تأملات  / لكي لا تضيع ثورية المبادئ بين زحام الانفعالات

﴿ الجزء الثاني

 
 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي
اذن في تناولنا لموضوعة الثورية لابد لنا ان نتفق في ان الثورية تعني التغير الشامل والجذري لواقع مرفوض لا يمثل حقيقة الامة الى اخر يقترب الى حقيقتها والى نظرتها للحياة الشاملة, وبادوات وبمنهجية علمية صحيحة ومستقاة من نفس الواقع ,وبادق وكما وصف  فيلسوف الامة ومؤسس البعث المرحوم ميشيل عفلق في موسوعته العربية الانسانية (في سبيل البعث) في موضوع الانقلابية فيقول((اننا نناضل ونكافح الاوضاع السياسية والاجتماعية الزائفة,الفاسدة,لا لمجرد ازالتها وتبديلها, بل ايظا لكي تعود للامة وحدتها في هذا النضال)* ويقول ايظا(فالانقلاب هومغالبة الحقيقة للواقع,لان للامة حقيقة رغم تخلفها ورغم تشوهها,وهذه الحقيقة تعلن عن نفسها مهما تكن سيطرة الواقع)*.


ان المفاهيم الثورية تأخذ شوطاً في تغلغلها الى الادراك في مساحات التوقعية والتحليلية ومن ثم الاستنتاجية حتى تصبح جزءا من القناعات العقلية ولتصل بعد ذلك الى مرحلة الايمان وفي حالات الغاء هذه المساحات يتحول الفعل الثوري الى فوضية وعبثيةفي الفكروالتجربة  بل حتى تخبطية في السلوك والتصرف.

 

ان المرور بمراحل انضاج الثورة مهمة جدا وفي نفس الوقت هي دقيقة ,وحالة الانضاج لا تقتصر على المرحلة التي تسبق الفعل الثوري ,بل وبكل تأكيد تشمل المراحل اللاحقة من الفعل والتغيرالثوري ,هي دقيقة جدا لانها ستحدد طريق الثورة وعلى هذا الطريق سيعتمد حجم و نوع الاختلافات و الانشقاقات في اداة الثورة,فان استمرت الثورة في نهجها المرسوم,فبالتأكيد سيكون اي اختلاف أو حتى خلاف خروجا عن مبادئ الثورة ولا يحسب اجتهادا أو انشقاقا بل وبحدية الثورة هو خيانة,ولكن اذاما بدءت الثورة تأخذ مسرات انحرافية ومهما كانت زاوية الانحرافات ومهما كانت المبررات لها ,فانها تعطي مظلة لبعض العالقين بقطار الثورة و المتسترين بظلال الحفاظ على هوية الثورة! ان يدعوا الى تجاذبات وتكتلات بمزاعم تقول بالمحافظة على نهج الثورة, ولكنها قد تكون لاغراض احداث تغيرات في مسيرة الثورة تتلائم ومع مصالحهم المتعددة.

 

ان المراحل اللاحقة من تحقيق التغير الثوري اخطر بكثير من الاعداد للتغير, ففي مرحلة الاعداد تسبت مشاعر الذات (الانا) وقد تختفي في سلوكيات الكثيرين ولكن بعد التغير وفي اجواء الانتصارات تتحفز كل المشاعر الشريرة في ظل اجواء ومناخات تساعد هذه الشرانق للتفقيس بافكار واجتهادات وسلوكيات تنم عن مركبات الشخصية وحواضن التكوين المعرفي أو الثقافي, سواء كانت في البيت أو في البيئة التي ظمت هذه الشخصيات,وحتى عند بعض الشخصيات القيادية في الثورة تظهر سلوكيات غريبة عن مبادئ الثورة وفلسفتها ولكنها طبيعية في تراكيب ناقصةفي الشخصيات.لان مرحلة الاعداد للثورة مثلا ساهمت دون أدنى شك في تقديم جرعات وحقن تخدير مسكنة للتكورالعشائري والمذهبي والقناعات الشخصية أو العقائدية وبأتجاهات مختلفة يمينية أو يسارية,وبعد الثورة تبدأء هذه النزعات بالتفتح والظهور, وحتى لا اظلم البعض انا أقول ايظا ان بعض الاجتهادات الايديولوجية ومتأثرة بظروف عربية ودولية تحاول ان تنزع بفكر الثورة الى التطرف اكثر من اصحاب الفكر انفسهم (عملا بمقولة ((هم ملكيون اكثر من الملك))!!).

