الساكت عن الحق '' سيستاني '' أخرس

 
 
 

شبكة المنصور

محمد العماري
لا شك أن لجميع شعوب الأرض, بغض النظر عن نوعية الأنظمة السياسية أو الحكومات التي تدير شؤونها, رموزها الوطنية والدينية والاجتماعية التي تكون عادة موضع فخر وإعتزاز الكبير والصغير, الجاهل والمثقّف, العلماني والمتديّن على حدّ سواء. ولا ريب إن هذه الرموز, خصوصا إذا كانت ما تزال على قد الحياة, تبذل كل ما في وسعها لتكون سندا وعونا ونصيرا لشعوبها عندما تتعرّض تلك الشعوب لمصائب ومآسي ونكبات وحروب عدوانية وحصارات ظالمة.


وقد قدّم لنا الكثير من رجال الدين في أمريكا اللاتينية, على سبيل المثال, نماذج رائعة من إلتحام رجال الدين وإلتصاقهم بشعوبهم ووقوفهم الى جانبها في أحلك الظروف وضحّى البعض منهم بحياته, ورفع آخرون السلاح وإنخرطوا في صفوف المقاومين من أبناء شعبهم ضد الغزوات الأجنبية أو ضد الحكومكات العميلة التي نصّبها المستعمرون الأمريكان أو غيرهم.


لكن مثال"آية الله"على السيستاني في العراق يمثّل النقيض الحقيقي لكلّ ما ألِفته المجتمعات وتربّت عليه الشعوب في علاقة رجل الدين بالمواطن. فسماحته يُعتبر من أسوء النماذج, إن لم يكن أسوءها على الاطلاق, لرجل الدين الذي يتنصّل عن مهامّه الدينية والانسانية ويتخلّى عن شعبه وهو يتعرّض ألى غزو بربري وإحتلال خاشم, سبقه حصار ظالم لم يعرف التاريخ له مثيلا دام أكثر من عقد من الزمان. ويرى بامّ عينه دم الأبرياء يُسفك يوميا على مقربة من عتبات داره دون أن يحرّك ساكن.


ولم يكتفِ"سماحة" السيسنتاني بالصمت الذي هو أضعف الايمان بل جنّد نفسه, مستغلاّ بساطة أبناء طائفته وفطرتهم, في مشروع الاحتلالين الأمريكي والفارسي. ورغم أنه شاركنا الزاد والملح كما يُقال الاّ انه إنحاز بشكل سافر وفاضح الى جانب أعداء العراق الى درجة أصبح فيها هو "المرجع" الأعلى لا للطائفة الشيعية المغلوبة على أمرها وإنما لعصابة من اللصوص والخونة والفاسدين ومن خلفهم أرباب نعمته الأمريكان والفرس والصهاينة. وصار يتعامل مع الآخرين ومنهم أتباعه الذين يجهلون إن كان حيّا أم ميّتا, عبر وسطاء ووكلاء وناطقين باسمه دون أن يحظى أي إنسان بسماع صوته مباشرة أو برؤية شكله وطلعته الكالحة ولو على بعد خمسمئة متر.


ولو بحث الانسان في سجل"آية الله"على السيستاني وتلريخه الطويل فسوف لن يجد إطلاقا أية بادرة أو خطوة أو عمل فيه خير ومنفعة للعراقيين. ثم إن ما يثير الدهشة هو ليس دعمه الروحي والمعنوي للغزاة وأعوانهم من ساسة المنطقة الخضراء, فهو فارسي والحقد على العراق في جيناته ودمه, بل هو صمته المطبق وإختفاءه عن الانظار ورفضه الذي لا يقبل أي تبرير أو تفسير في الخروج من سردابه, هذا إدا كان حيّا يُرزق, ومواجهة الناس والحقيقة وجها لوجه. ولا غرابة إذا قلنا ان موقف على السيستاني هذا ينطوي, برأينا المتواضع, على الكثير من الغطرسة والاحتقار للبشر وخصوصا أتباعه من الطائفة الشيعية. ولم يعرف تاريخ الأديان حديثا وقديما إن مرجعا دينيا مهمّاً يرفض, لأسباب لا يعلمها الاّ الله وحده, لقاء مريديه وأتباعه والتواصل معهم والاستماع الى شكواهم ومطالبهم ومعرفة همومهم عن كثب لا عبر ستائر وحُجُب.


