متى يتم التطبيع الفضائي العربي مع فضاء المقاومة العراقيّة الواسع

﴿ الحلقة الثالثة

 
 

شبكة المنصور

طلال الصالحي

أربعة آلاف ,  ونصف الألف , هي أعداد  قتلى الجيش  الأميركي من العسكريين الميدانيين , أي "خسائرهم المنظورة من الجنود"  بحسب  بيانات الجيش الأميركي  نفسه  التي تعتمد التضليل منهجاً  وممارسة , كما هو معروف , وباعتراف ساستهم  أيضاً  , ومن هي الجهات التي  تقع على عاتقها مسئوليّة  التعتيم  المستمرّ ؟  "إنّها الفضائيّات العربيّة  بالطبع !"  وأعداد  قاربت المليون جندي أميركي  بين جريح  وهارب ومعوّق ومجنون ومنتحر ومفقود  ولاجئ  أنهكت  هيكليّة الجيش الأعظم عدّة وعدداً  وتطوّراً  تكنولوجيّاً  وسوقيّاً  لوجستيّاً  في العالم ,  وقهقرته  وجعلته  لا يقوى على تعبئة حشد عسكري واحد ضد أيّة دولة  صغيرة  , حتى ولو كانت  بحجم  "بروناي"  إذا ما تعرّضت فيها  مصالحها للخطر! ,  ولكن  مع كل  ذلك  , ومع  التسرّب  ( المتعمّد )  للأرقام الحقيقيّة لأعداد  القتلى  الأميركان  , كممهّد مسبق  لكبح جماح الفضيحة ,  لو حدثت ! , والتي تناول تلك الأرقام  مؤسّسات  عسكريّة  ومدنيّة  شبه رسميّة وتداولتها  ,  ومؤسّسات ومواقع  مشهورة بمصداقيّتها , ولا نريد أن نستعرض أسمائها هنا ,  لكثرتها , ولأنها تكرّر ذكرها كثيراً , والتي ركّزت على رقم ( 73 ألف  قتيل )  من الجنود الأميركان , لغاية نهاية عام   2007 م ! وهو مع ذلك ,  يعتبر ,  وبتقديرات  قادة المقاومة العراقيّة , رقماً متواضعاً  لا يصمد  أمام  الحقيقة  فيما  لو عُرضت ! وتم ذكر ذلك في أكثر من مناسبة تسمح الظروف  لقائد مقاوم  أن يطل  وفقها على وسائل الإعلام المختلفة  , تلك  عدا  أعداد  الجرحى   ( 600 ألف جريح ومعوّق )  حتّى نهاية  عام 2007 م أيضاً ! بحسب  موقع  "دوريّة العراق"  التي نقلت الخبر عن  مصدر في الجيش الأميركي, صرّح به , في شطحة  اعتراف  راح ضحيّتها  وزير الجيش الأميركي ,  بعد فضيحة  العشرين ألف  جريح أميركي يرقدون من دون عناية في مستشفى فلوريدا وحدها !  ...

 

كل هذه الأعداد من الخسائر البشريّة باتت , وكأنها أرقام  لا تعني  شيئاً للإعلام  الفضائي  "العربي !" ولا يثيره أمر حجمها  , فلا محللين  يتابعون  هذه الظاهرة ولا  تعقيبات  ولا نشر ما تعرضه وسائل الإعلام الغربيّة  حتّى  ,  ولا  بحجّة  استطلاع  لآراء المواطنين  بالهاتف , أو بحجّة ما  تقتنصه  من بين الملفّات السريّة الغير مسموحة  العرض مثلاً  ! , كل العالم  من الممكن أن يُسمح له , بشكل أو بآخر , حتى من باب التنفيس أن يعرض ما  يرغب أن يعرضه البنتاغون  بحيله المخاتلة  ؛ إلاّ الإعلام العربي ,  فممنوع عليه  ذلك !  ...


