تأملات  / لكي لا تضيع ثورية المبادئ بين زحام الانفعالات

﴿ الجزء الاول

 
 

شبكة المنصور

سمير الجزراوي
ان التكوين المعرفي والصياغي لبعض الكتابات والخطابات بدءت تأخذ طابعا مربكا ومرتبكا في تناولها للمواضيع التي قد تعكس هوية المواقع التي تنشرها بل قد تتعدى في خطورتها في خلق انطباع للبعض من البسطاء بانها تعكس فلسفتها ورؤيتها للحاضروالمستقبل وحتى للماضي وبتجرد غير خال من حالة نقد مبطن مقصود أو غير مقصود للمفاهيم والمبادئ, وحتى ان كانت المواقع تؤكد بأنها غير معنية بالاراء والافكار المطروحة فيها.

 

واحدى هذه الخطابات المقلقة والتي تتأطر بالثورية ولكنها تسكب احماضا فكرية تحلل الكثير من المواقف الى عناصر منفردة ومجزئة في طريقة تناولها و ليستفيد منها اعداء الخطاب الثوري,بل يستغلون جهل هذه الكتابات أوالخطابات (عن قصد أو غير قصد)ليستغلوها لضرب والطعن بمنطق الحركات الثورية وخاصة الثورات الشاملة (الثورات المسلحة والتي يقودها فكر وستراتيجية ثورية مقتدرة).وقد يكون اصحاب هذه الكتابات أو الخطابات يسعون لبناءقواعد ثقافية وفكرية يعدونها بالترويج لها كمرحلة اولى ومن ثم يفجرونها بعد الانتهاء من بناء اعشاش لافكارهم ومنطلقاتهم,انا اقول اني مع تعددية الافكاروالمفاهيم والاحزاب التيارات سياسية أو اجتماعية , يمينية أو يسارية أو دينية ,متطرفة أو معتدلةكانت,لان في التعددية يظهر الصفاء والشفافية والوضوح في سماء الافكار,وتحرق حرارة شمس التحاور والتحاجج و النقاش كل الاحراش الفكرية المزيفة لتبقى النباتات المثمرة والدائمة في خضرتها وعطائها والتي تعطي لاصحاب الارض الخير والسعادة الحقيقية,ولكن ان نتحول الى بيئة أو وسط ناقل لافكار الغير في زحمة الاندفاعات والانفعالات,اعتقد ان الامر يحتاج الى تروي أذا لم يكن لوقفة لئلا يندفع البعض الى ركب الموجة ويكون الحال كما سأتطرق اليه لاحقا .

 

ولاننا نعيش في اجواء الثورة الشاملة بجسدها العملاق في المقاومة العربية وفي مقدمتها المقاومة العراقية البطلة وينير طريقها فكريمتد الى التاريخ العربي الاسلامي بجذوره وينتعش بحياة الحاضر ويبني لمستقبل يتوالف مع الانسانية في خطواتها لبناء انساني مشترك يتعايش فيه الكل ومع الكل,انه فكر البعث العظيم..

 

