جذور مخططات تقسيم العراق في ملفات الاستعمار البريطاني - الامريكي

﴿ الحلقة الثالثة ﴾

 
 

شبكة المنصور

ا.د. عبد الكاظم العبودي
منذ 1918 أصدرت الإدارة البريطانية عددا من القوانين التي وضعت قسما كبيرا من الأراضي الزراعية بأيدي الإقطاعيين وعائلات المدن الارستقراطية وكبار التجار. كما انها صادرت اراضي الشيوخ المعارضين للإنجليز ممن شاركوا في ثورة 1920 ورفضوا الخضوع للانجليز.


 وكما تمت عمليات شراء ذمم بعض الاعيان وأولادهم والشيوخ الذين أضحوا إقطاعا مفروضا على العباد والارض. كما تم شراء بعض من رجال الدين ومرجعياتهم للتواطؤ مع المحتل والركون الى المساومة والتبرير والصمت إزاء جرائم المحتلين.


إحتلال بغداد لا يعني سقوط العراق المقاوم

كانت معارك التقدم على جبهة نهر دجلة مكلفة للبريطانيين، ما بين البصرة الى بغداد وطوال ستة اشهر علمت البريطانيين أيضا ان حكم العراق عسكريا سوف لن يكون سهلا وميسرا.، وقبل وصول البريطانيين الى بغداد، وطدوا قوتهم العسكرية اولا على طول مسار دجلة من البصرة الى سامراء عبر بغداد، ثم واصلوا التقدم الثاني على جبهة الفرات بدء من تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1917 حيث واجهوا خلال تقدمهم مقاومة كبيرة، كانت قواتهم تخسر العديد من الجنود والضباط. وتعرضت معسكراتهم الى الهجومات الشرسة طوال تلك الفترة. كانت قبيلة زوبع وغيرها من القبائل العربية قد رفضت قبول الخضوع التام للسلطات البريطانية حتى بعد سقوط الرمادي في ايلول/سبتمبر من العام 1917، وكذلك الحال ظلت مناطق الفرات الاوسط عصية على المحتلين؛ فلم يتمكن جندي بريطاني واحد أن يضع قدمه جنوب سدة الهندية حتى كانون الاول/ديسمبر من العام 1917.


وحسب تعبير "المس بيل " في مذكراتها أيضا كما وصفت تواجد القوات البريطانية على ضفاف الفرات الثائر : "... كما لم تقع عين القبائل القاطنة في تلك المنطقة على البزة العسكرية البريطانية قط". كما إكتفى الكابتن "غولد سميث"، معاون الحاكم السياسي في الحلة منذ آيار/ماي 1917 بتسيير سلطاته من الحلة، ولم تمتد سلطاته أكثر من ذلك، تاركا لشيوخ العشائر، إضطرارا، الحرية في العمل وفقا لما يروق لهم.


 وظلت مناطق جنوب الديوانية، وضفاف شط الحلة، وجنوب الكفل بعيدة عن الاتصال المباشر مع البريطانيين. وظل هذا الموقف حتى نهاية شهر آب/اوت 1917 مستمرا؛ حتى اضطر البريطانيون لإستخدام الطائرات الحربية البريطانية على حسم الموقف عسكريا عن طريق الجو، واستسلام حامية الديوانية، التي كان يقودها ضابط برتبة ملازم جركسي الأصل، يدعى محمد افندي. توقف القتال معه بعد مفاوضات مع البريطانيين انتهت باسره مع ثلاثين من جنوده. ومن ثم تم ارساله الى الهند.


ولم تنته الاضطرابات في حوض الفرات؛ لان القوات البريطانية لم تضع لها موطأ قدم ثابت بعد هناك، خصوصا ان الوكلاء الجدد لسلطات الاحتلال وجدوا أنفسهم يعيشون صراعات مع آخرين، وواجهوا سخطا وتذمرا مع الشيوخ الآخرين.

 

وكان الانتساب العروبي لهذا الطرف أو ذاك يصطدم بالانتساب الايراني للطرف الاخر ؛ مما كان يثير التمرد والخروج على النظام المطلوب من قبل البريطانيين. وكما انتهت حوادث كربلاء المعروفة حينها، بإنهاء سلطة آل كمونة فيها ونفي الاخوين من ابناء كمونة الى الهند، لكن السلطات البريطانية كانت تحسب توازناتها ايضا، حيث اعادت في الوقت نفسه منصب الكليدارية الى احد افراد الاسرة التي كانت تتمتع به من قبل ممثلا بحميد بن محمد علي كمونة.


