إلى طارق الحميد في جريدة الشرق الأوسط ...

 

 

شبكة المنصور

صلاح أحمد
قرأت مقالك الأخير الذي كتبته على خلفية رد فعلك إزاء خطاب المجاهد عزة إبراهيم الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في الذكرى السنوية لتأسيس الحزب ،وأود هنا أن أورد جملة من الملاحظات ،وهي ليست بصيغة رد الفعل المباشر على ما تضمنه مقالك ،لأن مقالات من هم على هيئة فكرك وفلسفتك أضحت أسطوانة تطرب أصحابها ممن يدينون بعقيدة الواقعية  التي تؤسس لمنهجية مطاطة تستوعب كل المتغيرات والمعطيات وتتعامل معها وفقا للمصلحة المجردة و الآنية ،وعلى أية حال ،أعرض ملاحظاتي وفقا لما يلي :


1-  ذكرت في مقالك ،موضوع المراجعة لأخطاء تجربة البعث في العراق ومن يتحمل مسؤوليتها ،ويبدو أنك وآخرين معك ،وجدتم في  فكرة الضرب المتواتر على هذا الموضوع فرصة لحجب كامل تفاصيل التجربة واختزالها في جزيئات الأخطاء ،على الرغم من أننا جميعا نقر بوجود أخطاء ،ولكن ليس وفقا لطريقتكم في التعاطي معها ،فالأخطاء  ببساطة شديدة نتاج طبيعي غير حتمي لأي عمل أو تجربة ،إذا كان هذا العمل المحدد أو التجربة الشاملة ينطلقان من نوايا صحيحة،وهذا شأن كل التجارب الإنسانية ،قديمها وحديثها ،وحتى الإنسان وعلى صعيد التجربة الشخصية ، لن تغادره حقيقة تعرضه للخطأ انطلاقا من كونه إنسان . ويبقى السؤال ، هل كانت الأخطاء تمثل الحقيقة المطلقة التي طبعت هذه التجربة !؟ وهل يعقل أن يجري على تفكير بعض المثقفين مثل هذه الفرضية ،وهم من يجب أن يبصرون بعقولهم وينطقون بقلوبهم التي ينبغي أن تكون سليمة !؟ وأنت تعلم بأن هذه التجربة هي صفحة طويلة في تاريخنا المعاصر المنظور ، وليست مدونة أو مروية ،ولذلك  فأنت وغيرك يجب أن لا تغامروا  بان تسقطوا  ما لديكم من مصداقية وموضوعية من خلال نسف كل المظاهر القيمية والإيجابية والإنجازات الحضارية لهذه التجربة الكبيرة والعملاقة ،وتكونوا كمن يغمض أحدى عينيه ليتعمد في حجب مساحة كبيرة من الحقيقة التي تقتضي الأمانة أن يعبر عنها على نحو شامل ومتكامل ،كما ينبغي أن لا يطلق العنان  للأهواء والمشاعر  لتحرك الأفكار والآراء بغير وجهتها الصحيحة .


2-  أذا كنت تتحدث عن البعث بصيغة الزمن الفائت نظرا لسقوط نظامه في العراق على أيدي المغول الجدد من أمريكان وصهاينة وصفويين ،وبحسب زعم بعض الذين يؤرخون لطوي صفحته استنادا إلى ذلك ، فأنا أرى أن تعيد النظر مرة أخرى إلى الواقع انطلاقا من كونك على ما أرى ، واقعي التفكير والممارسة ،فالبعث لم يأفل نجمه ،وشمسه لم تزل تبزغ وتشرق و تجدد إطلالتها على عالمها ومحيطها ،وألا ،بماذا تفسر هذه المساحة الكبيرة والمباركة من التنظيمات الحزبية في شقيها السياسي والمقاوم!؟ وأنا أشك بأنك تجهل هذه الحقيقة ،ولكنك يبدو ممن تستهويهم فكرة القفز فوق الحقائق والخوض في غيرها ،خصوصا وأنك بلا شك تعلم بان من تدافع عن فلسفتهم وأهدافهم ومنهجهم من الأمريكان وغلمانهم مما يسمى بمعسكر المعتدلين استسلموا بالاعتراف لهذه الحقيقة ،وهم من يلهثون و يحاولون جاهدين أن يستدرجوا البعث للدخول إلى ساحة خيانتهم وعمالتهم وغدرهم تحت شعارات ويافطات كاذبة ،وهم بذلك لم يتكلموا عن أشباح أو عن  تشكيلات افتراضية . أذن البعث وبفضل الله سبحانه وتعالى لا يزال حاضر بكامل فعله الفكري والجهادي والتنظيمي ويملك كل أرادته وأدواته ويتصرف وفقا لمنهجه و تقديراته ،وهو من يقرر الحاجة والتوقيت لأجراء  المراجعة والتقويم لمسيرته على أسس علمية وموضوعية ومن خلال الصيغ التنظيمية والدستورية للحزب وبالاعتماد على مفكريه ومثقفيه في الاختصاصات المختلفة ، وليس استجابة لأملاءات الآخرين من المتربصين والحاقدين .


