جذور مخططات تقسيم العراق في ملفات الاستعمار البريطاني - الامريكي

﴿ الحلقة الخامسة ﴾

 
 

شبكة المنصور

ا.د. عبد الكاظم العبودي

الشرارة التي انتظرتها الثورة الكبرى

 

وكانت الشرارة التي اشعلت العراق كله بدأـ عندما استدعى معاون الحاكم السياسي المعروف عن مؤرخي الثورة العراقية الميجر "دايلي" بإسم الحاكم السياسي في الديوانية مجموعة من شيوخ العشائر في الثاني من تموز وحملهم بالاكراه على توقيع مضبطة يطلبون فيها وصاية بريطانيا العظمى على العراق. وقد بعث بها الى الحاكم الملكي العام الذي اتخذها وسيلة يكيد بها لزعماء الثورة. ومن بين اؤلئك الشيوخ المرحوم الشيخ شعلان ابو الجون الذي تأخر عن دفع دين زراعي للسلطات البريطانية للسنة الفائتة، فأبدى الشيخ كثيرا من الكبرياء والشراسة بحيث دفع بمعاون الحاكم السياسي البريطاني الى احتجازه وتوقيفه في السراي بقصدارساله مخفورا الى الديوانية. مما ادى الى ان هاجم ابناء قبيلة الظوالم السراي فأطلقوا سراحه مبتدئين بذلكب الثورة التي امتدت الى المناطق المجاورة ومنها قطعت سكة الحديد في ثلاثة اماكن أي جنوب السماوة وفي شمال الرميثة وجنوبها. وعندما ارسلت القوات البريطانية قطارا أُرسل من الديوانية لإسعاف وحداتها في الرميثة هاجمه الثوار فأُسر وتم حرقه. فوجدت سرية المشاة البريطانية التي جاءت لنجدة الاخري نفسها محاصرة مع موظفي السكك ودائرة معاون الحاكم السياسي.

 

وهكذا بدأت القوات البريطانية تتقهقر أمام ضربات الثوار، أظهر فيها الثوار دراية عسكرية والتمكن من فنون القتال فاجأت البريطانيين أنفسهم. توقع البريطانيون وجود ضباط سابقين في صفوف الثوار، والحقائق المسجلة عن هذا الموضوع تؤكد فعلا التحاق عدد من الضباط بالثوار، ومنهم حسين علوان، الحاج محمود رامز، اسماعيل الأغا، الحاج طالب العزاوي، جميل رمزي قبطان، عبد الحميد" كرخي"، شاكر محمود، سامي النقشلي... وآخرون.

 

موقعة الرارنجية والانهيار البريطاني رغم الطيران

 

وكان كل يوم يمر يكلف البريطانيين موقفا صعبا، حيث زحفت قبائل المشخاب في 13 تموز بقيادة عبد الواحد سكر على ابي صخير الواقعة جنوبي الكوفة. وفي اليوم التالي نزل بنو حسن الجنوبيون الى الميدان بقيادة علوان الحاج سعدون.

 

ويذكر السر ارنولد ولسون: ان الرميثة بعد ان حاصرتها القبائل الثائرة، وعزلتها عن سائر المدن بقطع سكك الحديد، تم انجادها بقوات عسكرية ولثلاث مرات فلم تتمكن القوات البريطانية من فك الحصار عنها، وانما حوصرت قوات النجدة نفسها في الداخل ايضا بعد ان انضمت الى قوة الرميثة الاولى. بلغ تعداد القوة البريطانية المحاصرة في حامية الرميثة من البريطانيين اربعة ضباط انجليز، وثلاثمئة جندي هندي، ومئتي هندي غير محارب، يعود اكثرهم من العاملين في السكك الحديدية.

