الانسان أثمن رأس مال الاّ في الوطن العربي

 
 
 

شبكة المنصور

محمد العماري

تقوم الدنيا ولا تقعد إذا وقع مواطن أمريكي أو أوروبي أو إسرائيلي صهيوني في الأسر أو تعرّض الى الخطف أو دخل السجن حتى وإن أرتكب جريمة كبرى. ولا بد لنا من الاشارة هنا الى الجندي الصهيوني جلعاد شاليط الأسير لدى فصائل المقاومة الفلسطينية. فقد ملأ الدنيا وشغل وما زال حكومات وقادة وزعماء العالم الغربي. لأنه واحد من "شعب الله المختار" الذين يعتبرون أنفسهم فوق القوانين والشرائع والأعراف. وما ينطبق على سواهم من بني البشرلا ينطبق عليهم إلاّ إذا كان فيه عظيم منفعة وفائدة لهم. وكلامي هذه لا يحتاج ألى أدلّة او إثباتات لدعمه. فتاريخ الكيان الصهيوني ومنذ ستين عاما أو أكثر مليء بالجرائم والمجازر والانتهاكات من شتى الأنواع والخطورة, بحق العرب والفلسطينيين, دون أن توجّه الى قادة هذا الكيان العنصري الغاصب حتى كلمة لوم أو عتاب واحدة, ولا نقول قرار إدانة أو نقد أو توبيخ.


وفي جميع دول العالم, باستثناء البلدان العربية, يكون المواطن موضع إهتمام الدولة والحكومة القائمة على شؤونه سواء في داخل بلده أو خارجه. وكلما كان لهذه الدولة قيمة وإحترام وصوت مسموع بين الدول إنعكس ذالك إيجابيا على مواطنيها. فعلى سبيل المثال, عندما يُسافر مواطن أمريكي أو أوروبي لأي سبب كان يقوم فور وصوله الى الجهة المقصودة بالاتصال بسفارة بلاده وإخبارها بمكان تواجده وبالهدف الذي جاء من أجله. ولا أظنّ أن مواطنا عربيا قام بالاتصال بسفارة بلده إن لم يكن في أشدّ حالات االيأس والاكراه. لأنه يشعر بكونه يعيش غريب في بلده ومغترب خارجه. كما إن الدول المتحضرة, والتي تحترم دساتيرها وقوانينها وتعتبر شعبها فعلا مصدر السلطات, تقوم بصرف ملاييين الدولارات من أجل الكشف عن مصير أحد مواطنيها إذا أختطف أو فُقد أو إنقطت أخباره.


وقبل أيام كشفت بعض وسائل الاعلام العربية, خصوصا بعد إفتضاح أمر شبكات التجسس لصالح العدو الصهيوني في لبنان, إن قادة هذا الكيان العنصري صرفوا ملايين الدولارات, بعد أن قاموا بتجنيد مواطنين لبنانيين, من أجل الكشف عن مصير جنودهم المختطفين هناك. ولم أسمع في حياتي إن دولة عربية قامت ولو باقل من هذا الجهد من أجل معرفة مصير مواطنيها سواء أولئك القابعين في سجون الدول"الشقيقة والصديقة" وما أكثرها أو الهائمين على وجوههم في أرض الله الواسعة. بل على العكس تماما, إن الكثير من الدول العربية تقوم بنفي أية صلة أو رابطة لها بالمواطن, وغالبا ما تتبرأ منه بألف سبب وحجّة خصوصا إذا كان من الفقراء أو المغضوب عليهم. وأكاد أجزم بان معظم الدول العربية لا تملك معلومات دقيقة عن العدد الحقيقي لمواطنيها الموزّعين بين السجون والمنافي ومراكز الاحتجاز في الخارج.


إن الأمريكي أو الأوروبي يستطيع التنقّل في أي مكان, للسياحة أو للدراسة أو للعلاج, ولديه شعور راسخ بان ثمة دولة مهابة تقف الى جانبه في السراء والضراء. وإذا تعرّض الى أي سوء أو وقع في ورطةٍ ما فان دولته تقوم ببذل أقصى جهد لتقديم المساعدة له مستخدمة كلّ السبل والوسائل, بما فيها الضغوط السياسية والدبلوماسية والتهديد بقطع المساعدات الاقتصادية. كما لا يُخفى إن الدول المتحضّرة تدافع عن مواطنها أينما كان ومهما كان. لا فرق لديها إذا كان هذا المواطن مدمنا على المخدرات أو مومسا أو مهرّبا أو حتى مجرما قاتلا.


أي خلاف ما يحصل في الدول العربية التي تقوم في الغالب بتعقيد وتأزيم مشكلة مواطنها الذي يقع بين يدي سلطات أجنبية لسبب أو لآخر. بل إن دولته, وبدل أن تقدّم له الحد الأدنى من المساعدة باعتباره من رعاياها ويحمل جواز سفرها, تقوم بممارسة نوع مفضوح من عدم الاكتراث واللامبالاة فتصبح قضيته فصل غامض من رواية حزينة. والتاريخ الحديث مليء بالشواهد الحيّة على عجز وتنصّل الأنظمة العربية, اللهم باستثنا قّلة نادرة, عن رعاياها الذين يواجهون, بسبب سوء فهم أو إلتباس أو جهل باللغة وبقوانين البلد الأجنبي, مشاكل كثيرا ما تقودهم الى السجون.


طبعا مواقف الدول الأوروبية والغربية عموما لا تخلُ من النفاق والكيل بأكثر من مكيال وإستخدام الموضوع لأغراض سياسية تفقده الكثير من جوانبه الانسانية. فعلى سبيل المثال عندما يسعى زعماء ورؤساء العالم, بمن فيهم المتفاعدين كالرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر, من أجل إطلاق سراح الجندي الصهيوني الأسير جلعاد شاليط, لا تخرج من أفواههم حتى همسة أو نصف كلمة لصالح آلاف السجناء الفلسطينيين القابعين في سجون الكيان الصهيوني"واحة الديمقراطية في الشرق" وبينهم الكثير من النساء والأطفال الصغار.


ويتم تجاهلهم عن عمد أو يُشار اليهم في أحسن الأحوال كأرقام مجرّدة, منسية في ثنايا سجلات مصلحة السجون. والسبب هو إن السلطة التي تقف خلفهم, أي السلطة الفلسطينية في رام الله, تابعة وعاجزة ولا حول ولا قوة لها. وعموما, إذا كان الانسان في كلّ مكان في العالم أثمن رأس مال فانه, أي الانسان, في وطننا العربي أرخص من التراب الذي يمشي عليه.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاثنين  / ٢٠ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٣ / تمــوز / ٢٠٠٩ م