ولم تخلوا الاحداث التي عاشتها تلك المدن من لعب بعض الادوار لرجال الدين الشيعة، ووساطاتهم، وتأييدهم، لهذا الطرف أو ذاك، ومنهم السيد محمد كاظم اليزدي في النجف ألذي كثيرا ما كان البعض منهم يلوذ بالأعذار والتبريرات؛ اذا ما طُلب منهم إتخاذ الموقف بالفتوى ضد جواز التعامل مع الانجليز فيكون الرد على شاكلة، ومن مثل القول : "... انه اعتزل عن العلم والافتاء.... وانه لا يمكن ان يبدي أي رأي في شؤون الحكومة..... وانه لا ينوي الإفتاء بالجهاد ضد الطيارات أو السيارات"... الخ من الاعذار التي كانت لا تقنع الجميع.


هؤلاء المشايخ أو العلماء، أو رجال الدين، كما يسمونهم، لا يتوانون من التدخل في شؤون الحكومة أو التسيير؛وخصوصا عندما يتعلق الامر بإسناد منصب "الكليدارية" او إدارة الاوقاف، وهي مناصب معروفة تحمل لأصحابها واتباعهم كنوز وخزائن العتبات المقدسة والاوقاف التي توضع تحت إدارتهم وتسييرهم.


تشير مذكرات الشاعر الكبير الراحل محمد مهدي الجواهري، وهو يكتب عن تلك المرحلة عن بعض تلك النماذج والاشارة الصريحة لهم : (بأن بريطانيا لم تكن ترغب التحرش كثيرا بالنجف، وتأخذ النجف حصتها من الزحف البريطاني والاحتلال المباشر كسائر المدن العراقية؛ طالما أن لها هناك ضمانة متمثلة بوجود عدد من شيوخ النجف المتنفذين المستعدين للتعامل معها من أمثال "الزكرت وخصومهم الشمرت"، المتقاسمين للنفوذ على الاطراف الاربعة لمدينة النجف).


وهؤلاء كانوا مشغولين فيما بينهم بالصراعات على المصالح والمنافع الخاصة لهم ولأسرهم وأتباعهم سواء على مستوى النجف او اطراف من مناطق الفرات الاوسط، وهم الذين كانوا ضامنين للمدينة من أي محاولة التمرد والثورة بوجه المحتلين البريطانيين. وقد تبينت وإنكشفت مختلف الادوار الخسيسة للبعض منهم في مواجهة الشهيد البطل "نجم البقال"، ذلك الثائر الوطني، الذي لم يخف تعصبه للعثمانيين، ولكنه كان يكره البريطانيين، ويسميهم بالكفار.


كان الشهيد نجم البقال، و إثنان معه من المسلحين قد اقتحموا المقر الذي إتخذه الحاكم البريطاني المدعو"الكابتن مارشال" قبل حصار النجف. ومقره كان ما يسمى "خان عطية ابو كلل"، يقع خارج اسوار النجف بأمتار معدودات، أي ضمن المباني الواسعة التي شيدها "عطية ابو كلل" في النجف، وكأنها بنيت لتكون لاحقا مقر الحاكمين الغزاة الجدد.

 
 تمكن الشهيد نجم البقال من قتل الحراس، والحاكم البريطاني؛ مما دفع الكتيبة البريطانية وإضطرها أن تزحف لأول مرة نحو النجف لتطوق سورها، وتضرب حصارا عليها. وهنا تعاون الرتل الخامس النجفي، المتواطئ، مع بعض بيوتات النجف في التحكم بأرزاق الناس، وإخفاء المواد الغذائية، والتجسس على الثوار لصالح عيون ومخابرات الانجليز، كما تم تضييق الخناق على الممرات، والمخارج من وإلى المدينة؛ مما أجبر الثوار على الخروج العلني والمغامرة بحياتهم، فاستعرضوا ببطولة موقفهم العلني من المحتل بكل كرامة وفروسية مضحين بأنفسهم عندما خرجوا عبر الشوارع والأسواق، نعم خرجوا، وهي يلبسون الأكفان إستعدادا للشهادة، لذا تم للمحتل واعوانه من تشخيصهم، وإعتقالهم بعدها واحدا بعد واحد، ثم قدمهم الى محكمة عسكرية ميدانية خاصة لتحكم على ثلة منهم بالاعدام شنقا حتى الموت، والحكم على آخرين بالنفي او السجن.