 

مع إضافة قليل من المعقولية الملونة والتي أصبحت موضة اليوم وتصوغها المرحلة الجاهزة وأدواتها (كإتلاف) في التأثير و التأثرومن ثم تفرزها تلك المراحل مثل مشاريع الاستسلام والتقسيم والهيمنة والمناورات والاعتماد على الاقتصاد الآخرو نوع سياسة الاقتصاد ,والتي بمجموعها ستساهم في تحديد مسار الثورة. ومنها وبها تبداء ملامح وهوية الثورة وليكون الناتج هو الاجتهاد ومن ثم الاختلاف وليتطور الى الاختلافات وليتصاعد الى حدود الصراعات و تدخل الثورة لمرحلة تأكل الثورة رجالها ,والاصح تبداء الثورة بتحديد هويتها سواء مع مبادئ انطلاقتها ولتتهم من قبل البعض بالجمودية والتصلب ومن ثم التخلف ايظا,وليكون الحكم النهائي عليها بالانحراف .او بتغير بعض مبادئ الانطلاقة الاولى لتتماشى مع روح المرحلة ولتتكاء على ان مفهوم الثورة يكون صحيحا بقدر تفاعلها مع المتغيرات في واقعها الذي تعيشه ,وان حجم هذا التغير مع متطلبات الواقع يدل على قدرة الثورة على التكيف مع المناخات ,ايظا يعرضها لسهام اتهامها من قبل  البعض بالابتعاد عن نهجها في الانطلاقةو بالانحراف ايظا. وفي كلتا الحالتين والمناخين يبداء الانتهازيين والوصولين ممن التصقوا بالثورة وبحكم ظروف مرحلية الزمت قيادات الثورة على القبول بهم بين صفوف الثوار,بالظهورو اللعب بادورا مؤثرة في مسيرة الثورة وقد يترتب الوضع ويتعقد لان تتبلور الضروف باتجاه صعود هذه الزمر الى مواقع مؤثرة في قيادة الثورة,وبذلك تدخل الثورة بمرحلة تعيش امراضها(باعتبار ان الوصولية والانتهازية من امراض الثورة).

 

وتبداء هذه الامراض بخلق حضائن لها لتأمين استمرار اجيالها في الثورة ولتتغير الكثير من اهداف الثورة وتحت خلق العديد من المبررات ةتحت لافتات عقائدية أوضرورات مرحلية وبمسميات غريبة عن الثورة ونهجها وروحيتها وتندفع هذه المسميات والشعارات مثل الواقعية والعقلانية والسلام ,وذلك بلي بقضبان الاستسلام حقيقة اهداف الثورةوتتغير المسارات ,وتضيع الثورة وتبتعد عن حقيقتها وعن اهدافها التي من اجلهما قدمت التضحيات,وليصح القول انذاك بان الثورة قد سرقت من حاضنتها ( الفكرية والقيادية ),وأصبحت دولة ولتتحول ادواتها الثورية(الحزب مثلا)الى جزءمن مؤسسات الدولة سواء الامنية أوالرقابية(التي كانت ضرورة وقتية وملحة في بداية الثورة لينسحب بعدها الى دوره المهم والفعال بين الوسط الجماهيري),وبذلك يفقد لاهم خاصية انتزعها من عقول الجماهير هي قياديته لها,وانا اقول ليتحول من الخندق الجماهيري الى خندق المؤسساتي للدولة,وهي مرحلة خطرة جدا ففيها يتراجع المناضلون ويجبرون على الانكفاء على ما حولهم ويتقدم الانتهازيون ويتصدرون المرحلة ولتتبدل شعارات المرحلة من النضال والثورة الى مرحلة الاهتمام بالدولة وسياساتها و مؤسساتها وفيها تبتلع الدولة كوادر اداة الثورة من الحزب  ومناضليه ويحصل طوفان للافكار الانتهازية والوصولية وفي هذا الطوفان لا يستطيع مناضلوا الثورة ان يسبحوا في مياه دنسة بعيدة عن مبادئهم واهدافهم, فيتراجعوا وتكون سيادة الافكاروالسلوكيات الانتهازية ,وقد يصل الامر في بعض الاحيان الى ارهاب الثوار وبعصا المزايدات على الدولة وقياداتها,وهنا تفقد الثورة اهم اسرار ودعائم وجودها وهو وسطها الجماهيري,وتتقطع جذورها ويقف فيها عمل نسوغ حياتها مع تربتها وجذورها ويوم بعد يوم تذبل وتتيبس وامام أي ريح مسمومة وخفيفة يسقط هيكل الثورة ,ولكن يبقى الثوار محتفضين بالثورة في جوانح القلوب ,ومتأججة في العقول ومتأهبة للانطلاق في لحظة الانطلاقة الجديدة,ولكن بخطوات اكثر رسوخا ومستفيدين من تجاربهم في تجحفلهم مع نوعيات ارقى واصفى لكي تستمر الثورة في هذه المرة ولا تقف بعد ذلك ولا ببقاء اطول مع متطلبات المرحلة وبعيدين عن ميكافيلية الامير وعن عنف باكونين وملتصقين اكثر بمحمد(ص) والمسيح(ع) وملتزمين بالقادة المؤسسين للبعث الخالد ... امين

 
 
* في سبيل البعث - من معاني الانقلاب ( حديث القي في مكتب البعث العربي في حمص ) 1950 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٦ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / تمــوز / ٢٠٠٩ م