هذا التطوّر التقني والمهني الذي تمتلكه  البعض من الفضائيّات العربيّة  المعروفة ,  ليس  اجتهاد  مسئول  قطر عربي قرّر  أن  ترى عيناه  العالم بشكل أوسع أو لخدمة المصالح الإستراتيجيّة العربيّة  الإعلاميّة المشتركة لمواجهة الإعلام الغربي المضاد ! فعملت  وسعت  ذاته  الكريمة على إنشاء  مثل هذه القنوات التي تفوّقت على  أفضل القنوات الغربيّة  إن لم  تكن قد تفوّقت عليها جميعاً  ! ,  ولكن  , سواء من حيث  الإمكانيّات المادّيّة ,  أو في مستوى  الشهرة العالميّة  الواسعة , فمن غير  المنطقي  إطلاقاً  أن يحدث مثل هذا الأمر! , إعلام  متطوّر  وسط العرب ! فيا ويلتاه  عليكم  يا بني صهيون من شرٍّ قد اقترب !, ويمكننا أن ندرك  باستحالة  حدوث  مثل هذا  الأمر  , هو  إذا ما قارنّا  بين  سطوة هذه الفضائيّات البالغة الثراء , إعلاميّاً  ومادّيّاً  , والتي تعادل  , نفسها ميزانيّات بعض الأقطار العربيّة لا تمتلك  ولا ربعها ! , وبين  طبيعة الواقع العربي الذي لا  تتوازن  إمكانيّاته التعبوية لمثل هذا الحشد بالمطلق , لا فكريّاً ولا بنيويّاً  ولا معنويّاً , ممّا يؤشّر بسهولة  إلى الشك والريبة  والغموض  "والذي أنكشف  أمره  الآن"  في الأسباب  التي دعت  من يعنيهم الأمر  لخلق مثل هذه الظاهرة  الإعلامية الغير طبيعيّة  والغير متوازنة  مع الحاجات الفعليّة  العربيّة الحقيقيّة   للنهوض   ,  ولكن هل  نحن محتاجون  لإعلام  ناجح  يخترق العدو "ذلك إذا كنّا دول مستقلّة فعلاً"  نقول ؛  نعم ,  محتاجون  لإعلام  متطوّر , ليس في ذلك  شك , ولكن بتوازن  معقول مع واقع الامكانيّات والمتطلّبات  وليس وفق ما يذكره المثل الشعبي العراقي الدارج  "مجدّي  وعليجته  قديفة !"  ...

 

فلربّما  هي  , أسباب  خلق هذه الفضائيّات ,  قد انكشفت  لدينا  أمرها  بشكل  لا يقبل  الشكّ ,الآن ,  وخاصّة  بعد  اتّضاح معالم   "مشروع القرن الأميركي"  الذي  لا بد  والحالة تلك  وأن تُهيّأ  له  الأرضيّة  المناسبة التي  "تساعد"  الشعوب المعنيّة , مسبقاً , على  تقبّل فكرة مرور  جيوش وبوارج  وطائرات  جنود الربّ وهي  تستعرض قوّتها من أمامها  "طبعاً  باستثناء  شعوب  السلفيّة والوهّابيّة  وبقيّة طوائف التقوى  والإيمان في الجزيرة والخليج العربي  التي هي أصلاً شعوبها  متطبّعة  ومنفتحة  على مثل هذه المشاهد  , منذ  سايكس ـ بيكو  ولغاية اليوم , ولربّما  أقدم !"  ولتسييغ  عمليّة هضم  رؤية  هذه المشاهد  من قبل شعوب القيادات التاريخيّة  العربيّة , كالشعوب العربيّة  الأكثر وعياً  وتأثيراً على مجريات التاريخ العالمي ,  شعوب سوريا ومصر والعراق والسودان  , وشعوب المغرب العربي , وشعب اليمن العظيم , وتمييعهم  باتجاه  هذا المستجدّ الجديد ,  لتسهيل تشكيل وعيهم صهيونيّاً  فيما بعد  تحت حجّة أهل الكتاب  أو أهل الذمّة !  أو أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان قد اشترى درعاً من يهودي !  "والتي سهّلت هذه وغيرها  تشكيل وعي إخوانهم في الجزيرة والخليج"   لتطبيع رؤية  مشاهد قطعات جيوش   بوش  الربّ ,  ولأدراك الصهيونيّة  ما لم  تستطع إدراكه  جيوش بريطانيا وفرنسا , عندما رمت بهم هذه الشعوب الحرّة إلى  قاع  مزابل  التاريخ ...