وقبل إعدامهم كان يجب الضغط على قوات الاحتلال لانقاذ حياتهم جميعا ومن دون مساومة، لكن الحقائق والشهادات تشير ال تدخل وتدافع البعض، من كبار أئمة ورجال الدين في النجف للتوسط لدى الانجليز لإطلاق سراح معارفهم وأقربائهم، وتركوا الآخرين من أمثال نجم البقال ورفاقه يواجهون مصيرهم المحتوم والموت على يد الانجليز.
 وهكذا صعد نجم البقال ورفاقه الابطال على المشانق بكل شجاعة وتحدي في إحدى ساحات الكوفة، وبصعودهما التاريخي كتب العراقيون الاحرار إولى صور البطولة والشهادة في سبيل وطنهم على يد مجرمي الاحتلال الانجليز وتوابعهم الخونة. وهناك كانت وقفة سعد الحاج راضي، شيخ المشراق، وقد شنق الانجليز ولديه أمامه، كان فخورا واقفا وهورافع الرأس بشهادتهم.


وللأسف نسجل هنا، محاولات البعض ممن يزيفون وقائع التأريخ الوطني للعراقيين الشرفاء، عندما نسب البعض لانفسهم، وبعدهم عدد من ابنائهم وأحفادهم، شرف قيادة ما سمي"انتفاضة وحصار النجف 1919 " الذي دامت شهرا وأظهرت بها مقاومة بطولية ضد الانجليز، هؤلاء منتحلي مواقف التاريخ المشرف، يعرفون اليوم حق المعرفة، انهم كانوا وعوائلهم بعيدون كل البعد عن تلك المقاومة الباسلة الأولى في تاريخ العراقيين.

 

كانت دماء نجم البقال ورفاقه ممهدات لاندلاع ثورة العشرين؛ وهي اشد قوة واكثر استمرارا وامتدادا الى المدن العراقية الاخرى. افرزت رجالها بعيدا عن استغلال المستغلين لها. إن أهم درس عن توقف انتفاضة النجف يعلمنا: هو ان التاريخ يكشف في كل مرة، أؤلئك المستثمرين لاحداث التاريخ، لكي يتهافتوا لاحقا على المناصب والمراتب وخلق الزعامات التاريخية على حساب الدماء الغزيرة الطاهرة التي نزفت. كما كشفت لنا الاسماء والبواطن التي ظلت مستترة عن إطلاع شعب العراق في كثير من المراحل الوطنية مدى خسة هؤلاء واستعدادهم للبس الثوب المطلوب منهم على مقاس وتفصيل المستعمرين.  


"علماء الحفيز" من كل المذاهب خدم الانجليز:

هكذا سارع، من يطلق عليهم العراقيون آنذاك، والنجفيون بصورة خاصة، "علماء الحفيز"، (من كلمة أوفيس الانجليزية) أي أؤلئك المعممين الذين كانت تسخرهم السلطة البريطانية لأغراضها الخاصة، وهم من بين رجال وعلماء الدين الى تهنئة التاج البريطاني بالنصر والفتح لبغداد. ورد عليهم ملك بريطانيا، عبر ممثلي سلطات الاحتلال : إنه يريد " انتعاش العراق وسكانه والمحافظة على عتباته المقدسة واستعادة رخائه القديم" الم يحسب العراقيون بالامس القريب، في يوم أسود بعد احتلال بغداد في9 نيسان/أفريل 2003 كم من العمائم البيضاء والسوداء التي ارتضت بالاحتلال الامريكي-البريطاني وسمته "تحريرا" ولهجت بالشكر والدعاء لولي النعمة الجديد بوش. فعلوا ذلك وكرروا نفس الدور، رغم علمهم بما عانته اسرة السيد حسن الصدر والد محمد الصدر الذي اصبح رئيسا للوزراء فيما بعد من تشهير بانها قبضت الاموال من الانجليز لمجرد ان المس بيل قامت بزيارة السيد الصدر الأب في منزله بالكاظمية. لقد ظهرت العمائم على المسرح السياسي العراقي وهي تقبل وجه ورأس بول بريمر وتتسارع بالحفاوة به ومعهم حفنة من " الافندية الجدد" يجلسون في مجالس الملالي ويقبلون اياديهم ويتهافتون الى مقر السيستاني واستشارته في كل كبيرة وصغيرة. هؤلاء الافندية الجدد الذين لقطهم الاحتلال الامريكي ليشكل منهم ادارة وبرلمان وحكومة العراق الجديد.


