مظاهرات طهران تضعضع أركان نظرية ولاية الفقيه

 
 
 

شبكة المنصور

أبو محمد العبيدي
كلنا سمعنا عن المظاهرات التي أعقبت ظهور نتائج الانتخابات الإيرانية وكذلك الاحتجاجات والتي وصلت إلى حد تدخل عصابات النظام الإيراني من قوة القدس وغيرها من أجهزة النظام ,بل وقامت باجتياح جامعة طهران في سابقة نادرا ما تحدث في أي دولة ,وقد سقطت أعداد من القتلى وما زالت الحرائق والاعتصامات والتصريحات ,والتصريحات المضادة في أوجها وكل ذلك بسبب عدم فوز مرشح الإصلاحيين وفوز ممثل المحافظين ,وكل ذلك يبدو للوهلة الأولى شيئا طبيعيا ليس في إيران ,بل في أي دولة أوربية ربما ,لماذا؟ لان إيران دولة توصف بأنها ذات نظام يرتبط بمنهج واحد محدد أي إن كلا المرشحين يشكلان أعمدة لهذا النظام والذي يستند إلى نظرية ولاية الفقيه المطلقة ,أي لا توجد أية خلافات فكرية بينهما ,ويأتمران بإمرة قائد وإمام واحد, أي إنهما يدينان بالولاء دينيا وسياسيا وفكريا إلى مرجع واحد ,فلماذا هذا الصراع على السلطة التي لن تستطيع أي قوى مهما كانت أن تغير فيها تغييرا يمكن أن يوصف بأنه تغيير حقيقي وعلى أي مستوى سواء كان فكريا أو سياسيا لسبب أساسي وهو إن المرشد الأعلى للثورة الإسلامية قانونا والذي هو نفسه الولي الفقيه الذي تنحصر بيده السلطات الدينية والسياسية والقانونية والذي يرسم أو يوافق على كل السياسات, وبالتالي فان مؤسسة الرئاسة ما هي إلا أداة للتنفيذ ليس إلا ,فان كان نجاد أو موسوي فالموضوع لا يتعدى بعض الشكليات التي تحدث هنا أو هناك وطبعا تغيير في الأشخاص مثل الوزراء والمسئولين ,على أن يبقى النهج الأساسي دون أي تغيير إلا بموافقة المرشد الأعلى ,إذن لماذا كل هذا الطبل والتزمير ؟


في مقالة سابقة وقبل هذه الأحداث نوهت وتكلمت عن هذا الموضوع من خلال تحليلي لرسالة رافسنجاني إلى خامنئي  وقد نشرت هذه المقالة في شبكة المنصور المجاهدة تحت عنوان ( مدلولات رسالة رافسنجاني العتابية إلى خامنئي) وملخصها إنني اعتبرت إن هذه الرسالة ما هي إلا بداية لأحداث يمكن أن تغير من واقع السلطة في إيران بل تؤثر على الأساس النظري للسلطة,حيث ذكرت بما نصه (هل يمكن اعتبار هذه الرسالة هي بداية تقويض لسلطات الإمام ) بل وتساءلت بما يشبه التأكيد في نهاية المقال بما نصه (فهل هي البداية لتقويض نظرية ولاية الفقيه المطلقة وبالتالي سلطتها ) وقد اثبت الأحداث صحة تحليلي ولا أقول هذا من باب التبجح بل أريد أن أوضح مسالة أساسية مع الأسف,وهي عدم اهتمام الكثير من رفاقنا بها أثناء تحليلهم وهي عدم الرجوع أو العودة إلى الأساس الفكري أو الفلسفي لأي حركة واو نظام أو سلطة أثناء تحليلهم للأحداث المرتبطة بتلك الحركة أو النظام مما يبعدهم عن إعطاء استنتاجات صحيحة ,فكل القرارات والمواقف السياسية لأي جهة لا بد أن تستند إلى فكر أو فلسفة أو محددات تفرض على هذا النظام أو ذاك الالتزام بها(وطبعا هذا لا يشمل مجموعة الأوباش واللصوص والعملاء في عملية العراق السياسي ).


