مصلحتنا في تطرف إيران لا اعتدالها

 
 
 

شبكة المنصور

علي الصراف
لا شيء أكثر عدالة من القضية التي يتظاهر من اجلها آلاف الإيرانيين كل يوم. فمنذ الكشف عن نتائج الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 حزيران-يونيو الجاري، وضحايا الطغيان الذي يمثله نظام آية الله خامنئي يحاولون أن يكسبوا تضامن العالم.


ولكن يحسن النظر في بضعة عوامل مهمة، قبل إظهار التعاطف مع حركة "الإصلاحيين" الذين يناهضون أشقاءهم في النظام.


العامل الأول، هو أن "الإصلاحيين" الذين ينتفضون ضد استبداد "المتشددين" هم أبناء النظام الإسلامي نفسه؛ أبناء المؤسسة التي بناها أية الله خميني. ثمة اختلافات مهمة تميز بين الفريقين في ما يتعلق بأوجه إدارة النظام وحدود الحريات، إلا إنهما ينهلان من معين واحد. الإصلاحيون يسعون الى تحسين صورة النظام بمقدار أكبر من الانفتاح الداخلي والخارجي، لكي يطيلوا عمره، ويجعلوه نظاما يتلاءم أكثر مع متغيرات الحياة. والمتشددون يراهنون على تعزيز قوة النظام ويشعرون أنهم ليسوا بحاجة الى تقديم أي تنازلات اجتماعية أو سياسية، لا للداخل ولا للخارج. ولكن، في الحالتين معا، فان الطموحات الإستراتيجية التي يعبر عنها الطرفان واحدة. الشكل وحده هو الذي يختلف، ولكن تلك الطموحات هي الشيء نفسه في المضمون. ومن السهل إدراك أن الوجه "الناعم" لتلك الطموحات أكثر خطرا من الوجه "الخشن".


العامل الثاني، هو أن مير حسين موسوي، رئيس وزراء نظام خميني على امتداد سنوات الحرب مع العراق (1980-1988) يميل، أكثر من خامنئي نفسه، الى إبقاء وتعزيز الاحتلال الإيراني للعراق. فهذا الاحتلال هو التعويض الوحيد في نظره للهزيمة التي منيت بها إيران خلال توليه للمسؤولية. و"كأس السم" الذي تجرعه خميني في قبول وقف إطلاق النار، كان كأسا تجرعه موسوي أيضا.


اليوم عندما يتحول موسوي الى "بطل" إصلاحي فانه خطره على العراق سيكون مضاعفا، لاسيما وانه كان سيحاول أن يقدم وجها آخر للهيمنة الإيرانية. وبدلا من "فرق الموت" التي ما يزال يرسلها آية الله منافقي لتستبيح دماء وأعراض الأبرياء، فان موسوي كان سيحاول أن يرسل تلك الفرق نفسها، إنما بغطاء "ديمقراطي".


والعامل الثالث، هو أن التحدي الإستراتيجي الذي تمثله إيران يأتي من نظامها "الإسلامي" ككل. وأقصر الطرق لدفع هذا النظام للسير في طريق الانهيار هو بقاء التطرف والتشدد وسياسات الحديد والنار التي يتبعها آية الله مُزوّري. فهذه السياسات التي تكفل اليوم نخر عظام المؤسسة الدينية الحاكمة، ستكفل غداً نخر عظام النظام برمته.


والحال، فان الطبيعة الطائفية لهذا النظام لن تتغير بمجيء إصلاحي أو ببقاء متشدد على رأس السلطة. وهذه الطبيعة هي أحد أهم أوجه التهديد الذي تتعرض له المجتمعات العربية. ومن الأفضل لهذه المجتمعات أن ترى الوجه البشع، بكامل وحشيته، من أن تضع فوقه القليل من الماكياج.


والعامل الرابع، هو أن المشروع القومي الفارسي، الذي يتخذ من الصفوية المذهبية ستارا، هو نفسه المشروع القومي الذي كان يمثله كل نظام حكم آخر عرفته إيران منذ أكثر من ألف عام. وهذا المشروع لن يمكن أن ينكسر إلا بانهيار الهيمنة الفارسية في إيران نفسها. أي بتفكك إيران الى دول مستقلة تتصدى للفرس وتعيدهم الى حجمهم الطبيعي.


الطموح المشروع للشعوب الإيرانية من اجل الاستقلال يزداد قوة، وتنضاف اليه المزيد من المبررات بوجود نظام قمعي ومتطرف في طهران. البلوش والأذريون والأكراد والأوزبك والعرب الذين يتقاسمون نحو نصف مجموع الأرضي الإيرانية لن يمكنهم أن يحققوا طموحاتهم الاستقلالية بوجود "نظام معتدل" يعزز أواصر العيش المشترك.