انا اقول اننا نحتاج وخاصة في هذا الوقت لحالة اهتمام وتوارد خواطر خارج الحدث ومراجعات نظرية بعيدة عن التداول والمواكبة والفاعلية القادرة على الإنتاج لتعطينا فرصة في التقويم واعادة ترتيب في الفكر والبيت التنظيمي وفي كلتا الفرصتين الممنوحتين نكون قد اعدنا النشاط والحيوية للفكر والفعل على حد سواء ولكن وبشروط مشروعة لاتتعدى قيمنا واخلاقنا, وغيرذلك يمكن للعقل والتصرف من ان يبلوران ويتبلوران في عمليات التطور والتقدم وبدون اشتراطات جديدة غير تلك التي تمس جوهرنا وذواتنا كأمة تعمل لبناء حضارتها الجديدة بأسس وقوائم حضاراتها السابقة,أي ان المراجعة التي تتسع وتسمح بإعادة قراءة التاريخ ورؤية  الحاضرالآن وبمنهجية من دون قطيعة معرفية مع الأمس لكن بتواصل وتأصيل واستمرارية التمازج مع النسيج التركيبي الفسيولوجي الحي للفكر التاريخي العربي وخطابه واتجاهاته الصحيحة والمنحرفة.انها  حالات متكررة من الإنعاش العضوي وامصال لديمومة هذا الفكر وتفاعل حيوي مع الافكار والايديولوجيات الاخرى ومهما كانت اهدافها أو نوايا الذين اعدوها وبدون اي انفعالية وردود افعال وخطوات تجنبية سواء خوفا أو ترهبا منها ومن اهدافها ,ولكن بتفاعل وبتقارب من عمقها وليس الاكتفاء بتفحص شواطئها فقط,بل بالتعمق وايظابإصرار منقطع النظير وهوس دائم وكبيرنحو المعرفة واكتشاف الاخرين والاستفادة مما عندهم وما خبروه في حياتهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولكن ليس بالاعتماد على اسلوب فقراء الفكر والتجربة بالاستيراد المعلب لمفاهيم وتجارب حلول لهم كانت نتيجة مخاض المعاناة والتجربة ولنا ستكون حلولا جاهزة تغييب فيها رائحة عرق معاناتنا ودم تضحياتنا ,وتكون تسطيح في ساحة فكرنا جاعلة حالة التفكير اغتراباً ومنفصلاً مع نفسنا العربية المنتجة لخطابنا وطريقة تفكيرنا والذي يطمح البعض ان يبقى رهينا للبحث واختيارالنصوص والاستطلاعات الغريبة ويجعل من خطاباتنا تأخذ احد المنحنين ولا خيار أو بديلا عنهما ,فاما خطابا ونصوصا حادة والى حد التطرف ولتكون مهيئة ان تدخل في مدرجة الثورية وبكل زيف لمفاهيم الثورية ,فتحرج الثوريين والمناضلين الاخرين في صياغة خطاباتهم ولون ومحتوى نصوصهم بحيث يضطر البعض منهم ولقلة وعيه لمعاني الثورية ان ينظم لهذا الجوق المزيف للثورية بدراية أو عن عدم دراية وكما اسلفنا في بداية موضوعنا هذا,ولكنهم في كل الاحوال والفوا بأدواتهم مع هذا الجوق في لحنهم النشازي الكذاب حول الثورية بل ساهموا في تدنيس هذه المقدسات النضالية.

 

والخيار أو البديل الاخرهو حالة الاستسلام التام (فكرا وتجربة) لمفاهيم وقيم غريبة عن مجتمعنا العربي و الاسلامي ,وذلك بسبب عقمهم الاستيعابي والادراكي لخصوبة فكرنا وازدحام ادراج الثقافة العربية بتجارب امة العرب الكثيرة والعديدة ,وميلهم لنحت  لاصنام مستورد وجعلها الهة و رموزا لنا, وتاريخنا العربي الاسلامي يزدحم في ساحاته الكثير من الرموز ويضيق سقفه بشموخ هذه الرموز.وامام هذا وذاك من الاتجاهين يقف الاصلاء من الامة وحقيقي الانتماء لها, يقفون امام هذين الانحرافين بالتأكيد على هوية الامة الفكرية وحقيقتها في العطاء الانساني,وليتبلور هذا الموقف التأريخي في تاريخ الامة المعاصر ليأخذ في الثلاثينات شكل الكتاب والخطاب المعبر عن هذا الموقف,فكانت كتابات فيلسوف الامة العربية الاستاذ ميشيل عفلق ورفاقه الابطال.

 

ومن ثم ليدخل هذا الفعل المؤثرفي نهاية العقد الرابع من القرن العشرين الى شكل اكثر تطور في التأثير في الحياة العربية ليرتقي وبسبب الضرورات التأريخية في حياة العرب الى تحوله لتنظيم ,وهكذا ولد البعث الخالد ولادة طبيعية وثورية وبكل ما تعنيه الثورية سواء كانت في الولادة أو في المسيرة.والثورية ستبقى واضحة بقدر تأثر الحركة أو الحزب بالواقع وبالمقابل استمرار تأثيرها به ,وبعيدا عن مفاهيم وسلوكيات التطويع والاخضاع والفرض على الانسان وتحت اي مبررأومسمى ,ولكن يمكن ان نتعامل مع هذه مضامين هذه المفردات بقدر تعلق الامر بالظرف الزماني و المكاني لحركة الوقع الذي نعيشه أو تعيشه الحركة أو الحزب.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ١٦ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٩ / تمــوز / ٢٠٠٩ م