 

وهي بالتاكيد , هذه الفضائيّات , قد كان لها التأثير الكبير,  في معارك , كليم  الربّ  ,  في أفغانستان ! وهي   بالطبع , أيضاً , كان لها الدور البليغ , في ترويج   "القاعدة"  و"الدقلات والجقلمبات"  التي كان يمارسها أعضاء القاعدة , كحلقة  من ضمن حلقات  "التدريبات العسكريّة"   في براري  "تورا بورا"  بإشراف  المؤمن  حادي باب  منهاتن  "إبن لادن"  والعقل المفكّر  لتدمير أميركا  "الظواهري" ! ..

 

أو هي  ربّما , هذه الفضائيّات , أيضاً ,  نتاج اتفاقيّة  "أوسلو" ! , التي كان من ضمن بنودها  "التطبيع" ما بين  الشعوب العربيّة , من جهة , وما بين أشقّائهم  الأعزّاء , شعب الله المختار !  أما  وكيف  يتم التطبيع , أو كيف يتم التعرف  والتعارف  الشعبي العربي  على ملامح  وجوه  بيريز  ونتن ياهو  وباراك وشارون , أما  وكيف تمرّر خطاباتهم  واللقاءات الممهدة مسبقاً  لهم  ويستطيع  أن يشاهدها المواطن العربي ,  أما  وكيف السبيل  إلى كل ذلك والسبيل إلى برنامج التطويع  تحت مسمّى التطبيع  ؛ لابدّ  إذن , والحالة هذه ,  خلق  فضائيّة  غير منتمية , في ظاهرها ,  لأيّة جهة عربيّة  كانت "حرصاً من المؤتمرون العرب على عدم إفزاع أبنهم المواطن العربي والحرص  على  عدم  إرعابه بالظهور أمامه في الظلمة فجأةً!"   ولكنها  كانت  تلك القناة  تلمّح  إلى  "حمدان بن صكعان"  على أنّه , هو المموّل  لها , باعتباره من هواة التصوير الفوتوغرافي , منذ نعومة أظفاره , منذ  وهو لا زال في الروضة ,  بالإضافة  لهواياته الأخرى في جمع الطوابع  وصيد الفراشات والسباحة  والتعارف وسماع صوت المطربة فيروز , ويتعلّق شوقاً  لرؤية كل شيء ( عاجل )  وتتبع أخبار الصباح  أوّلاً  بأوّل  مع حرصه  أن تأتيه الأخبار  حارّة , تازة  , أحرّ من خبز الفرن !  , ولكن  ,  الأنكى من كلّ ذلك  , فإن هذه الفضائيّات  , إضافة لأعمالها المعتادة في تسويقها  الإجرامي  لألاعيب السفلة  الذين سبق وأن أطلق  عليهم  لقب  المعارضة  "العراقيّة"  والتي ساهمت حينها , تقودهم   التشكيل الإعلامي الأوّل  منها , أي "الجزيرة"  جميع  تشكيلات القنوات التي تشكّلت بعدها  بناء على  الإيذان  ببدء هجمة موجة  عاتية صفراء زامنت شدّتها  حصار العراق الغير مسبوق  بغرض شيطنة  سيّد  الشهداء  صدّام حسين ,  وشيطنة البعث العظيم , وشيطنة  إنجازات البعث العظيمة  بتوجيه إعلامي صهيوإعرابي ـ غربي  في عمليّة تمهيد  واضح  لغزو العراق كانت قد طبّعت عليه هذه القناة الفضائيّة الكثير من القنوات العربيّة الرسميّة  استمرّت  تعزف عليه أو تلمّح  له  مجتمعةً  طيلة أكثر من  14عاماً   ولا زالت !  ..