ولا نريد هنا مقارنة على السيستاني بالأنبياء والرسل والمصلحين الذين عاشوا وعملوا ونشروا رسالتهم وسط الناس وقضوا جلّ حياتهم في إحتكاك دائم مع أتباعهم ومريديهم الذين نقلوا عنهم الأحاديث والتجارب والسيَر وإتخذوهم مثالا يُحتذى به في دنياهم من أجل آخرتهم. ولكننا نودّ الاشارة فقط الى رجال دين كبار ومراجع لها وزنها في دولها ومجتمعاتها. فها هو بابا الفاتيكان على سبيل المثال والذي يمثّل أكثر من أربعة مليارات مسيحي, يتنقّل من دولة الى آخرى ومن مدينة الى ثانية وومن بلدة الى قرية, ويشقّ طريقه وسط حشود من البشر كلّها تتدافع من أجل مصافحته ولمس يده والتحدّث اليه رغم إمكانية تعرّضه الى الأخطار, كالاغتيال مثلا. فمتى يخرج "آية الله" السيستاني على الملأ ولو لمدة خمسة دقائق وأمام سردابه؟


إن المرجع الشيعي على اليسيتاني, في موقفه المتواطيء مع الاحتلال الأمريكي والمبارك لكل ما نتج عنه من حكومة عميلة وبرلمان قائم على المحاصصة الطائفية والعنصرية والحزبية ودستور صهيوني, خالف تعاليم الدين الاسلامي في أدقّ تفاصيلها وخالف المذهب الشيعي, والشيعة منه براء, الذي لا يرضى الظلم والهوان ويتمرّد ويثور عليه, والامام الحسين بن على "ع" مثالا ناصعا. وخالف على السيستاني, بصمته المطبق ولا إكتراثه المريب, الموقف الانساني الذي يُفترض أن يتّخذه أي إنسان شريف سويّ, ولا نقول مرجع ديني كبير, عندما يرى البلد الذى إستضافه وكرّمه وعزّز مكانته يتعرّض الى غزو بربري وتدمّر كل بناه التحتية ويُقتل ويُشرّد الملايين من أبنائه ويعمّ الخراب والدمار في ربوعه على أيد عصابات وشراذم وحثالات من البشر. وجميعهم يتّضذون من "سماحته" دليلا ومرشدا أعلى في كلّ ما يمارسونه من جرائم ومجازر وإنتهاكات بحقّ العراق والعراقيين.


وبعد كلّ الذي جرى للشعب العراقي, منذ الغزو الأمريكي بل وقبله بسنوات طويلة, اليس من حق المواطن العراقي والعربي والمسلم أن يسأل مثلا, بأي دين يؤمن"آية الله"علي السيستاني وأي مذهب يتبع ولأية إنسانية ينتمي؟ وهل ضميره تحجّر وأحاسيسه إنعدمت الى الحدّ الذي لم يعد يعنيه من أمرالمسلمين في العراق وفي سواه من أرض الاسلام شيئا ما عدا نصائحه وإرشادته وتوصياته التي يقدّمها الى ساسة المنطقة الخضراء والفتاوي التي ما أنزل الله بها من سلطان خصوصا تلك التي تتعلّق بما يُسمى بالعملية السياسية الجارية في العراق المحتلّ.


فمتى يمزّق "آية الله"على السيستاني شرنقته ويخرج من كهفه المعتم ويكشف للملأ عن طلعته"البهيّة" ويمدّ يده الى أتباعه ومريديه كي يلامسونها ويتبرّكون بها كما يفعل أتباع كل ديانات الأرض مع مراجعهم وقادتهم الدينيين. أما آن الأوان للمرجع علي السيستاني أن ينتفض ويتمرّد أولا وقبل كلّ شيء على نفسه الأمّارة بالسوء الطائفي ثم على الواقع المزري الذي يعبشه الملايين من شيعته في العراق المحتل, والذين فقدوا بوصلة الحياة وصار اللطم والبكاء والعويل على أطلال الماضي همّهم الوحيد بينما تتعرّض ثروات وخيرات وطنهم الى أكبر عملية سطو مسلّح في التاريخ من قبل غزاة طامعين وخونة حاقدين ولصوص محترفين.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٣٠ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٣ / تمــوز / ٢٠٠٩ م