الصحوات ... في شراك الوهم !

 
 
 

شبكة المنصور

الهادي حامد - تونس
مفردة " الصحوة " مقترنة في الثقافة اليومية البسيطة بمفردات " النوم " و " اليقظة " و "الصباح " و " الليل " ، وهي أزواج متباينة الدلالة وإن كانت تسبح في سياق واحد. من حيث الدلالة الرمزية ، فهي مقترنة بمفردات " الوعي "، " عودة الوعي " ، " الاغتراب " ، " الغفلة " ، " الانقياد "..وهي تتنزل في إطار توصيف الوضع المعرفي الإنساني ، ووضعه الوجودي أيضا في علاقة بعوامل تتهدده و تسعي إلى تحريفه عن مساره الطبيعي. ولا شك أن توظيف هذه المفردة ( الصحوة ) في الخطاب السياسي ، الذي افرزه الاحتلال في مرحلة متقدمة من عمره ، يعبر عن طاقة خبثية خلاقة ،ويستجيب إلى رهان خبثي وشرير : خلط الأوراق ، والاستفادة أقصى مايمكن من هذا الخلط.إرباكا للقوى المقاومة وللفعل المقاوم. وإطالة لأمد الاحتلال...ولكن هيهات..!!..


لنعد إلى البداية ، حيث لم تستطع أمريكا بخبراتها و حجم أحقادها وما تضعه تحت تصرفها مصانع السلاح من السيطرة على الفعل المقاوم المتصاعد ، لم تسعفها أيضا جيوش العملاء من كل مذهب و قومية و عقيدة ولا مكتسبات الجيش الإسرائيلي في دفع مد المقاومة الفلسطينية وانتفاضات الشعب الفلسطيني المتلاحقة ، فوصلت إلى عمق البئر وعلقت بأوحاله.. هنا كان لابد أن تجد مخرجا على أساس تفكيك واختراق المقاومة. وساعدها على اكتشاف الحل الحسابات غير الدقيقة لتنظيم القاعدة و عدم احتكامه إلى الضوابط الأخلاقية للنضال المسلح. حيث أعطى أولوية لدعمه في إنشاء دولة العراق الإسلامية والدفع إلى مبايعة أميرها والدخول تحت لوائها بالقوة. مما أدى إلى حدوث مناوشات بينه والفصائل الأخرى،وإثارة حفيظة العشائر العراقية التي خسرت بعض أبنائها كضحايا لنزوات القاعديين. هذا الخطأ المتهور هو على وجه التحديد ماسمح بنجاح التكتيك الأمريكي واني أؤكد أن ظاهرة الصحوة تمظهر طبيعي له، حتى ليجوز القول بان تنظيم القاعدة هو من شكل الصحوات ولكن بتوسط الطرف الأمريكي ، دون أن يكون على بينة بهذا التطور المحتمل والذي كان عليه أن يتحسب له.


المخابرات الأمريكية كانت مهوسة بمطلب فرملة الفعل المقاوم بأي شكل ، ولما لاحظت الخلل الذي اشرنا إليه في أداء القاعديين هرعت إلى قطف الثمرة . فاتصلت بزعماء العشائر وحرضتهم على تنظيم القاعدة ووعدتهم بالسلاح والجرايات. فكان لها ماارادت. ومع الأسف، ينزل بوش على عجل ويجتمع برأسهم ويلتقط الزعيمان الصور في بهجة لا توصف. وكان ذلك كافيا لإعلان الظاهرة رسميا واعتمادها لا في محاربة تنظيم القاعدة بل في محاربة المقاومة المسلحة بجميع فصائلها.


ماكان على العشائر العراقية ، في الانبار وفي غيرها ، أن تقدم هذه الخدمة للقوات الأمريكية. إذ كان بإمكانهم انجاز نوع من التسوية مع أعدائهم ( القاعديين) وتفويت الفرصة على الاحتلال فيما يتعلق بالاختراق الذي لم يكن يحلم به. فهم ( الصحوات) لم يكتفوا بالقوادة على المجاهدين بل سارعوا إلى الوقوع في ممارسات لم نعهدها إلا من قطعان الصدريين و فيلق الغدر والجواسيس الصهاينة وعملاؤهم. القتل والسحل والاغتصاب و النهب.....


