  غلّفتها  شدَه  المخاضات العسيرة للأمّة , وهي حالة عامّة تصيب العرب كافّة وغير مقتصرة  على البعثيين  مما يعني بالتالي وحدة المصير ووحدة  الهاجس ! , طبعاً أن قلّة التجربة أيضاً , ولا أحد ينكر ذلك , قد مهّدت لظهور  عناصر كثيرة  منتمية للحزب   عملت على تشويه   حزب البعث أو مثّلت الحالة السلبيّة فيه  بكل ما تعني  كلمة السلبيّة من معنىً   , سواء بقصد أو من غيره , خاصة من قبل بعض العناصر التي حسبت آنذاك على  تشكيلات الحرس القومي ... ! ومثل هذه الأمور أبابها مفتوحة على جميع الديانات والأفكار والعقائد والأحزاب ولا تقتصر فقط على البعث ! .. ومع كل مراحل التشويه والشيطنة لحزب البعث  , فقد  بقيت ذاكرتي  تحتفظ بالكثير من أقربائي الذين انتموا لحزب البعث في أوج تلك الهجمات الإعلاميّة الشرسة ضدّ البعث !   حتّى قبل  مرحلة  إعداد  إشراقته الثانية في ثورة السابع عشر الثلاثين من تمّوز , وكان من ضمن المنتمين  شيوعيّون منهم ! ..  رغم انتشار مفهوم المقابر الجماعيّة   ومفرمات اللحوم  وأساليب الاعتقال العشوائي للمواطن العراقي ! وأساليب تعذيبه  التي فاقت الحدود والتصوّرات  ( آنذاك ! ) كما سعت  لترويجها  وسائل إعلام  المغرضين للزيادة  في شيطنة البعث  أمام الشعب العراقي  والشعب العربي ! ..

 

حملة التشويه  تلك , والتي  غزت بيوت الكثير من العراقيين  كان هدفها واضح  بكل تأكيد  , هو طمس معالم البعث  وإلى الأبد !  حتى  لا تقوم  لحزب البعث  قائمة  بين  حاضنته  الطبيعيّة  , الجماهير , كونه  حزب عروبي  آيل  للانتشار بسرعة  بين العرب  إضافة  لكونه يحمل فكراً نهضويّاً  نابع من بيئته  الطبيعيّة  وليس  حزباً  مستورداً  ,  إذ  , رغم أن  الأحزاب المستوردة  تحمل معاني وقيم إنسانيّة  عالية , إلاّ  أنها بالنتيجة  , ومهما كانت تحمل من عناوين  كبيرة في معاداة الجشع والرأسماليّة الشرهة  والاستعمار  بمختلف أشكاله , تبقى   بعيد  نفسيّاً  وفكريّاً آيديولوجيّاً , رغم تقارب خطوطها مع فكر البعث  في بعض منها ,  عن  البيئة والموروث الذي تربّت على أساس قيمها  الإنسانية  المجتمعات العربيّة  بشكل خاص والمجتمعات الشرقيّة  بوجه  عام , كما هو معروف ,  لذلك  كانت  تعتبر تلك الهجمات الدعائيّة ضد البعث   بمثابة أولى مراحل الاجتثاث  التي تعرّض لها  هذا  الحزب  العظيم  وهو بعد  لم يحرّك  رجليه أو يفتح  فمه ! , حورب  في تلك  الحقبة  , في الغالب , على  أساس  "النيّات"  فقط !  , لذلك ..  وهنا  مقصد  هذا المقال ... فإنّنا  , لو تذكّرنا  الأيّام  التي  رافقت تفجير ثورة البعث الثانية ,  ونعني بها بالطبع ثورة السابع عشر الثلاثين من تموز ,  وخاصّة في الشهرين الأوليين  بعد  تفجّرها , كانت  جهة التنفيذ أو التي تقف وراء هذه الثورة  شبه مجهولة  بالنسبة للمواطن العراقي  أوالعربي! , أيّ أن قصد إخفاء هويّة الثوّار  واضح ! , أي غير معلن عنها  ! , فلم  يعلن  قادة  الثورة آنذاك  عن هويّة الثورة وعن قادتها  وعن  الحزب الذي يقف خلفها , وكان الهدف  من ذلك  واضحاً , وقد تبين وضوحه  بعد أن أعلن عن نفسه البعث  كمفجّر للثورة , أي بعد شهرين تقريباً  من تفجير الثورة ! أي بعد أن اتخذ  بعض الخطوات التطمينيّة التي تثبت بعكس ما مورس ضدّه من حملات التشويه !  لنعرف  الآن , وفي هذه الظروف التي  يمرّ بها البعث والعراق والأمّة , بالنظر لتشابه الغاية وما يحيطها  !  