أن من غرائب الأمور أن
يتحول الفرس من ديكتاتوريين إلى غيره ، وهم منذ وجودهم على وجه هذه
الخليقة وهم يمثلون دولة القهر والاضطهاد ، والمتتبع للتاريخ يرى أن
المجتمع الفارسي قبل الإسلام كان مجتمعاً طبقياً يسيطر عليه كسرى الذي
ادعى أنه يستمد حكمه من الإله وأنه صاحب دم الهي ، وكل من تحت حكمه
جميعاً هم رهن إشارة هذا الابن المدلل ، فلا تفكير ولا اعتراض ، ما دام
في هذا رضا أصحاب الدم الإلهي .
وعندما ظهر دين الله تعالى على يد رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام
أرسل رسله جميعاً إلى الملوك الذين كانوا في زمانه ، فأرسل إلى كسرى
الذي كان جوابه تمزيق الرسالة فدعا عليه أفضل الصلاة والسلام أن يمزق
الله ملكه ، وانتشر صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في البلاد
ينشرون هذا الدين ويخرجون الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب الأرباب
، ووقف الفرس أبناء الإله بوجوههم ، واستمر صراع بينهم وبين الحق إلا
أن تمكن الصحابة – رضي الله عنهم – من القضاء على كسرى وإخضاعهم لحكم
الإسلام وتم سبي بناته وأخذهم أسرى إلى المدينة المنورة ، وذلك في عهد
الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر ، وهذا يوضح لنا جلياً لماذا يلعن أبا
بكر ويسب عمر – رضي الله عنهم جميعاً – من قبلهم ، ويوضح كذلك قولهم
بردة الصحابة جميعاً بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – !! .
ولأن كسرى لم يرزق بولد ذكر فإنه في عقيدة فارس ينتقل الدم الإلهي إلى
كبرى بناته ، وكانت البنت الكبرى من نصيب الحسين زوجه إياها الخليفة
الراشد عمر بن الخطاب ، وهذا يفسر لنا بجلاء فكرة انتقال الدم الإلهي
فيما سمي بالعقيدة التي تقول بفكرة الأئمة المعصومين – أو بعبارة أخرى
أولاد الإله – الذين وصفهم الخميني بقوله : (( أن للإمام مقاما
محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات
هذا الكون . وإن من ضرورات مذهبنا أن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب
ولا نبي مرسل )) " الحكومة الإسلامية ص 25 ط القاهرة 1979 " ، وقد أورد
كلينهم في الكافي باباً بعنوان : (( أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون
وأنه لا يخفى عليهم شيء )) ، وغيرها الكثير مما ورد في حقهم من صفات
وأساطير ، أليست فعلاً هذه الأوصاف هي نفسها صفات أولاد الإله
الكسرويون !؟ .
وبعد أن ادعوا العصمة للائمة زعموا أن الإمام الثاني عشر قد غاب في
السرداب ، فاختفت الأئمة المعصومين ونقلت الولاية إلى نائبه ليعود
الأمر من جديد إلى فرس ، وأعطوه العصمة التي أعطوها للائمة وهو ما عرف
في عقيدتهم باسم ولاية الفقيه التي يدين بها الرافضة في العالم اجمع ،
ومعناها طاعة ولي الأمر وهو الآن ( علي الخامنئي ) ثم من بعده إلى زمن
ظهور مهدي الشيعة طاعة مطلقة ، دون اعتراض عليه فيما أمر ونهى ، ولا
يجوز رد حكم الولي الفقيه أو الجدال فيه !! ويسمى الولي الفقيه بالمرشد
الأعلى للثورة الإسلامية في إيران ، أو نائب صاحب الزمان ، وتعد ولاية
الفقيه المنصب السياسي الأول للشيعة في العالم كله .
وقد وضح حسن نصر الله هذا المفهوم بقوله : (( الفقيه هو ولي الأمر زمن
الغيبة ، وحدود مسئوليته اكبر واخطر من كل الناس ، نحن ملزمون بإتباع
الولي الفقيه ولا يجوز مخالفته فـ ( ولاية الفقيه ) كولاية النبي صلى
الله واله والإمام المعصوم ، وولاية النبي والإمام المعصوم واجبة ،
لذلك فإن ( ولاية الفقيه ) واجبة ، والذي يرد على الولي الفقيه حكمه ،
فإنه يرد على الله وعلى أهل البيت ( ع ) )) من كتاب الإسلاميون في
مجتمع متعدد للدكتور مسعود الهي ص 322 ، فهل من يحمل هكذا عقيدة يمكن
أن يكون غير ديكتاتور !؟ .
