الموت للدكتاتورية

 
 
 

شبكة المنصور

احمد النعيمي

أن من غرائب الأمور أن يتحول الفرس من ديكتاتوريين إلى غيره ، وهم منذ وجودهم على وجه هذه الخليقة وهم يمثلون دولة القهر والاضطهاد ، والمتتبع للتاريخ يرى أن المجتمع الفارسي قبل الإسلام كان مجتمعاً طبقياً يسيطر عليه كسرى الذي ادعى أنه يستمد حكمه من الإله وأنه صاحب دم الهي ، وكل من تحت حكمه جميعاً هم رهن إشارة هذا الابن المدلل ، فلا تفكير ولا اعتراض ، ما دام في هذا رضا أصحاب الدم الإلهي .


وعندما ظهر دين الله تعالى على يد رسوله محمد عليه أفضل الصلاة والسلام أرسل رسله جميعاً إلى الملوك الذين كانوا في زمانه ، فأرسل إلى كسرى الذي كان جوابه تمزيق الرسالة فدعا عليه أفضل الصلاة والسلام أن يمزق الله ملكه ، وانتشر صحابة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في البلاد ينشرون هذا الدين ويخرجون الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب الأرباب ، ووقف الفرس أبناء الإله بوجوههم ، واستمر صراع بينهم وبين الحق إلا أن تمكن الصحابة – رضي الله عنهم – من القضاء على كسرى وإخضاعهم لحكم الإسلام وتم سبي بناته وأخذهم أسرى إلى المدينة المنورة ، وذلك في عهد الخليفتين الراشدين أبا بكر وعمر ، وهذا يوضح لنا جلياً لماذا يلعن أبا بكر ويسب عمر – رضي الله عنهم جميعاً – من قبلهم ، ويوضح كذلك قولهم بردة الصحابة جميعاً بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – !! .


ولأن كسرى لم يرزق بولد ذكر فإنه في عقيدة فارس ينتقل الدم الإلهي إلى كبرى بناته ، وكانت البنت الكبرى من نصيب الحسين زوجه إياها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ، وهذا يفسر لنا بجلاء فكرة انتقال الدم الإلهي فيما سمي بالعقيدة التي تقول بفكرة الأئمة المعصومين – أو بعبارة أخرى أولاد الإله – الذين وصفهم الخميني بقوله : ((  أن للإمام مقاما محموداً ودرجة سامية وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون . وإن من ضرورات مذهبنا أن لائمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل )) " الحكومة الإسلامية ص 25 ط القاهرة 1979 " ، وقد أورد كلينهم في الكافي باباً بعنوان : (( أن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء )) ، وغيرها الكثير مما ورد في حقهم من صفات وأساطير ، أليست فعلاً هذه الأوصاف هي نفسها صفات أولاد الإله الكسرويون !؟ .


وبعد أن ادعوا العصمة للائمة زعموا أن الإمام الثاني عشر قد غاب في السرداب ، فاختفت الأئمة المعصومين ونقلت الولاية إلى نائبه ليعود الأمر من جديد إلى فرس ، وأعطوه العصمة التي أعطوها للائمة وهو ما عرف في عقيدتهم باسم ولاية الفقيه التي يدين بها الرافضة في العالم اجمع ، ومعناها طاعة ولي الأمر وهو الآن ( علي الخامنئي ) ثم من بعده إلى زمن ظهور مهدي الشيعة طاعة مطلقة ، دون اعتراض عليه فيما أمر ونهى ، ولا يجوز رد حكم الولي الفقيه أو الجدال فيه !! ويسمى الولي الفقيه بالمرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران ، أو نائب صاحب الزمان ، وتعد ولاية الفقيه المنصب السياسي الأول للشيعة في العالم كله .


وقد وضح حسن نصر الله هذا المفهوم بقوله : (( الفقيه هو ولي الأمر زمن الغيبة ، وحدود مسئوليته اكبر واخطر من كل الناس ، نحن ملزمون بإتباع الولي الفقيه ولا يجوز مخالفته فـ ( ولاية الفقيه ) كولاية النبي صلى الله واله  والإمام المعصوم ، وولاية النبي والإمام المعصوم واجبة ، لذلك فإن ( ولاية الفقيه ) واجبة ، والذي يرد على الولي الفقيه حكمه ، فإنه يرد على الله وعلى أهل البيت ( ع ) )) من كتاب الإسلاميون في مجتمع متعدد للدكتور مسعود الهي ص 322 ، فهل من يحمل هكذا عقيدة يمكن أن يكون غير ديكتاتور !؟ .