 

 ولم يتم فك الحصار عنها، وقد انهكها الجوع والاعياء، الا بعد العشرين من تموز بعد ان وصلت اليها نجدات من بغداد بقيادة امير اللواء "كونينغام". وبعد قتال عنيف استعملت فيه القوات البريطانية المدفعية والرشاشات، خسروا فيها 35 قتيلا و 150 جريحا، كانت حامية الرميثة قد خسرت وحدها ثلث تعدادها ايضا، وفي 21 من تموز اضطرت القوة البريطانية بأجمعها الانسحاب الى الديوانية، ولم تستطع القوات البريطانية من نجدتها الا في 25 تموز، لأنها كانت تواجه معارك ضارية مع الثوار الذين اشتبكوا معها في معارك ضارية.

 

 والى الشمال من تلك الجبهة اضطرت القوات البريطانية الانسحاب في 24 تموز من السدة والمسيب وانتكست ثلاث سرايا من فوج مانجستر تائها بين الكوفة والكفل فنضب منه الماء وأنهكته حرارة الشمس، فاضطر الى التقهقر في وجه هجوم للثوار كبدهم نصف اعدادهم كأسرى.

 

وهذه هي موقعة الرارنجية المشهورة التي انتصر بها الثوار انتصارا مشهودا. وعنها كتب السر ارنولد ويلسن : بان رتلا من الجيش البريطاني كان مؤلفا من ثلاث سرايا، مصحوبا ببطارية واحدة من مدفعية الميدان تم تجريده من قبل القبائل التي قطعت عليه الطريق بعد ان بلغتها اخبار انتصارات الرميثة. وقد سار الرتل من الحلة في جو حار وشمس محرقة فوصل الى معسكره في الرارنجية قبيل الساعة الواحدة ظهرا، وهومنهك القوى، فهاجمه الثوار بعد ظهر اليوم نفسه في معسكره، وتقهقرت صفوفه الى انهيار وهزيمة ولم يستطع العودة الى الحلة الا في صباح اليوم التالي بعدان فقد نصف تعداده بين اسير وقتيل.

 

وقد كبدت تلك الواقعة 180 قتيلا وحوالي 160 أسيرا، مع خسائر فادحة في المعدات ووسائط النقل من عربات وحيوانات. عامل الثوار الأسرى البريطانيين معاملة حسنة ولم يسجل سوى موت اسير واحد. والمعروف من تلك المعرفة ان مدفع الميدان غنمه الثوار واستفادوا منه باستعماله في إغراق الزورق المسلح " فاير فلاي" الذي كان يحمي بنيرانه من النهر الحامية الانجليزية المحاصرة في بناية كانت تطل عليه.

 

كانت العشائر التي اشتركت في الهجوم من بني حسن وآل فتلة والعوابد. اما الرارنجية فهي تقع في موقع يقع في مقاطعة الرستمية الكائنة بين الحلة والكفل في طريق الحلة – النجف.

 

الجدير بالذكر هنا ان القوات البريطانية استخدمت الطائرات لتخفيف ضغط الثوار على حامية الكوفة، فقصفت من الجو مسجد الكوفة المشهور في 8 ذي القعدة1338 وهو مكتظ بالناس فقتلت جملة من الابرياء من النساء والاطفال، تجاوز عددهم العشرين ضحية. كما تم تخريب المقام المعروف، وحول تلك الجريمة اصدر الثوار بيانا الى العالم المتمدن فضحوا به جريمة حكومة الاحتلال التي ازهقت ارواح المدنيين والعزل واطلقت يدها الاجرامية لارغام الامة العراقية. وقد ردت السلطات البريطانية على ذلك البيان اعترفت بجريمتها وتمادت في كذبها باتهام الثوار اطلاقهم النار على الطائرات من داخل مسجد الكوفة.

 

مأثرةالشيخ ضاري المحمود وجبهة الفرات الوسطى

 

وعلى جبهة الفرات الوسطى حيث كانت مأثرة المرحوم الشيخ ضاري المحمود شيخ قبيلة زوبع، الذي أجهز على الكولونيل "ليجمان" بعد ان اسمعه كلاما جارحا، أبت عليه كرامته الشخصية والوطنية إلا الاجهاز عليه، لذا يظل اسم الشيخ ضاري واحدا من ابطال الثورة العراقية.