ورضوا بان يكونوا ذيولا للسلطة المجرمة وطابورا أولا للمحتل ، رضوا بان يعملوا لصالح هياكل دولة الاحتلال ، هياكل يديرها مجرمون ومنتحليي الهوية العراقية كالهادي العامري ، قائد فيلق غدر ورئيس لجنة الدفاع في البرلمان ، عصبة النهب والسرقة والجريمة. وموفق الربيعي ، المستشار للأمن القومي ، والعميل المزدوج، و إن كنا نراه اليوم ضحية لعبة صراع القوى العميلة على السلطة في الظاهر واليد الأمريكية التي تحرك القطع على الرقعة. ذلك الحكيم المعوج من الساقين إلى الرقبة!... رضوا بان يصطفوا في القواعد الأمريكي لنيل بضع دولارات لقاء القوادة والعمالة ، وهي الصفة الصريحة التي يشي بها المشهد.


تسمية " الصحوة " استدعاء إلى نجاح الظاهرة. إلى من كان ضد الاحتلال عليه أن يصحى ، ويعلن توبته. فمساندة المحتل أفضل من مساندة القاعدة ومن أن يكون ضحيتها. أما من تمسك بالجهاد لتحرير بلاده ، سواء أكان من القاعدة أو ضدها، فهو لا يزال في غيه. ومن المشروع اقتحام بيته وترويع أسرته والعبث بشرفه!..لا شيء حفز على هذه اليقظة المفاجأة إلا الدولار و الجاه الذي يمن بهما المحتل. لان الأسباب الموضوعية التي اشرنا إليها لا تبرر الخيانة والغدر.


ثمة تقدير لايمكننا إغفاله وهو أن قادة الصحوات ، من الباحثين عن الجاه و ركوب الهامرات ظنوا أن أمريكا ستجعلهم قادة العراق ضمن مشروع تغيير الراكبين وطاقم العملاء . ظنوا أنهم سيصبحون حكام العراق الجدد بعد أن يفشل أصحاب العمائم. لكنهم لم يضعوا في حساباتهم العامل الفارسي و مستوى التنسيق الميداني العالي بينه و المحتل الأمريكي ، وهو عامل لا ينظر إلى الأمور إلا من زاوية الطائفية والحقد الفارسي اللعين ، ومن منطلق حلمه الإمبراطوري الذي وفر له سقوط العراق اللحظة الجدلية الدافعة إلى حيز الإمكان. هذا فضلا عن كون أمريكا نفسها لا يمكن أن تثق في الانباريين خصوصا مهما كان ولاؤهم شديدا وأداؤهم مطمئنا.ولن تجازف بتسليم العراق لهم بالنظر إلى الدور الذي لعبوه في بناء العراق وجيشه الباسل وان كان العراق العظيم صعد المجد بتضحيات كل أبنائه ، من جميع المذاهب والطوائف والأعراق.إن أمريكا تريد أن يظل في الحكم من ساهم في تحطيم البلد أكثر ، من قتل وشرد وخرب وهتك وسفك و نهب و تخابر و اشترى وباع أكثر.الجميع في امتحان العمالة بالنسبة لها ، ومن يؤديها أفضل يكون هو الأجدر بالحكم. أما حكاية الانتخابات والصندوق...فهي كاريكاتور وعار يندى له الجبين ..لعبة استعراضية لا تستهوي إلا فاقدي الضمير والشرف.