وبقيت هذه الفرقة الخبيثة وراء كل فتنة كانت تلم باركان الدولة
الإسلامية ، فما من مصيبة إلا وورائها هذه الفرقة الحاقدة على الإسلام
بدأ ً بالفتن التي أفضت إلى قتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان –
رضي الله عنه – ومن ثم تخاذلهم عن نصرة حق الخليفة الراشد علي بن أبي
طالب – رضي الله عنه – الذي ملهم وسئمهم كما جاء هذا في كتابه نهج
البلاغة : " استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، وأسمعتكم فلم تسمعوا ،
ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ... لوددت
والله أن معاوية صارفتي بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم
وأعطاني رجلاً منهم " نهج البلاغة ص 224 ، ونقضهم الميثاق الذي أخذوه
على أنفسهم لنصرة حفيد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتركوه يموت
شهيداً وحيداً هو ونفر قليل من آل بيت رسول الله على يد جيش الفاسق
الفاجر ابن مرجانه ، ودعا عليهم الحسين رضي الله عنه بعد أن خذلوه
وأصبحوا في جيش ابن مرجانة : " اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً
واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً ، فإنهم دعونا
لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا " ، ومروراً بسقوط بغداد على يد التتار
ومساعدتهم في قتل خليفة الإسلام واستباحة دماء المسلمين ، ولا زال
تآمرهم قائماً – وسيبقى إلى يوم القيامة – فما ارتكبوه من جرائم على يد
حزب أمل وحزب الله بحق الفلسطينيين وأهل السنة ، ومساعدتهم قوات
الاحتلال في دخول العراق وأفغانستان ، وما جرى في البقيع والبحرين ،
ومحاولتهم العبث بأمن اليمن لهو اكبر دليل على شرور هؤلاء المفسدون في
الأرض .
وما يجري الآن في إيران من
مهازل تدعى انتخابات ، فهي ليست سوى مسرحية تحاول من خلالها أن تغير
قشورها من أجل تغير النظرة الديكتاتورية والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من
عقيدة أبناء الإله ، ومن أجل خداع الكثير من العرب الذين يعيشون تحت ظل
أنظمة فاشية قمعية ، وأما في الحقيقة فإن الأمور والسياسة الإيرانية
مرتبطة بيد الكسروي خامنئي ولي الفقيه – ابن الإله – الذي يتحكم بأمور
الدولة صغيرها وكبيرها ، وما منصب الرئاسة إلا منصب سياسي وسياسي فقط
لا أكثر ولا اقل ، حاله في هذا حال الخليفة العباسي الذي كان مجرد منصب
لدى سيطرة البويهيين على بغداد فالكلمة والأمر كان بيدهم ، وللخليفة
الاسم فقط ولم يكن له من الملك إلا الكرسي الذي يجلس عليه .
ورغم كل هذا التبجح بالحرية والشفافية فإن الديكتاتور " كسرخامنئي " لم
يفلح في تغيير طبيعته ، وتم التلاعب في الانتخابات وإخراج من يريد
رغماً عن إرادة الشعب الإيراني الساعي للتحرر من قبضة هذا الكسرى ، وتم
له اختيار الرئيس الذي يريد لكي يتابع ما هم شارعون في تحقيقه من نشر
ولاية الفقيه والقول بعصمة الأئمة وسب صحابة رسول الله في البلاد
الإسلامية جميعها .
ولكن الذي يبشر بنذر خير
هو موقف المرشح الموسوي وجموعه التي خرجت منددة بهذا التزوير ومعترضة
على نتائج هذه المهازل ومطالبة بإلغائها ، وليؤكد أن هناك شريحة كبيرة
من الشعب الإيراني رافضة لهذه الولاية التي لم تجر تصرفاتها وحماقاتها
إلا مزيداً من الكره والمقت للإيرانيين من قبل الشعوب الإسلامية ، وأن
هذه العقيدة غير مرغوب بها بين طيف كبير من الشعب الإيراني ، وليس أدل
من هذا سوى الشعارات واللافتات التي يحملها هؤلاء الغاضبون " الموت
للديكتاتورية ، والموت للديكتاتوريون " ، فهل ستستطيع هذه الجموع
الغاضبة أن تزيل من الأذهان الصورة المقيتة التي طبعت في الأذهان عن
هؤلاء المفسدون في الأرض ، أم أن قدر الشعب الإيراني أن يبقى مدى حياته
مطية لهؤلاء الكسرويون أولاد الإله !؟ . |