 

كل جبهات العراق مشتعلة

جبهة ديالى وشمال الوطن تنتفض بالسلاح

 

اما في ديالى فان رجال القبائل من الثوار من رجال القبائل فقد قطعت خط السكك الحديد واغارت على بعقوبة. ويفهم من كتاب "ارنولد ولسون" والمراجع المحلية الاخرى حول الموضوع، أن عشائر العزة، بقيادة الشيخ حبيب الخيزران، وبني تميم برئاسة حميد الحسن والكرخية برئاسة الشيخ مخيبر، هي التي قطعت سكة الحديد وهاجمت بعقوبة فحررتها من الاحتلال الانجليزي.

 

لقد تم أسر الكابتن لويد ومعه المستر ستراخن ضابط الري، حيث ابقاهم الشيخ حبيب الخيزران عنده في دلي عباس. وقد بدأت الحرة في يوم 6 أب/اوت 1920، وفي 12 منه قطعت سكة الحديد بينها وبين المقدادية "شهربان آنذاك" فثار أهالي المقدادية، وفي اليوم التالي، استولت العشائر على البلدة. وقد قتل من كان في المقدادية من الانجليز، وهم الكابتن "ريكلي" معاون الحاكم السياسي والكابتن "برادفيلد" قائد الشبانة- وكان عددهم 50- ومدربا الشبانة "نيوتن" و"نسبيت"، والكابتن "بوكانان" ضابط الري، الذي نجت زوجته "المسز بوكانان" من الموت بعد ان أُصيبت بجرح طفيف. وبادر احد الملاكين الى حمايتها في بيته، وابقاها عنده الى غاية 9 أيلول، حينما اعيد احتلال المقدادية.

 وكان هناك بالاضافة الى هؤلاء "المستر جون بينز" مدير المزرعة العسكرية الذي جرح جرحا خطيرا، والقي عليه القبض، لكنه لم يقتل. ونفس الحال في كفري حيث هاجم فريق من ابناء عشيرة الدلو يقودهم ويس بك وابراهيم خان، فاحتلها في 24 آب 1920، وفي 28 منه قتل الحاكم السياسي الكابتن "سالمون" الذي كان مودعا في السجن منذ يوم22 أب على إثر القبض عليه أثناء تداوله مع رجال الحركة في خارج البلدة، لكن الاهالي أنقذوا زوجته "المسز سالمون" وأوصلوها الى اقرب معسكر بريطاني.

 

المقاومة والخيارات المطروحة وطعنة الخيانة للعراق :

استمر الحصار الامريكي على العراق منذ(1991-2003)، اثنا عشر عاما مرت، ولم تحسم خلالها النخب الدينية والفكرية والاجتماعية وحتى السياسية من داخل سلطة البعث وخارجه موقفها الوطني الموحد إزاء العوان الثلاثيني على العراق وما تبعته فترة حصار قاس ومدمر لكل البنيات الاجتماعية والسياسية ودفع الكثير منها الى اليأس او الهجرة او التفرج او الشماتة. كل ذلك لعب دوره في تحطيم امكانيات الصمود والخروج من الحصارات الداخلية والحصار الخارجي وبالتالي صار العراق هدفا سهلا للغزو ومن ثم الاحتلال. لقد تخاذلت قوى عديدة من داخل النظام الحاكم امام الهجوم ليئسها من احراز نصر. وتواطئت قوى أكثر مع المحتل أملا في التغيير. فخسر الجميع العراق. وعندما حل الاحتلال وصار واقعا بعد 2003 استغل الامريكيون خبرة البريطانيين بخبث واجرام قلما مر على تجارب الشعوب. فالمقاومة خرجت الى الساحة بتعداد فصائلها وتشتتها وتصارعها احيانا وتراخت الروح الوطنية لدى الكثير من العراقيين وتفاقمت النزاعات وظهرت الى العلن حقيقة المفاسد السياسية والاجتماعية ومررت سلطات الاحتلال دستورا وانتخابات وسلطت اربعة حكومات متتالية جرت الى اللعبة السياسية العديد من المنتظرين على التل حتى يصفوا المشهد لهم.

