رؤية عراقية ناقصة

 
 
 

شبكة المنصور

عبد الجبار الجبوري  / كاتب واعلامي
قراءة المشهد السياسي العراق الان مسألة غاية في التعقيد وغاية في ضبابية الرؤية،بل استحالة الوصول الى نقطة التقاء واحدة بين طرفي المعادلة على الارض، ولكي لانضع القاريء في دائرة مغلقة يرى الامور بعين واحدة ونهمل الكوة التي يرى العالم من خلالها ما يجري في العراق ، فالعراق الان مشهد قاتم متقلب تتلاقفه امواج طائفية لا حدود لها تعمل على تجزئة المجزء وتقسيم المقسم على اسس واجندات غير عراقية بنفوذ طاغ على حكومة المالكي ( الهجوم على معسكر اشرف مثالا قريبا ) في حين تنشغل كتل واحزاب وتيارات ومجالس عشائر وتجمعات وطنية بتحالفات لاستحقاقات المرحلة القادمة الاصعب ونقصد انتخابات مجلس النواب .

 

وكل هذه الاصوات التي تدعي الوطنية علنا تمارس الطائفية والتطرف والعنصرية في الخفاء وفي الغرف المغلقة وتعمل بتمويل امريكي - ايراني - صهيوني - عربي وما اشارة المالكي في احدى تصريحاته وتحذيراته التي قال معترفا ( بأن هناك تمويل خارجي يصل الى 20 مليار دولار ) للانتخابات البرلمانية المقبلة ، اذن هناك لعبة دولية لها اطراف تدعم العملية السياسية في العراق ولها اهدافها الواضحة وكل يعمل من زاويته والنتيجة واحدة هي تمزيق العراق - اضعافه - تحجيمه - تخريبه - محو هويته العربية لتعدد الولاءات السياسية للمرحلة المقبلة بعد الانسحاب الامريكي المزعوم وانتشار قواته خارج المدن العراقية والتي سماها رئيس اركان الجيوش الامريكية ( مولن ) ( بالانسحاب الصارم ) ثم ارسل اشارة الى اطراف العملية السياسية هي تحذيرية في الواقع قال ان امريكا عاجزة عن حل مشاكلكم ويمكنكم حلها فيما بينكم وكررها ( غيتس ) وزير الدفاع في زيارته الاخيرة للعراق ، بمعنى ان امريكا لن تبقى تتفرج على خلافاتكم وصراعاتكم الى ما لا نهاية ودعتهم الى مصالحة حقيقية ، لكي تتفرغ لمشكلة جيشها في افغانستان الذي يعاني من سكرات الهزيمة هناك ، فظهرت ( الجزيرة ) لتلقي حجرة في بركة حكومة المالكي الساكنة وتفجر قنبلة من العيار الثقيل بعرضها لقاء خاصا مع الناطق الرسمي بأسم المجلس السياسي للمقاومة العراقية يعلن فيه ان هناك مباحثات مباشرة ومفاوضات سياسية جرت بأشراف دولة محايدة هي ( تركيا ) مع الامريكان تم الاتفاق على مشروع بروتوكول سياسي ودبلوماسي بين المجلس السياسي للمقاومة ومع دبلوماسيين وعسكريين امريكان وتم التوقيع على هذا البروتوكول ، الامر الذي افقد حكومة المالكي ومجلس النواب الصواب ، وطار بعدها المالكي للقاء الرئيس اوباما في واشنطن والذي ابلغه بفحوى المفاوضات واهدافها بعد نفاد صبر ادارته من تباطؤ الحكومة في تحقيق مشروع المصالحة الوطنية ، لتأمين انسحاب امريكي شفاف لقوات الغزو بالعراق ، وهذا يعني ان ادارة اوباما تلعب على حبال متهرئة وتعزف على اوتار مقطوعة بين اطراف الصراع الحقيقي على الارض ، فالمقاومة العراقية لا يمثلها المجلس السياسي وحده ولا تمثلها فصائل الشيخ حارث الضاري او السيد عزة الدوري ، وانما المقاومة العراقية جبهة عريضة طولها ارض العراق شمالا وجنوبا وشرقنا وغربا ، لا يمثلها طرف بعينه ولا قومية بعينها ، المقاومة تمثلها فصائل جهادية مسلحة انهكت قوات الغزو الامريكي وحكومة المالكي معا ، تجيء في مقدمتها فصائل عزة الدوري والشيخ حارث الضاري حيث الاول يقود مقاومة عراقية قوامها ( 35 ) فصيلا مسلحا ، فيما يقود الثاني فصائل جهادية اخرى لها ثقلها على الارض وقد ( خولته ) التحدث بأسمها ،

