كل الأصوات في البحرين ، إلا صوت سميرة رجب

 
 
 

شبكة المنصور

علي الصراف
القرار الذي أصدرته السلطات البحرينية بإيقاف صحيفة "أخبار الخليج"، ولو ليوم واحد، بسبب مقال للكاتبة المرموقة سميرة رجب، لا يشكل انتهاكا فاضحا للحريات، فهذا أمر مفروغ منه، ولكنه يكشف عن فقر سياسي مروع، ويخذل أدنى اعتبارات السيادة، ويهين كل عضو في مجلس الشورى، وفوق ذلك كله، فانه يقمع موقفا وطنيا ينتصر للبحرين لحساب إيران.


الإيقاف صدر، فيما يبدو، بسبب مقال كتبته رجب ينتقد السياسات الإيرانية وقياداتها.


ولكي يوضع هذا القرار في سياقه، وينكشف مدى ضعفه تجاه إيران، يتطلب الأمر ملاحظة جملة حقائق:


ـ إيران تشكل تهديدا صريحا لسيادة البحرين. مسؤولون إيرانيون كبار، وبينهم مستشارون لآية الله علي خامنئي، لا يكفون عن إطلاق تصريحات وكتابة مقالات تعتبر البحرين جزءا من إيران.


ـ تلك التهديدات والتصريحات كانت موضع مجادلات وتوترات دبلوماسية بين البلدين، ولكن لم يصدر من جرائها أي اعتذار إيراني صريح. وغالبا ما اكتفى المسؤولون الإيرانيون بالزعم أن هناك "سوء فهم"، (أي أننا لا نفهم).


ـ برغم كل الاحتجاجات البحرينية لم يحصل ولا لمرة واحدة أن قامت السلطات الإيرانية بإغلاق صحيفة إيرانية تطالب بفرض سيادة إيران على البحرين، ولا بمعاقبة كاتب أو مسؤول كتب أو قال كلاما يشكل انتهاكا للقيم والأعراف الدولية تجاه البحرين.


ـ التهديد الإيراني لسيادة البحرين ليس تهديدا خارجيا فقط. انه تهديد داخلي أيضا. إذ أن هناك جماعات شيعية توالي إيران أكثر مما توالي البحرين. وتتحرك هذه الجماعات في أوساط شعبية تعد "أغلبية عددية"، وهي تتحرك بإسم "الديمقراطية" لكي تنتهي بالحاق البحرين بإيران، وباسم "حقوق الإنسان" وهي تقصد "حقوق إيران".


ـ سميرة رجب ليست كاتبة كأي أحد. إنها كاتبة وطنية، ولكن شيعية أيضا. وتعد الشخصية الوطنية الأبرز في الأوساط الشيعية التي تقدم نموذجا للوطنية البحرينية، ونموذجا للانتماء لهذا البلد، والولاء لمؤسساته الدستورية.


ـ موقف رجب كجزء من موقف وطني أشمل يعد واحدا من أهم أعمدة الاستقرار الداخلي، بل وواحدا من أعمدة الشرعية التي تستند إليها المؤسسات الدستورية في تمثيلها لكل "مكونات" البحرين. وهو موقف يجر عليها وعلى بقية الوطنيين انتقادات الطائفيين الشيعة وتنديداتهم لأنهم، بسببه بالذات، يفتقرون الى المصداقية وينكشفون كشهود زور لصالح إيران.


ـ رجب عضو في مجلس الشورى في البحرين، بمعنى أنها تتمتع بحصانة من نوع سيادي، فوق حصانتها الوطنية والأخلاقية التي تجعلها صوتا من أصوات الدفاع عن وحدة وسيادة واستقلال البحرين. وإيقاف صحيفة بسبب مقال تكتبه رجب يمثل إهانة لتلك الحصانة، بل ولكل عضو في مجلس الشورى، ولمعناه كمؤسسة. وذلك فوق انه يمثل إهانة للوطنية ولكل المدافعين عن وحدة وسيادة واستقلال البحرين.


ثم أن إيقاف صحيفة مثل "أخبار الخليج" وهي الصحيفة الأولى في البحرين لا يهين الصحافة البحرينية برمتها ولكنه يهين تاريخها أيضا.


البحرين إذا كان لها احدٌ يدل على قيمتها كوطن نهائي لجميع مواطنيه، فأصوات مثل صوت سميرة رجب هو ذلك الأحد.
والبحرين إذا كان لها أن تقدم دليلا على وحدتها وتماسكها الوطني، فصحيفة مثل "أخبار الخليج" هي ذلك الدليل.


والبحرين إذا كان لها ان تفخر بإمرأة ككاتبة وسياسية وناشطة وطنية، فسميرة رجب واحدة من قلائل في البحرين.
ومن المثير لمشاعر القلق، بل من المروع بحق، أن يفرض الصمت على صوت كهذا.


ومن اجل مَنْ؟ أمن أجل إرضاء تهديد؟ أمن أجل الظهور بمظهر الضعيف حيال إيران؟


كان يمكن لكل الصحف في البحرين أن توقف، إلا "أخبار الخليج". كما كان يمكن لكل الأصوات في البحرين أن تصمت، إلا صوت سميرة رجب.


لا ضرر يمكنه أن يهين صورة البحرين في أعين وطنييها مثل الضرر الذي يلحقه إيقاف صحيفة مثل "أخبار الخليج" أو إسكات صوت مثل صوت سميرة رجب.


إيران تنام وتصحو على وقع أحلامها في الخليج والبحرين تحديدا، وليست هذه هي الطريقة الأمثل لمواجهتها. وحتى ولو حدث وأثارت إيران احتجاجا، لكان من قبيل "الرد بالمثل" القول انه "سوء فهم" (أي إنهم لا يفهمون). أما إظهار الضعف، فهذا مما لا يساعد في الدفاع عن سيادة واستقلال البحرين.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٧ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٢ / حزيران / ٢٠٠٩ م