 

ان الوضع في العراق غداة 30 حزيران2009 باعلان الامريكيين نيتهم الانسحاب من العراق يشبه الربع الاخير من عام 1920 بالنسبة للبريطانيين الذين أيقنوا ان هزيمتهم ستكون منكرة وتاريخية لكنهم عملوا على استباق ذلك من خلال وعود الطاولات الخفية التي رتبت تقاسم المغانم والتراجع عن الطرد النهائي للمحتل البريطاني. فزعماء الثورة تراجعوا عن تحقيق مطالبهم بالانسحاب النهائي للغزاة البريطانيين، وتراخوا عن العمل على اصدار دستور وتنظيم انتخابات وانشاء حكم وطني منتخب بارادة شعبية، وقبلوا الجلوس وتقاسم المصالح مع من التحقوا مبكرا بعجلة الاحتلال وادارته وقبول فرض الملك فيصل ملكا على العراق. لكن ساحة المجتمع العراقي بدأت تتبلور الى طوائف وفئات واحزاب تتهالك على فتات المناصب التي وزعتها الادارة البريطانية للاحتلال. اما الجماهير التائهة وراء لهاث قادتها فقد ركنت الى الاحلام والطاعة. وتكررت نفس أخطاء المرجعيات الشيعية في اغتيال المقاومة او تدجينها، فبعد ان حشرت نفسها في الدعوة الى دستور وبعده انتخابات وتأسيس جمعية وطنية تستلم الحكم من المحتلين كما جاء في بيانات السيستاني وغيره نراهم قد قبلوا التعايش مع المحتل وتركه يضع الدستور ويشكل الحكومة ويكرس الطائفية ويقود الحرب الاهلية وخصوصا بعد حادثة سامراء ثم يفرض اتفاقية امنية تكرس احتلال وحكم العراق لآماد بعيدة.

 