 
وبقيت هذه الفرقة الخبيثة وراء كل فتنة كانت تلم باركان الدولة الإسلامية ، فما من مصيبة إلا وورائها هذه الفرقة الحاقدة على الإسلام بدأ ً بالفتن التي أفضت إلى قتل الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان – رضي الله عنه – ومن ثم تخاذلهم عن نصرة حق الخليفة الراشد علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الذي ملهم وسئمهم كما جاء هذا في كتابه نهج البلاغة : " استنفرتكم للجهاد فلم تنفروا ، وأسمعتكم فلم تسمعوا ، ودعوتكم سراً وجهراً فلم تستجيبوا ، ونصحت لكم فلم تقبلوا ... لوددت والله أن معاوية صارفتي بكم صرف الدينار بالدرهم ، فأخذ مني عشرة منكم وأعطاني رجلاً منهم " نهج البلاغة ص 224 ، ونقضهم الميثاق الذي أخذوه على أنفسهم لنصرة حفيد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتركوه يموت شهيداً وحيداً هو ونفر قليل من آل بيت رسول الله على يد جيش الفاسق الفاجر ابن مرجانه ، ودعا عليهم الحسين رضي الله عنه بعد أن خذلوه وأصبحوا في جيش ابن مرجانة : " اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقاً واجعلهم طرائق قدداً ، ولا ترضي الولاة عنهم أبداً ، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا فقتلونا " ، ومروراً بسقوط بغداد على يد التتار ومساعدتهم في قتل خليفة الإسلام واستباحة دماء المسلمين ، ولا زال تآمرهم قائماً – وسيبقى إلى يوم القيامة – فما ارتكبوه من جرائم على يد حزب أمل وحزب الله بحق الفلسطينيين وأهل السنة ، ومساعدتهم قوات الاحتلال في دخول العراق وأفغانستان ، وما جرى في البقيع والبحرين ، ومحاولتهم العبث بأمن اليمن لهو اكبر دليل على شرور هؤلاء المفسدون في الأرض .

 

وما يجري الآن في إيران من مهازل تدعى انتخابات ، فهي ليست سوى مسرحية تحاول من خلالها أن تغير قشورها من أجل تغير النظرة الديكتاتورية والتي أصبحت جزءاً لا يتجزأ من عقيدة أبناء الإله ، ومن أجل خداع الكثير من العرب الذين يعيشون تحت ظل أنظمة فاشية قمعية ، وأما في الحقيقة فإن الأمور والسياسة الإيرانية مرتبطة بيد الكسروي خامنئي ولي الفقيه – ابن الإله – الذي يتحكم بأمور الدولة صغيرها وكبيرها ، وما منصب الرئاسة إلا منصب سياسي وسياسي فقط لا أكثر ولا اقل ، حاله في هذا حال الخليفة العباسي الذي كان مجرد منصب لدى سيطرة البويهيين على بغداد فالكلمة والأمر كان بيدهم ، وللخليفة الاسم فقط ولم يكن له من الملك إلا الكرسي الذي يجلس عليه .


ورغم كل هذا التبجح بالحرية والشفافية فإن الديكتاتور " كسرخامنئي " لم يفلح في تغيير طبيعته ، وتم التلاعب في الانتخابات وإخراج من يريد رغماً عن إرادة الشعب الإيراني الساعي للتحرر من قبضة هذا الكسرى ، وتم له اختيار الرئيس الذي يريد لكي يتابع ما هم شارعون في تحقيقه من نشر ولاية الفقيه والقول بعصمة الأئمة وسب صحابة رسول الله في البلاد الإسلامية جميعها .

 

ولكن الذي يبشر بنذر خير هو موقف المرشح الموسوي وجموعه التي خرجت منددة بهذا التزوير ومعترضة على نتائج هذه المهازل ومطالبة بإلغائها ، وليؤكد أن هناك شريحة كبيرة من الشعب الإيراني رافضة لهذه الولاية التي لم تجر تصرفاتها وحماقاتها إلا مزيداً من الكره والمقت للإيرانيين من قبل الشعوب الإسلامية ، وأن هذه العقيدة غير مرغوب بها بين طيف كبير من الشعب الإيراني ، وليس أدل من هذا سوى الشعارات واللافتات التي يحملها هؤلاء الغاضبون " الموت للديكتاتورية ، والموت للديكتاتوريون " ، فهل ستستطيع هذه الجموع الغاضبة أن تزيل من الأذهان الصورة المقيتة التي طبعت في الأذهان عن هؤلاء المفسدون في الأرض ، أم أن قدر الشعب الإيراني أن يبقى مدى حياته مطية لهؤلاء الكسرويون أولاد الإله !؟ .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٠ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٥ / حزيران / ٢٠٠٩ م