فمن انتخب بريمر ليحكم العراق..؟؟..ومن قبله الجنرال قارنر...ومن بعده خليل زاده..ثم الجنرال كروكر...؟؟..هؤلاء " العراقيين " من انتخبهم...؟؟؟


هل قرر الشعب بقاء المحتل ليكفكف دموعه ويوزع على أفراده قلال العسل والسمن..؟؟..من قرر هذا..؟؟..برلمان النهب..؟؟..من مكن الجهلة بشهائد مزورة من التموقع في الأعلى..؟؟..الصندوق.. ؟؟.. ماراينا في العراق إلا صناديق الأموات في طريقها إلى المقابر .. وصناديق أخرى محشوة بالدولارات في طريقها إلى خارج العراق( عوائد الدعارة في كربلاء ).


إن قادة الصحوات وقعوا في شراك المحتل وخابت رجاءاتهم وأحلامهم. فلا هم محل ثقة من يعملون لصالحه ولا هم مرحب بهم من حكومة البرتقالة ، فتجدهم بوقارهم الزائف تحت حيطان المنطقة الحمراء يحملقون في الهامرات وفي وجوه الجنرالات كالسبايا. أما آن لهم أن يصحوا..؟؟..الم يجربوا الصحوة الأولى ذات البصمة الأمريكية..؟؟..آلا يستيقظون من السبات ...؟؟آلا يكفيهم احتقارا و ذلا واستعبادا..؟؟..


الباب مفتوحا للصحوات ، أفرادا و مجموعات ، للعودة إلى شعبهم المقاوم قبل فوات الأوان ، والقصاص من أعدائه وممن نصبوا عليهم وغدروا بهم. ساحة الجهاد مفتوحة للجميع.عنوان العدو معروف أيضا،ولا يقتضي التصويب نحوه أمرا من أحد. الفعل المقاوم ذو أشكال وصيغ .وصدر المقاومة لا شك يتسع للتائبين وللصاحين ، للذين قالوا ربنا الله ، وأنصتوا للتوجيه الرباني نحو الدفاع عن حياض الوطن والشرف والإيمان.على الصحوات أن تصحى وان تنظمّ إلى صحوة شعبها الكبرى ، الصحوة التي ابتدأت يوم التاسع من نيسان ولا تزال في تصاعد مستمر، ضد الغزاة ومن والاهم ومن يسندهم من الميليشيات و الجواسيس و العمائم العفنة...أدعو أيضا إلى صحوة عربية شعبية ، تصحو من التباكي على القائد صدام وعلى مالحق من خراب بالعراق ، فالمتطوعين العرب خلال أيام الغزو الأولى ظاهرة نبيلة وتاريخية مشرفة لا شك يعتز بها إخوتكم العراقيين، ولكن نريد من شعبنا العربي الاسترسال في العطاء ، خصوصا في ظل وجود هيكلة تنظيمية جيدة للمقاومة وقيادات متمرسة وحكيمة وصبورة وتعرف كيف تتحكم في معطيات الميدان. أدعو إلى صحوة الأنظمة العربية، وان لا تتركنا بلا ظهير في مواجهة قوى الجهل والشر والرذيلة ، وان تؤمن بوحدة المصير العربي وبوحدة المعركة ، ولاباس إذا قدّرت عطاءات القيادة الشرعية و خدمتها بدون حساب لامتها في كل مكان وعلى أكثر من صعيد، وخجلت من غفوتها وحياديتها أو إسناد بعضها للعدو.

 

واذكرها هنا ، كمافي نصوص سابقة ، بان لاتعلق أنظمتنا الآمال على أمريكا كي تفرمل الطموح الفارسي نحو استعادة المجد الإمبراطوري القديم . فليس من سبيل إلى حماية العرب من هكذا حلم مجنون وغادر ومجرد من القيم إلا بالرهان على المقاومة العراقية. والأجهزة العربية تعرف كيف تصل إلى قياداتها وتعرف المطلوب منها على وجه التحديد. وأقول في الأخير ، أن التاريخ لا يرحم. سيذكر صمت الصامتين وثورة الثائرين و خذلان المتآمرين. فهلم إلى المجد، ياامة الأمجاد!... ولقد وعد الله المجاهدين بالنصر وهو لا يخلف وعده.

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ١٤ جمادي الاولى١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ١٠ / أيــــــار / ٢٠٠٩ م