وفي عام 1919 عندما أصدر آية الله العظمى محمد تقي الشيرازي مبادرته السياسية الراديكالية من كربلاء" قبل توليه المرجعية، كان الرجل الثاني في المرجعية الشيعية" داعيا الى تنصيب ملك عربي ورافضا اية تسوية مع الانجليز، في حين كان هناك كاظم اليزدي مرجعا اعلى في النجف، ضعيفا ومهزوزا أمام البريطانيين. وكانت النجف تعيش تحت تأثير تيار المجتهدين من عرب وفرس وهنود [كان هناك، مثلا منهم ثلاثة من كبار المجتهدين هم من اصول هندية خالصة مثل محمود الهندي، ومحمد مهدي الكشميري، وهاشم الهندي، وبعضهم كان لا يزال يحتفظ بالجنسية البريطانية]. وفي ذلك الوقت شهدت النجف وكربلاء ظاهرة غريبة لا تختلف عما نسمعه اليوم من بعض الاصوات ؛ إذ قام سادن الروضة العلوية السيد هادي الرفيعي بجمع تواقيع 21 شخصية من وجهاء المدينة موجهة الى الحاكم البريطاني تطالب بالحكم البريطاني المباشر للعراق كحل أفضل للشيعة من العيش تحت الادارة السنية حسب نص تلك الوثيقة. ان ماكان يطرح من قضية المظلومية عند الشيعة بسبب سياسات الولاة الاتراك لم يعد ما يبررها عندما صار العدو المشترك للمسلمين هو الجيش البريطاني. لقد تواطئت ايران القاجارية على غزو العراق وقبل الشيخ خزعل المساومة والتواطؤ بحماية انابيب النفط البريطانية وتسهيل احتلال البصرة مما عكس ذلك الموقف اخطارا على وحدة العلم الاسلامي وسهل للانجليز احتلال العراق. ومع ذلك الشرخ في العالم الاسلامي بتحالف الشريف حسين مع الانجليز ضد العثمانيين لكن الجماهير بثورة العشرين تجاوزت الخلافات الطائفية وتعاونت مع الضباط الاتراك وعلماء السنة من دون حاجة الى فتاوى. وقبلها بعشر سنوات كانت دعوات السلطان عبد الحميد ومبادراته التصالحية بين السنة والشيعة تجد آذانا صاغية لدى المرجعيات الشيعية العربية ولم تجد صدى لها في الوسط الفارسي؛ بل ان بعض رجال الدين الشيعة من الفرس كان يجاهرون بصداقتهم للانجليز، وبلغ الغلو عندهم ان رفعوا تلك المذكرة والعرائض التي تطالب ببقاء الحكم البريطاني. وعلى العكس منهم انفرد الشيرازي بمبادراته الاحتجاجية الثورية ضد البريطانيين، وكان على خلاف صامت مع المرجع الاعلى آية الله كاظم اليزدي الذي عامله ونظر اليه البريطانيون كصديق. وبالفعل تخاذل اليزدي ولم يدعم المطالب الشعبية في معركتها من اجل الاستقلال بل تهاون وسكت إزاء اعمال القمع والتنكيل والجرائم التي ارتكبها جنود الاحتلال. ولم ينظر العرب اتجاه قيادة الشيرازي بأي موقف رغم انه كان فارسيا وظهر في اعين الشيعة العرب انه قائد صلب ولهذا لم يخب الظن به، فبعد عامين على احتلال بغداد رفع رجال الدين في كربلاء مذكرة تدعو الى تنصيب ملك عربي في العراق تخضع اعماله لإشراف مجلس وطني ونظام سياسي منتخب وهو موقف كان يتعارض مع موقف المرجع الاعلى كاظم اليزدي الذي اتصفت مواقفه بالذعر والتردد والتوجس من تصاعد الروح الثورية لدى العراقيين. لقد تم تحريم المطالب الدستورية ودفعت الاراء تلك الى انشقاق إزاء استفتاء 1919؛ بل تجسد الموقف بظهور تيار شيعي يقوده رجال دين فرس يدعو علنا بالولاء الى الانجليز والابقاء على الحكم البريطاني(من بينهم جعفر بحر العلوم) ووقف معهم ايضا عميد اسرة آل كاشف الغطاء العربية علي بن محمد كاشف الغطاء، وكان واحدا من المجتهدين البارزين الذين يحملون الجنسية الفارسية وله نفوذ قوي في الكاظمية خصوصا، جاهر بموقفه علنا ونادى دون تردد بالولاء للانجليز. لهذا صار الباب مفتوحا على مصراعيه للانجليز واعوانهم من مسألة صياغة الدستور عمليا.

 

ان محاولة السيستاني في المعارضة الشكلية لصياغة بريمر لدستور العراق وموقفه من المقاومة وتقاسم النفوذ والمغانم والسلطات لاتباعه تحت واجهة دستور طائفي وقبولهم المشاركة بجلس الحكم بعمائمهم وعناوينهم وبمباركة المرجعية انما يستردون تقاليد الوفاء للمحتل بل ممارسة الخيانة بذاتها لمصالح الشعب العراقي وحقه بدولة ديمقراطية مستقلة.

 