 

أو ربّما لتساهم هذه الفضائيّات  في  تسهيل عمليّات  القضم الصهيوني للمزيد من الأراضي  الفلسطينيّة  تحت تأثير الترهيب  والوعيد  بالثبور ,  من خلال  تعمّدها ,  في  استعراض  مجّاني للقوّة  الصهيونيّة , على حساب  دماء الشعب الفلسطيني  ,  التركيز فقط  على عروض الدمار التي تلحقها بالشعب الفلسطيني الأعزل  أسلحة الإرهاب  التي يمتلكها الكيان الصهيوني ! وذلك  بالضبط ما  فعلته  نفس هذه الفضائيّات , أثناء الغزو الأميركي للعراق , وبعد  سقوط الغزاة  في بغداد , ورأينا  كيف كانت  هذه الفضائيّات , وهي تتسابق  لعرض صور الدمار  والدماء  والأشلاء الممزّقة للجثث العراقيّة , والتعمّد  , مع سبق الإصرار , والترصّد , في إظهار الهلع والجزع  ونوبات الهستيريا  التي  ترافق عرض تلك  الصور للدمار ,  للنسوة العراقيّات وهنّ  يلطمن  ويندبن  ويُولْوِلْنَ حزناً  على  "أبنائهن"  الذين  "دفنهم"  صدّام حسين  في مقابر جماعيّة يرجع تأريخها  إلى  منذ أن اختطف أبا بكر الصدّيق  الخلافة من علي ابن أبي طالب ولغاية  الثورة الشعبانيّة المباركة , بقيادة , الداحي  العتيد , داحي باب كيسنجر ,  وداحي باب  طارق عزيز ,  عبد العزيز الحكيم !  , وكلّنا  أيضاً  لا زلنا  يتذكّر , ما قامت به هذه الفضائيّات  من أدوار خبيثة ,  أو لنكن دقيقين أكثر ,  "أغلب تلك  الفضائيّات"  في معارك , الفلّوجة الأولى والثانية ,  "بقيادة  الإعلامي المؤمن الصدوق  أبو لحية ورق  "السمبادة"  أحمد منصور  أبو غمزة"  والتي , مع كل ذلك ,  لم يسعف تلك الفضائيّات تلك العروض الدمويّة بالقدر الكافي التي كانت تأمله  منها عندما  قامت بإشهارها  بقصد  الإيذاء النفسي  بغية  اختراق البنية  المعنوية  للعراقي وتحطيمها  , ولم تبلغ المطلوب , وخاصّة في  معارك الفلّوجة  الأولى ,  بعد خسارة  الجيش الأميركي تلك الجولة  بالضربة القاضية  وبصورة مباشرة ,  فسارعت  , وعلى وقع  إيعاز  مركزي إعلامي عالمي  مفضوح ,  بنشر  صور فضائح أبو غريب  , مضحّية  أمام العالم  وبما  تبقّى  لدى  أميركا , وبالنيابة ,  من بقايا  لسمعة أخلاقيّة  للولايات المتّحدة الأميركيّة  كانت لحد تلك اللحظة  تمتلكها  "وهذه التضحية الفريدة من نوعها  , في التأريخ ,  ستجرّنا إلى تضحية "أقمج"  من هذه , ربّما سنعرض لمحات منها  مستقبلاً , كل ذلك  من أجل  التغطية على حجم تلك الخسارة  القاصمة التي كسرت  "الشاصي"  لمجمل  هيكليّة  القوّات الأميركيّة   وكسرت عمودها الفقري  الممتد  في عموم العراق ؛ في  دعاية رخيصة  أيضاً  توحي  بالإنذار  "لمن يهمّه الأمر"   بشراسة  الجندي الأميركي! وجرأته التي  ليست لها حدود ! ..

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاربعاء  / ٠٨ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٣ / حزيران / ٢٠٠٩ م