تأملات  / لكي لا تضيع ثورية المبادئ بين زحام الانفعالات

﴿ الجزء الثالث

 
 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي
ان انطلاقة شمس النهاروالتي تطارد بقايا عتمة الليل ,هي ذات الخطوات في ان يبداء الامل مرة اخرى وتنتعش النفوس وتطرد كل اشكال الاحباط والنكوص ,ولتجعل من الانتعاشة الجديدة حافزا للنزوع نحو الامام .والثورة ورجالها من الثوار هم ايظا مع اشراقات جديدة وعمل ثوري جديد ,والثوار الحقيقيون لا تموت في قلوبهم وضمائرهم وعقولهم مبأدئ الثورة,وهم يدركون ان في معاركهم جولات ومتعددة النتائج فقد تكون ايجابية وقد تكون سلبيةوهي عند الثوار الحقيقين سيان,فأن كانت سلبية فمنها يستخلصون التجربة وان كانت ايجابية فهي اضافة متقدمة لخطوات الثورة وعملا بالحكمة القائلة(ليس العيب في ان تسقط .. ولكن العار ان لا تستطيع النهوض), فقد تكون الثورة في مرحلة تطلب تغيرا مسلحا وحازما ,لكنه لا يمكن ان يكون قانونا ملزم للثوار في كل مراحل التغير,فالثورة هي التغير الحاد ولكن ليس باضرورة التغير العنيف,وبمعنى اخر ان الثوار يؤمنون بتغير الواقع الفاسد الغريب عن حقيقة الامة أو الشعب تغيرا جذريا ,واداة التغير لابد ان تكون مؤمنة ومصممة وجاهزة لفعل التغير,ولكن اسلوب التغير يرتبط بطبيعة المرحلة التاريخية التي تعيش فيه الثورة,اذن فعل التغير الجذري مرتبط عاموديا بالضرف الزماني وافقيا بالضرف المكاني(أي بواقع الثورة السياسي والاجتماعي والاقتصادي,وايظا بحجم و نوع التحديات وقوة تأثيرها على المتغيرات ),وهذا يحتم علينا ان نتفق على حقيقتين, الاول ان الثورية لا تعني بالضرورة استخدام العنف أو السلاح,وقد تكون في مراحل الاولى من الثورة أو في مرحلة من عمر الثورة أن تلجأء الثورة الى الحسم العسكري في بعض التحديات التي تواجهها ولكن بشرط ان لا تركن له وتعتبره وسيلتها الوحيدة , لان ذلك سيحصر الثورة في زاويا ضيقة ,بل حتى تقزم اهداف الثورة العظيمة والكبيرةالى احدى واجباتها الانية والمحددة وهو تصفية اعدائها بالقوة ,وان بقائها في هذه الاجواء سيتيح للكثير من الانتهازين والوصولين وخاصة من المهنين(عسكرين أوادارات أوعلماء),

 

والذين تتهئ لهم الفرصة بالاندفاع نحو الواجهة وركب الموجة, ولتنتقل في علاقتها بالثورة وقيادتها من مرحلة الاستشارةالى مرحلة المساهمة في اتخاذ القرارت ورسم سياسة الثورة,وانا اقول صحيح ان لضرورة احكام وقد تحتم مرحلة من مراحل الثورة الى اللجوء الى المهنين وحتى الحاجة لهم في رسم سياسة الثورة في مرحلة أو محطةزمنية من مراحل الثورة,ولكن لايجوز سحب ذلك وبنفس النظرة والتعامل والتصرف في بنية اداة الثورة(الحزب مثلا) ولان ذلك يعني  تمكن المهنية كفلسفة ومجموعات من احكام سيطرتها على الثورة,وخاصة أذا ما كان كسبها الى صفوف جماهير الثورة قائم على الحاجة لخدماتها المهنية وليس على اساس ايمانها وولائها للثورة ومبادئها,وهذا الامر الذي يوصل هذه الطبقة الطموحة الى تحقيق اغراضها الشخصية والمهنية وعلى حساب اهداف الثورة والتي هي قامت من اجلها. والحقيقة الثانية ان اعدأء الثورة ليس فقط خصوم سياسين أومتأمرين بل ان للثورة أعداء لا يقلون في خطورتهم عن العملاء والمتامرين ,ففقدان السيادة والفقر والبطالة وتدني الخدمات والفساد بانواعه والجرائم والنفس العشائري و المذهبي والطائفي وغيرها تساهم بنخر في هيكل الثورة ,

 