 

اذن هذان الرجلان هما جناحا المقاومة المسلحة ضد الاحتلال وعملائه ، والمفاوضات لا يمكن ان تحصل بدونهما معا ، وكل حديث عن ( تفاوض ) وبروتوكول ( مع طرف مسلح ) لا يمتلك شرعيته الا من هؤلاء هو محض كذبة يراد من خلالها اختراق المقاومة الحقيقية واضعاف دورها ، وتشتيت قواها الفاعلة وخطابها السياسي ، فلا امريكا جادة في فتح حوار حقيقي مع هذه الاطراف تستطيع الحفاظ على ماء وجهها القبيح وسمعتها التي وصلت الى قاع الانحدار ، ولا حكومة المالكي من الشجاعة وسيادة القرار ان تعلن وتطلب مثل هذا الحوار ، لاخراج العراق من محنته ومصيره المجهول ( بعض اطراف الحكومة سألت لماذا لم يكن الحوار مع الحكومة مباشرة ولماذا يذهب المجلس السياسي للمقاومة للحوار مع امريكا ) ونحن بدورنا ايضا نسأل هذا السؤال ونقول اذا كانت الحكومة جادة وبنوايا عراقية حقيقية لا تخضع لاملاءات جهات معادية للعراق ، لماذا لا تعلن هذا بنفسها ، ولكن اليس من حقنا ان نسأل ايضا للذي يريد ( التفاوض - الحوار ) مع اي جهة مقاومة عليه ان يثبت حسن نواياه اولا بالغاء قرارات ( بريمر سيء الصيت ) ويطبق وثيقة الاصلاح السياسي التي اقرها برلمان المالكي منذ اكثر من عام ، لكي يكون مدخلا لمصالحة حقيقية جادة تنقذ البلاد والعباد من ويلات الاحتلال ونتائجه الكارثية ، ونحن نرى الان وبعد نوايا امريكا واتفاقيتها الامنية مع الحكومة بأنسحاب شامل وكامل في عام ( 2011 ) ( بالرغم من عدم قناعتنا بالانسحاب ) . على الحكومة ان تستثمر هذا الحدث اعلاميا وتطمئن الاطراف كلها ببرنامج سياسي معلن تشرف عليه اطراف دولية محايدة يتفق عليها ، وتضع النقاط على الحروف لتحقيق الهدف المقدس لدى العراقيين بكل اطيافهم وقومياتهم ومذاهبهم هو المصالحة التي تضمن حقوق العراقيين كافة ممن تضرر من النظامين السابق والحالي ، في قضاء عادل مستقل يأخذ كل ذي حق حقه ، بعيدا عن المزايدات والتدخلات الاجنبية والاحقاد السياسية ، هذه هي رؤيتنا للوضع السياسي المتفجر في العراق والذي يشي بصراعات سياسية داخل الكتل المؤتلفة وظهور تيارات وجبهات وكتل اخرى ، قد تطيح بالعملية السياسية برمتها في انتخابات مجلس النواب القادم ، والذي تشير كل الدلائل ان خارطة العراق السياسية سوف تنقلب رأسا على عقب وتطيح برؤوس كبيرة وكتل طائفية كبيرة كما حصل في انتخابات مجالس المحافظات ، لهذا فالحراك السياسي على اشده وايران هي اللاعب الاكبر في توجيه بوصلة هذه الكتل والاحزاب التي تعمل تحت امرة ولاية الفقيه والتي تدير العملية السياسية الحالية ، اذن الكل يأمل وصلا بليلى ... وليلى في العراق مريضة .

 

وما هرولة هذه الكتل السياسية وفي مقدمتها الحزب الاسلامي العراقي الى طهران للتبرك بالمرجعية الايرانية الا فرصة لانقاذ غرقى الاحتلال الامريكي في المستنقع العراقي الذي وضعهم فيه سيدهم بوش ، العراق يسير بأتجاه اخراج الاحزاب والكتل والتيارات الطائفية التي اوصلت البلاد الى هاوية الخراب والفساد الى خارج العملية السياسية في انعطافة تاريخية حاسمة لا يفعلها الا العراقيون ....

 
 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الثلاثاء  / ١٣ شعبــان ١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٠٤ / أب / ٢٠٠٩ م