الاتفاقيات الامنية بدل المعاهدات مع المحتل

تكشفت نوايا الاحتلالين البريطاني في عشرينيات القرن الماضي والامريكي وحليفه البريطانية في العشرية الاولى للالفية الثالثة. وقد كشف الغزو ان الاكتفاء بقواعد جوية واخرى للدعم اللوجستي يدعم بقاء حكومة عميلة يثبت نفوذ الغزاة فكان لابد من اتفاقيات مع عملاء الاحتلال. وقد وقعت الحكومات العراقية المتعاقبة مابين (1922-1948) العديد من لوائح الخضوع وبما ماسمي بالمعاهدات مع بريطانيا. فبريطانيا الغازية للعراق كرست احتلالها شرعيا وقانونيا بما سمي بمعاهدة 1930. قبلها كانت الحكومات المتعاقبة في الفترة الاولى من العشرينيات كحالها اليوم لا تملك من زمام امورها بيدها بل تعتمد في كل شئ على بريطانيا بما فيها المنحة المالية التي تدفع للحكام ومرتباتهم قبل ظهور النفط العراقي سنة 1927. ان اولى النقاط التي ركزت عليها معاهدات بريطانيا مع حكومات الملكية هي قضايا مد انابيب النفط والقواعد الجوية في الحبانية والشعيبة وغرب الفرات. وكما طبل للاتفاقية الامنية باعتبارها طريقا لاستعادة السيادة العراقية والخروج من البند السابع، دعيت معاهدة 1930 بمعاهدة الاستقلال وعلى ضوئها قبل العراق عضوا في عصبة الامم سنة 1932. لكن ذلك لم يمنع من تحكم بريطانيا بكل النفوذ السياسي في العراق مما ادى الى اول انقلاب عسكري حيث اصبح الجيش والقادة العسكريون يسيطرون على بعض النواحي السياسية الداخلية. وخلال فترة التنافس الالماني البريطاني عندما كانت بريطانيا تركز نفسها بواسطة رئيس الوزراء حكمت سليمان كان الالمان قد اختاروا قائد الانقلاب بكر صدقي وبعد هذه الفترة لوحظ ان نوري السعيد قد ادى دورا كبيرا في تركيز تدخل الجيش فاصبحت السلطة مجال زاع بين طرفين وهكذا دشنت الانقلابات العسكرية التي دشنها بكر صدقي وانتهت ذروتها خلال الحرب العالمية الثانية اثناء ثورة رشيد عالي الكيلاني بسبب الاختلاف بتفسير نصوص معاهدة 1930 والتي ادت الى اول حرب عراقية بريطانية انتهت باحتلال بريطاني كامل للعراق كانت الكفة لمن يمتلك القواعد الجوية والطيران والسيطرة على منافذ البحر الجنوبية في الخليج. كانت محاولات الوطنيون وبعض الساسة العراقيون من اجل اجلاء القوات البريطانية مستمرة لم تسفر من شئ في تعديل بنود معاهدة 1930 من خلال ماسمي باتفاقية بورتسموث اين تم التفاوض حول امكانية مشاركة القوات البريطانية مع القوات العراقية في القواعد الجوية الداخلية؛ الا ان هذه الاتفاقية لم تر النور واسقطتها وثبة كانون1948. وبعد انتصار ثورة يوليو المصرية 1952 والتوصل الى اتفاقية الجلاء للقوات البريطانية من مصر شجع الساسة العراقيون على مطلب مماثل عام 1955 بعقد ماسمي الاتفاق الخاص بموجبه تم جلاء القوات البريطانية. لكنه يتضمن بندا يسمح بحق عودة القوات البريطانية الى المنطقة في حالة الحرب او التهديد به لمنطقة الشرق الاوسط.

 

لم ينته الاحتلال والانتداب البريطاني على العراق وكل معاهداته مع الحكومات العميلة الا ببزوغ فجر ثورة 14 تموز 1958 التي انهت والى الابد تبعية العراق وارتهانه للنفوذ البريطاني. خرجت بريطانيا من العراق واحتفظت بجزء منه أي من الكويت مشيخة تحت الحماية البريطانية، ثم منحتها استقلالا، واستخدمته قاعدة لغزو العراق والتدخل في شؤونه الداخلية.

 

بريطانيا لم تكف عن التدخل بشؤون العراق على مدى نصف قرن، عادت بعده الى اعادة احتلال العراق انطلاقا من جزئه المحتل الكويت، وبمشاركة الولايات المتحدة تم احتلال بغداد في 2003 وهاهي تعيد التاريخ لتفرض اتفاقيات امنية بديلا عن تلك الاتفاقيات والمعاهدات الجائرة التي حكمت بها العراق اكثر من 38 سنة من القرن الماضي. واذا قيل لنا ان بريطانيا قد انسحبت من البصرة فاننا نجدها في الكويت تحضر لغزو جديد.

 
 
ملاحظة: للدراسة العديد من الاحالات والمراجع والمصادر العربية والاجنبية
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٢٣ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / تمــوز / ٢٠٠٩ م