سارع "السير بيرسي كوكس" الى مصادقة وزيارة السيد النقيب، ليتغير ولاء الطائفة السنية، عبر هذا الموقف من الولاء التركي نحو الولاء البريطاني.


 ومن دون تصريحات علنية، او سياسية، قدم السيد النقيب داره القائمة على ضفة دجلة، التي اعتاد سكنها الى السلطات العسكرية البريطانية، من دون ضغط أو إكراه، متعاونا على رؤوس الأشهاد مع السلطات الجديدة، مبررا ذلك، من أجل حماية ضريح جده الشيخ عبد القادر والحفاظ على قدسية الاماكن التابعة لأهل السنة، وعلى إثر موقف السيد النقيب، تتابع وجهاء بغداد، وشيوخ القبائل المجاورة تباعا لاعلان الولاء للمستعمر الجديد والانتفاع بالفرص الجديدة للحكم.


وبطبيعة الحال، وعلى نفس المنوال، تداعى بعض من وجهاء النجف وكربلاء من اهل الشيعة، أيضا، ليباركوا العهد الجديد، بدء من السيد محمد علي كمونة من كربلاء، والحاج عطية "أبو كلل"، وشيوخ النجف الآخرين، حاصلين على المخصصات والأُعطيات التي اعطتها لهم سلطة الاحتلال الانجليزية، ومعها التخويلات الرسمية، التي تُمكنهم من فرض السلطات لهم ولعوائلهم ولأبنائهم من بعدهم، ولاتباعهم؛ لكي يُسيروا شؤون الملة، ومدنهم بصورة مباشرة بالتعاون مع سلطات الاحتلال الجديدة.


زار بغداد حشد من امثال هؤلاء الاعيان ورجال الدين بمختلف الوان عُقُلهم وطرابيشهم وعمائمهم، لتقديم فروض وآيات الطاعة لبريطانيا العظمى الغازية" المُحررة"، ومنهم لم يزر بغداد قطا في حياته ولكن تقديمواجب الولاء للمحتل وللمندوب السامي توجبه الحج الى سراي الحكومة في القشلة البريطانية.


كانت دار ضيافة حكومة الاحتلال، تعج بهم وهم يستلمون منحا مالية صغيرة، اوكبيرة تبعا لحجوم الولاءات، ومنهم حصلوا على أُعطيات شرفية، ووعودا بالحماية والدعم البريطاني لهم.


حسابات المصالح والغدر بالوطن وأحراره

بعد احتلال بغداد، وبغياب القوة العسكرية البريطانية من الفرات الاوسط خلال الاشهر الثمانية، تمكن الحاج عطية "ابو كلل" أن يسيطر على زملائه في النجف. وسادت صراعات أدت الى الاستنجاد بالمحتل مما أدى إلى تقدم القوة البريطانية للسيطرة المباشرة على النجف. فعين الكابتن بلفور حاكما سياسيا في الشامية، ومن ثم اقترب هذا الضابط من النجف، وسوى بنفسه النزاعات بين شيوخها وبعض أعيانها، كما حاول الضغط على الحاج عطية، وكاظم صبي، مما أدى الى حدوث شغب وتمرد كبيرين حينه اثارها بصورة سرية الحاج عطية ابوكلل حتى هوجمت دائرة الحكومة ثلاث مرات ونهبت من قبل المتجمهرين، التجأ بلفور الى حماية الكليدار السيد عباس الرفيعي القريب من موقع دوائر الحكومة، كما وقعت اضطرابات اخرى مماثلة في الكوفة وابي صخير. ؛ مما اضطر الضابط الكابتن بلفور الى اللجوء الى السيد محمد كاظم اليزدي نفسه، طالبا المعونة. فلبى السيد اليزدي مساعدته واستدعى الحاج عطية وكاظم الصبي للتشاور معهما ومن ثم تم اعفائهما، لتعود المدينة تدريجيا الى الهدوء.


تمت السيطرة البريطانية على الشيوخ والسادة الملاكين، وتعزيزالتشكيلات العشائرية والاجتماعية المطلوبة لتسيير ادارة الاحتلال وضبط الناس من خلال استغلال نفوذ "السادة" وتأثيرهم على القبائل، ومن خلال احتواء الشيوخ الكبار، وجعلهم مسؤولين أو الزامهم عن تصرفات وسلوك قبائلهم مقابل وعود تحسين شؤون الري والزراعة.