وايظا بفقدان ثقة الجماهير التي وضعت الامال وكل تطلعاتها نحو افعال الثورة وهذا عنصر اساسي لبقاء الثورة وديمومة استمرارها,لان قوةالثورة هي في جماهيرها,واذا ما غيرت الثورة من نوعية جماهيريتها و خاصةالتي ساندتها في الانطلاقة والمسيرة واذامااصبحت الثورة تسير بالتفاف مجموعة من المهنين فأنها تكون قد حكمت على حياتها بالنهاية,فهنالك معادلة دقيقة جدا, وهي ان أي تغيرفي قناعة او سلوكية أي مهنية وخاصة اذا ما سبقت المهنية في تكوين الشخصية وقبل الثوريةفهو امرصعب ومعقد في نفس الوقت وذلك  لان التخلي عن كل مظهرمن مظاهر الحياة المهنية ونسيان أي مظهر بيرقراطي الذي اكتسبته من الحياة المهنية والقبول بالعيش مع الجماهير الكادحة والتحسس بمعاناتها يستلزم تغيرا كبيرا في المفاهيم والمعتقدات وانها الحالة الوحيدة والمقبولةالتي يتم فيها قبول المهنينين في صفوف جماهيروبين ادوات الثورة,واما ان يسمح بالمهني بالانخراط في صفوف الجماهير وادوات الثورة وهو يحتفظ بكل امتيازات موقعه المهني وينقل تقاليد المهنة وبكل ما تحمله من بيروقراطيةومركزية مقيتة ويقبل به كما هو بين صفوف الثوار لضرورة واحدة الاستفادة منه و بما يمتلكه من خبرة مهنية وتمكنه ان يخدم الثورة بها!انه أمر صعب جدا وغير مقبول.

 

فالثورة لها مناخات لا يمكن استبدالها بمناخات اخرى والا سوف لا تكون ثورة, وفعلها له طعم لا يتذوقه ويحس به الا ثوارها فاذا ما تغيرت حوافز الثوار في النضال من حوافز نضالية همها الاساس تحقيق اهداف الجماهير وبكل صوفية المؤمن يكون الايمان بها و العمل من اجلها ,الى اجواء منهية تحرك اصحابها حوافز مادية وتبنى الاهداف على اسس المكاسب الشخصية و الفئوية الضيقة,واستطيع ان اقول انها حالة تسمم تصيب الثورات وتعود بالفائدة على اعدائها بالمجان البسيط ,وهذا ما فطنت له الكثير من التجارب الثورية .ولكي نخلص الى الحقيقة والتي تقي ثورتنا من هذا التسمم ,

 

انا استطيع ان اقول ان الثورة يحققها الثوار ويحافظ عليها الثوار وهم القادرون على تحقيق اهدافها ,لان تكوين المناضلين والثوار يتم في مناخات واجوء نضالية,وما يقول المفكر العربي الكبير ميشيل عفلق في التنظيم الانقلابي(هو ان التنظيم الانقلابي الذي نحتاجه ولم نبلغ بعد مستواه,يتطلب انقطاع افراد للعمل الحزبي انقطاعا, ليجعلوا العمل الحزبي الانقلابي شاغل حياتهم,منه يعيشون ويكسبون رزقهم,وفيه يضعون جميع امكانياتهم وكفاءاتهم وامالهم وطموحاهم.ويمثل هذا وحده,يمكن ان تنشا عند هولاء الافراد, خبرة قومية نضالية عميقة,نتيجة الاستمرارالطويل والدأب والممارسة و مواجهة المشاكل يوميا..)* تاما,

 

واما المهنية فيمكن للثورة ان تخلق من ثوارها مهنين ولكن ليس باسلوب المكافاة!بل بالاستحقاق لتادية الدوروالقدرة والرغبة في الامتهان, وهي مهمة جدا,أي ان نعمل على خلق المهنية الثورية وبتروي,يكون أكثرأمنا على مصير الثورة, وليس ان نوجدالثورية من الوسط المهني وبتسرع وذلك من خلال موقف أو مواقف نسجلها للمهنية أو من خلال اصطفاف للمهنية مع الثورة في مرحلة من حياة الثورة,انها خطوات تحتاج الى تدقيق ,لانها تشبه ايظا زرع جسم غريب في بدايته في كيان حي قائم على افعال وادوار تصل بعضها الى مستوى الادوار التأريخية المهمة والصعبة, وهذا لا يعني  في تقدير الثورة والثوارلايهما الاسبقية  للايمان أو للكفاءة ,بألتأكيد من المؤمن البسيط تستطيع الثورة خلق الكفأءة بترجيح اقوى من خلق الايمان من الكفاءة,وذلك لان احتمالية التلون والتضليل وباستخدام المهنية يكون أقوى واقدر مما هو ممكن في صفوف المناضلين المؤمنين,وايظا الانسحاب من الثورة والتبرءمن اخطائها أقدر واسهل . حمى الرب ثورتنا وثوارها منهم ... امين

 
 
*علاقة التنظيم بالعمل الانقلابي - في سبيل البعث 1950
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٦ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / تمــوز / ٢٠٠٩ م