إن المشكلة التي وقع بها النظام الإيراني اكبر بكثير مما يتصورها البعض فهي لا تتعلق بانتخابات الرئاسة كما يظهر فقط ولا تتعلق باختلاف وجهات النظر السياسية في كيفية التعامل مع الغرب فقط ولا تتعلق بالسياسة الاقتصادية لحكومة نجاد فقط ,بل تتعلق بأساس نظرية ولاية الفقيه وصلاحياته وإذا كانت قد تم قبولها في زمن الخميني فان ذلك ارتبط بشخصه وليس إيمانا من الفقهاء والآخرين عموما بهذه النظرية ,أي إن هنالك شرخ خطير في الأساس الفلسفي والفكري الذي يستند إليه النظام الإيراني والذي كان العمود الذي استند إليه في إقامة هذا النظام لماذا ؟


لان الخميني عندما أسس لنظرية ولاية الفقيه كان يفصل هذه النظرية على مقاسه أي على ما يتمتع به شخصيا من مكانة دينية وسياسية لدى اغلب الإيرانيين بحكم معارضته لدكتاتورية شاهنشاه إيران ,ومن غبائه انه تغافل عن الإمكانيات الذاتية والموقع الديني والسياسي لمن يأتي بعده في هذا الموقع الخطير والذي حصر بيده الصلاحيات الدينية والدنيوية ,ولذلك كان لا بد أن تظهر بوادر الرفض في أول فرصة وخاصة انه المبدأ الثاني الذي استندت عليه النظرية في إدارة الدولة هي الديمقراطية الظاهرية والتي تحصر قياداتها بيد رجال الدين أنفسهم مما يعطي مناعة للنظام حسب رأي الخميني ولم يدري انه يجمع بذلك النقيضين الأول منتهى الدكتاتوري والمتمثلة في جمع السلطة الدينية والسياسية في يد المرشد الأعلى ,من جانب واستخدام الأسلوب الديمقراطي الغربي قي الانتخابات في الكثير من مراكز السلطة ومن أهمها في مؤسسة الرئاسة مما جعل عملية الموازنة بين هذين النقيضين أمر غاية في الصعوبة ,وخاصة بعد أن انحاز خامنئي لصالح نجاد, أي إلى جانب احد المرشحين , حيث صرح بما يلي (إن آراء احمد نجاد اقرب إلى آرائي )مما افقده أهم صفة كانت تفرض على الجميع احترامه والالتزام بقراراته وجعل بقية الفقهاء سواء في مجلس صيانة الدستور أو لجنة الخبراء أو غيرهم يشككون في إمكانياته كمرشد للثورة ,مما جعله ينتقد علنا نجاد عندما قال ما نصه (لا اقبل باتهامات رافسنجاني بالفساد عبر وسائل الإعلام ) وهذا شيء خطير جدا في نظام كالنظام الإيراني.حيث بدأ يحاول ترضية الأطراف المتصارعة وهذا نهج جديد لم يألفه الإيرانيين من المرشد الأعلى والذي كان مجرد وجوده مانع لكل هذه المناوشات السياسية ؟!!!


والجانب الآخر هو إن أهم أسس نظرية ولاية الفقيه هي عدم اعتبار أي تأثير للشعب ولا لرأيه في حالة عدم مطابقته مع رأي الولي الفقيه ,لان النظرية تستند إلى إن الله عز وجل هو مصدر السلطات وليس الشعب هو مصدر السلطات ,وبما إن الولي الفقيه هو ممثل ووكيل الإمام الغائب وهذا هو ممثل ألائمة(ع) والرسول (ص) ,فانه الولي الفقيه يمثل إرادة الله وبالتالي فان كافة السلطات هو مصدرها وبإمكانه تعطيل أي قانون وعلى حساب ما يريده الشعب وبالتالي فهو لا يعطي أي وزن حقيقي للشعب وكل ما يجري من انتخابات ما هو إلا عملية ظاهرية شكلية الغاية منها إعطاء صفة الديمقراطية إلى نظام الحكم ليس إلا ,ولكن إذا ما ظهرت الحاجة فسيضرب رأي الشعب بعرض الحائط وهذا ما جرى حيث صرح خامنئي بما يلي (هناك من يتوهم بان الاحتجاجات الشعبية ستكون قوة ضغط على النظام ).


 من ذلك يتضح إن بداية تزعزع نظرية ولاية الفقيه قد وصلت إلى مفترق طرق بعد أن افقدها الواقع أهم أركانها التي كانت تستند إليها ,وبغض النظر عن ما سيجري فالسياسة ليس لها الأولوية في المرحلة القادمة بل المسألة الفكرية حسب تصوري ,وهي التي ستحدد معالم ومستقبل نظرية ولاية الفقيه ,وخاصة بعد أن قال مرشد الثورة كلمته التي جاءت في صالح طرف على حساب طرف متخليا عن دوره التقليدي وهو ألحياديه مما فرض على القسم الكبير من الإصلاحيين اصطفافهم ضده بعد أن كانوا ضد نجاد فقط ,علما بان تحليلنا هذا سيكون له مرتكزاته ومستجداته  ألمستقبليه على المدى القريب وبوتيرة متصاعدة خلال الزمن القادم .


وسنعالج هذه المستجدات وخاصة على المستوى الفكري في مقالات قادمة بتفصيل أوسع إن شاء الله .

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

السبت  / ٢٥ جمادي الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٠ / حزيران / ٢٠٠٩ م