3-  إن عليك أن لا تبخس البعث عندما تختزله في أشخاص ،على الرغم من أن هؤلاء رموز ونتاج لما تمخضت عنه الأمة في عصرها الراهن ،وأنت تعلم بأن في كل عصر لابد وأن يكون هناك رمز أو مجموعة رموز يتصدروا في نموذجهم البنيوي والنضالي مسيرة  الأمة ،وليس صحيحا ما ذهبت إليه من أن الأمين العام للحزب يحاول أن يتنصل من المسؤولية إزاء كل ما تمخض عن  تجربة البعث بالعراق ويحاول إلصاقها بالرئيس القائد الشهيد صدام حسين رحمه الله  ،لأن هذه التجربة كانت ولا تزال مدعاة للفخر والاعتزاز ولن يتنكر لها إلا جاحد وقاصر النظر ،وليس من البعثيين الصميميين من ينطبق عليهم أوصاف كهذه ،كما أن الجميع يعلم عمق وصدق العلاقة التي جمعت المجاهد عزة إبراهيم بالرئيس الشهيد رمز الأمة التاريخي صدام حسين رحمه الله ،هذا فضلا عن أن ما رافق التجربة هو أخطاء اجتهادية تستوجب المراجعة والتقويم وليست خطايا  تدعو إلى الخجل منها أو الانسحاب بعيدا عنها .وهذه الأخطاء التي يسعى البعض إلى تعظيمها بغير حق ،وتجري المحاولات  لإظهارها بطريقة تُحجب دونها رؤية المساحة الكاملة للتجربة البعثية في العراق بكل ما اشتملت عليه فضائل وانجازات ،هذه الأخطاء ،و بحسابات زمن التجربة وتفاصيلها وتحدياتها لا يمكن أن تكون سببا عادلا ومنصفا وموضوعيا لتحقيق هذا الكم من الاختزالات لهذه التجربة العظيمة .

  
4-  أن البعث لا يضم في جنباته من ينطبق عليه صفة (الغباء ) التي تعمدت أطلاقها من دون تمحيص علمي أو حتى أخلاقي ،وربما يفسر ذلك بكونه  انعكاس لما تضمره بعض النفوس من أحقاد وأضغان لهذا الحزب الذي لا يملكون أن ينالوا منه ،لذلك تتنفس لديهم هذه المشاعر المريضة على هيئة قذف وتشهير وإطلاق نعوت وأوصاف غير سوية ،فأين هذه الأوصاف من البعث الذي تجده واقفا شامخا  بذات هيبته على الرغم مما تعرض له من ضربات على يد أعتى قوى العالم ، مستندا على أيمانه الراسخ وثقته العميقة   بصواب فكره و منهجه المؤسس على رؤى مبدئية وحكيمة و إرادة صلبة في التعبير عنهما ،وأنا أستغرب من أنك ومن هم  على منهجك ، لم تدركوا تلك الحقيقة البسيطة في ظاهرها والعميقة في دلالاتها ومعانيها ،حقيقة السعي المحموم والمتواصل للمنظومات الصهيوأنكلوصفوأمريكية للنيل من البعث وتجربته الخالدة في العراق والتي تعاظمت على طول الفترة الممتدة من عام 1991 ولغاية 2003 ،ثلاثة عشر سنين عجاف من التآمر والعدوان والحصار تداعت له الولايات المتحدة الأمريكية بشراكة دولية وإقليمية في محاولة قهره والقضاء عليه ،هذه القوى التي توصف بأنها عظيمة، لم تكن  فرق كرة قدم شعبية ،فهل حقا  كانت هذه القوى و بهذا المقاس الكبير من الإمكانيات والتحالفات وما استغرقته من زمن تلعب مع فريق يوصف أعضاءه بالأغبياء. وماذا كانت النتيجة ،احتلال العراق في 9/4/2003 ،لتبدأ على التو صفحة القهر الثانية لأمريكا وحلفاؤها على يد المقاومة العراقية التي يشكل البعثيين جل قوامها ،وهم الذين تكامل جهدهم وجهادهم مع القوى الوطنية والإسلامية المنتظمة في مسار مشروع تحرير العراق .


أنا قرأت مقالك هذا،وبعض من مقالاتك الأخرى ،وقرأت أيضا التعليقات التي وردت في أسفل صفحة الويب ،ويبدو أنك ركنت وراهنت على أراء أصحاب هذه التعليقات التي جاءت متفقة مع ما ذهبت إليه من أراء ،وهو أمر لا ضير فيه ،خصوصا وأن معظمهم يتكرر في التعليق على مقالاتك ،بمعنى أنهم منتظمين في متابعة وتأييد ما يصدر عنك من مقالات ،ولكن يجب أن تعلم ،وأظنك تعلم ،بأن هناك الآلاف  وحتى الملايين خارج هذه المجموعة من لهم أراء أخرى تستند إلى الثوابت الوطنية والقومية والإسلامية ولا تخضع إلى التأثير العولمي الصهيو أمريكي  ونظيره التأثير الصفوي الشعوبي .وعلى أية حال فأن تجربة البعث ،تجربة إنسانية حضارية قامت على أسس وطنية وقومية وإسلامية ونزعت نحو نموذج عربي أنساني صحيح ،وهي لم تهبط من السماء ،فالبعث قوامه من البشر وهاجسه تحري الصواب ،وهو لم يصنع خطأ ولم يتعافى من بعضه ،وخير ما فيه، أنه يجدد نفسه ويصّوب مسيرته ويحرص على تنزيهها من الأخطاء والأدران التي لن تبرح ملازمة التجارب الإنسانية، ويبقى المهم هو إدراكها ومعالجتها بالاعتماد على الصيغ القانونية والدستورية للحزب . 

 
 
كيفية طباعة المقال
 
 

شبكة المنصور

الاحد / ٣٠ ربيع الثاني١٤٣٠ هـ

***

 الموافق ٢٦ / نـيســان / ٢٠٠٩ م