وهكذا تمت السيطرة على الحلة والشامية والسماوة تباعا. بعدها اصبحت الامور مؤآتية لكي يضع برسي كوكس قوة عسكرية في حامية الكوفة، ويتوجه بعدها الى النجف ويقابل أغلب شيوخها ؛عدا الحاج عطية، الذي تجنب الحضور، خشية الايقاع به، ولكنه حاول مقابلة الحاكم الملكي البريطاني العام عند زيارة قصيرة له في النجف. وأُفهم من قبل الانجليز: ان عليه التوجه الى بغداد لمقابلته هناك.


ورغم الوعود البريطانية له؛ الا ان الحاج عطية لم يذهب الى بغداد، لعدم ثقته بوعود الانجليز، بل توجه بدلا عن ذلك الى هيت للالتقاء بالاتراك. بعدها ظهر على سطح الاحداث حين فوجئت القوة البريطانية في 12/01/1918 بإطلاق النار على وحدة الخيالة الهندية الواصلة حديثا الى الكوفة، كانت الوحدة تقوم بإجراء بعض التمرينات في السهل المجاور للنجف. ويعزى الى مجموعة الحاج عطية التي كانت مؤلفة من 150 رجلا بأنها المسؤولة عن ذلك الحادث، حيث اطلقت النار من سور البلدة فقتلت جندي بريطاني واحد من الخيالة وجرحت آخر؛ مما دفع وحدة الخيالة في الحال الى الزحف على النجف من دون ان تطلق النار. ثم رافق بعض اعيان البلدة الكابتن بلفور الى الكوفة يوم14/12/1918. بعدها أذعن كاظم الصبي لامر حضوره امام الحاكم السياسي للكوفة، في حين اضطر الحاج عطية الى الفرار نحو مضارب عجمي العائد من هيت في البادية. فرض البريطانيون أتاوة على مدينة النجف بغرامة قوامها 500 بندقية أو ما يقابلها بالنقد في النجف وتم دفعها في اليوم المعين.


حينها كلفت سلطات الاحتلال البريطانية الكابتن مارشال بمهمته في النجف، وهو الملم باللغة الفارسية، وكان من أفضل معاوني الحاكم السياسي في العمل في مدينة الكاظمية لقرابة عشرة أشهر، مكنته من ربط العديد من الصداقات في المدينة وبعض أعيانها ومشائخها الدينية، شفعت له صداقاته تلك لدى الطبقة الدهنية في الكاظمية ان يحمل معه الى النجف توصيات الى بعض البيوتات النجفية توصي بالتعاون والثقة به. في الوقت الذي أصبح فيه الحاج عطية بوكلل مطاردا وخارجا عن القانون ومتواجدا في البادية من دون قوة من الاتباع محاولا الحصول على عفو من الحكومة كما تدعي المس بيل في مذكراتها.


ترك الحاج عطية بو كلل اطفاله الثلاث القصر الذين التحقوا وفروا فجأة والتحقوا بعجمي شبه منفيين وعوملوا من قبل سلطات الاحتلال كوالدهم خارجين على القانون. وفي الوقت الذي انشغل به الضباط البريطانيون باعداد افواج من الشرطة بمساعدة رجال العشائر مقابل رواتب كانت تلك الافواج تأتي من بغداد واخرى من الكوت ومن النجف نفسها باشراف الكابتن مارشال الذي وطد علاقاته مع مجموعة من عوائل التجار وبعض العلماء ومع اتباع السيد محمد كاظم اليزدي من خلال تبني بعض المشاريع الخدمية كتوفير الماء الصالح للشرب، في حينكان بعض صغار السادة والنشطاء المعارضين للاحتلال يتناقلون أخبار سقوط هيت وعانة واستيلاء الفرقة الخامسة عشر التركية على هذه المناطق بالتعاون مع ابناء العشائر العربية.

 

ووصلت المعلومات للبريطانيين عن وجود "لجنة للثورة الاسلامية في النجف" كانت حسب تعبير المس بيل "تسعى الى ان تجعل من النجف مركزا لخلق الاضطرابات بين العشائر وكان هنا مائة او اكثر من رجال الدين متورطين فيها... لكنها لم تكن تضم أناسا ذوي أهمية من الدرجة الاولى.. وكان الرئيس من اسرة بحر العلوم وكان نشطا في الدعوة الى الجهاد الى حين سقوط بغداد".

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الخميس  / ٢٣ رجــــب ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٦ / تمــوز / ٢٠٠٩ م