عن عمق مراحل التشويه والشيطنة التي  نالت أو حاولت  أن تنال من سمعة البعث  آنذاك وحاولت أن  تنال من توجّهاته الأخلاقيّة   "المنفّرة"  التي عملت الدوائر المرتبطة بالغرب الاستعماري  على  وصمه  بها , فجاء التريّث  في إعلان الجهة المنفّذة للثورة آنذاك , وجاء التعريف بهويّة المنفّذين , التدريجي , بمثابة  امتصاص للقلق الذي ساور  الشعب العراقي والشعب العربي والشكوك والتوجّس والخيفة  التي رافقت  فئات  وشرائح  هذه المجتمعات وهي تتعرّف شيئاً  فشيئاً  عن هويّة المنفّذين الثوّار !  والتي دفع نفسه  الحزب  بذكاء  شديد  نحو التأقلم مع حاضنته الاجتماعيّة من خلال  بعض الإنجازات  المهمّة  , كان شعاره  المعروف  ( الثورة البيضاء )  البوّابة التي استطاع البعث  من خلالها  تمرير  تلك المنجزات البسيطة في بادئ الأمر , والتي توّجت بأهمّها على الإطلاق  من  خلال إعدام الجواسيس والخونة "عزرا ناجي زلخا وغيره" بعد محاكمتهم بالتجسّس لصلح الكيان الصهيوني ودول الأطماع المجاورة ,  ومهّدت لمحو الأمّيّة الإجباري ومهّدت لتأسيس  اللبنات الأولى  لفرق  "الجيش الشعبي"  ومهّدت  لمعسكرات العمل الشعبي في أبي منيصير وغيره ومهّدت للانقلاب الاقتصادي  الكوني  بقرار التأميم الخالد  كمرحلة أولى  نحو الشروع  للقفز بالعراق إلى دول الريادة العالميّة في جميع المضامير ,  إذاً  فقد استخدم  حزب البعث  ما نستطيع  تسميتها  بستراتيجيّة  "الحِلم"  الطويل  في معالجة ما استوطن  في وعي الجماهير , إي إخضاعها بالحقائق  لعمليّة  غسيل  من تزوير وتشويه  ألحق بها زوراً وبهتاناً  بحق البعث ,  ومن ثمّ ضخ البديل  ( عمليّاً  )  في ضميره  وبما  يخلق فيه حالة من  الضراوة  والاستماته  في الدفاع عن المنجزات الحقيقيّة التي لامسها فيه  البعث في نهاية الأمر   بعيداً عن الشعارات والوعود بجنان الله في الأرض وبالديمقراطية  وبالأمان وبالتقدم  وباليابان  وبألمانيا  وبدبي !  من هذه المسكّنات التي يحاول  بها  مجرموا العمليّة الخضراء والعمليّة السياسية والعمليّة الكهربائيّة والعمليّة البرّمائيّة التي بشّر  بها  بوش الأرعن الكذاب  المخلوع  وبشّر بها  قروده  وصدّق بهم  اليائسون ! ...

 

الآن ! .. يعيد البعث العظيم  إستراتيجيّة  عمليّة  ( الحِلم )  في  استقبال   مرحلة الحواسم  بكل تفاصيلها  , ولكن  ظرف الاستقبال هذه  المرّة سيكون  بحلْم أوسع  بكثير  من  حلم  الفترة   التي  استوعب فيها الحزب  مخلّفات تشويهه والتشويش التي مورست ضدّه  بعد الردّة التشرينيّة  وقلبها  لصالحه  بعد الأشهر الأولى لثورة السابع عشر الثلاثين من تمّوز,  فهذه  المرحلة التي نعيش الآن  شديدة جدّاً  لمن أراد استقراء ملامح  العراق  بكلّه  على ضوئها , فجاء الحِلم  هذه المرّة بما يلائم  المواجهة الأعظم عبر التاريخ البشري , حلم يناسب النيابة التي أسبغها البعث على نفسه  لكي يقاوم الطاغوت الأعظم  على مرّ العصور  نيابة عن أمّة العرب جميعاً , كما أعلن هذا  الطاغوت  بدوره عن نفسه  بمحاربة  عراق البعث نيابة عن محاربة جميع قوى التحرّر في الوطن العربي , لذلك , فقد  وضع البعث في حسبانه  أن  تكون مقاومة الغزاة ومقارعة  قائدهم  القطب الأوحد  غير واضحة معالم هويّة قادة المقاومة  في بداية سنوات المقاومة الأولى , سوى بتلميحات طفيفة , حرصاً من قادة العراق الشرعيين , ونتيجة تجارب مضنية ومتراكمة  , وتفهّماً عميقاً  منه ومدروساً  لكمّيّة التشويه  الهائلة التي الحقها العدوّ به أمام  شعبه  وبقيّة الشعوب العرابية والعالم  طيلة  عقدين من الزمان وأكثر,  خاصّة بما يمتلكه  هذا العدوّ الغازي  المتجبّر  بأعظم جبروت بشري  عرفه التأريخ من آلة إعلاميّة طاحنة  جعلت الشيطان في أذهان  شعوب العالم وفي وعيهم أكثر رحمة بكثير من البعث ومن صدّام ومن شعب العراق !  