ومن المهم ملاحظة أن إيران لن يمكنها أن تتفكك بحرب مع الخارج.
أي حرب ستؤدي، على العكس، الى تعزيز التماسك القسري الجاري الآن. وبصعود "إصلاحيين" الى سدة السلطة، فإنهم سيدفعون تلك الشعوب المضطهدة لتكون، بمواردها المادية والبشرية، سلاحا ضدنا.


المشروع الفارسي لم يتحول في الأصل الى مشروع إمبراطوري ذي طموحات توسعية إلا عندما تمكن من كسر شوكة القوميات الإيرانية الأخرى، وقهرها وإلزامها، عبر أبشع أعمال الإبادة، بالتحول الى المذهب الصفوي.


الشاه عباس الصفوي الأول (1571-1629) سجل أهم نجاحاته في حروب الإبادة الطائفية ضد الأوزبك، قبل أن يتلوها بحرب مماثلة ضد البلوش والأذريين الذين أجبروا، بوسائل القتل والدمار، على التخلي عن مذهبهم السني ليصبحوا شيعة صفويين.


وهذا ما يفعله الشاه الصفوي الجديد علي خامنئي وأتباعه في العراق. فحرب الإبادة التي يشنها ضد السنة والشيعة العرب والمسيحيين واليزيديين، وتاليا ضد الأكراد، هي امتداد فقط لما كان يفعله عباس الأول.


واستمرت حرب عباس الصفوي لمئات السنوات فيما بعد، وتحققت للفرس بفضلها الهيمنة ولكن ليس ببقاء المجازر، وإنما بمجيء ملوك "معتدلين" بنوا وحدة إيران فوق الجماجم التي راكمها "المتشددون" قبلهم.


وهذا هو آخر ما نحتاج. لأنه يمد في عمر مشروع الهيمنة.
إذا كان الحرس الثوري الإيراني، برفقة مليشياته الطائفية في العراق، يشن حرب إبادة ضد الأبرياء، فمن الأفضل لهذه الحرب أن تستمر. على الأقل لأنها ما تزال تشكل حافزا قويا للمقاومة.


ليس من مصلحة أحد أن يأتي "معتدلون" يبنون هيمنة مطلقة فوق جماجم المليون ونصف المليون ضحية الذين سقطوا في حرب الإبادة الطائفية التي شنتها مليشيات إيران بالتعاون مع التحالف الدولي الذي قادته الولايات المتحدة في العراق.


العنف يولد العنف. والقهر هو أفضل سبيل للقضاء على الاستبداد.
"الثورة" الهزيلة التي يقترحها "الإصلاحيون" الإيرانيون ضد "الثورة" لا تقصد تبديل سياسات ومناهج واستراتيجيات النظام الصفوي، وإنما تجميله وإطالة عمره بوسائل أخرى.


نعم هناك الكثير من المضطهدين الإيرانيين يتظاهرون اليوم الى جانب "الإصلاحيين" ولكنهم يفعلون ذلك للتنفيس عن الضغوط التي يعانون منها. والكثير منهم يتمنون في الواقع ليس أن يحل مير حسين موسوي محل محمود احمدي نجاد، ولكنهم يتطلعون الى إقامة نظام جديد كليا. بيد أنهم لا يملكون إلا التحرك والاحتجاج في حدود ما يتاح.


هؤلاء الناس يستحقون، بطبيعة الحال، كل الدعم والتضامن، إلا أنهم اليوم وقود في الحرب الخطأ، ويقاتلون على الجبهة الخطأ.


بقاء نظام خامنئي-احمدي نجاد وصفةٌ أقصر للإنهيار من مجيء إصلاحيين الى السلطة في طهران. وكلما تسبب هذا النظام في سقوط ضحايا أكثر، كلما كان ذلك أفضل. وإذا انتهت "الانتفاضة الإصلاحية" بإلقاء قادتها في غياهب السجون، فهذا شيء حسن. أما إذا وضع "الإصلاحيون" ذيلهم بين أرجلهم وتخاذلوا أمام سطوة القوة، فهذا أحسن بالأحرى، لأنه سيُظهر خواء ميكانيزمات "التغيير" من داخل النظام، وسيعزز القوة الدافعة الى الإطاحة به ككل.


التعاطف مع "الإصلاحيين" أمر مفهوم، ولكن هزيمتهم أنفع. مصلحتنا تكمن، بالأحرى، في تطرف إيران لا اعتدالها.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد  / ٠٥ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٨ / حزيران / ٢٠٠٩ م