كيف لا وبلير  دجّل بها صراحة وصلت به  إلى  إدخال الروع في مواطنيه والعالم أن العراق  قادر على  تدمير بريطانيا وأوروبا والعالم  خلال  خمسة وأربعين دقيقة ! والعالم  صدّقه ! ... العرب أيضاً  صدّقوه ! , أقصد الكثير منهم  ,  لذلك , مرقت جيوش الغزو من بين  حارات وشوارع الشعوب العربيّة باتّجاه  حدود العراق  كالزبد  في زردوم الجائع !  من دون  تظاهرة  ضدّ قوّات الغزو ولو  واحدة ! , بل إن التظاهرات التي رافقت أوّل أيّام الغزو  كانت  من تدبير   سلطات "الاعتدال" !التي في أحدى أقطارها  حبست هتافات طلاّب  "الأزهر"  فيها داخل زنازينه  تصرخ  كالحيوانات ! ....  الجميع  كان يبحث  عن الجهات التي تقف وراء  تفجير المقاومة العراقيّة , ويطالبها  "البعض"  بالإعلان عن  هويّة قادتها ! , وقد مورست هذه الضغوطات  وتصدّرت وسائل الإعلام الصهيونيّة  بكافّة منافذها  طيلة السنوات الأولى من الغزو , والمقاومون كانوا حينها ينزلون الضربات الماحقة والمدمّرة لجهد العدو  جعلته   يرفس في مهجعه وتمرق  عرباته وآليّاته  بين شوارع بغداد والعراق  بسرعات جاوزت في بعضها  المئتي كيلو متر في الساعة  هرباً من صولات ومن مفخّخات  أسود الرافدين ! ,  لذلك وصمتها هذه الأجهزة الإعلاميّة في بادئ الأمر    بالثارات  وبالعداوات  وبالأناس الذين فقدوا وظائفهم ! وفقدوا  مراكزهم ومناصبهم  وبالإرهاب  وبالقاعدة  وبأبو مصعب وأبو  قتيبة  وبالانتحاريين  وباليائسين... الخ  من  توصيفات  استغلّت  خلوّ المشهد المقاوم من جهات تعلن  صراحةً  قيادتها  له وهي  بهذا المستوى العالي جدّاً  من الكفاءة القتاليّة التي أريد  لها  مسبقاً  أن تكون  بمستوى  جيوش كبرى  عدّة  تكون القوّة الأعظم  تأريخياً  هي التي تقودها ! , وكانت الإستراتيجيّة القياديّة التي استوعبت  فيها الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة  من الدهاء ومن الحكمة ومن الحيطة  بمكان  نظراً للنفس الطويل في التصبّر بالحلم  الطويل  لغاية  انكشاف الزيف  على الرأي العراقي والعربي والعالمي وتنفضح أمامه  أهداف وكذب ودجل  قادة أميركا وما ألصقوه بقادة العراق الشرعيين من تهم  كاذبة , وعندما يأكل هذا العدوّ الغازي نفسه  بنفسه ! , وفعلاً , فقد  فهم  وتفهّم العراقيّون واستوعبوا جيّداً  , ومن وقت مبكّر , النعيم الذي كانوا عليه  قبل الغزو ,  قياساً لبشائر التدمير والقتل الجماعي  والتدمير الاجتماعي الشامل  التي بشّر بها المحتلّ  وأعوانه شعب العراق ! , وكانت أولى الانتصارات في الاستيعاب  في  "بيضاء الحواسم" إن جاز لي تسميتها هكذا , ما  شجّع البعث  لأن  يعلنها تدريجيّاً ومع مرور الأيّام والشهور والسنين بأنّه قائد الجمع المؤمن  وطنيّاً وقوميّاً وإسلاميّاً   نحو  غد مشرق  بانتصارات  عظيمة  ستكون قوى التحرير بكافّة انتماءاتها  هي من سيقود العراق المحرّر العظيم  بإذن الله .... وقد  استوعب  كل هذا  شعب العراق العظيم  وازداد  حبّه  لقائده الشهيد ولعظمة  قيادته  التي قادت العراق  لأن يكون الدولة الكثر أمناً وأماناً من بين جميع دول العالم  , كما  واستوعبته الشعوب العربيّة والإنسانيّة  , فازداد إقبال الشعب العراقي  والشعوب العربيّة على الانتماء لهذا الحزب العظيم   بعدما  رأوا عظمة قائده   وعظمة  من اختارهم القائد  لقيادة العراق  خمس وثلاثين عاماً  لم يشهد لها العراق مثيلاً  طيلة قرون طويلة ....